مسرحية قصيرة جدا: غليون-محمد شعيب /مصر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مسرح

مسرحية قصيرة جدا: غليون

  محمد شعيب    

مقهى عتيق .. مقاعد ومناضد مبعثرة فى أنحاء المكان .. مرايا باهتة من أثر الدخان تتشبث بحوائط لا يستطع ناظرها تمييز ألوانها.
جلس فى أحد أركان المقهى وقد إرتسم الشرود هالات مظلمة حول عينيه الثاقبتين.
أشخاص كثيرون يجلسون على مقربة منه يلعبون الورق .. تصدر منهم حركات تدل على صياحهم ومرحهم فالصمت يعم المكان ـ أو كذلك هو يتخيل فقد إنزوى فى عالم أخر ـ

هو    :     (محدثا نفسه) مافهمتنيش
صوت إمرأة    :     أفهمك؟
هو    :     أيوة
صوت إمرأة    :     إنت أصلا مش فاهم نفسك
هو    :     ما حاولتيش تفهمينى
صوت إمرأة    :     لو كنت إنت حاولت تفهم نفسك
هو    :     نحاول
صوت إمرأة    :    مابقاش ينفع
هو    :     (منفعلا) ليه
        (لاعبو الورق يتركون اللعب ويتأملونه فى دهشة)
صوت إمرأة    :     أنا مسافرة
        ـ يسمع صوت طائرة ـ
        يقف .. ينظر إلى السقف محركا يديه لأعلى فى عصبية وكأنه يحاول إيقاف الطائرة.
لاعبو الورق يضحكون فى تمايل وهم يتابعونه.
يدخل رجل أشيب ـ فى الستينات ـ نلمح منه الأناقة والوقار، يرتدى معطف قصير، ومتلفحا بكوفية حول رقبته. يجلس على مقعد بجواره، يتأمله فى إستغراب وهو يصارع الطائرة، يخرج من جيبه غليون من النوع الإنجليزى الفاخر ويبدأ فى إشعاله.
يجلس فى إعياء وكأنه تعب من مصارعة الهواء، يخترق نظره التليفزيون المعلق فى إحدى الحوائط.
ـ لا يسمع صوت للتليفزيون فالصمت مازال سيد المكان ـ
يدخل النادل ويضع أمامه على المنضدة كوبا من الشاى فيتطاير منه البخار بكثافة، يتحدث مع الرجل فى حوار صامت ثم ينصرف.
يمسك الكوب ويرتشف منه رشفة طويلة فينتبه لسخونته ويضعه على المنضدة. يلتفت إلى الرجل الجالس بجواره فيبتسم له الرجل فى رقة. يستنشق دخان الغليون الذى غزى أنفه، يغمض عينيه للحظات ثم ينظر للرجل
هو    :     ريحته حلوة
الرجل    :     عجبك؟
هو    :     فى الغالب مابحبش ريحة الدخان .. بس الريحة دى فعلا شدتنى
الرجل    :     (مستنكرا) كلهم واحد .. مصيبة وإتقسمت
هو    :     عاوز تبطله
الرجل    :     باشربه من سبعة وتلاتين سنة .. بس خلاص (يشرد) مابقتش أحس له أى ريحة أو طعم (يتنهد) بانفخ فيه ألمى .. ومش هو بس .. بقالى خمس سنين مش حاسس بطعم لأى حاجة .. إبنى الوحيد .. عمر بحاله وأنا باتمنى إنه يتجوز ويكون له أولاد
هو    :     (منتبها) وإيه إللى حصل؟
الرجل    :     إللى حصل؟ .. (يبتسم) إتجوز .. وسافر مع مراته .. حتى ولاده ماشفتهمش (يأخذ نفس ثم يخرجه ببطئ) .. عرفت ليه باشربه؟
هو    :     (يهز رأسه شاردا) .. عرفت .. تعرف .. أنا زمان كنت باشرب سجاير بس بطلتها .. قالتلى لازم تحافظ على كل قرش عشان مستقبلنا ...
يدور حوار صامت بينهما .. يبدأ فى شرب الشاى فى إستمتاع وقد إندمج فى حديثه مع الرجل.
لاعبو الورق مندمجين فى لعبهم ومرحهم.
ـ أصوات لا عبو الورق بدأت تعلو تدريجيا ـ
ـ والله إنت بتغش
ـ أنا؟
ـ أمال أنا
ـ ده بس من خيبتك
ـ خليكوا شاهدين
ـ لا لا مش من خيبته
ـ ده من نحسه
ـ تعلو ضحكاتهم وتمتزج مع صوت أغنية من التليفزيون ـ
يدخل النادل حاملا فنجان قهوة وكوب ماء ويضعهم أمام الرجل، ثم يقترب من لاعبو الورق ويتحدث معهم.
النادل    :     (يرفع صوته) شاى طيارة سكر بوسطة
ـ ستار ـ



 
  محمد شعيب /مصر (2010-05-27)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مسرحية قصيرة جدا: غليون-محمد شعيب /مصر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia