النص الكامل لتقديم لكتاب (مراكش: أسرار معلنة)-خوان غويتيصولو (ترجمة: عبد القادر هجام)(المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

النص الكامل لتقديم لكتاب
(مراكش: أسرار معلنة)

  خوان غويتيصولو    

طالما وُصِفت مراكش من قِبل زوارها الأجانب أكثر مما وصفت من قبل أبنائها. قد يبدو الأمر غريباً، لكنه ليس كذلك. إن الزائر المرهَف )الذي تجود به الأقدار أحياناً (!لَـيُقْبل على النّص-الطّرس الذي تُشكله المدينة بما يصحب الرؤيةَ والنظرة البكر من جدّة وغضاضة: إنه، رغم إنصاته لأصوات المدينة، دونما فهمٍ مثلما حدث لإلياس كانيتي، يلتقط الـتمَـيّز المراكشي والفضاء السرّي لهذه الحاضرة الفريدة كمن يجسّ نبضاً دائم الخفقان.
لا حاجة للمراكشيين إلى وصف مدينتهم بحكم اعتيادهم عليها وتعرّفهم اليومي على قسماتها. ينبغي لهم اختراق رتابة اليومي إذن ليرسموا صورتها المُتشابكةَ الخطوط، الطافرةَ من حال إلى حال، بعيداً عن الأحكام الجاهزة للسائح المبتذل القادم من مجتمعاتنا الاستهلاكية البلهاء. ينبغي ذلك الاختراق للتعبير عن تَجَسم أصوات المدينة وتَعدد نواميسها، وللإحاطة أيضاً بتلك الحيوية الشرسة والزاخرة التي تباغت المسافر متى وطئت قدماه تراب الحمراء، مدينة الرجالات السبع الذين يدرؤون عنها) إلى أيّ أمدٍ؟( أخطار حداثة منفلتة تتهدّدها.

"كيف السبيل إلى وصف ما أحدثه الفضاء؟" بهذا السؤال واجهني، منذ ثلاثين عاماً، ذلك العالمَ الصغير المدهش الذي يُحيلنا كلُّ حجر وكل شخص، بين ظهرانيه، على ماض يجترحه الخيال... على هذا السؤال يُجيبنا النص البالغ الجمال »مراكش: أسرار معلنة« لياسين عدنان وسعد سرحان. من خلال كلمات المؤلفَين تتحول حياة المدينة إلى نوع من الممارسة المشتركة للكتابة، وإلى فضاءٍ يمور بالجلبة والأصوات، وملكوتٍ لللااحتمال حيث نجد من الحقيقة ما يعادلها من الاختلاق. وإذ يتساءل السائر المتجول: "كيف نفتتح المدينة؟ وأي خريطة خرساء تستطيع أن تضم هذي الدروب وهذي الأزقة، هذي الساحات وهذي الأسواق التي تصرخ بكل ما أوتيت من أصوات الحياة؟". يجيب صاحبا الكتاب بعبارات دقيقة تتواشج قصيداً ينقل جهراً حكايا المدينة وأساطيرَها، وكذا الهيجان السديمي لأزقةٍ مَتاهيةِ الامتداد، حيث "تكاد بوصلة الوقت تُجنّ ويكاد موشورُها يَعشى".

لقد شعرْتُ بمتعة أكيدة وأنا أتصفح هذا الكتاب–القصيدة، المليء بمفاجآتٍ وفخاخٍ نصبها ياسين عدنان وسعد سرحان ضدّاً على ما تُرهقنا به كلّ الدلائل السياحية من صور مسكوكة ومُسَلمات.
"مراكش ليست مدينة للكتابة، إنها مدينة للحكي. ومن أراد أن يحكي المدينة، فليتزوّد من غريبِ مكتبتها [...] الأزقةُ الردهاتُ، والدكاكينُ الرفوفُ".
لقد توصل الشاعران، بطريقتهما الخاصة، إلى ما استخلصه الكاتب الكبير والتر بنيامين، بخصوص الممرات الباريسية المسقوفة التي احتفى بها شارل بودلير: "إن تيه المرء داخل مدينة، مثل تيهه داخل غابة، يتطلب تربية معينة".
فهنيئاً لهما! إذ هاهي مراكش تستسلم أخيراً للحكي عبر صوتيهما.



  خوان غويتيصولو
ترجمة: عبد القادر هجام
  خوان غويتيصولو (ترجمة: عبد القادر هجام)(المغرب) (2008-05-01)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

النص الكامل لتقديم لكتاب
(مراكش: أسرار معلنة)-خوان غويتيصولو (ترجمة: عبد القادر هجام)(المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia