فى رواية " ليلة عرس " ............. ليوسف أبورية . " الأ بكم بين مخالب الحرمان وانياب المؤامرة .-محمد عبد الحميد سلامه / باحث اكاديمى من مصر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

فى رواية " ليلة عرس " ............. ليوسف أبورية .
" الأ بكم بين مخالب الحرمان وانياب المؤامرة .

  يوسف أبورية    

ينتمى يوسف أبورية ( 12 يناير 1955 م – 13 يناير 2009م ) حسب تصنيفات النقاد الى جيل السبعينات فى الكتابه المصرية، وهو الجيل المظلوم الذى جاء بين جيل الستينات الذى أحدث نقلة فى الكتابة الروائية والقصصية، وبين جيل التسعينات صاحب المفترق الآخر . وقد اعتبر النقاد إجمالا بأن كتاب مابعد حرب أكتوبر والانفتاح الاقتصادى هم امتداد طبيعى لجيل الستينيات على مستوى اللغة وتقنيات الكتابة ورغم هذا الموقع الصعب . استطاع يوسف أبورية أن يجد لنفسه مكانًا متميزًا فى الرواية العربية عبر سبع مجموعات قصصية ( الضحى العالى 1985م ، عكس الريح 1987م ، وش الفجر 1993م ، ترنيمة الدار 1995م ، طلل النار 1997م ، شتاء العرى 2003م ، الريفى  ، وسبع روايات ( عطش الصبار 1998 ، تل الهوى 1999م ، الجزيرة البيضاء 2000م ، ليلة عرس 2002م، عاشق الحى 2005 ، ليالى البانجو 2009م ) .
وقد انشغل أبو رية فى معظم أعمالة بتجسيد عالم القرية المصرية وتوظيف الحكاية الخرافية والأسطورية والتراث الشعبى والعربى والفرعونى أحياناً ساعيا إلى مواجهة الحاضر بالماضى والحدسى بالحسي والواقعى بالخيالى والاسطورى .
 وهكذا استطاع أن يحصل على جائزة نجيب محفوظ فى الابداع الروائى لعام 2005م عن روايتة " ليلة عرس "  التى صدرت طبعتها الأولى عن سلسلة روايات الهلال نوفمبر 2002م ،وتوالت بعد ذلك طبعاتها الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003م ،مكتبة مدبولى 2005م ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 2008م ، وحصول الرواية على جائزة ، وتوالى طبعها أكثر من مره يؤكد أهمية العمل الجيد للرواية .
تقع الرواية  فى مائة وسبع وأربعون صفحة من القطع المتوسط والخط العادى فى جزأين " الإعداد للعرس " فى واحد وتسعون صفحة وفى ستة فصول ، وقد جاء أسلوبها السردى كالتالى : الأول هو : ضمير الغائب / حودة، الثانى : هو ضمير الغائب / المعلم عثمان  الثالث : : هو : الشيخ سعدون ، والرابع : أنت : ضمير المخاطب / حودة ،والخامس والسادس: هو :الشيخ سعدون،ثم يأتى الجزء الأخير من الرواية "نهار العرس" فى ست وخمسين صفحة وخمسة فصول وأسلوبها السردى ،الأول : أنت :ضمير المخاطب / حودة،والثانى:هو /حماد ة:والثالث:هو /زكى ،والرابع:هى /فكيهة ،والخامس :هو /زكى.
يظل العنوان الخارجى بمثابة مدخل يأخذ بيد المتلقى إلى متن النص وما أن يعبر هذا المدخل حتى ينكشف العنوان انكشافاً مبهراً ، حيث يتردد فى المتن تردداً كاملا أحياناً ، وتردداً مفككاً أحياناً
والمتابعة الإحصائية تشير إلى أن دال (ليلة) تردد اثنين وعشرون مرة وأن دال ( عرس ) قد تردد خمس وعشرون مرة فالسيادة الكمية كانت للدال الثانى.
 إن المؤشر الخارجى ( العنوان ) يؤكد التعدد فى هذا النص ،إذ أن ( ليلة ) تقود السرد الى مناطق العتمة والظلام الحقيقية أو التقديرية و( عرس ) تقودة إلى الاضاءة الحقيقية أو التقديرية كما أن هذا المؤشر الخارجى ينتج من بنيتة نوعان من المقارنة غير المتوازنة ، حيث جاء الأول ( ليلة ) بما يتصف به الليل من هدوء وسكينة والدال الآخر ( عرس ) بما يتصف به العرس من صخب وضوضاء .
والإشارة الى العنوان الداخلى تؤكد أهمية متابعة العناونين الداخلية وصلتها بالعنوان الخارجى من ناحية وصلتها بالمتن الروائى من ناحية أخرى،  لقد احتضنت هذه الرواية قصتين طويلتين أولهما: الإعداد للعرس ،وثانيهما :نهار العرس وبرغم حرص النص على هذه القسمة الثنائية بعنأوينها المتقاربة فقد حرص فى الوقت نفسة على بناء نص روائى ممتزج بهذه الثنائية القصصية ،كما أنه هذا النص قد انتشر فى الثنائية انتشاراً كاملا
حرص أبورية فى رواية " ليلة عرس " على صنع خريطة دقيقة وتفصيلة لبلدة تقع أساساً فى الدلتا فى أعقاب عام 1967م الذي شكل فترة اختلال فى الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجتمع بشكل عام . هذه المدينة الصغيرة هى الفضاء السردى الذى تدور فيه أحداث هذه الرواية ينحت تضاريسها عبر فضاءات الريف وشخوص يعيشون فى مناخ التقاليد الموروثة التى تجعل سلوكياتهم تبدو خارج الزمنية التاريخية على رغم أن أحداثاً مهمة تتناهى إلى أسمائهم وتلقى بظلالها على مجرى حياتهم ..... ومن تلك البلدات المهملة شبة المنسية استطاع أبورية أن يرسم ملامح التاريخ يمتزج فيه اليومى بالأسطورى، ويضطلع الفانتاستيكى بنسج الحبكة وابتعاث الحركة فى تلك الأجواء الريفية .
ولهذه المدينة الصغيرة عده خصائص أهمها الدائرة المكانية المحدودة نسبياً السكان الذين يعرفون بعضهم بعضاً ،الدخل المحدود ، التفأوت الاجتماعى الذى يتسع بدائرة المهمشين من المقمعوين اقتصاديا واجتماعياً تنوع الحرف الموجودة فيها ومن ثم تنوع الخصيات التى تتشكل من ملامحها المادية والمعنوية لوحة سردية لا تفلت ما يميز هذه المدينة سواء فى علاقتها بالمتغيرات الاقتصادية الاجتماعية التى تاثرت بها،أو علاقتها بالتحولات السياسية التى لا نراها على نحو مباشر، ولكننا نرى أثرها ظاهراً فى تراتب أوضاع الشخصيات .
وتنطوى ملامح المدينة الصغيرة على ما يجعل منها نموذجاً لغيرها أى ما يجعل من الغوص السردى فى حياة مهمشيها المتعينين سبيلاً الى الكشف عن العام بواسطة الخاص ومن خلال التحديق فى الملامح المتعينة للنموذج البشرى المختار لدلالتة التى تبين عنها الرواية فصلا وراء فصل عن التتابع الزمنى للسرد وبواسطة الالحاح على التفاصيل الواقعية التى تضع القارىء فى مواجهة أحداث ومشاهد ونماذج بشرية مألوفة لكل من يعرف الحياة فى هوامش المدن الصغيرة خصوصاً فى المستويات التى أخذت فى التتابع مع الحقبة الساداتية وما بعدها فهناك الحرف اليدوية التى أصابها البوار ( الحداد – نجارالسواقى – المزين السريح – الخياط البلدى – مشعل الفوانيس – الحصير اليدوى ) وانغلقت على اصحابها  ( فاروق –  فارس - عبدة – ابو نعمة -  عز الدين – سعدون ) ابواب الرزق فانغلقوا على عالمهم المحبط فى عتمة الغرزة أو البوظة بعيداً عن النور والامل ( الرواية من 72 ) وهناك التراتب الاجتماعى الذى ترك الزمن الساداتى بصماتة علية فصعد صبى بائع " السقط " بعد هزيمة 1967م بواسطة قائد إحدى وحدات الجيش الذى التقاه فى " غرزة " الكيف وقبل الرشوة والصحبة فأصبح الصبى مورد الوحدة فالمعلم الكبير مع زمن الصعود الساداتى ( الرواية ص 36 ) ولا تنفصل عن ذالك تحولات أخلاق فى تلونها وإزدواجها الذى يجعل من حراس معابد- النسناس- موردين للمخدرات
( الرواية ص 88 ) ومن الدرويش المتصوف - الشيخ سعدون - متأمراً على البراءة ومن أحاديث " التحشيش " فتأوى فى الدين سخرية من زمن " العلم والايمان " الذى خلا من العلم والايمان ( الرواية ص 95 ) .
يبدأ الحدث الرئيسى باحتمال اعتداء " حودة " الأبلة على زوجة المعلم عثمان – شمس – اعتداء لا نعرف عنه شيئاً إلا ما حكته الزوجة لزوجها إما على سبيل الحقيقية أو على سبيل التموية لإبعاد الانتباه من الفاعل الحقيقى ويصدق المعلم زوجتة، مقرراً الانتقام من " حودة " الكلب الذى خان سيده ويخطط مع صديقة الشيخ سعدون الحصرى لعملية الانتقام التى تبدأ بإيهام " حودة "أن المعلم قرر تزويجة متحملا عنه كل أعباء الزواج ويصدق الأبلة كل ما يقال له بعد أن خدعتة الشواهد الزائفة " أبسط يا عم أوضة بفرشتها من مجاميعة وفتح بابها ليطالع سريرا بأعمده سوداء عالية عليه فرش جديد ودولاب لخشبة لمعة برقت حين أضاء نور المصباح المعلق فى السقف وكنبة عريضة عليها قطع من الكليم القديم وحصير جديد مفرود وسط الغرفة "( الرواية ص 119) .غير مدرك أن المعلم يرتب تمثيلية زواج هزلية تكون الزوجة فيها " حمادة " ابن " فرحة " صاحبة " البوظة " وذلك بقصد فضيحة الأبلة والسخرية منه وتمضى خيوط المؤامرة التى يصبح الجميع على علم بها-"فهو يعرف الخباصين والمرتشين والعلاقات الحرام ،يعرف الجار الذى يزور جارته-زوجة صديقه المسافر-فى وقت القيلولة ،والجار الذى يزور جارته – زوجة صديقه العليل- فى سوادة الليل ،وملم بالرجال المغرمين بمضاجعة الصبايا والصبيان ممن لم يبلغوا الحلم "(الرواية ص 38)- فيما عدا الضحية " حودة " الذى تنقلب حياتة رأساً على عقب وتتصاعد الأحداث بمشاركة الأخ – زكى – الذى يبيع أخاه طمعاً فى عطاء المعلم وخوفاً من مالة كأنة صورة " يهوذا " فى علاقات الضحية والجلاد فيتواطأ بالصمت والإسهام فى المخادعة "أنا عارف إنه أخوك، ويعز عليك، ويمكن يصعب عليك، هو راجلك برضه يا معلم ،عايز أديلة درس يطلع من نافوخة ،اللى تأمر به، أوعى تضعف ،دبور وزن على خراب عشه،تأمر يا معلم "(الرواية ص 132).وتقترب خيوط المؤامرة من الاكتمال ويشترك فيها الجميع بحماسة كما لو كانوا يشتركون فى إقصاء مستودع الاسرار الذى يغطيهم بأكثر من معنى .
وتأتى اللحظة الحاسمة التى تسبق ذهاب الضحية لاصطحاب العروسة المزعومة من عند " الكوافير " الذى تجمعت البلدة كلها حوله  منتظرة عريس الغفلة. ولكن عريس الغفلة تنجيه شفقة الجارة - فكيهه – التى تمنحه نفسها فى فعل تعويضى, يختفى كلاهما من السرد الذى ينتهى بانقلاب المؤامرة على أصحابها , وخيبة أمل الجلاد الذى سخرت منه ضحيته, فلم يملك إلا الضحك الكظيم مع زبانيته , بعد أن سخر منهم الأبله الذى أثبت أنهم البلهاء.وتكتمل بالضحكات دائرة المفاجئةالتى لم يكن يتوقعها القارئ نتيجة عمليات التمويه السردى التى لجأ إليها المؤلف على امتداد تدعى الاحداث وتشابك علاقاتها, وذلك لإبقاء القارئ فى حال من التوخى المتصل الذى تحركه الرغبة فى معرفة ما ستسفر عنه الأحداث فى النهاية- التى ينتهى بها النص مفتوحة بهروب حودة, وعودة الرتابة للحياة المنتظمة و الملل ولكن بدون حوده- ويقترن التشويق بحيل سردية تضفى على الحكاية التى تنطوى عليها الحبكة أبعادها متجأوبة لحكايات صغيرة متوازية, وعلاقات فرعية تدفع بعلاقات القصة الى مناطق من الثراء الذى لا يجعل من الرواية مجرد "نكتة" تبعث الابتسام العابر أو الضحك السريع.
والنغمة الحاكمة للسرد نغمة المفارقة الساخرة و الكوميديا المرحة التى تنطوى عليها الرواية , خصوصا حين تجعل من العقلاء بلهاء, ومن الجلادين ضحايا أفعالهم. وهو المستوى نفسه الذى يتكشف عن التعارض المتصل بين الظاهر والباطن من الأقوال التى تعلن غير ما تبطن, والسلوك الذى يؤكد نقيضه المعلن. والمثال الأول: شخصية المعلم التى تؤكد حرفته (الجزارة) امتداد معنى ذبائحه إلى ضحاياه الذين يبدأون من الأرملة المتعلمة- شمس- التى اشتراها بنقوده"وتجرأ وتقدم لها, ووجد استجابة سهلة, لم يعترض أحد من  أهلها، وأعد لها شقة فى العمارة الجديدة التى كتبها باسمها "(ص37 ), وانتهاء بالصبيان – ومنهم حوده- الذين يتبادلون الذبائح التى يحملونها المعنى والمكانة. والمثال الثانى:شخصية الشيخ الذى لم يحصل على عالمية الازهر. الدرويش الذى يلبى النداء الغامض للأولياء الذين يدعونة إليهم والذى يخفى وراء الثياب النظيفة الناصعة البياض ووراء العمة المسبحة التى لا تغادر يدة كالبسمة التى لا تنسحب عن وجهه حقيقة " الحشاش " الذى لا يثنية عن الافراط فى الموبقات سوى ضعفه الجنسى (ص62), ولا يوازى قدرته فى التخطيط للأذى إلا مناظراته مع أبي عاشور" حول معانى الآيات القرآنية التى لا يعمل بها.
ويكتمل حضور السخرية- من حيث علاقتها بالمفارقة- فى التلاعب بأسماء الشخصيات التى تتناقض دلالتها و سلوك أصحابها ,كما تكتمل بالمظهر الذى يناقض المخبر فى دلالات الثياب, حيث تخفى نظافة الملبس دنى النفوس التى هى على النقيض من نظافة ثوبها, بينما تنطوى الثياب القذرة على أخلاق مناقضة, لا علاقة لها بظاهر الثوب الملبد بالأوساخ أو الدماء. والتضاد قرين السخرية فى إبراز طبيعة العلاقة التى تصل بين الضحايا والجلادين, سواء فى معنى المشابهة الذى يجمع بين الضحايا من ناحية, والجلادين من ناحية مقالة, ولكن بما يعطى الأولوية السردية للتركيز على عالم الضحايا بكل ما يذخر به هذا العالم من قذارة وتشوه جسدى فى آن.
وكذلك تكثر صور القذارة على نحو لافت ودال ابتداء من حجرة " حودة " التى يتناثر بها حصيرمهترىء ولحاف قديم له رائحة عطنة مرورا بالبصقات التى تتكرر من السعال الذى يدفع الهواء الفاسد فى بلغم لزج يداس عليها بالأقدام فى موازاة الملابس الممزقة وروائح البول وزفارة السمك وقطرات الدماء التى تختلط بالتراب والعرق على الاجساد التى تتراكم عليها طبقات الوسخ وانتهاء بأماكن التحشيش والسكر جنبًا إلى جنب " السلخانة " أو " المراحيض " التى تنبعث روائحها الكريهة متجانسة مع غيرها من روائح العفونة التى لا تخلو منها أماكن السرد ولا تتوزاى صور القذارة فى الرواية سوى العاهات والتشوه الجسدى فالبطل أطرش وأخرس وأبلة وجيران الغرفة فى المنزل المتهالك منهم الشقيقتان العميأوات اللائى لا ينشغلن بأكثر من رحلة المقابر والدورران على البيوت لقراءة قصار السور القرآن الكريم ( ص 57 ) وبينهم طالب المعهد الدينى الذى يظلع فى مشيتة مستندا بكفة على الساق السليمة بينما يجر ساقة المشلولة التى لا تزيد على ساق طفل صغير على الأرض ( ص 15 ) والجيران بينهم " نادية "بنت أبوسنة السماك التى لا علاقة لاسمها بجسمها الذى لا يكف عن التبول اللارادى ( ص21 ) وكذلك عزيزة الخنفا أو مبولة الطريق العمومى العوراء السوداء الجلد الذى له رائحة منتنة ( ص 24) وتضم دائرة المعارف امين الاعمى  ( الذى يعتلى مئذنة المسجد(ص13) "وكاكا الفخرانى "الذى أصابته "غرغرينة"فى رجليه فأضطر الأطباء إلى بتر الساق المصابة وانتهى به جنونة إلى حرق نفسه تشبهاً بالأنبياء ( ص 77 ) .
تدور أحداث الرواية حول شخصية محورية هى مبدأ الحركة السردية فى النص فكل شىء يبدأ منها وينتهى اليها خصوصاً فى علاقتها ببقية الشخصيات داخل المدار المغلق الذى تتحرك فية حاملة صفات المهمش المقموع سواء فى علاقتها بأمثالة الذين يشبهونة فى الوضع الاجتماعى كما يشبونة فى التشوه الجسدى ( أمين الأعمى – الطالب الأزهرى المشلول – عايدة العمياء وشقيقتها – عزيزة الخنفاء ) أو علاقتة بعالم السادة الذى يتصدره "المعلم" الجزار بملامحة الجسدية التقليدية التى لا يفارقها " الكرش أو ملامحة المعنوية التى تلازم الاستغلال والظلم .
فحودة هو الشخصية المحورية " صبى الجزار " الأصم الأبكم الأبلة الذى يعمل مع شقيقة الوحيد زكى من الصباح الى المساء" تبدأ نهارك من الفجر وتنهية مع اذان المغرب" ( ص 53 ). لا يكفان عن الكدح فى سبيل اللقمة فحين ينتهى من عملة مع دكان المعلم يحصل مع أخية على فص من كبدة الذبيحة يقفا بها على عربة خشبية صغيرة أمام مقهى متولى مع دخول الليل حتى انقطاع الرجل عن الشارع أو حتى تنتهى كمية الكبدة المقلية بالزيت ( ص 25 )، والستر فى غرفة فقيرة بها حصير مهترىء، ولحاف قديم له رائحة عطنة ،وقله ساح الماء حول قعرها ،وحنفية من الزنك يتلقف ماءها إناء صغير تسقط فيه طوال الليل ( ص 13 ) فحودة الأبكم مطلع على أسرار وخبايا الحياة السرية لجيرانة وعبر لغة الإشارة يفضح حودة المسكوت عنه ليقلقل الهدوء الظاهرى للمجتمع الريفى فهو يستعيض عن خرسه بعين كالسكاكين " إنك تقدر المسافات بما ترى عيناك لا بما تسمع اذناك " ( ص 52 ) فموقع حودة الهامشى على المستويين الاجتماعى والاقتصادى يمد بحرية عالية فى الحركة والروى والفصح ويجعل منه فى نفس الوقت حلقة الوصل بين اصحاب السلطة وعديمها وأول ما يلفت الانتباة الية فى السرد غريزتة الجنسية المتفجرة منذ تحرشة بنوال ( ضغط على الترمستين البارزتين للبنت تقتحم سنى الأنوثة بعنفوان لا يدرى أحد منبعة فزعت الطفلة فيها ... ( ص 17) مرورا بتحرشة بفكيهة ( ص 19 ) وذهابة إلى عزيزة ومحاولتة ممارسة الجنس معها ( ص 26 ) وتحرشة بشمس زوجة المعلم عثمان الثانية ( ص 35 ) وأخيراً ممارسة الجنس مع فكهية فى نهاية الرواية ( ص 150 ) فهو فى سن المراهقة التى لا يستطيع كبحها بحكم بلاهتة التى تسقط فى وعية القيود الاجتماعية وتتيح له أن يرى مالا يتاح للآخرين رؤيتة ومن ثم معرفة اسرار الجميع فى الفضاء المكانى الذى يجمع ما بين البيت الذى يعيش فيه مع أخية ما يجود به عليها المعلم ولا تنفصل عن حركتة فى هذا الفضاء " المشأوير " التى يقضيها للآخرين ومنها الذهاب إلى منزل المعلم حاملا الخضار واللحمة إلى زوجتة الجميلة .
لقد نجح الكاتب بحرفية ودربة  في أن يختار شخوصة من وسط هذا الزخم لمدينة بكاملها حيث قدم شخوصة فى تقطير مكثف عبر لوحات تقترب كثيراً من لغة البورتريهات التى ترسم ملامح الشخصيات الداخلية مثل الخارجية وبلغة جذابة وحكى آخاذ قدم لنا شخصية المعلم عثمان وهو الجزار بمعنى الكلمة مادياً ومعنوياً فمادياً هو جزار مارس مهنتة الجزارة فى ذبح كثير من الحيونات ومعنوياً من يريد أن يمارس مهنتة ويذبح حودة ويترك أثر الجرح عميقاً داخلة والتهكم منه مستغلا فقرة وجهلة وخرسة فالاستغلال والظلم هما من صفات المعلم عثمان ويتضح ذلك حينما أيقظ جمال" شمس " عاطفتة وأجج شهوتة أخذ ينتظر حتى وأتتة الفرصة بموت زوجها فى حادث مروع حين صدمتة سيارة غريبة على مدخل البلد ( ص 37 ) ولا يستبعد أن يكون للمعلم عثمان دخل فى هذا الحادث لأن  القلب المشتغل بنارة الازلية لا يهمد ولا بد أن تكون زوجتى يوما ما مهما حصل ( ص 32 ) وها هو جاء هذا اليوم وتزوج منها بعد عام من ارتدائها الملابس السوداء حدادا وحزناً على زوجها تقدم اليها وتزوجها مستعيناً بثروتة ونفوذة وبهذا السلوك تجديد الفراش بزوجة ثانية ليؤكد ان " المعلم عثمان " هو رمز " السلطة " سياسياَ واقتصاديا واجتماعيا .
فالصبى بائع السقط بعد هزيمة 1967م يصعد بواسطة قائد إحدى وحدات الجيش الذى التقاه فى غرزة الكيف وقبل الرشوة والصحبة وأصبح الصبى مورد الوحدة فالمعلم الكبير مع زمن الصعود الساداتى ويحاول أن يرسم لوحة فنية يبين فيها اختلال الموازين فقد منعة الفقر من الصعود إلى "شمس " حين كان صبيا يساعد أباه وهو مجرد جزار وبنت الأفندى للأفندى ( ص 31 ) ولكن بعد ست سنوات من النكسة يدخل من البوابة السحرية للزمن المواتى فأصبح لدية ثلاث عمارات ومعلفين وسيارة مرسيدس وشقة بالاسكندرية وكل ذلك جعله يتجرأ ويتقدم لشمس مرة أخرى ووجد استجابة سهلة ولم يعترض أحد من أهلها فأصبح المقياس هو المال وليس بنت الأفندى للأفندى كما أجابوه سابقا وعلى الرغم من قصة زواج المعلم عثمان من شمس تبدو فى ظاهرها روائيا إلا أنها تحمل دلالة أعمق وهى أن المعلم عثمان فى البداية خاض الحرب ضد المهندس للفوز بشمس كزوجة وكان ذلك عام 1967م ولم يكن يملك الأسلحة التى تساعدة على الفوز بها وهى المال أو العلم ولكن بعد أن تسلح بسلاح المال وخاض الحرب مرة أخرى عام 1973م ففاز بها واستردها وأصبحت زوجتة الثانية فهزيمة الفقر فى عام 1967م للمعلم عثمان تحولت إلى نصر الثراء فى عام 1973 واستطاع استرداد شمس كما استطاع الجيش المصرى استرداد سيناء فى حرب اكتوبر المجيدة أما شخصية الشيخ سعدون فهو شخصية الشيخ الذى لم يحصل على عالمية الأزهر الدرويش الذى يلبى  النداء الغامض للأولياء الذين يدعونة إليهم والذى يخفى وراء الثياب النظيفة الناصعة البياض وراء العمة والمسبحة التى لا تغادر يدة كالبسمة التى لا تنسحب عن وجهه حقيقة الحشاش ( ص 91 ) الذى لا يثنية الإفراط فى الموبقات سوى ضعفة الجنسى ( ص 64 ) ولا يوازى قدرتة فى التخطيط للأذى إلا مناظرتة مع "أبو عاشور" حول معانى الآيات القرآنية التى يعمل بها ( ص 95 )
وكما أنتج المكان الشخوص والأحداث فإنه يمارس فاعليتة فى إنتاج الطقوس والتقاليد التى تحيط بالشخوص أو توجة الاحداث ويمكن تحديد مجموعة محأور لهذه الطقوس هى :
1-    طقوس الزواج .......
ويلاحظ هنا أن الخطاب يقدم نموذجين لمستويين اجتماعيين فى " ليلة عرس " طقس الزواج الداخلى فى صالون العضل الحلاق وحجرة حودة " العريس " ومحل منعم الكواقير وحجرة حمادة " العروسة المزيفة" وطقس خارجى فى المدينة وبرغم الفارق الاجتماعى بين المستويين فإن مكوناتهما تكادان تتوافقان فى ارتفاع الزغاريد وتردد الأغانى وإعداد الملابس التى تتمايز فى مستوى آخر ودعوة كل بيوت المدينة للمشاركة
وتتجلى الطقوس الداخلية للزواج فى صالون العضل – الحلاق – الذى يقوم بحلاقة رأس الشعر والذقن لحودة العريس فى داخل صالون العضل" لف الفوطة حول عنقك – يقصد حودة – الهزيل وأشرت إلية بحلق الذقن ونتف الزغب المتناثر حول العين والحاجبين وعلى الأذنين وأخذوا وقتا طويلا لأن حلاقة الزبون العابر غير العريس كما عمل بالفتلة فى وجهك – حودة – فنزع الزغب وصار الوجهه ناعما يحبب الية فى لمسة ( ص 142 ) ثم يدلف الى حجرتة ليكمل طقوس العريس الداخلية حيث يأخذ حمام العرس بحمام دافىء ينشط مسام الجسم ويدعك الجسم بالليفة والصابونة المعطرة – الصابونة الريحة – ونزع شعر الإبط وحلاقة شعر العانة وتقليم الاظافر،ثم يدخل البدن النظيف بعد تجفيفه فى ملابس داخلية جديدة لها رائحة قطنية محببة للنفس ( ص 142 ) عبارة عن فانلة وسروال ثم يلبس الجلباب الابيض الجديد الذى فصلة له " أبو نعمة الخياط " ( ص 111 ) ثم يدخل قدمية فى الحذاء الجديد بدون جوارب .
أما الطقس الثانى الداخلى للزواج فخاص بحمادة – العروسة المزيفة – فى حجرتة حيث حمام العرس حيث يغسل أسنانة بالفرشاة من أعلى الى اسفل وبالعكس ويضع السكر المخلوط بالليمون ليزيل شعر ساقية والذراعين ( ص 81 ) والابطين والعانة ويلتقط الشعيرات الخفيفة البارزة فى الوجة ( ص 80 ) .وبعد أخذ الحمام وتجفيفه يتحرك فى الحجرة عاريا ليخرج حقيبة من الدولاب فتحها وسحب منها ملابس نسائية شفافة ارتدى الكومبليزون والكلوت ذوى الالوان الحمراء واحتفظ بالسونتيان والشراب الفيلية فى لفة سيأخذها معه وعلق السلسلة الذهبية فى عنقة وسحب من الدولاب حذاء حريمى له كعب عالى أدخلة فى كيس وأضاف علية لفة السونتيان والشراب ثم يذهب ليخرج الى محل منعم الكوافير ليكمل طقوس العروسة الداخلية حيث يجلس على الكرسى الكبير ويغسل شعرة الطويل بالشامبو تحت الصنبور بعدها يجففة بالفوطة ثم أدخلة فى مجفف الشعر ثم رسم الوجة الحواجب مزججة والشفاة مدهونة بروج والكريم فتح الخدين ليونة وضاء ثم يلبسة فستان الزفاف الأبيض الفضفاض (130)
أما الطقوس الخارجية للزواج فتتمثل فى خروج العريس فى انتظار السيارة المزخرفة بالورق الملون ( ص 131 ) التى تنقلة إلى الكوافير لاصطحاب العروسةإلى زفة فى طول البلد وعرضها وكتب كتاب فى الخيمة المنصوبة عند المعلف وشوية غنا ورقص فى الشادر المقام التى تزينة الإضاءات الملونة والموسيقى الصاخبة والمعازيم ومنهم النسوة اللاتى قد أخذن زينتهم مرورا بمرأود الكحل على رموشهن وقرص خدودهن ليدفعن الدم الأحمر إلى وجوههن وتنثرن العطر الرخيص على أجسامهم وارتدين أفضل ثيابهن كذلك قد حممن أطفالهن فبدوا فى هدوم العيد وهم مجذبون بالأيدى أومرفوعين على الصدور فى غاية  من السعادة البريئة تندفع النسوة صاعدات الشارع إلى حيث الشادر الذى تضاء أنواره فى حفل قد يمتد حتى الصباح ( ص 135 ) .
2-    طقس الإنجاب
وهذا الطقس ناتج عن الطقس الأول وقد أخذت ظاهرة الإنجاب ظاهرة الطقوس الموروثة لأن هذا الواقع كان يحتاج بشدة إلى الانجاب لكنة احتياج مغاير إذ أنه عند الأثرياء ( المعلم عثمان ) نوع من العزوة والاهتمام ( بالميراث ) – محل الجزار والمعلفين والعمارات والسيارة المرسيدس ،أما عند الواقع المطحون فإنه يكون عونا فى العمل ومساعدة فى مواجهة الحياة مثل ابن سمارة الذى يساعد أمه بعربة الكبدة والتى بجوارمقهى  امه،وبنات" الظيظية " اللاتى يساعدن امهن بعد الولادة بالوقوف بدلا منها فى المقهى ،لكنة فى هذا وذاك سيطرت علية الخرافة التى وصلت الى العقيدة وقد نالت ( فرحة ) كما وفيراً من هذه الطقوس الخرافية التى اهتم الخطاب بتفصيلاتها الظاهرية والحقيقية فقد عاشت فرحة مع زوجها عشر سنوات دفنت خلالها الكثير من أبنائها ودفنتهم فى مقابر الصدقة وهنا دلالة على الواقع المطحون لهؤلاء الشخوص فى الحياة الدنيا وبعد الموت حتى القبور لم تجدها فرحة وأمثالها لتوارى أجسادها الضعيفة والهزيلة من الفقر المقدع كما أسقطت عددا آخر ودفنتة فى جحور بيتها ومات فى أحشائها ( ص 81 ) وعندما وضعتة امه فرحة- حمادة - استجابت لكل وصفة تسمعها من نسوة الحى المليئة بالخرافات خوفا على حياة حمادة ولابد أن تفعل تلك الأشياء ليعيش ولدها ولا يلحق بأخوتة فواحدة منهن تقول لها لا بد أن تطعمى بعضا من برازة ولم تتردد وغمست لقمتها دون تردد وأخرى تشير عليها بأن تحلب حمارة الجيران وتتجرع حليبها وتفعل دون تردد وأخيرة تقول لها احلبى كلبة ولدت لتوها واشربى من حليبها ولما كان من الصعب حلب الكلبة فمالت ام فرحة امسكت الكلبة ومالت فرحة على اثدائها العامرة وشدتهم الواحد بعد الاخر لتقطر من حليبها فى فمها ( ص 81 ) كل ذلك من أجل ان يعيش الولد لأن مصدر الإخصاب الآخر – الوالد قد مات فأصبح الأمر صعبًا عليها وعاش الولد ولم يكتفوا بذلك بل ثقبوا اذنة والبسوة ملابس بنات خوفا علية من عين الحاسدة.

 إن نص يوسف أبو رية قد عبر الحاجز النوعي بين القصة والرواية علي نحو محدود ان هذه القصة قد احتفت قصتان طويلتان، أولهما:
الاعداد للعرس وثانيهما إنهاء العرس.
وبرغم حرص النص علي هذه الثنائية بعناوينهما المتقاربة، فقد حرص في الوقت نفسه – علي بناء نص روائي ممتزج بهذه الثنائية القصصية، هذا النص قد انتشر في الثنائية القصصية انتشارا كاملا.
إن حرص النصيه علي عبور النوعية، والتحرك بين الروائية والقصصية، هذا الحرص تجلى في استدعاء مجموعة من الشخوص، التي كانت تنتج الحدث حينا، وتشارك فيه حينا آخر، والرأوي يصاحبها في الإنتاج، كما يصاحبها في المشاركة مستبقيا منها ما يحتاجه، ومستبعدا منها ما انتفد طاقتة الإنتاجية .
إن النصية قد أدخلت معظم الشخوص داخل دائرة الاستبقاء والاستبعاد فكل قصة من الرواية كانت تستدعى شخوصاً بعنيهم وتوظفهم حسب احتياجاتها السردية ثم تستبعدهم النصية بعد آداء مجموع الوظائف حيث يحمل شخوصاً آخرين فى القصة التالية فشخصية أمين الأعمى مؤذن جامع السوق استدعاها الراوى فى بداية الرواية ثم استبعده لتعود مرة أخري فى نهاية الفصل الرابع من العنوان الأول " الإعداد للعرس" لتوقظ زكى وحودة من نومهم ثم يستبعدها مرة اخرى لتعود فى نهاية الرواية فى الفصل الخامس من العنوان الثانى " نهاية العرس " لتوقظ زكى من نومة فشخصيات ( حودة –زكى – فكيهة – المعلم عثمان – الشيخ سعدون ) تظهر وتستبعد من النص حسب احتياجات النص وباقى الشخصيات قد تظهر وتعود مرة اخرى ونهايتة مثل" النسناس" تاجر المخدرات الذى ظهر عندما ذهب الية الشيخ سعدون لجلب الكيف ثم يستبعد ليعود مرة اخرى ليظهر لحودة ليعطية الكيف فى مقهى متولى .
وهناك شخصيات يحتاج اليها النص وتظهر مرة واحدة فقط ولا تظهر فى متن النص مرة أخرى مثل شخصية سمارة وابنها وشخصية الظيظة صاحبة المقهى " الظيظى " والعضل الحلاق ومنعم الكوافير وعبدة المزين السريح والبرادعى مؤذن جامع السوق فى الظهر والعصر والمغرب، ودسوقى الفسخانىو كاكا الفخرانىو القنصل ابن أبو عاشورو الحاج رضوان الحصرى شقيق الشيخ سعدون و شمس زوجة المعلم عثمان الثانية
إن العنوان الخارجى للرواية " ليلة عرس " يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجنس ولكن ليس الجنس الفج ذو العلاقات المحرمة والشاذة ولكن الجنس الذى نعنية نشاط إنسانى خلاق وأداة إخصاب وامتاع وتعبير عن الامتداد والبقاء وتجسيد مادى لجدلية وتكاملية العلاقة بين الرجل والمرأة وبهذا المعنى فإن الجنس هو اكثر ما يميز بين الانسان والحيوان ليس صحيحاً أن الجنس نشاط مشترك بينهما الصحيح أن الجنس عند الإنسان اختيار وارادة ومتعة وانعكاس حب وتعبير عن وعى وليس مجرد شهوة بهيمية غريزية فابو رية استطاع أن يوظف الجنس السوى كما فى حالة الشيخ سعدون مع زوجتة وفكرى النقاش مع زوجتة فكيهة وغير السوى كما فى حالة حودة وعزيزة الخنفاء وحودة وفكيهة كجزء أصيل من نسيج البناء الفنى وفى المقابل نطالع عشرات الأعمال الروائية والقصصية والمسرحية لكتاب عرب وأجانب تقدم الجنس كأداة جذب للقارىء الراهن حيث يعلوا الفحيح الحيوانى الذى يفتقد الانسانية وتنتشر رائحة الابتذال والعهر ولكن "أبو رية" ينتمى الى الفريق الذى يتقابل مع الجنس على صعيد الأفكار كظاهرة إنسانية وعلى صعيد التوظيف الفنى كجزء من نسيج العمل ينبع منه ولا يقحم علية ولأن الجنس عنده ظاهرة إنسانية وأداة تكثيف وتعبير فنى فانة يعكس واقع الحياة ويعبر عنها فابورية فى ليلة عرس يحاول ان يؤكد ان هناك تناقض فالجنس هو رمز المتعة ولكن كيف يتحقق فى حياة خالية من المتعة ومليئة بالمنغصات والفقر والمرض والجنس هو رمز الخصوبة ولكن كيف يتحقق فى حياة يسيطر عليها العقم وتخيم عليها اشباح العجز كما فى حالة الشيخ سعدون الضعيف جنسياً ولا يستطيع اقامة علاقة حميمة مع زوجتة فيلجأ الى المخدرات حالما ان تستعيض عن ضعفة ولكن هيهات  ان تجدى المخدرات شيئا فى جسد اصابه الضعف والهوان.
كما يحاول أن يؤكد أن الجنس يمارسه الإنسان وهو يشعر بالأمان ولكن كيف فى مجتمع يحكمه الخوف وتتسلط عليه أدوات الرعب؟ كما فى حالة فكيهة و فكرى عندما تلصص عليهم حودة وهما يمارسان العلاقة الشرعية, وفكيهة التى قامت مذعورة جمعت جسدها تحت الغطاء تزوم,وتسب,وتشوح".(ص59). وكيف يتحقق الجنس السوى فى عالم ملئ بالشذوذ؟ فغريزة الخنفا تنام مع من يرغبها,والرغبة اليها بحاجة لشجاعة خاصة, لن يقربها الى محتاج, فهى امراة عوراء, سوداء, صدئة الجلد, لها رائحة الماء الذى تنزحه من بئر المقهى, خليط من المعسل العطن الممزوج بتفل الشاى وبقايا البن وحصى الحلبة ( ص 24 ) فتوظيف الجنس عند ابو رية لن تجدها بشكل مباشر ومريح بل تعثر عليها عبر التكوينات الفنية الموحية والجزئيات المتناثرة التى تشكل فى النهاية عالماً متكاملاً .
لقد حاول الكاتب أن يبين أن " ليلة العرس " تتبادر فى ذهن الجميع الى ليلة الدخلةأو ممارسة الجنس الذى يشير بدورة الى الحياة والميلاد وتعمير الكون لقد حاول ان يؤكد ان الجنس السوى الذى نبتغية جميعناً هو فى " ليلة العرس " تحت الاطار الشرعى وهو الزواج أما أى محاولات أخرى تتم تحت أى إطارات فهى اشياء يرفضها المجتمع والدين والقانون .
يحاول الراوى منذ بداية الرواية على التأكيد على قيمة عمل المرأة فى هذه المدينة الصغيرة بداية من المرأة التى ترفع مترد اللبن على رأسها ساعية إلى المعمل مرورا بعزيزة التى تساعد زوجها متولى فى المقهى لانها تجيد عمل المقاهى وزوجة ابو سنة تاجر السمك بجدارة ،والشيخة عايدة الضريرة قارئة المقابر وفرحة صاحبة البوظة والظيظة التى تدير مقهى الظيظي بعد سجن زوجها اسماعيل فترفع الجوزة بين يديها وترفع الحجر من الطقم الخشبى وتلقى بالمحروق فى صفيحة السمن النباتى القديم وكان كرشها ممدا امامها على آخره فهى على وشك الولادة انها لم تتوجع ولم تشك الماً تعمل بنشاط وهمة بين النصبة والخدمة على الزيون، وسمارة التى تدير مقهى باسمها تلك الصور والنماذج النسائية العاملة التى عرض لها أبو رية فى ليلة عرس تؤكد قيمة المرأة ودورها فى المجتمع كشريك للرجل تقاسمة الحياة قاتلا للشائعات التى تتردد بان المجتمع هو مجتمع ذكورى يعمل فيه الرجل منفرداً دون ان تشاركة المرأة فالمرأة القابعة فى المنزل تنتظر قدوم الرجل اليها بعد ان افضت من الاعمال المنزلية المعتادة من طبخ وكنس وغسيل وتنظيف هاهى تخرج الى مجال العمل فهذه النماذج النسائية ( بائعة اللبن – عزيزة – عايدة – فرحة – الظيظية – سمارة ) ما هى الا نماذج لنساء اخريات منهن الوزيرة والطبيبة والمهندسة والمدرسة واستاذة الجامعة والادبية وعالمة الذرة ....... الخ
كما يحاول الراوى على إبراز لغة التفاهم بين الأبكم وغيرة من الناطقين و السامعين وهى لغة الاشارة فعلى الرغم من افتقاد " حودة" للسمع والنطق إلا أنه يجيد لغة تخاطب بينه وبين غيره فحينما يجلس على المقهى ويريد شاى ( يجعل كفة على هيئة كوب ويدير فيه سبابة الكف الاخرى) أما إذا أراد حلبة ( يفرد كفة على أخرها وينفخ فيها) وإذا أراد أن يوضح شخصية المعلم عثمان (يقفتل الشارب وينفخ وجهة ويضع انبعاجة على بطنة) وعلى هذا المنوال فلغة الاشارة مليئة بها الرأوية لتؤكد لغة التخاطب بين حودة – الابكم – وغيرة ليجد وسيلة حوار بينهم ،ولغة الاشارة التى يتقنها حودة لم يتعلمها فى المدرسة بل من مدرسة الحياة فاليوم اصبحت لغة الاشارة لها مدرسة خاصة بها ليس هذا فحسب بل تاكيدا على أن الابكم /الأخرس هو من نسيج هذا الوطن ونجد فى أغلب البرامج ونشرات الاخبار من يقوم بترجمة الكلام الناطق الى لغة الاشارة الصامتة حتى يتسنى للأبكم /الأخرس أن يعى ما يدور فى هذه البرامج ويفهمها.
والراوى يحاول أن يظهر التفأوت الطبقى فى ليلة عرس من خلال الطعام فإذا كان مجتمع الدرجة الدنيا متمثل فى الشيخة عايدة وشقيقتها العمياء الصغرى وشقيقتها نوال التى تسحبها لتلحق بالمقابر قبل أن ترتفع الشمس الحارة فتذهب للمقابر لتعود فى الضحى بثروة هائلة من الفطائر والقرص ( ص 17 ) فإن مجتمع الطبقة العليا متمثل فى المعلم عثمان الذى يعتمد على اللحم والخضار وذبح العجول فعايدة تحاول أن تتأكد مما سمعت أن "صحيح المعلم دبح عجل ؟ وقالت نوال " والله الناس كلها  بتقول حيوزع على كل واحد فى البلد كليلو لحم نيه وخبطت اختها بحلة الالومنيوم الفارغة لتتحرك حتى تلحق بنصيبها قبل الزحام (ص 137 ) فهذا يدل على اشتهاء تلك الطبقة المحرومة من اللحم الذى تأكلة الطبقة الغنية كما يحاول أن يبرز التفأوت مرة أخرى فى طريقة الاستحمام فحودة ممثل المهمش المقموع يستحم فى الطشت أما المعلم عثمان ممثل الطبقة العليا فيستحم فى البانيو والمعلم عثمان يتزوج مرتين وحودة لا يستطيع أن يتزوج مرة واحدة على الرغم من الكدح والمعاناة ليلا ونهاراً إلا بمعونة المعلم عثمان والمعلم لا يفعل ذلك إشفاقاً علية أو كنوع من العدالة الاجتماعية وانما كنوع من السخرية والاذلال له والانتقام منه .
المعلم عثمان لدية القدرة على الامتلاك فقد اراد أن يمتلك شمس وفعل، وكذلك أراد أن يمتلك حودة لنفسة فحودة يعتبره الكثير من أهل البلدة فاكهة الجلسة لماله من قدرة غريبة فى انتزاع الضحكة من الافواة المزمومة على هموم لا تنتهى" حودة" صبى القهوة الذى الحقتة بالعمل عندى لا لشىء الا للهو به وليبهج نفسى بحركاتة وتقليدة لخلق الله انا اشغلة كقرد بدلا من ان يكون للناس كافة استخلصة لنفسى ( ص 38 ).
لقد وفق أبو رية في خلق تضافر بالغ الدلالة. بين الواقعي والرمزي في هذه الرواية المتألقه الساخرة، فجعل من ليلة عرس إضافة حقيقة في التاريخ الفني لكتابة الريف المصري من جهة، وشهادة جريئة صادقة علي الواقع المصري الراهن من جهة أخري، وقد نجح في تعريف القاريء تفاصيل الحياة في المدينة الصغيرة التي تدور بها الأحداث، وتتسم الرواية بحبكتها المثيرة وسخريتها السوداء، كما أنها جريئة في نقد الواقع المصري المعاصر.
كما حاول أن يوضح أن الرغبة الجنسية الجامحة والبدائية التي تحرك الأخرس علي مدار النص، تصبح العنصر المؤرق والمزعزع لأعراف وتقاليد السلوك العام في المدينة، والسبب الرئيسي في تدبير مؤامرة شريرة، يشارك فيها الجميع، المعلم عثمان بوصفه زوج شمس التي تعرضت للتحرش الجنسي علي يد حودة، وخوفا من اختلاق قصص خيالية من نسج خياله الأخرس عن وجود علاقة محرمة بينه وبين شمس، فهو لا يكف عن أحاديث المقاهي عن المدرس الذي يغرر بالتلميذة الغضه البدن، والسائق الذي ينتقي الزبونة الجميلة فيجعل جلستها الي جواره يحرك (الفتيس) ليتحرش بصدرها، والطبيب الذي يمارس المهنة وهو راغب في الجسد المستسلم للمرض، وينقر بأصبعه علي المواقع الحساسة، وسيحكي عن شمس ويشهر بها لأنه لم يساعده علي الزواج حين طلب منه ذلك، سيحاول حوده الانتقام، ويعلن علي الملأ أنه علي علاقه بالست، والشيخ سعدون اشترك في المؤامرة لأنه له تار بايت بينه وبين حودة ولم يفلح الزمن في محوه، حينما أطلق حودة قالب الطوب فأصاب الشيخ سعدون في منطقة حساسة وسقط في غيبوبة، لم يفق منها الا في غرفة بيضاء من غرف المستشفي، وتلك الاصابة تركت آثارها من ضعف جنسي علي الشيخ سعدون فأراد الانتقام واشترك ودبر المؤامرة، وباقي أهل البلدة اشتركوا في المؤامرة، لمعرفة حودة بأسرار وخفايا الخباصين والمرتشين والعلاقات الحرام، ويفضح أسرارهم عن طريق لغة الاشارة، ولا تنقذه من السقوط في هأوية المؤامرة غير إمراة عاشقة، لكنها لم تبد عشقها الا في اللحظة المواتية، بعد أن فقد حودة الأمل في التواصل معها ومع الآخرين، ولو علي المستوي الإنساني البسيط. فالرأوي يحاول أن يرصد كل تفاصيل الحياة – العام منها والخاص – في تلك البلدة الصغيرة معربا من خلال المفارقة الساخرة للسرد، والبعد الكرنفالي المباغت آليات التضاد والتقابل المحسوبة، نوايا أهل المدينة وثقافتهم وتواطؤهم حيث تنقلب عليهم مؤامرتهم فيصبحون هم موضوع السخرية.فالرواية تحاول أن تبين طبيعة الحياة اللاإنسانية للمهمشين المحاصرين بالمرض والفقر والقذارة وأشكال الهوان الانساني المتعددة.وهي الأشكال التي ينسجها أبوريه في براعة، صانعا منها عالما روائيا جسورا في موضوعه، صادما بتفاصيل علاقاته البنائية، متحديا باقتحامه مناطق محرمة من الهوامش الاجتماعية التي يتقن الروائي تقديمها.



 
  محمد عبد الحميد سلامه / باحث اكاديمى من مصر (2010-07-15)
Partager

تعليقات:
محمد منصور /لبية 2010-10-29
الاف مبروك
البريد الإلكتروني : mrne_20102@yahoo.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

فى رواية

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia