قصة قصيرة " لعبة الخيط و الورقة الخضراء "-محمد مباركي - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

قصة قصيرة " لعبة الخيط و الورقة الخضراء "

  محمد مباركي    

تطايرت أمامي متعمدة مسافة متر و متر آخر و أمتار أخرى كجرادة تائهة . كانت مجعدة و خضراء كخضرة الحقول، و كخضرة عينين أحببتهما يوما لما نبت زغب ذقني ، لكن خضرة أمعائي من جوع يومين كانت أشد . أجبرتني على رؤية كل الأشياء ضبابية الألوان  و الأشكال . تطايرت الورقة الخضراء
 و تطايرت . لم تكن هناك ريح تُطيرها أمامي . كانت ورقة نقدية . كانت خبزا و زيتونا و طبق فاصوليا بمرق دسم و تفاحة و دلاحة و براد شاي منعنع . كانت ببساطة رمحا أبقر به بطن الجوع الكافر .
أصرت الملعونة على الهروب إلى الأمام .. خارت قواي و سقطت .. توقفت هي عن الحركة .. زحفت إليها على بطني كفقمة قطبية .. ضحكتْ و تحركتْ .. قلت :
- توقفي رجاءا .
قالت هازئة :
- اتبعني إن استطعت .
قلت و ضباب الغشاوة قد عمى عيني :
- وهنتُ.. وهنتُ .
شعرتُ بدوار حلزوني الشكل .. تراقصت الأشياء أمامي و تناسخت عشرات المرات ، و استوى خدي مع أرض متربة ، و استنشقت التراب ممزوجا برائحة الروث ، و ترامت إلى مسامعي ضحكات صبية وراء شجرة الخروب الهرمة .. و هويتُ في الدرك الأسفل من دوار عميق بلا قرار .. بعد مدة طالت أم قصرت لم أكن أدري، حشرج صدري و بصقت التراب و الروث ..  سمعت جلبة أقوام أحاطوا بي كالسوار . قلت متلعثما :
- لا أريد أن أستفيق للجوع و العري و الوطن .
رشّوا علي الماء البارد ، فاستفقت مضطرا . فتحت جفني المثقلين برصاص العبودية و التشيئ . رأيت أطياف صبية و امرأتين ، إحداهما ضننتها أمي و الأخرى خالتي . قلت:
-  أمي.. إني جائع .
انتحبت و قالت :
- يا كبدي ، أنت جائع ؟
جاءتني برغيف أسود . شممت أريجه الخارج من الجنة .. تصلب فكّاي . و التحمت أضراسي ، و عجزت عن المضغ . جاءتني الخالة بحليب مُعَسَلٍ. قطرته بتيلة قطن بين شفتي المزمومتين . انساب السائل اللزج بين أسناني حلوا كحليب أثداء الأمهات . تعمدت إبقاءه في فمي قبل ازدراده و قلت :
- أمي .
قالت من اعتقدتُ أنها أمي :
- إني أمك عند الله .
قلت :
- أين أنا ؟
ردت مبتسمة :
- أنت في دار الأمان .
صدقت الشريفة  ، فلا يخرج الحليب المُعَسَلُ إلا من دار الأمان.و سألتها عن الورقة الخضراء ، فأجابتني بحسرة واضحة أن صبية الحي ربطوا الورقة النقدية الخضراء  بخيط رقيق و كانوا يجذبونها- كما رأيت- ليصنعوا فرجة . قلت في نفسي  " هي لعبة إذن ؟ " .
قالت مستعطفة و مسحت على وجهي بمنديلها :
- سامحهم يا بني فهم صبية .
قلت :
- أسامحهم ، بشرط ألا يعودوا إلى لعبة الخيط و الورقة الخضراء .



 
  محمد مباركي - المغرب (2010-07-15)
Partager

تعليقات:
ابروح /شفشاون 2010-07-23
ايها القاص المتالق تعودنا معك الوله بالطفولة وتذكرنا سحر عالم ولى امام نضج نصوصك لا اجد ما اقول سوى سؤال واحد هو هل ما زلت لا تريد ان تستفيق للوطن وانت الذي عاش الجوع والعري استمطر روحك فلتنتعش ايها المبدع نحن نصنع الوطن و باناملنا نرسم الفجر الباسم و نرتشف قصص الجمال السردي كل فصل عطش فوق روابي هذا الوطن
البريد الإلكتروني : aboroh @hotmail.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

قصة قصيرة

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia