البطالة و البطولة-إبراهيم البوزنداكي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

البطالة و البطولة

  إبراهيم البوزنداكي    


عندما طالعني الإعلان على شاشة الكمبيوتر و أنا أبحر في بحر الانترنت المتلاطم الأمواج لم أعره أي اهتمام، بل قرأته كما أقرأ أي مقال سخيف و نفضته عن ذهني و استأنفت الإبحار.لكن عندما رأيته في إحدى صفحات الجريدة التي أحبها بدأت بذرة فكرة مجنونة تنمو في عقلي.
الحقيقة أن الإعلان لم يكن يهمني في أي شيء، ذلك أنه يهم ذوي الاحتياجات الخاصة ويتعلق بإقامة بطولة ما بالمدينة الحمراء.
قرأت الإعلان بدقة، لم أترك الحواشي و الملحوظات بل رجعت إلى صفحات الانترنت أبحث عن تفاصيل أكبر. و بالفعل قرأت عن بطولة ذوي الاحتياجات الخاصة و عن قيمة الجوائز وعن الجهة المنظمة و كل شيء. عرفت أنه بقي لي ثلاثة أشهر لأستعد، بعدها أتمتع بقيمة الجائزة التي سأفوز بها لا محالة..
عزمت و توكلت، وكانت لي براعة في تمثيل الأهبل أمام أصدقائي و زملائي أيام الثانوية، أتكلم و أمشي و أتصرف و كأنني متأخر عقليا حتى يحسبني من لا يعرفني كذلك، بل إن ذلك أنقذني من مآزق حقيقية وقعت فيها.تدربت لأربعة أيام ثم ذهبت مع ابن خال لي للتسجيل بجمعية للمعاقين.
تحدث مراد إلى مسؤولة الجمعية و كأنه الوصي علي، سيطرت على نفسي بقوة قاهرة، كدت أضحك مرة أو مرتين. نهضت متهاديا أميل في مشيتي و أدير رأسي و أتفوه  بأشياء تافهة كالأطفال، ابتعدت عنهما كيلا ينفضح أمري.
تدربت في الجمعية مع معاقين حقيقيين، منغوليون و أصحاب الشيخوخة المبكرة و أصناف أخرى لا أعلم عنها شيئا. تكلفت الخسارة مرارا لئلا يشك مسؤولو الجمعية و خصوصا تلك المرأة التي لا يحد من نظرتها حتى الثياب التي على جسدي فأشعر و كأنني عار أمامها.
سرعان ما نجحت في الاختبارات ووقع الاختيار علي في سباق المائتي متر، فقد كنت سريعا وذا نفس ضيق ثم إن الجائزة مغرية إذ تصل إلى عشرين ألف درهم  نقدا، ستكون نواة مشروعي المستقبلي، هكذا منيت نفسي.
دبروا أمر سفرنا، شارك من جمعيتي خمسة فقط، ملاكمان وثلاثة عدائين. سافر ابن خالي معي زيادة في الحرص إن وقعت مفاجآت.
على أرضية المركب الرياضي و فوق العشب قمت بتسخينات مهمة و أنا لا أرى أمامي غير الجائزة، أتاني مراد يشجعني و يشد من أزري. رأيت أشخاصا كثرا يقومون بالإحماء. اتجهوا إلى أماكنهم. قمت بالمثل و أنا أتذكر سرعتي وفوزي بمعظم سباقات العدو  في مرحلة الثانوية..
التقت نظراتي بنظرات أخ أحول و أنا أضع قدمي فوق الدعامتين استعدادا للانطلاق. فترة توجس و ترقب دامت دقيقة كاملة تلتها طلقة دوت معلنة عن بداية السباق.
عدوت بأقصى ما أستطيع، أحسست بنشوة عارمة و أنا أتجاوز المعاقين واحدا تلو الآخر نحو المقدمة، لم أعد ذلك الأهبل و أنا أجري، أصبحت الخامس ثم الرابع. قصرت المسافة، عجزت عن تجاوز الآخرين رغم زيادة سرعتي، عدوا كالنمور البرية. لم أستطع الوصول إلى الثالث والخامس يحاول أن يتجاوزني، بدت المنافسة ضارية بين الخمسة و المسافة تقصر و تقصر.. ثم انتهى السباق بحلولي في المرتبة الرابعة.
أحسست بالدنيا تدور و بقلبي يقرع الطبول، كيف يهزمني معاقون؟ كيف لسرعتهم أن تفوق سرعتي؟ كيف و كيف و كيف؟
جاءني مراد جريا وهو يسب و يلعن، هو الآخر تعلق أمله بالجائزة، مالذي جرى لك؟ أنى لهؤلاء أن يسبقوك؟
نكست رأسي معلنا عن جهد ضاع، عن حلم لم يتحقق، عن أمنية تنكسر أمامي كالزجاج.
حانت مني لفتة نحو أحد الثلاثة الفائزين، يتكلم بشكل عادي مع رجل آخر كما أفعل، لانت ملامحه و بدا فرحا و لا أثر لملامح البلاهة التي علت وجهه قبل السباق.. راقبت الآخرين، تكلمت معهما، وجدتهم جميعا طبيعيين لا يعانون من أي إعاقة. فتحت عيني على الحقيقة الصادمة، سباق معاقين يفوز به شبان سالمون دفعهم العوز لادعاء الإعاقة و اليتم كما دفعني. أخبرت مراد بالخبر فانفجر ضاحكا و قال:
-إذا كنت في المغرب فلا تستغرب.

ملحوظة:  لم نعد أنا و مراد من هذه الرحلة بخفي حنين، فلقد قمنا بابتزاز احترافي للثلاثة الفائزين، مهددين بالفضيحة أمام آلاف الجماهير، فحظينا بنصيب مهم من الثلاثة وخصوصا أن الأمر فيه سجن..



 
  إبراهيم البوزنداكي-المغرب (2010-07-22)
Partager

تعليقات:
علي رفيع /سلا - المغرب 2010-07-29
يصعب الحديث عن النمط القصصي الذي يريد أن يستقر عليه الكاتب المغربي الشاب ابراهيم البوزنداكي ،هل اختار نسق القصة الكلاسيكية بمعاييرها المشرقية ،أم القصة الزفزافية نسبة إلى المبدع المغربي الراحل محمد زفزاف ،أم اختار نسق قصة بوزفور و التازي وبوعلو أم يريد أن يؤسس مع القصصاصين الجدد بالقطر المغربي لنسق جديد؟الحق ثم الحق يصعب تجنيس أعمالك حتى اللحظة لمسألة واحدة تكمن في كونك ما تزال وفيا للكتابة بقلم القدامى الذين كانوا يرسخون للبناء الفني للقصة المغربية الحديثة.من هذا المنطلق أقول لقد حان الوقت لتعلن عن هوية نسقك القصصي المستقبلي أهو مشروع تقليدي أم مشروع حداثي؟وحينما أتحدث عن الكلاسيكية والحداثة في المجال الأدبي فلا أقصد البتة ما اختلط بهذا المفهوم من شوائب سياسيةطارئة ويومية ،عابرة ومتغيرة باستمرار؛هذا من وجهة نظر أولى ومن زاوية ثانية فإن المتتبع لأعمالك السالفة يجد فيك القاص المحترف ولو من وراء أنفاس قصصية طويلةستسعفك لو عرفت كيف تستثمرها في مشروع عمل روائي ،ولعل خير مثال على ذلك عملك السردي الذي نشر بالمجلة الورقية طنجة الأدبيةوأقصد نص "السكير".على العموم سردك بالرغم من تشعبه أحيانا ودورانك أو حيرتك بين القاص الوفي لنظم ومعايير البناء الفني للقصة،والقاص الجديد المتمرد على كل المواضعات النقدية المقننة للعمل القصصي المتمرد فإنك تعد بالكثير؛ ولعل نصك الأخير هذا خير برهان على ذلك.أما بخصوص المضمون الذي انطوت عليه قصتك فالفكرة أو الحدث الرئيس ليس بجديد علينا لكن طريقة صياغته لا تخلو من جمالية تعبيرية دالة ومِثيرة تكمن في طبيعة الحبكة التي ارتضيتها لنسيج نصك؛إنه بالفعل نص يعلن الحرب على زمن البطالة من خلال تحقيق بطولة قصصية بصيغة غير مباشرةدونما نسيان وتغافل بطولة الشخصية البطل في النص. دام لك سهاد السؤال القصصي المغربي والسلام .من المبدع والكاتب السلاوي "علي رفيع"(يمكن مطالعة مانشرناه بهذه المجلة القيمة والاطلاع عليه عبر كتابة اسمنا في الجهة المخصصة للبحث)مع أجمل المنى في انتظار جديدك.
البريد الإلكتروني : ali.rafi.sa@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

البطالة و البطولة-إبراهيم البوزنداكي-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia