الشمــــس تغيب مرتيـــن-سهـى عــودة-العراق
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

الشمــــس تغيب مرتيـــن

  سهـى عــودة-العراق    

مع تباشير الفجر الجديد يبدؤن مسيرتهم اليومية كأنهم جيوش همجية ينطلقون بملابسهم الرثة ووجوههم الشاحبة المبتسمة التي لاتدل إلا على إصابتهم بأمراض انتقالية خطيرة يحملون المعاول والمجارف ويحملون القناديل لتضيء لهم ماتبقى من سويعات قبل بزوغ الشمس يسيرون بأقدام متشققة حافية وسيقان عارية لفحت منها الشمس مايكفي لإصابتها بتقرحات جلدية حالها كحال الأيدي .
تراهم يأتون من كل مكان فبعضهم ينزل من الجبال و بعضهم الآخر قدم من مكان يقولون انه قد كان فيه بساتين ونخيل و انهار جارية قبل أن يمنع الماء عنها والاخرين قدموا من مدن وقرى قريبة من آبار الذهب والفضة!! .
تركــوا كل ملذات الحياة التي تتمنى كل  شعوب العالم قاطبة" لو تمتلك ربع مايمتلكه هذا الشعب المجنون .
يسير الرجل منهم مع مابقي من أفراد عائلته وبعد أن يصلوا مكانهم المنشود يبدأ رجل العائلة  بالحفر العكسي حيث يبدأ بحفر مساكن  للأطفال أولا" ثم حفر مساكن  خاصة بالنساء ثم للرجال ثم له, يساعده بذلك أفراد العائلة ويسبق ذلك العمل تسلم عقد الشراء من البائع والذي ينص على أن الشخص المذكور قد اشترى هو وعائلته هذه المساكن وعلى الشخص البائع أن يلتزم بتجهيز أفراد العائلة المشترية كافة" بأعلام وطنية توضع فوق مساكنهم الأبدية قرب رؤوسهم .
ولايحق للمواطن المشتري أن يسمي هذه المساكن بالقبور والاسوف يمنع من الشراء وسوف يتم اعتقاله ثم تهجيره إلى  بلاد ( موتى بلا مقابر) ويعيش هناك إلى إن يموت ولايتم دفنه أسوة" بباقي المجرمين الذين ماتوا قبله .
 و لايحق للبائع أن يتصرف في هذه المساكن إلا بعد أن تتحلل أجسادهم إلى تراب فعند ذلك لاحرج أن يشتري المسكن مواطن غيره .
 ومن حقوق المرأة على الدولة إن لم يكن للعائلة رجل فيحق للمرأة أن تشتري أي من هذه المساكن إن امتلكت ثمنه كما يحق لها أن تحفر وتعمر مساكن عائلتها .
وبعد انتهاء جميع المواطنين من حفر مساكنهم يتهيئون للنوم والراحة بعد كل ذلك التعب وهنا تبدأ المشكلة فالأطفال يبكون ويتصارخون ويرفضون النوم فتقوم الأم بالامتثال للأوامر فتلقي كل الدمى والألعاب والشوكلاته التي يحبها الأطفال في (المسكن الجديد) وتستمر الأم بإقناع نفسها وأطفالها بأن هذا أفضل من أن يعيشوا في تلك البلاد المخيفة المليئة بالعظام والجماجم والأشباح فيرضى الطفل ويوافق على النوم وبعض الأطفال ينامون مع أمهاتهم فيضطر الأب لتكبير المسكن ليتسع للام والطفل معا" .
ويدخل كل مواطن مسكنه الجديد ويستلقي على جهة جسده اليمنى رافعا" عينه للسماء منتظرا" شروق الشمس فعندما تتوسط الشمس كبد السماء يبدأ النوم الأبدي حيث يلقي البائع ووكلائه  الرمال على المواطنين المشترين بعد أن يشدوا الوثاق على أفواههم وعيونهم حرصا" على مشاعرهم ثم ينهوا الدفن بوضع أعلام البلد فوق رؤوسهم وتوضع لافتة يكتب عليها هنا مسكن المواطن الفلاني وعائلته ويحيطون هذه (المقابر) التي يدعونها بالمساكن بأسلاك شائكة منعا" من دخول لصوص الدول المجاورة مع ترك الكلاب المدربة للحراسة قرب المساكن لينسحب الرجال الباعة معلنين عبر مكبرات الصوت أن النوم لهذا اليوم قد انتهى ومن لم ينم فليأتي غدا" لينام ومن لم يشتري مسكن بعد فعليه العجلة بالشراء لان الأراضي المخصصة لتشييد المساكن المخصصة للنوم أصبحت محدودة .
أما وان كان الجو غائما" ولم تشرق الشمس فيؤجل نوم المواطنين إلى اليوم اللاحق وهذا لايحدث إلا قليل ففي بلادهم تشرق



 
  سهـى عــودة-العراق (2010-08-19)
Partager

تعليقات:
بوشما حميد /المغرب 2010-09-18
قصة بليغة ومتماسكة تعبر عن هموم الإنسان العراقي لنتمسك بالأمل فعراق حمورابي علمتنا عبر التاريخ أنها تسطتيع اجتياز المحن والأزمات. أتمنى لك المزيد من التألق
البريد الإلكتروني : hamidiano@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الشمــــس تغيب مرتيـــن-سهـى عــودة-العراق

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia