أعضاء الخيـــــــط-محمد مباركي / وجدة / المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

أعضاء الخيـــــــط

  محمد مباركي    

لما تلظـّت نار الحرب التحريرية في القطر الشقيق، نهاية الخمسينات، هاجرت الكثير من الأسر الجزائرية إلى مدن شرق المملكة الشريفة هاربة من جحيم المستعمرين الفرنسيين . لم يسكنوا خياما ، بل سكنوا دورا ، على بساطتها ، احتموا فيها من الجوع و البرد و الرعب.
ومن الأسر المهاجرة أسرة سي العربي ، بهذا الاسم الحركي كان معروفا . و اسمه الحقيقي
" بوعلام بن قدور المهاجي " ، من نواحي مدينة سيدي بلعباس . تعلم فكّ الحروف العربية  و حفظ  بعض سور القرآن الكريم  في كتّاب قرية " ديتري " . و دخل المدرسة الفرنسية مع أبناء الأهالي ، فكان يتكلم اللغة  الفرنسية بطلاقة  كلغته الأم . تميز من بين المهاجرين بدماثة الخلق و بسحر شخصيته المحبوبة المؤثرة على الخلق.
كان سي العربي مطلوبا من قبل سلطات الاستعمار الفرنسي بتهمة العقل المدبر و المنفذ لمجموعة من العمليات أودت بالكثير من جنود اللفيف الأجنبي في سيدي بلعباس . فهرب سالكا " طريق الوحدة " من
 " بور صاي " إلى السعيدية . و نزل ضيفا على خاله بوجدة . استطيب المدينة و أهلها ، و طلب من أعضاء " الخيط " أن يلحقوا به زوجته و أبناءه ، لما جاءته رسائلهم تحكي معاناتهم من التضييق الشديد عليهم من قبل المستعمرين و أعوانه من " البياعة ".
اكترى سي العربي غرفة في حوش " يامنة بنت الطاهر "  بحي الطوبة الخارجي . كان هذا الحوش مبنيا بطريقة تقليدية ، من سبع غرف بالحجر الكلسي و التراب مسقفة بالخشبة و القصب . يتوسطه  فناء مربع ينتهي بدخلة و ميضاء مشتركة و باب خارجي يظل مفتوحا نهارا و جزءا من الليل . سكنت هذا  الحوش المُعَدَةِ غرفه للكراء ست أسر إضافة إلى صاحبته العجوز.
لما اكترت  أسرة سي العربي غرفتها في الحوش لاحظت صاحبته و الجيران تلك الحالة البئيسة للقادمين الجدد . استنفرت يامنة بنت الطاهر الجيران داخل و خارج الحوش للقيام بالواجب . و الواجب هنا في مثل هذه الأحياء الشعبية هو مد يد المساعدة للغرباء ، تبدأ بإطعامهم .  فكل جار يكفي الأسرة طعام يومها على الأقل في أسبوعها الأول . و يأتي الجيران بما فضل عليهم  من أفرشة و ملابس و أواني و بعض النقود . من ليلتها أمست أسرة سي العربي مكفية و انستر حالها و سُرّ أفرادها .
عمل سي العربي كسائق تاكسي على الخط الرابط بين وجدة و بركان . و ساعده عمله هذا على التحرك اليومي على طول الحدود و التنسيق بين أعضاء " الخيط " في المنطقة . كان يعمل ليل نهار وفي  رأسه ألف مشكلة و مشكلة ، مما أثر على اهتمامه بأسرته . لبس قضية وطنه لبوسا و عمل على تصديرها إلى قلوب الناس . كان يردد على جلسائه و ركابه لازمة استجداء بلكنته الجزائرية  " خاوتكم راهم فالنار" . فتحن قلوب الناس و تجود بالمكتوب . يجمع سي العربي الفرنكات و يوزعها على الأسر الجزائرية  الحديثة العهد بالهجرة إلى وجدة . كان قلبه مدينة بحالها ، سكنتها محبة العباد . تجوع أسرته و لا يمكن أن تجوع أسرة جزائرية فطمها الاستعمار عن وطنها .
لما  تحسنت حاله ،اكترى  سي العربي لأسرته حوشا مستقلا في ذات الحي بأمر من أعضا " الخيط " الذين كانوا يتنقلون ليلا من غرب الجزائر إلى وجدة . يجتمعون و يتدارسون القضايا و يخرجون بقرارات و يبلغون أخرى ، و قبيل الفجر يعودون من حيث أتوا أو يبيتون في سرية و مع الظلمة  ينسحبون .
كان المخزن يعلم  بتلك الاجتماعات و نشاطات سي العربي عبر عيونه من الشيوخ و المقدمين ، و لم  يكن ليتدخل ، بسبب ذلك التعاطف الكبير مع الثورة الجزائرية . لكن الذي حيّر المخزن و الناس في وجدة تلك الجريمة التي ذهب ضحيتها سي العربي في مكان على الحدود  يسمى " الديوانا " ، إذ عثر بعض الرعاة على جثته في صباح ممطر.
علم المخزن أن في تلك الليلة الظلماء ، و مع منتصف الليل أنهى  أعضاء " الخيط "اجتماعهم في عجالة ، و طلبوا من سي العربي على غير عادتهم اصطحابهم إلى " الديوانا " لمقابلة أحد قياديي الجبهة .
لم يستسغ سي العربي الأمر و لم يَدُرْ في خلده الغدر أبدا من قبل من اعتبرهم طول حياته " خاوا " .
 و ازدادت شكوكه مع همهمات الرجال طول الطريق . فكر أكثر من مرة في الإفلات منهم لكن شجاعته ابتلعت تلك الرغبة في عناد الكبراء .
وقف الجميع أمام شبح رجل قصير متدثر في جلباب قصير يغطي رأسه و وجهه  بعمامة . هبّ سي العربي لمعانقة الشبح على عادة " الخاوا " ، لكن الشبح تراجع خطوة إلى الوراء و استل مسدسا من تحت جلبابه و ضغط على الزناد ، فخرجت رصاصة شرسة عمياء خرقت الجهة اليسرى لصدر عريض حمل قلب رجل نسي مؤرخو الثورة ذكر اسمه في مسودات " كِذابــــــــاتهم " .



 
  محمد مباركي / وجدة / المغرب (2010-09-28)
Partager

تعليقات:
ابروح /شفشاون 2010-09-29
هذه نهاية الشرفاء تكرمهم الذاكرة الشعبية وليس دواوين البلاط فمن باع الثورة والوطن غير الخونة المجاهدون يسلخون مثلا في سجون السلطة المتامركة لكن المجد والخلود للشهداء هذا ما تقوله القصة التي تصور بكل تجليات تاريخ لم يكتب نضال اخوتنا الجزائريين ادق تصوير عبر الامكنة و شخصية سي العربي من جهة رمز الوطنية والشرف
البريد الإلكتروني : aboroh@hotmail .fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أعضاء الخيـــــــط-محمد مباركي / وجدة / المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia