الحذاء-كريم الكارح - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

الحذاء

ونحن في أوج الاكتضاض ب" الدوزيام " دخل علينا يرافقه صوت الحارس:
- تكون مريض بالقلب ولا بلكبدة .. زيد قدامي  ن…

كانت الزنزانة تغلي بالبشر وهو  مثل التائه بين السجناء لايدرى هل يتقدم أم يقف في مكانه ، وهل يجلس أم يظل واقفا . كان حائرا وتائها وكأنه لم يع بعد أنه داخل السجن .

مر اليوم،ضاع خلاله في هرج الزنزانة ..وأتى الليل، فاقتعد كل سجين مكانه إما في مساحة آمنة يبلغ عرضها 20 سنتيمترا أو بين أرجل السجناء الآخرين ، دون أن ينتبه أي كان لذلك التائه . ولما لفت أحد السجناء انتباه " العسكري"(الكابران)  إلى أن هناك سجينا جديدا لم يجد مكانا للنوم ،أجاب هذا الأخير وهو واقف في أقصى الزنزانة :
- فلينم كل واحد في المكان الذي نام فيه الليلة الماضية.
وتردد في الفضاء نفس الصوت الذي يدافع عن أحمد قائلا:
- هذا حباس جديد مكانشي هنايا البارح .
تردد الصوت في أرجاء الزنزانة دون أن يجد له صدى، ثم  أطفأ المصباح الطويل الثالث والأخير الذي كان مازال مضاء وغرقت الزنزانة في ظلام دامس.

لما أفاق أول سكان الزنزانة صباحا وجدوا أحمد جالسا القرفصاء بين خيمة " داري " والمرحاض. كلما تململ ركله أحد السجناء أو نهره آخر .
تناول السجناء فطورهم ثم التفت بعضهم ناحية أحمد سائلا إياه هل أفطر أم لا، وكان هو مترددا في الإجابة حتى أنهم لم يعلموا هل حقا أكل في سهو منهم أم مازال على لحم بطنه منذ قدومه البارحة .
قدم له أحدهم كأس شاي ونصف خبزة من تلك التي تفرق  يوميا في السجن مدهونة بالزبدة . تلقف ما أعطوه بلهفة وتناوله بنهم من لم يتناول طعاما منذ مدة طويلة .
ولما فرغ من طعامه سألوه عن سبب مجيئه إلى السجن فأجاب باقتضاب :
- سباط* ..
ولما لاحظ الاستغراب على وجوههم أضاف:
- سرقوا حذاء واتهموني معهم.
وزادهم تقتيره في الكلام رغبة في معرفة حكايته ،فتبادلوا النظرات وفهم أحدهم أنهم يحثونه على الكلام فقال موجها الحديث لأحمد:
- من سرق الحذاء ؟ ومن إتهمك ولماذا ؟
أجاب أحمد :
- صديقاي وكنت بصحبتهما وظن رجال الأمن أني أيضا لص .
وعقب سجين آخر متسائلا :
- وأين هما صديقاك،لماذا لم ُيأت بهما معك إلى السجن ؟
رد أحمد دون أن يتخلى عن اقتضابه :
-لأنهما سجنا منذ خمس سنوات .
كانت لمة السجناء قد أخذت تتسع، لما سمع أحمد صوت سجين لم ير وجهه يسأل :
- وبكم حكم عليهما ؟
أجاب أحمد وهو مازال محافظا على نفس الهدوء والحياد وكأنه قادم من عالم آخر لا يمت لعالم السجن بأية صلة أو أنه يحكي عن شخص آخر لاصلة له به :
- بسنة.
تفرقت لمة السجناء واتجه كل واحد إلى مكانه لينام،فيما ظل أحمد جالسا القرفصاء في مكانه دون أن يجد مكانا بين أرجلهم .


كانت الزنزانة غارقة في نور الصباح لما نهض " الكابران " ، الذي كان أول المتجهين نحو المرحاض وما كاد يجد أحمد في جلسته تلك حتى نهره قائلا وهو يدفعه في كتفه :
-إنهض و ابتعد عن الطريق، وجد لك مكانا آخر..
فسقط أحمد على وجهه، وانحنى عليه " الكابران " متفحصا وجهه الذي أصبح ساعتها يميل إلى الاصفرار . فوضع " الكابران " يده على فم المسجون الجديد ثم على قلبه وتمتم :
-لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،إنا لله وإنا إليه راجعون .

بعد ذلك بنصف ساعة كان سجناء الزنزانة يتنازعون كل متاع أحمد الذي لم يكن سوى فردتي حذائه القديم …

تعني بالدارجة المغربية، حذاء *



 
  كريم الكارح - المغرب (2010-10-15)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الحذاء-كريم الكارح - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia