ايفان بونين و أعمال أدبية خالدة في الحب و المعاناة-مصطفى العوزي-بوعرفة -المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

ايفان بونين و أعمال أدبية خالدة في الحب و المعاناة

أقيم نهاية الأسبوع الماضي بمدينة  " يفريموف "  الروسية احتفال خاص بالذكرى المئة و الأربعين لميلاد الأديب و الروائي العالمي الروسي إيفان بونين ، في جو من الاعتراف الخاص بهذا الهرم الأدبي الكبير الذي عاش طوال حياته باحثا عن قيمة الإنسان الحقيقية في هذا الوجود التي تسموا به و تبوئه مكانة لا يضاهيه فيها أي كائن طبيعي أخر.
في مدينة  " فورونيج "  بجنوب غرب روسيا أبصر النور الروائي الروسي إيفان أليكسيفيتش بونين يوم 22 من أكتوبر عام 1870 ، من أسرة نبلاء قررت الانتقال بعد أربع سنوات من ميلاده إلى قرية " بوتيركي " الريفية لتعيش هناك بعدما لحق بها الفقر و العوز المادي ، في هذه القرية تعلق بونين بنمط الحياة القروية ، أحب الريف و عاش مع صبيان القرية على رعي الغنم و التيه في الحقول الشاسعة ، لتأتي الكثير من أعماله الروائية و القصصية تتغنى بالريف و الفلاح البسيط و نمط الكسب المتواضع و اليسير .
لم يتم بونين دراسته النظامية بالمدرسة إذ انقطع مبكرا عنها ، ليتلقى تعليما مستقلا من آخيه " يولي أليكسيفيتش " ، و بعدها ولج عالم الصحافة صحفي بجريدة " أورلوفسكي فيستنيك "التي شكلت له مورد رزق بعد إفلاس العائلة النبيلة و بيعها كل ما تملك ، فنشر قصائده الشعرية و قصصه القصيرة إضافة إلى عموده الأدبي الخاص بالجريدة ، و في سنة 1918 سيقرر إيفان بونين هجرة وطنه روسيا رفقة زوجته " فيرا مورمتسيفا " إلى بلد الأنوار فرنسا ، و ذلك بعدما عانى من شظف العيش و الأحداث المأسوية التي تكررت معه بشكل كبير و محزن ، لكنه مع ذلك ظل حاملا لحب خاص لوطنه و لشعبه و تقاليده خصوصا ما يتعلق منها بالحياة القروية و هو ما عبر عنه في أعماله الأدبية المتعددة ، و يعتبر الكثير من الباحثين في الأدب الروسي أن بونين واحدا ممن أحدثوا نقلة نوعية و قفزة كبرى في مسار الأدب الروسي وواحد ممن طوروا هذا الأدب و أغنوه شكلا و مضمونا . إضافة إلى تغنيه المطلق بنمط الحياة الروسية المتفردة ، فقد كان بونين رافضا للكتابة بغير اللغة الروسية و هو القائل بأن الكاتب لا يستطيع أن يكتب و يتقن فعل ذلك إلا بلغته الأم إذ أنها أكثر تعبيرا و أكثر ملامسة لحقيقة ما يكتب عنه ، كما أن الفرد لا يستطيع إتقان لغتين بشكل تام أبدا .
اشتغل ايفان بونين في أعماله الأدبية على تيمات محورية تتكرر في مجمل إنتاجاته سواء القصصية أو الروائية ، منها مثلا : الحياة بالقرية الروسية ، شخصية الفلاح الروسي البسيط ،نظام الطبيعة و قوانين سيرها ، الخير ، المعاناة  ...  فيصف مثلا حالته و معاناته بالمهجر " الموهبة هي الموهبة و مع ذلك فإن لكل صنوبرة غابتها التي تشخشخ فيها و لها ، فأين غابتي أنا ؟ و مع من و لمن يجب أن أشخشخ ؟ " ( ايفان بونين : الدروب الظليلة ، مجموعة أقاصيص ، دار رادوغا ، موسكو ، روسيا )  ، كما اشتغل على موضوعات  الجسد ، النفس ، قيمة الحياة ، و أخيرا الحب الذي كان دائما يحمل بعدا تراجيديا في أعمال بونين حيث ينتهي بالموت  و الزوال ،   في مجموعة الدروب الظليلة  نجد أن " ناديجدا  "التي تملك نزلا تظل حاملة لذكرى حب الرجل الذي حاول إغوائها في وقت سابق، تقول " الشباب يمضي لدى الجميع أما الحب فأمره مختلف " ( نفس المجموعة القصصية ) ، و لعل السبب الكامن وراء هذه النظرة السودوية للحب هو ما حدث لبونين بعدما باءت كل تجاربه العاطفية بالفشل ، فصديقته " باشينكو " التي عاشت معه مدة معينة هربت منه سنة 1895 و تزوجت من صديق له .
كتب بونين أعمالا روائية و قصص خالدة نجد من بينها : ، الدروب الظليلة التي كان يعتبرها محطة ممتعة و غنية في حياته و ترويحية تنسيه بعضا من مرارة المهجر و المعاناة الطويلة مع المرض و الفقر و التشرد ، كتب أيضا " زاخار فوروبيوف " ، " كأس الحياة " ،" الأشقاء " و سيد من فرانسيسكو " ، و كتب رواية قصيرة بعنوان " القرية " كان لها رد فعل إيجابي منذ صدورها سنة 1910 و حققت له شهرة كبيرة بروسيا و خارج روسيا ، لتبدأ الأضواء تتسلط على شخصية صاحبها المتفردة ، غير أن العمل الأدبي المتميز و الذي شغل اهتمام عشاق الأدب عبر العالم كان هو رواية بونين الخالدة  "  حياة أرسينييف " التي تحكي حياة الكاتب المأسوية عبر محطات العمر العديدة ،  فيها تتبدى صور الحياة الموشومة بالمعاناة و الحب الزائف ، و القنوط و اليأس .
في سنة 1933  منحت أكاديمية نوبل بالسويد ايفان بونين جائزة نوبل في الأدب لقاء روايته الرائعة " حياة أرسينييف " ، لكنه سرعان ما سينفق قيمة الجائزة المالية و يعود لحياة الإفلاس و الفقر و الحاجة من جديد .
عاش بونين عاشقا للسفر , فزار معظم أوروبا ، كما زار سوريا و مصر و فلسطين و خلد زياراته هذه بكتابة قصائد شهيرة تمتح من البيئة و الثقافة العربية و الإسلامية ، و من بين هذه القصائد نجد " ليلة القدر " ، " الهجرة " ، امرؤ القيس " ، " البدوي " القافلة " ، و في أسفاره هذه التقى كثيرا من الكتاب و الفنانين و المشاهير و احتكي بهم ، على سبيل المثال لقائه بتشيخوف القصاص الروسي العظيم .
و في عز أزمته الصحية و تشرده و حالة الفقر المدقع التي وسمت أيامه الأخيرة ، فقد حافظ بونين على روح الشباب فيه ، من خلال حدة ذكائه و ذاكرته القوية التي تحفظ كل ما تلقطه ، إضافة إلىو صفاء ذهنه ، و حيويته المعهودة .
 وفي يوم 8 نونبر من عام 1953 توفي بونين الكاتب العظيم عن سن تناهز 83 سنة مخلفا أعمال أدبية خالدة في الحب و المعاناة .



 
  مصطفى العوزي-بوعرفة -المغرب (2010-10-28)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

ايفان بونين و أعمال أدبية خالدة في الحب و المعاناة-مصطفى العوزي-بوعرفة -المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia