إسهامات الفلاسفة المسلمين في الحركة النقدية في المغرب العربي ابن رشد –نموذجا--د/ سليم بتقه - الجزائر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

إسهامات الفلاسفة المسلمين في الحركة النقدية في المغرب العربي
ابن رشد –نموذجا-

  ابن رشد    

مقدمة:
        عرف النقد الأدبي في معظم الثقافات الإنسانية، إن لم يكن كلها، فإذا كانت تلك الثقافات عرفت الأدب سواء كان شعرًا أم قصا أم تمثيلا في مراحل مبكرة، فإن من الطبيعي أن يفرز ذلك آراء نقدية حول ما يقدمه المبدعون. وقد حفظ التاريخ أراء نقدية قديمة، حيث كان لليونانيين دور بارز في تطوير فكر نقدي ما يزال مؤثرًا حتى اليوم بفضل تفاعل المفكرين والنقاد العرب المسلمين معه قبل قرون.
      لذا فإن دراسة النقد عند الفلاسفة المسلمين لا تتضح إلا في ضوء النقد عند اليونانيين ذلك أن الثقافـة العربية تدين للثقافة اليونانية التي تلقفها العرب وأفاضوا في تفسيرها والإضافـة إليها، حيث تأثر الفلاسفة والأدباء والنقاد والبلاغيون العرب بمن سبقهم من فلاسفة اليونان كأرسـطو وأفلاطون، حيث بدا هذا التأثر واضحا خاصة في كتاب (فـن الشعر) لأرسطو على الفلاسفة المسلمين أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد خاصة بعد أن قام  بشر بن متى سنة (328هـ)  بترجمة كتاب (فـن الشعر)،  ومن ذلك الوقت توالت التلخيصات والترجمات لهذا الكتاب، فقد قام بتلخيصه الفارابي، ثم قام بترجمته مرة أخرى ابن سينا وابن رشد، ومن ثم بـدأت نظـرية أرسطو في الشعر تجد صداها في نقد الشعر العربي، مع أن هـؤلاء الفلاسفة لم يخصصوا كتابات مستقلة بعينها للشعر أو للنقد.
أولا: الشعر عند ابن رشد:
     ينظر ابن رشد (ت595) إلى طبيعة الشعر أنها  تقوم على الخيال، فالشاعر عنده شخص غلبت قوته الخيالية على قوته النظرية، فالشعر بهذا الاعتبار يعود مصدره إلى عنصر نفسي هو إبداع الصور الخيالية المشوبة بالصور الحسية ولا علاقة له في جوهره بغيرها من الصور العقلية الخالصة، والصور الحسية، التي لا أثر للخيال فيها.
      وإذا كان أفلاطون (427-347ق.م) يرى كل الفنون ومنها الشعر قائمة على التقليد (المحاكاة)، وكذلك أرسطو (384-322ق.م) الذي ارتبطت به نظرية المحاكاة، فإن الفلاسفة الإسلاميين ومنهم ابن رشد اعتبر المحاكاة العمود والأساس في المديح، وربط بين المحاكاة والتشبيه، وهو أمر لم يقصده أفلاطون ولا أرسطو من هذا الاصطلاح .يقول:" والتشبيه والمحاكاة هي مدائح الأشياء التي في غاية الفضيلة".
     ترجع جودة الشعر عند ابن رشد وتمامه وجماله في الوصف إذا بلغ الشاعر في وصفه مبلغا يخيل إلى السامعين كأنه محسوس أمامهم يبصرونه، ويرى أن هذا اللون من الوصف الرائع يتوفر عليه الشعر العربي، ويذهب إلى أن المتنبي أفضل من يوجد له هذا النوع من التخييل و من وصف الأحوال الواقعة في الحروب،(1) وكذلك الأمر لدى امرئ القيس وذي الرمة.
     يلجأ الشعراء العرب في أشعارهم إلى استعمال ما يسميه ابن رشد بالتخيل وهو المقصود عنده بالمطابقة فقط، بمعنى وصف الأشياء الخارجية من الجماد والحيوان والنبات، وهذا اللون من الوصف كثير في أشعار العرب. ويغلب على الشعر العربي في نظر ابن رشد محاكاة أشياء محسوسة بأشياء محسوسة، وجل تشبيهاتهم راجعة إلى هذا. كما يوجد فيها تشبيه أمور معنوية بأمور محسوسة بكثرة.
     بيد أنه يحكم على شعر المتنبي بأنه "أقرب إلى المثلات الخطبية من المحاكاة  الشعرية"(2)  وذلك  أنه يستعمل الإقناع والتصديق الأمر الذي يليق بالخطابة وبالمنطق العقلي، ويلاحظ ابن رشد أن الشعر العربي يعتمد كثيرا على المحاكاة التي تقع بالتذكر، ويعني به أن يورد الشاعر شيئا يتذكر به شيئا آخر، فتذكر الشعراء العرب الأحبة بالديار والأطلال مشهور في شعرهم، ومن هذا الضرب أيضا تذكر الأحبة بالخيال أو الطيف وإقامته مقام المتخيل.
قال ابن رشد : "وتصرف العرب والمحدثين في الخيال متفنن، وأنحاء استعمالهم له كثير ولذلك يشبه أن يكون من المواضع الشعرية الخاصة بالنسيب وقد يدخل في الرثاء كما قال البحتري:
خلا ناظري من طيفه بعد شخصه         فيا عجبا للــدهر فقد على فقد (3)
    وأما النوع من الشعر  الذي يبالغ صاحبه في الكذب فيعتقد  ابن رشد بكثرته في أشعار العرب (4)  والمحدثين وهو ما يستعمله من دعاهم بالسفسطائيين من الشعراء، يقول: "وهذا كثير موجود في أشعار العرب، ولكن قد يوجد للمطبوع من الشعراء منه شيء محمود مثل قول المتنبي :
لبسن الوشي لا متجمــلات          ولكن كي يصن به الجمـــالا
وضفرن الغدائر لا لحســن         ولكن خفن في الشعر الضــلالا (5)
      ومن السمات التي يتميز بها الشعر العربي ما يسمي بالتشخيص، حيث يضفي الشاعر الحياة والنطق على الجماد. قال ابن رشد : "وها هنا موضع سادس مشهور يستعمله العرب وهو إقامة الجمادات مقام الناطقين في مخاطبتهم ومراجعتهم إذ كانت فيها أحوال تدل على النطق مثل قول الشاعر:
وأجهشـت للتوبـاذ لما رأيته             وكبر للرحمــن حـين رآني
فقلت له أين الذين عهـدتهم             حواليك في أمن وخفض زمـان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم         ومن ذا الذي يبقى سوى الحدثـان (6)
ثانيا: وظيفة الشعر عند ابن رشد:
     وإذا كان للشعر فعله في نفسية المتلقي، فإن فإن ابن رشد اهتم بالجانب الأخلاقي في هذا التأثير، ولذلك قارن بين اليونان والعرب في هذا المجال فقال : "وأما اليونانيون فلم يكونوا يقولون أكثر ذلك شعرا إلا  وهو موجه نحو الحث على الفضيلة، أو الكف عن الرذيلة، أو ما يفيد أدبا من الآداب  أو معرفة من المعارف". (7) فالشعر اليوناني يحث على الفعل الخلقي و يمجده، أما الشعر العربي فيصف الأشياء  والذوات والانفعالات، فالشعر العربي فيما يذهب إليه عبد الرحمان بدوي ذاتي عاطفي، و الشعر اليوناني إرادي يكاد يكون موضوعيا، أي أن الشعر اليوناني ذو طابع أخلاقي فعال، في حين أن الشعر العربي ذو طابع انفعالي فهو شعر المتعة و اللذة. فالشعراء اليونان يمدحون الأفعال الخلقية و ينفرون من الأخلاق غير الخلقية. (8) لذلك نجد ابن رشدي يهاجم شعر الجاهلية هجوما عنيفا قائما على معيار خلقي يقول: "ولكون أشعار العرب خلية من مدائح الأفعال الفاضلة، و ذم النقائص أنحى الكتاب العزيز عليهم و استثنى منهم من ضرب قوله إلى هذا الجنس".(9)  مشيرا بذلك إلى قوله تعالى : ((والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله وانتصروا من بعدما ظلموا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)).(سورة الشعراء،224_227).
      فالشاعر يصور هوى نفسه، و مشاعر ذاته، وهيمان هواجسه، وهذا الرأي ذهب إليه الفرابي أيضا فيما يذكر ابن راشد: "و إن كانت أكثر أشعار العرب إنما هي كما يقول أبو نصر في النهم والكدية".(10)
    جعل ابن رشد للشعر مقياسا أخلاقيا تربويا، حيث جعل له وظيفة اجتماعية منصبة على أثره في السلوك الإنساني، وبناء على ذلك هاجم الشعر الجاهلي لأنه في أغلبه يعبر عن الأهواء واللذات والرغبات والتكسب بالمدح وخاصة النسيب الذي ينطبق عليه تفسير فرويد للأدب على أنه لغة الرغبة، فيدعونا لقراءة الأثر الفني على أنه لغة الشهوة. قال ابن رشد: "و ذلك أن النوع الذي يسمونه النسيب إنما هو حث على الفسوق، لذلك ينبغي أن يتجنبه الولدان". (11)
   ومع ذلك فهو يعترف بوجود قدرا من  صور الفضائل في الشعر الجاهلي،  فهو يقر بما له من نماذج تعبر عن الكرم و الشجاعة، وهذا النوع من الشعر هو الذي ينبغي أن نهذب به الأطفال ونؤدبهم فقال :"و يؤدبون من أشعارهم بما يحث فيهم على الشجاعة و الكرم فإنه ليس تحث العرب في أشعارهم من الفضائل على شيء سوى هاتين الفضيلتين  و إن كانت ليس تتكلم فيهم على طريق الحث عليهما، وإنما تتكلم فيهما على طريق الفخر". (12) 
      ويذهب ابن رشد في تلخيصه لجمهورية أفلاطون إلى أن شعر العرب في الجاهلية يعج بوصف اللذات الحسية، وهو أمر يضر بالشباب لذا يجب تحذيرهم الشباب من الاستماع إلى هذا الشعر وما أشبهه. (13)
   ويجب أن تهمل العبارات التي تؤدي إلى الاهتمام باللذات، فالشباب ينبغي أن يستمعوا إلى العبارات التي تحذرهم اللذات والانغماس فيها لأن مراقبة النفس كما قال أفلاطون لا يمكن أن توجد إلا مع الاعتدال وتجنب اللذات الحسية.(14)
    ويرى وجوب منع هذه الأشعار التي تجري على عادة الجاهلية في وصف الأشياء التي لا ينبغي أن توصف (صهيل الحصان ونهيق الحمار) ولا يسمح للشعراء في المدينة أن يحاكوا كل شيء كما اتفق حفاظا على الذوق والخلق، وعلى سلامة المدينة وقوتها، فإن تقليد الأشياء الرذيلة، أو التي ليس لها تأثير فيما إذا كان شيء ما ينبغي اختياره أو تجنبه كما هو الحال في كثير من أشعار الجاهلية أمر ليست تدعو له أية ضرورة في المدينة، والشعراء في هذه المدينة بالأحرى يجب أن لا يسمح لهم إلا بوصف النساء اللامعات وأمانتهن، وبصفة  عامة الفضائل الخلقية، كما أنه لا يسمح لهم بوصف أي شيء اتفق، وهذا أيضا ينطبق على الرسامين فلا يجوز لهم أن يرسموا الرذائل، لأن المدن الفاضلة في حاجة إلى أن يكون أطفالها لا يسمعون الأقوال الجميلة فحسب بل يرون أيضا الأشياء الجميلة. وهكذا فإن الأفعال الجميلة تغرس في أنفسهم بجميع أوجهها. (15)  
    لم يجعل ابن رشد للشعر و الفن وظيفة أخلاقية تربوية فحسب، بل جعل وظيفة اجتماعية سياسية، ولذلك هاجم الشعراء الذين يمدحون الطغاة والمستبدين من الحكام ويفضلون التملق إليهم والعيش في كنفهم، و يخبرونا ابن رشد أنه رأى كثيرا من الشعراء ومن الذين نشأوا في المدن الأندلسية يفضلون هذا اللون من الحكم الطاغي، ويعتقدون أنه الغاية القصوى، وأن هناك ميزة وفضيلة في النفس الطاغية، و يرون الدوام لهذا الحكم. (16)
      يمكن القول بأن ابن رشد قاس الشعر بمقياس فلسفي أخلاقي وجعله خاضعا لخدمة المجتمع وللتربية الصالحة، و إذا كانت الغاية من الفن عند أرسطو هي اللذة الجمالية، فإنه مع ذلك لم يضح بالقيمة الخلقية، فهو لا يرضى للبطل في التراجيديا أن يسقط أخلاقيا. إن ابن رشد ابن حضارته والحضارة الإسلامية حضارة ذات طابع أخلاقي وليس معنى هذا أنها تنكر القيمة الجمالية وإنما تعطي الأولوية للحق وللخير إذا اقتضى الأمر، على الجمال.
    ومن جهة أخرى فإن حكم ابن رشد على الشعر العربي يبدو شديد القسوة، ولكن الواقع أنه يقصد به الشعر الجاهلي، إذ يذكر "شعر العرب" مقابلا "لشعر المحدثين" تمييزا بذلك بين شعر الجاهلين وشعر الإسلاميين فلا يمكن أن ننكر العناصر الأخلاقية في الشعر الإسلامي، بل أنه لا يمكن لنا أيضا أن ننفي الصبغة الأخلاقية نفيا كليا عن الشعر الجاهلي إذ أن ابن رشد نفسه يعترف بما في الشعر الجاهلي من تمجيد للكرم وأن كان يقصر الصبغة الأخلاقية في الشعر الجاهلي على صفتي الشجاعة والكرم فحسب، و يشارك الفارابي ابن رشد في هذا الحكم القاسي.
     وما كان يخلو منه شعر العرب في الجاهلية قد وجد في القرآن و لذلك قال ابن رشد: "وينبغي أن تعلم أن أمثال أنواع هذه المدائح الأربعة للفعل الإرادي الفاضل غير موجودة في أشعار العرب، وإنما هي موجودة في الكتاب العزيز كثيرا". (17) وتنبه ابن رشد إلى أهمية الشعر القصصي وإلى عدم توفر الشعر الجاهلي عليه، فبين أنه قليل في هذا الشعر، ولكن توجد القصص في القرآن وأشار إلى أن الشعر القصصي له تأثير بالغ فيمن صدق به،  وأشار إلى قصة يوسف و إلى قصة إبراهيم الخليل -عليهما السلام- وإلى ما لهما من أثر في النفس سواء كان الحزن أو الخوف كما في قصة إبراهيم أو الرقة وما يحث على العمل كما في القصة  يوسف، و ما إلى ذلك من القصص القرآني الذي يقصد به عظة النفس وتحريك الدوافع الأخلاقية، و يلاحظ ابن رشد أنه إذا وقع أي شك في هذه القصص فإنها تفقد تأثيرها وذلك: "هو السبب في أن كثيرا من الذين لا يصدقون بالقصص الشرعي يصيرون أراذل".(18)
ثالثا: بين ابن رشد، أفلاطون، وأرسطو:
      ويبدو ابن رشد قد تأثر بأفلاطون في وضعه الشعر والفن عامة في المرتبة الثالثة من الحقيقة، و في طرده للشعراء من مدينته الفاضلة لأنهم يؤثرون تأثيرا سيئا فيمن عداهم من الناس، ويشوهون الحقائق، ولا يفهمون ما يعبرون عنه، وما يصفونه من أشياء وأفعال، ولكن ابن رشد لا يوافق نظرية أفلاطون في نظرية المثل ولذلك فإنه غلبت عليه المعايير الأخلاقية والاجتماعية من جهة، والمنطقية من جهة أخرى إذ ليس القول الشعري والخطابي والجدلي كالقول البرهاني، فالشعر عاطفي خيالي لا يصلح إلا للجمهور، بل إنه يؤثر تأثيرا سيئا في الجمهور إن كانت صبغته غير أخلاقية .
  والواقع أن ابن رشد تبعا لأرسطو يرى أن من عيوب الشعر أن يترك المحاكاة الشعرية وينتقل إلى الإقناع والأقاويل التصديقية، وخاصة إذا انضاف إلى ذلك أن كان القول هجينا قليل الإقناع، و أن كان قد يحسن إذا حسن الإقناع أوكان صادقا، (19) ومن ثم فهو لا يتمسك كثيرا بالجانب المنطقي في الشعر إذ طبيعة الشعر لا يمكن أن تكون خاضعة لقوانين المنطق العقلي خضوعا تاما، فيبقى ابن رشد إذن متمسكا أشد التمسك بالمعيار الأخلاقي متفقا في ذلك مع أفلاطون الذي فهم من الشعر أنه يغذي الأهواء و يضعف الرجولة و يعزل العقل الذي ينبغي أن يسيطر على الأهواء ويحد من رغبة الإنسان الطبيعية إلى ذرف الدموع  وأدرك أفلاطون من اللذة اللذات الحسية، إذ يرى أن الموسيقى أيضا قد تفسد الناس لأنها تهدف إلى إرضاء الجمهور فلا ينبغي للشاعر أن يثير الانفعالات، ولا يأذن أفلاطون إلا بمدائح الأبطال والأناشيد الدينية التي تلتزم الحقيقة. أما أرسطو فلا يرى أن الشعر مدرسة تعلم الأخلاق والتربية الصالحة وإن كان لا يقبل أن يعرض على المسرح الانحطاط الخلقي، وأن بطل القصة ينبغي أن يكون ذا خلق ممتاز، و هذا الموقف الأرسطي يخالف التقاليد اليونانية التي ترى أن رسالة الشاعر تهدف إلى تهذيب الشعب و ترقية أخلاقه
          فموقف ابن رشد ليس أرسطاطاليسا محضا ولا أفلاطونيا محضا، وإنما هو موقف حضاري إسلامي يرى أن الشعر والفن عامة مرتبط بالالتزام ، والفن في نظر الرسالات والمصلحين والثائرين إنما هو في خدمة المجتمع، وخدمة الرسالة الخلقية  أما إذا انساق الشاعر مع أهوائه ولذاته فقد نزل شعره من أن يكون فنا وأصبح ضربا من وحي الشيطان، لذلك نزه القرآن النبي من أن يكون شاعرا يهيم في أودية الخيال، أو كاهنا يسحر الناس بسجعه وأخيلته وتصويره لما سيحدث من الحدثان، قال الله تعالى: ((وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين)) و قال: ((وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون إن هو إلا ذكر للعالمين)) .

خاتمة:
      يعد ابن رشد واحدا من الفلاسفة الذين ترجموا كتاب (فن الشعر)، و يعتبر أيضا الوحيد الذي اختلفت ترجمته عن باقي الترجمات والشروح ، فقد لوحظ عليه سوء الفهم للمصطلحات الواردة في الكتاب، ورأى البعض أنه أخطأ في ترجمته، وذلك يرجع إلى تخلصه من الأمثلة التي أوردها أرسطو للنصوص الأدبية اليونانية واستبدلها بالنصوص العربية من شعر وآيات قرآنية، وهذا هو ما جعل الكثير من النقاد و الباحثين يظنون أن ترجمة ابن رشد لكتاب أرسطو عبارة عن كتاب مستقل تمتزج فيه أقوال أرسطو مع أقوال ابن رشد، ولكنه استطاع أن يسهم في تحولات كثيرة، تجلت فعاليتها النقدية في قضايا عدة.
     وإذا كان ابن سينا والفارابي قد توليا طرفاً من التحول الفلسفي للنقد في المشرق العربي، فإن ابن رشد قد عرف الأندلسيين بكتاب (الشعر) لأرسطو، وأعطى النقد بعداً فلسفياً لا نحسبه يماثل ما توصل إليه المشارقة.
     لقد ساهم الفلاسفة المسلمون في تنشيط الحركة النقدية الأدبية مستفيدين من ثقافاتهم ومعارفهم التي تلقوها عن الفلاسفة اليونان ومن ثراء النقد العربي وحركته المكثفة التي سادت ذلك العصر، ساعين في ذلك إلى توثيق التواصل بينهم وبين النقاد مضيفين لبنة في صرح الحضارة العربية الإسلامية.



  1-ابن رشد: تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر، تحقيق سليم سالم، القاهرة، 1971، ص124-125
2-المرجع نفسه
3-المرجع نفسه، ص: 118
4-يبدو أنه يقصد بالعرب هنا الجاهليين.
5-المرجع السابق، ص:121
6-المرجع نفسه، ص:122
7-المرجع نفسه، ص:68
8-عمار طالبي: موقف ابن رشد من الشعر، مجلة الأقلام، دار الجاحظ بغداد، عدد 11، 1980، ص:74
9- الشعر، تحقيق عبد الرحمن بدوي، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1966، ص:17
10- المرجع نفسه، ص:67
11- نفس المرجع، نفس الصفحة.
12- نفس المرجع، نفس الصفحة.
13- نفس المرجع ، نفس الصفحة.
14- المرجع نفسه، ص:24
15- عمار طالبي: موقف ابن رشد من الشعر، ص:74
16- المرجع نفسه، ص:141
17- ابن رشد: تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر، ص:128-104-105-123
18 - المرجع نفسه، ص:104
19- المرجع نفسه، ص:161
  د/ سليم بتقه - الجزائر (2010-11-08)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

إسهامات الفلاسفة المسلمين في الحركة النقدية في المغرب العربي
ابن رشد –نموذجا--د/ سليم بتقه - الجزائر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia