بينَ اليـأْسِ و الأمَل-أحمد حضراوي -رنيه - بلجيكا
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

بينَ اليـأْسِ و الأمَل

  أحمد حضراوي    

يا عاشق الحلم هلاّ قمت تسمعني           أم أنت في الحان كالسُّمّــار تجهلني
هاموا و ما عن سموق الشّبل قد سمعوا     و قد سجاه العلا بالشّأو إذ يفني
الصّوت قد جفّ مكلوما كبعض صدى            إن قلـــت آه يــــردّ الآه في كـفـــن
و الصّدر قد ضاق في يأس يخامره               لم يستطبـــه مــع الأيـــــام في محـن
و القلب فاض أسى في نبض عـاصفة         هبّت على الحزن حزنــا غير مندفن
من أين أبدأهـا أقصوصة شحبـت                من أين أبــدأ و الكتمـــان أرّقـني
من دمع طفل بجنح اللّيل منسكب            و الدّمع قد ألهب الإشفاق أيقظني
من عين أُمّ و قد هانوا العفـاف بها             و قاسموهــا فراش الطّهر في سكن
من فرط حزن أب أهدى العيون إلى            أرض الحمى،صغرت في عتمة الوطن
من كرب أُخت سباها العجل مكرهة           مضى بهـا نحو قيد السّبي في حَزن
من عمر شيخ عتيّ صان شيبتـه              من وصمة البؤس قد شـابت مع الحِين
من شمخ شعب فريـد و العرين حمى        حتّى غدا لاجئــا في مظلم المدن
أبكي صلاحا، عمـاد الدّين دمع دم            حارّ،و أبكيك نور الدّين بالجفن
ما جفّ دمعي و إمّا جفّ أُرسله                دمعـا غزيرا يغيـث القلب بالمنن
أبلاه صيف الدّنا مستـأثرا بأسى               فجـاد غيثــا شتــاء راوي الفنن
هبّ الأعادي علينـا مثل زوبعة                  تذرو محافلنـــا رمـلا لـذي سنن
كأنّهم قفــر صحــراء بهـــا نثرت                 عين الدّياجي بذور الشّوك للزّمـن
شاخت سطور العلا فالمجـد منتهر            منهـا سنـــانا يُعزّ القــوم في غـــبن
دنت دماء تجوب الأرض حـالمة                 تهزّ شوقا لطيب الخُلد في عدن
رنت لنـــاصية الإكليـل موسِعـــة              أبوابه السّبع تجلـو عرشــه اليقـن
العدل و الفضل و الإيمــان رايتـه               و العـــــزم لم يُـدْنِ من كَلّ و لا حـزن
و عروة أُوثقت في الدّرب مثل صِــوى        و الصّدق و السّبق و الإصـرار في قنن
و العهـد بِشر و أيم الله مشتعـل              كشمعـة النّــور بالأحــلام تلهبــني
حتّى أطلّ زمان دار مثل رحى               لرايــة المجـــد قد وارى و للــكين
سفـا زمـــانا جلا الأيـــام نـــاقمة           على زمــان يصون الــودّ للخـدن
يهين سعـــدا و عمّـــارا و ثلّتهــم           و قد أبى منهمو سيف العــلا الفطن
سفا تتارا على الأشجار قد وثبوا           قطعا و حرقــا لغصن غضّ كالفنن
سفا تتــارا نُهـــوا عن يمّ حمرتـــه          أن يغرقوا ويحهم في غير ما سفن
أردوا ألوفـا و هزّوا العرش منفلتــا           و حطّموا صولجــان الملك يحرسني
أرض الحمى وطئوا حصنُ الحصون غدا    في زحفهـم رمــل أقـــدام تُغبّرنـي
في كلّ بيت دماء قد جرت نُهُرا               كأنّهـــا مــوج طوفـــان من اليمــن
مسـاجد زانهــا الآذان مبتهجــا               صليبهــم علِــق الجـدران في أمن
و البطش كفّ الصّليبيّـين تفضحـه           شريعة الرّاهب الجـــلاّد مفتـــتن
بعد الصّــلاة دعــاء، ثمّ جــارية                تــأتي لتوعظ بـــابا الدّين بالقــين
همّت إليـــه بمحراب و صومعــة              من خلفهــا جرّت الخنزير كالوثن
يقيء قيئــا ملا كاســات سيّـده             يدمي دما أحمرا قد لذّ كالجـُبن



يا لاهيـا قد دنـــا للّهـــو مهجتـــه        هلاّ عرفت خطـوب الدّهر و الفـتن
جليلة سودهــا ناحت بدائرهــا        خلف الغيوم الّتي احمرّت بدمع فني
و النّفس بينهما ضاعت ملوّعة        و الرّوح بعدهما طارت بلا بدن
قد مزّق السِّـتر يا أيّـــام بهجتنــا        بالسّرّ لمّا ضياه اشتدّ في حسَن
العمـر مـرّ كئيبـــا ليــت يسعـــده        نور جديد كجونــاء الورى البـين
ولىّ يجرّ المـآسي و هْي ســادرة        تطوّح الحلــم في أرجوحــة الزّمن
لو أنّ طفلا رآهـا كان شـاب و إن        لم يملئ الشَّعر رأس النّاظر الجَحن


أبكي، فهل لدموعي من يشاطرها        دمعا و نوحا و إلاّ ليت يرحمـني
عابوا عليّ نواح الصّدر أُرخصــه             و ما نواحي سوى ما كان من قــين
ساجــوا قيودهمـــو في كلّ رابيــة        و أوثقوا القيد في أرضي و في كيــني
و القدس حولي كأمّ و هْي ذاهلة        نادت و نادت فمـا من هبّ للعــوَن
قد صرت في بُعدها لا نبض لي و أنــا     بين النّوى أرقب الأحزان تسلبـني
مسرى الرّسول الكريم الفضل مصطـرخ  و أنتمو عنه في شغل و في طحـن
كأنّني بكمـــو و القــــــدس تعتُبــكم        بلا وثــــــاق و لكن ليــس تعتبـــني
تسقي لخـاذلها أحجــار مرتعهــا            تدعوهمو ما صلاح سنّ للضّمن
فالسّلم ما سلموا و الحرب ما جهلوا       إنّ الدّمـــــار بهم قد هــام في هون
لو أطعمونا غثاء الأرض تزهـده                لو أشربونــا شراب الهيل كالعفن
لو مزّقوا فلذة الأكبــاد ضــارعة                تستعطف المجرم الماضي لمـا يكن
فإنّ عفـــو صلاح ظــلّ يوسعهــم              إذا هرمو رجعوا عن نــاحلي البنن
أو يهجروا أمّــة الأشــلاء نــاهرة                 في خطوهم عتمة الأوطــان في وطــن
كانت به العين لا ترنو الزّهور سوى           فوق القبور لتؤوي غير ذي سكن
تغلي دمــائي بكلّ البغض نحوهمو           و تسبق السّبق فيها نحو من يقــــني
من أمّتي سخروا في كلّ معصمهــا            ِلمحوهـا حشدوا أسطـــورة الوثن
من كلّ فجّ أتـوا، جرّوا مدافعهم               من فوق غيم عيون الطّـير ترقبـني
من تحت موج نذير الموت قد بعثـوا            قبورنـــا مــلأت من كلّ منــــدفن
لم تثنهم عن حصون الدّين رادعة             فخِلتُ أنّ حصون الأمس لم تكن
و أعظموا الزّحف في نفسي و في بلدي     و قمت أخطو و صوت الخطو زلزلــني
و سرت رغم الّذي قد كان مضطرما             أرجو لقــاء الرّدى قد ظلّ يطلبني
شغفت بالكأس قد دارت لتبلغـني              من كفّه استرسلـت في سـالف الحين
عشواء قد خبطت من أخطـأت هرم             و من أصابت أماتت دونمـا ثمن
حتّى أبــاد الرّدى سيفي و كنت أنـا           مخلّـــــدا بلقــــــــاء الله في عـــدن
في الصّدر آيـات ربّي دُمت أحفظهـا            " ألا فميلوا على عـاد و متّكن "


يا صفحة مُدّدت سوداء راسيـة                  في جبهة الدّهر ما ابيضّت بلا وهن
فرع غضوض بجود الحبّ يزرعه                    يسوجه الشّوك لم يقطــف و لم يلن
بروح صبّ يفوح العشق طيف منـى             يخاله الطّير عطـر الـــورد لم يهــن
لكنّ حســب فـؤاد ينْـــع نبضتــه                  و إبرة القـوم وسْــط اليــمّ مؤتمــن
جاءوا إلى "جوسلين" ربّما لجأت    إليه من وحشة الأمواج و الحقن
هفوا إلى اللّحن عذبــا و الشّذا طرِبــا        و خير لحن دمــاء تمْـــحُ كلّ دني
و البذل بذل لعليـــاء و مكرمــة        و الشّوق شوق لأيــام مع الخـدن



يا قوم صوت الجهاد اعتاد أرضكمو        نادى بكم فطرة الأسيـاف في حنن
من فوقنا رفرفت كالطّير يطربنا        إذا الوكون جفـاها لحنه الشّجن
و غبطة الطّير في الأنغام يرسلهـا        على نسيم الهــوى يغفي رؤى الجفـن
يـا صــاغر الخــدّ للأيّـــام توهنــه        هلاّ صبوت إلى العليــاء تطربـني
شُدّ الرّحال إلى الأعـداء تصرعهم        أسمِعهم الحقّ صوتــا ظلّ يلهمـني
و دعك من شرف الأجداد قد هلكـوا        و اختر لنفسك دربا ظلّ يفتنني
قم حطّم القيـد عن صبح يبشّرنا        بمنبع الكفّ و الأسيــاف كالجمن
ما خطب قوم يواروا الغيظ أفئــدة        لو فجّروها لكانت أعظم الدّشن
أغروا هواهم جفاء دونمـا سـأم        و البين جافــاه بينٌ في هوى الرّعن
في شيبة العمر قد أندوا نفــاقهمو        حجا صغار الهوى و الأمر في ذعـن
و خرّبوا موضعـا أركانه ارتفعـت        يوما بأغلى جهــاد دامي الدّكـن
لكنّــني جئتهـــم أرثــي معـــاقلهم        و القلب عندهمو قد عـاش للثّخن
لا يذكرون دعـاء الفضل من صبــإ        و الصّدر يسهـو فيقسو قســوة الجرن
هلاّ لغُنْم أتــوا لمّـــا خشوا لهبـــا        أم أنّهم خجلــوا من صــارم زكن
إنّـــا إذا نحن قمنـــا نبتغــي ألقـــا        لم يكتم العجل سرّا ظلّ في الذّهَــــن
قومُ الرّدى نحن أو فالنّصر موعدنــا        عيوننا ما غفت عن سنّة الزّمن
نتوق للمجــد عنّــا الوهـن جرّده        و اللّهو لمّا رآنـا في هوى الدّخـن!



 
  أحمد حضراوي -رنيه - بلجيكا (2010-11-22)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

بينَ اليـأْسِ و الأمَل-أحمد حضراوي  -رنيه - بلجيكا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia