"خبز الله" و النص الزرادشتي، بين الكتابة الشريدة و الكلمة العنيفة، قراءة رغم أنف النص-أوعبيشة علي الحسن - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

"خبز الله" و النص الزرادشتي، بين الكتابة الشريدة و الكلمة العنيفة،
قراءة رغم أنف النص

خبز الله، بيان ضد السستمة ،إنه صرخة زرادشتية ضد كل ما هو نظامي ، ضد الكتابة التي ترتدي بخشوع ذلك الهندام اللبق لأنها لا تتقن دور اللعب الوقور. خبز الله من الأعمال التي تفضل البوح و بكل ثقة عن كل ما تريد أن تؤجله بعد استحضاره.
   خبز الله كتابة تحاول أن تسرد الأشياء الأفكار …بطريقة مختلفة ، تبتعد بها عن سجون الترتيب و التنظيم الفائقين صوب رحاب ما قد يشكل لدى البعض فوضى سردية ، التي تنم   عن موقف نيتشوي عبر عنه على لسان زرادشت بقوله " يجب أن تحملوا في داخلكم الفوضى كي تكونوا قادرين على خلق نجمة راقصة "1 .
    نصوص خبز الله هذا المولود المدلل المشاغب و المتمرد على كبرياء القصة القصيرة و أعرافها ، تعبر عن رغبة جامحة في التميز و الاختلاف ، ليس من أجل " خالف تعرف " بل لأن صاحب الخبز مؤمن بأن التبعية تقتل روح الإبداع ، فكل محاولة أدبية ، فلسفية … خالفت من أجل أن تعرف ولدت ميتة…
   فالاختلاف ميزة المبدع الحر ، الذي لا يرضى بالعيش تحت سقف الالتباس – بمعناه الهيدغري – و لا يرضى أن يكتسب قوله معقوليته من عدم خروجه عن سطر الكتابة ، المبدع الحر هو الذي يخط طريقه طلاسما تؤدي إلى أي مكان و لا تؤدي إلى أي مكان . هو الذي يجعل من نصوصه شطحات تقفز و ترقص في نفس الأن ، هو الذي ينصت للهامش و يتحدث عنه بكل جرأة دون أن يسقط في أسر الهامشية …
 
-2-
 
    نصوص خبز الله ، ليست بنصوص عادية ، و ربما أصلا ليست نصوصا ، بمعنى أنها عصية على تحديد نوعية كتابتها ، و هذا سر من أسرار تميزها …
  
    نصوص خبز الله قادرة على جذب انتباه القراء إليها رغم غرابتها أو ربما بسبب غرابتها و تنوعها و طبيعة أسلوبها المتمرد ، الذي يمزج بين العمق الفلسفي المتمثل في أن نصوص عمر علوي مأهولة بمعاني كبرى تضرب بجذورها في تربة الأونطولوجيا ، و بين البعد الشعري الذي أضفى على نصوصه طابعا جذلا و مرحا ، إلى حد أنها تنقذ ف  في مخيال المتلقي على صورة خرائط ديونيزيسية.
 
-3-
 
   في نصوص خبز الله ليست الكتابة ضرب من الصلاة كما قال كافكا ، لأنها كتابة لا تركع لأحد حتى لنفسها ، إنها لا تطيق الخضوع ،   لأن حمولتها الجذلة تجعلها دائما تؤجل فعل الخشوع إلى ما لا نهاية .
 
 
-4-
  
    و أنت تقرأ "خبز الله" تجد نفسك مرميا في حضن نص لا يشبه باقي النصوص ، لأنه لا يبتغي إيصال رسالة أو تبليغ فكرة بالشكل المعتاد ، إنه لا يحلم بالارتماء في أحضان القارئ واضحا و مفهوما ، إنه ضد البداهة و الوضوح و الضفاء ، ضد النص ، إنه فعالية تنقض ذاتها .
    نصوص خبز الله لا تتشابه ، إنها أشبه بأفورزمات قصصية تحكي بلغة مرحة أفكارا حية ، نصوص منسجمة لأنها غير منتظمة ، و غير معدة للانتظام فحتى ( ق،ص وة)
التي  تفصل بين النصوص الأولى و الثانية و الثالثة ، ليست سوى فجوات غير بيضاء ، إنها فارغات ممتلئة تريد البوح صمتا …
   نصوص خبز الله لا يحكمها مبدأ معين و لا يضبطها منطق محدد ، إنها تسرد بلغة جذمورية متشظية تنشد معاني مؤجلة ، عبر جسر وسط متكون من خطوط لا متناهية ، لا تصدر عن منبع محدد ، و لا تغطيها سحابة ، و لا تتعبها حمولة ثقيلة .
-5-
 
   قصص عمر علوي نصوص بتنورات قصيرة كما يحلوا له أن يسميها لأنها تنبثق و هي شبه عارية   و في كثير من الأحيان عارية تماما ، إنها لا تحكي بتكلف و لا تسرد بخجل ، لأنها لا تحمل أثقالا و لا تلبس حجابا ، إنها حرة مرنة و سائلة لكن ليست مائعة ، إنها لا تأخذ شكل الوسط ، بل إنها هي التي تفرض نفسها على الوسط .
 قصص عمر علوي لا تتستر خلف حجاب اللغة و الكلمة ، بل اللغة معها – و فيها- تزين نفسها بتنورة قصيرة تراقص انطباعات القارئ ، تجعلها تدخل في علاقة شبقية مع المتلقي الذي يتلقى كلمات نصوصها على شكل قبل إيروسية  بالغة القسوة و العجرفة ذات الأنوثة الطبيعية الفائقة.
     قصص خبز الله تجعلك تقرأ بجسدك ، بعقلك ،بمخيلتك ، بذاكرتك ، بعواطفك ، بطموحاتك ، بأنانيتك و بلحمك الحي…
-7-
   عمر علوي لا يحترف الكتابة ، لأن   احتراف الكتابة  يعني   ترديد ما يقال بأساليب مختلفة ، يعني الإلتزام بنواميس الكتابة النظامية ، في حين أن صاحب "الخبز"
ليس جنديا يحرس قلع المألوف الحكيي.
إنها – كما كتب نيتشه – يدفع أفكاره رسميا   على مركبة الوزن لأنها عادة لا تعرف المشي على الاقدام 2 .
 
 …………………………………
خبز الله للأستاد عمر علوي  كتابة   عنيدة تدرك  أنها  خارجة عن سطر البداهة لكن مع دلك تقول بأعلى صوت :  من العادات السيئة لقلمي أنه  كثيرا ما يغيب  عن وعيه .
 
     حقا   لا شيئ ألذ في القراءة من الكتابة التي تهدم كل  جذران المتن و السرد و زوايا النحو و نواميس الإملاء وما أحلى أن يصرخ  الهامش بقوة رغم  أنف النص ,  وأن يعود وزن الأناجيل إلى  القول الذي لا يقول شيئا كي ينموا نفسها و نفس الإختلاف.
 
   ……..إنها  كتابة  توقظ  الفوضى الخلاقة  , و تنسي الصمت كلماته كي يقول من جديد…
    خبز الله بيان ضد السستمة ،بيان ضد تنميط النص الإبداعي و قولبته و تعليبه   ، إنها كتابة ضد النص انتصارا لقول الهامش…الهامش الذي لا يتراجع عن البوح و القول بلا خجل لأنها لا تجيد  لعب دور الرجل الوقور ….
     في خبز الله الهامش يحكي بدل النص و بلغة صاحب الخبز "هامش رغم أنف النص"…
     ….بلغة جذمورية résomatique تأبى الإفصاح عن الأصل …….كما لو أنها كتابة لقيطة…..كتابة منحلة أخلاقيا…
                                                                    هوامش:
1- نيتشه ، هكذا تكلم زرادشت ص 14
 2- عن بنسالم حميش ، كتاب الجرح و الحكمة :الفلسفة بالفعل ، دار الطليعة بيروت ، ط 2 ، ب ت ، ص



 
  أوعبيشة علي الحسن - المغرب (2010-12-27)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia