صعبُ ابتسامي 1--أحمد حضراوي/ رنيه- بروكسيل
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

صعبُ ابتسامي 1

  أحمد حضراوي    


قالت:"أراك مغازلا سيل الجـراحْ           و كأنّما الدّنيــا تفـــــان في النّــــواحْ

و أراك تلثمهـــــا بلهفــة عــــــاشق         ضمّ الحبيـــــب ولم يدع درب الكفــــــــاح

فطفا عليه العطف عمرا سـاهمـــا          في اليأس مزروعا يجازف في الرّيــــاح

يا أيّها الشّـاكي ابتســــم فالأمـس لا       يُنسى إذا ما ظلّ متروك الجمــــاح

فيدمّـر الأحـــلام في روض أتــــــى       من رحلة الأعمار مبتهج الجنـــاح

جوناؤك ارتـاحت على زهر الشّـــــذا        يا ناقمــــــا ما قد أراح و لا اســتراح

لا الشّمس وجهك قطّبت في لوعــة        و اللّيل لا يُغفيـك مهــــدا للصّبــاح

عجبــا جريــح أنــت في أكفــــــانه         لا زال ريبــــا في تـــــآويــــل المـــزاح

غرّد و غــرّد أنــت لحـــن أغـــارد        و امرح فأيّام الدّنـــــا فيض انشراح

صرت التّشـاؤم في فـؤاد طـــارف    و غدوت قفل الدّهر في زمن انفتـــــــاح

و تركـت عمــرك يحتــــويه تذمّــــر    و لقد تولّى العمـــــر في طيّ الرّواح

هلاّ ابتسمـت فإنّ ضِحكــــك قد صبــا        لرؤاك شوقــــا في فم يــأبى البــواح

مذ يكتـــم السّــرّ المريـــر بعمقــــــه        لم يستطب قولا مخافة الافتضــــاح

و جميع ما يُخفي فؤادك قد بـــــدا        للكلّ حزنــا أسودا بالوجه ســاح

بل أنت ثغر أطمست شفتاه أعـــــــ        ـماق اللّيالي بالأساطير الصّحـاح "

فسمعتهـا و تركتهـــا في لغوهــــا:    " اللّهوُ ما لي طاب يا ذات الوشـــاح

ما الورد لولا الشّـوك يحجب حسنـــه        ما الشّمس لولا اللّيل في الظّلّ استبــــــاح

ما الحبّ لولا الشّـوق هيّج نــــــاره    ما الوصل لولا البين كان لـــــه سلاح

و أنا و إن يعتـــــادني عنت الأسـى        فلأنّ روحي أُشغفــــت طهرا صُراح

فتقــــوم للدّانــي بغــــــير سعـــــادة    و تشيد بالنّائي طمـوحـــا أو جنــاح

أشتاق للعليــــاء حُفّــت روضــة        بالغيث و الإنـداء مــــا حُفّت قراح

و لبلسم الوجدان ريحـــا ساقنـي        للحبّ و الأنسام بستـــان ارتيــاح

فإذا شممت أنا العبـــير استبشرت    روحي فما مسّ الضّنى تلك النّفــــــاح

أمّا ابتســـامي فالعجيـب بـــــأنّه        جهل بشوك اليأس في ورد الأقــــاح

قد ذرّ في أرض السّـــــــلام بـذوره        لتطول شـوكا في غد خِلنـــــا انشراح

فيصيب في الأقدام عزم حثيثهــــا    و تعلّق الخطــوات أعيى الإجـتراح

و يميت في تلك الوجــوه جمــالهـــا    و يبيد في تلك النّفوس ذرى النّجــــاح "

قالت: " لم الأحزان ما والت سـوا.        ك كأنّما في السّرّ قد والتــك صــــاح "

فأجبتهــــا:" أنّ الحقيقـــة كلّهـــا        سرّ عظيم مــا دنــا نحـــو البــــواح

ما كلّ من حــولي يتـــوق تطلّــعـــا        في غاية الأجيال من غير اقــــتراح

هي مهجة قد أُلهمت كأس المنـــــى    عذبا زلالا فـــاض من نهــر السّــراح

و الحزن محــراب أنـــا أجثـــو بـــــهللعـزم يبعـدني عن القــوم القِبـــــاح

فيــكون فيهــــم ثـــــائــرا بزئـــــيره    لمّا أبوا أن يسلكوا درب انتصـــاح "

قـالت و حيرتهــا تطـــاول أمرهــا    ظلّت زمانا حيرتي ترنو اتّضـاح :

" لكن دماء الأمس و هْي مراقــــة        لم تنتعش بعبـيرهـا يشــدو اللّيــاح

بل لم تســـل عن بـــــــــائد لمّـــا دنـــا    أم كنت نِسيا سـاهما ذكر الشِّحــــاح "

فأجبتها: " أنّي حديث العهــد لم    أُفطم و ما زادي سوى نوح الصّيــــــاح

في ظلمــة الأيــــــــام و هْي سخيّــة    قد جئتهـــا و حديثهـــا ألمٌ أنـــــــاح

أمشــي بهـــا ليــــــلا بغــــير بدائــر        مثل الغريب و قد جفـــــا أرض الفســاح

لكنّنـي أبليت مـــا قد شــــــاقنـي        فرُميت سهما زاد أحشــــائي جراح

لو تســألي عنّــي أنينـــا صـــامتــا    لرأيت مــا قد لاح كالوشــم المُـلاح

أو تســـــألي عنّــي عـذابي لم أذق        يوما بهذا العمر من غــير النّـــــواح

لسمعت أصداء المـــآسي تغتــدي    و تروح في القــدَر الّذي بالحــــزن راح

و علمت أنّ الجــرح في أعمــاقنـــا        و ملامح الأعماق جاثمة تُســـــاح

وُئدت بها أفراحنا فإذا بنــــا الـ..        أشباح في سحر الدّجى تذِم النّبــــاح

قـولي أهــــذا الحــزن من أقدارنـــا        أم أنّــه من بدعــة الزّمـن الوَقــــاح!؟

بالله يـــا حسنــــــــاء لا تتجمّلـــي    بالصّمت إنّ الصّمـت مــــا زان المِــلاح

ما لَلسّماء تكدّرت و غيومهـا الــ        ـسّوداء هاطلة على الدّنيــا سجــاح

و الأرض غير الأرض هِين جمــالهـــــا    و الرّوضة الفيحــاء لعنتهـــا فواح

و النّــاس غير النّــاس أُلهم ضيمهــا        ألقـــا كعربـــون التّـــألق في مبـــــاح

و الحبّ هيـكل مـــاجن يعتـــــــاده    شعر القنائع فيه قد غرس الرّمـــــاح

بل كلّ مـــا فينـــا تعــذّر وصلُـــــــه    و العـــار فينا مــاحق لم يمـحُ مــــاح

أ فبعدها في فيننـــــــا من ضاحك    قلت ابتسم فاستغفري ذمّ الكفــــاح

ما يضحك الولهان في هذا الزّمـــــا..    ن سوى اختـلال العقل أو منُّ امتــــــداح

أم كيف يضحك و الدّنـــــا صــارت له        كلسان نار كاذب يُدعى سِفـــــاح

أم كيف نأمــــــل بهجة و هي الّتـي        أبدت لنا الأنيــــاب في ليل الإبــــاح

أم ذاق مبتسم الشّفاه سعـــــادة!        كلاّ فكم من ضــــاحك أبدى انشــراح

و فــؤاده آس كعـــــــارٍ قد مضـــى        يهدي لنـــا ثوبـــا و عورتـه أبــــــاح

صعْبُ ابتســـامي قد تكبر عن دُنــا        صعْبُ ابتسـامي، إنّه صعب البــواح

لكنّني قد عشت أشتــــاق العــلا        فإذا حبـاني نسمـــة بمنــى الفـواح

وعلمــت أنّ الجرح ضمّــده الزّمــا    ن لربّما استرجعت بهجات ارتيـــاح

و الرّوح إن سمــت البريّـــةَ كلّهــــــا    عن عينها و سؤالهـا و دُنـــا النّطـــاح

عن سمعها و كلامهــــا و سرابهـــا        و عن التّنابز بالرّموز و الانبطــــاح

في عتمة الظُّلَم الخسيســة أمرهــا        شيطانة قد حالفت غُرّ البطــــاح

فــأنـــا السّعيــد و سنّتـي متــــألّق        بذرى التّحرّر من قيودي و الجـــــراح

روح السّعـــــادة أدرب مُشْـــــوكّة        بتكاثف الأوراق في شجر الصّــــلاح "



 
  -أحمد حضراوي/ رنيه- بروكسيل (2010-12-30)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

صعبُ ابتسامي 1--أحمد حضراوي/ رنيه- بروكسيل

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia