قصتان: 1-صور ممنوعة لامرأة فوق الشبهات 2- مصباح بولص-جليل ابراهيم المندلاوي (العراق)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

قصتان:
1-صور ممنوعة لامرأة فوق الشبهات
2- مصباح بولص

صور ممنوعة لامرأة فوق الشبهات
وافق الرسام على اعطائها دروسا خاصة في الرسم، ليس من اجلها فحسب بل لولعه الشديد بكل ماهو جميل، فكيف به وهذا الجسد المتناسق امامه والوجه البريء الذي يشع ضياء نحو عينيه وهي تلتهم كل انحناءة فيها، وهذا الشعر.. وتلك العيون.. لم يكن يرغب بأكثر من التمعن فيها كما لم يكن يتوقع منها اكثر من ذلك.. لأنه كان يرى فيها شخصية قوية محال الاقتراب الى معاقل جمالها، اما هي فقد اعجبت بلوحاته الفنية وتمنت ان تضفي على رقة اناملها ابداعا كابداعه، فطلبت منه ان يزرع فيها بذرات الابداع ولم يكن لدى الرسام أي خيار سوى القبول امام هذا السحر الملائكي، اما زوجها فقد اقنعته بسهولة اذ لم يكن يرى مانعا في ذلك، لاسيما وانه كان يرى فيها مثالا للمرأة المحافظة.. ولم يكن هذا رأيه فحسب بل كل الذين حوله من معارف واصدقاء كانوا يحسدونه على حسن خُلقِها وخَلقها..
حين لمس يدها ليسيطر على اناملها لم تتوقع منه الدخول الى قلبها بلا استئذان.. ليدخلها في عالم لم ترَ منه سوى حلم جميل.. لاأحد يستطيع تغيير مسار الاحلام فهي تمضي رغم ارادتنا..
كان يقف خلفها وهو يمسك بيدها ليحرك الفرشاة على اللوحة امامها.. ووضع يده الاخرى على كتفها لتتسلل انامله تحت القميص الحريري، لم يكن ينوي ان يبحر اكثر من هذا لكن الجلد الاملس يأبى الا ان يغري الانامل بمواصلة طريقها نحو الممنوع.. اذ لم يكن هناك مانع امام انامله حتى اصطدمت بالحمالة اللعينة التي تحبس وراء جدرانها سحرا انثويا..
تحركت غرائز عشقه لكل ماهو جميل.. وشجعه على ذلك صمتها اذ لم تستطع ان تقاوم الحلم.. بل لم تكن تريد ان تقاوم تغيير لحظاته.. سلمت ارادتها القوية لأضعف لحظة في حياتها، لحظة لم تشعر بطعم سابق لها.. نشوة حقيقية لعشق حقيقي لم تجرب له معنى الا بين انامله..
امسك فرشاة الوانه وحركها حول كل زوايا جسدها.. لم يكتف بذلك بل رفع الة التصوير التي يحملها معه ليصور كل لحظة من لحظات هيامه ليؤطرها في ذاكرته.. رغم عنفها حين كانت تقاوم.. عنيفة في كل شيء حتى العشق حيث لم تجرع منه كأسا، ماخلا قطرات لاتروي ظمآن من حائط كانت تعتبره ظلا فحسب..
وحين تجرعته كسرت كأس سباتها ورفعت يديها مستسلمة لأنامل لاتعرف الا الرسم، والعبث بتقاسيم جسدها..
طلب منها ان يرسمها كما هي دون اية حواجز تمنع بصره عن جسدها، عارية حتى من خاتم زواجها.. لم تبد اعتراضا رغم انها كانت تطلب اكثر من ذلك..
حان وقت التآمر على حمالة الصدر اللعينة، حين اوحت له بالقبول.. ليحرر ماكان يتمنى ان يلمسه..
لحظات استطاع ان يلتقط لها عددا من الصور بكاميرته البلهاء.. لكنه احتفظ في مخيلته لها بعشرات الصور...
تماما كما يريدها عارية من كل شيء.. ملابسها.. ارادتها.. قوتها..فهاهي امامه اوهن من خيط العنكبوت، يتحكم بها اكثر من تحكمه بفرشاته.. لحظات مرت ارتشفا فيها من كأس واحدة.. لحظات استطاع ان يرسم منها عشرات الصور.. ليحولها فيما بعد الى لوحات فنية تذكره بما كان.. لكنه حاول ان يخفي ملامح وجهها ربما كان يخشى ان يتعرف عليها احد.
لم يجد بدا من عرض هذه اللوحات مع بقية لوحاته في المعرض الجديد الذي اختار له اسم ((ينابيع))، لأنها كانت ينابيع لوحاته.. ينابيع ارتشف منها مالم يستطع نسيان طعمه.. فكانت ينابيع..
لم يتوقع مطلقا ان تحضر زوجها معها الى المعرض.. كما لم تتوقع هي ان يوثق صور ذلك الحلم في لوحاته الفنية.. تلك الصور التي تحولت الى لعنة تطاردها كلما اقترب زوجها من احدى تلك اللوحات والرسام بجانبه يحاول ان يشرح له معنى اللوحة بما يطرد من رأسه اية افكار قد تدفعه للشك والريبة..
لم يشك الزوج ان اللوحات كانت واقعا اذ لطالما كانت صاحبتها بأحضانه لياليَ طويلة تكفي لأن يحفظ خارطة جسدها.. ولكن تلك الخارطة كانت من اسراره الشخصية فمن اين تسربت ليطلع العالم عليها.. وقطع احمرار وجهها الشك باليقين..
هل يصرخ بوجه الرسام ليعرف منه كيف سرق خارطة ذلك الجسد الذي لم يشك يوما ان تلمسه انامل سواه..
فهي كما يردد كل معارفه ومن حوله.. امرأة فوق الشبهات.. وهي اقوى من ان تستسلم، لكن خارطة جسدها تقتله فمن اين حصل هذا الرسام على صورها.. فهي ممنوعة.. كما انها فوق الشبهات.. نظر نحو الاثنين بغضب وهو يحاول ان يجد مهربا لشكوكه.. او بصيص امل في ابعاد هذه الشبهات.. حرك انامله على اللوحة وهو يهز رأسه بغضب..ثم التفت اليهما وهو يبتسم بصورة مفاجئة وهو يشير الى الصدر العاري وقرر انها لم تكن لتتخل عن حمالات صدرها حتى في احضانه.. فردد مع نفسه "لو كانت ترتدي الحمالات لقلت انها هي" لكن همسه وصل الى اسماع زوجته والرسام ايضا اذ كانا يصغيان بقلق لكل مايردده ويهمس به.. فانشرحت اساريرهما وهما يسمعانه يردد تلك الكلمات..
تقدم الزوج بثقة نحو لوحة اخرى ليفاجأ بأن الحمالة قد ظهر طرف منها تحت سرير يجمع جسدين ملتصقين..


مصباح بولص
لم يتجاوز العاشرة من عمره.. ولم يكن ليحبذ كثيرا اللعب مع اقرانه في المحلة البغدادية الصغيرة حيث كان يفضل العزلة في كل شيء.. فقد كان كثير التأمل.. الا ان التأمل في بلادنا لايعني كثيرا سوى ان المتأمل حمار.. وفي الغالب ابن حمار ايضا..
لم يكن بشتيوان من نوع ابن الحمار، لأن والده كان شرطيا والاطفال يهابونه..، انظروا الى هذا الحمار الصغير انه يسرح دائما بعينيه بعيدا كأنه في عالم آخر.. هكذا كان يردد اولاد محلته كلما رأوه..
- انا لست حمارا.. يدافع بشتيوان عن نفسه..
- اذا لماذا لاتلعب معنا وتترك تأمل الحمير..
- ربما في يوم آخر.. افضل الان التفرج عليكم فحسب..
يضحك الصبيان من حوله بملء افواههم..، - تتفرج فقط، الم نقل انك تفضل ان تصبح مثل الحمار..
لم ينقذه من سخرية اقرانه سوى بولص البدين، هكذا كانوا يطلقون عليه، وهو شاب في العشرين من عمره يحترمه جميع ابناء المحلة لكونه مؤدبا ويحب الجميع.. كما انه لم يكن حمارا رغم انه كان كثير التأمل ايضا الاّ انه لايوجد احد يجرؤ ان ينعته بذلك لأنه كان يجامل الكبير والصغير، طيب القلب، لم يكن يحب ان يؤذي احدا ولا ان يرى احدا يتعر ض للأذى..
- مابالكم ايها الاولاد.. لم لاتتركوا بشتيوان لحاله؟؟
نظر اليه الاولاد وهو يرمقهم بنظرات مهيبة لم يجرؤ بعدها احد على الضحك وردد احدهم..
- اننا نحبه ولانريد له ان ينعزل لوحده لذا ندفعه للعب معنا لكنه يرفض ذلك..
- قلت لهم انه لاطاقة لي الان ربما في يوم اخر..
- اتركوه الان حسب رغبته ربما هو مرهق حقا..
يركض الاولاد الى وسط الشارع للعب كرة القدم.. اقترب بولص من بشتيوان..
- هل انت متعب حقا؟؟
- انني لا أرغب باللعب معهم انهم ينعتوني دائما بالحمار..
ابتسم بولص وهو يردد..، - انهم لايرغبون ان يتركوك لوحدك فهم يحبونك ويريدون اللعب معك، كما انهم لايقصدون شيئا من وراء ذلك..
- لكنني لست حمارا..
- بالطبع ياعزيزي ولكي تثبت لهم ذلك يجب ان تندمج معهم وتشاركهم كبقية الاولاد كي لايعودوا فينعتوك بصفات لاتعجبك..
- اذا شاركتهم لعبهم هل تعتقد انهم سيحترموني!!
- بالتأكيد انهم يحترموك حتى لو لم تلعب معهم..
- هل اذهب للعب معهم الان؟؟
- اذا كنت ترغب بذلك فهو امر طبيعي..
انطلق بشتيوان لينضم الى الاولاد في لعبهم، وسرعان مااندمج مع اقرانه لتنطلق منه ضحكة عالية وهو يتابع نظراتهم المليئة بالسرور والتي لاتختلف عن نظرات بولص وهو يدخل داره مسرورا..
اول كرة وصلت الى قدمه سددها بقوة لتطير فوق رؤوس الاولاد وترتفع حتى وصلت الى المصباح الكهربائي الخارجي لدار بولص لتحطمه وتجعل منه هشيما..
التفت يمينا وشمالا وسط ذهول الاولاد ليطلق ساقيه للريح خوفا من العاقبة والعقاب.. واصل جريه حتى وصل دار عمته الذي يبعد مسافة شارعين عن دارهم.. انقطعت انفاسه وهو يلقي التحية على عمته ويجلس في زاوية من حديقة الدار.. شعرت عمته من خلال انبهات لونه ان خطب ما ألمّ به الا انه لم يقر لها بشيء رغم محاولاتها معرفة السبب.. حاولت ابعاد خوفه وهي تعده انه لن يجرؤ احد الاقتراب منه وهو بقربها حيث ظنت ان والده يريد معاقبته لأمر ما لذا هرب اليها كما يفعل في كل مرة.. لم يستطع تناول الغداء ولا العشاء.. فمازال خائفا يترقب.. وما ان حل الليل حتى جاء والده وسرعان ماتراءت له صورة المصباح المهشم ليجهش بالبكاء وهو يخبر والده انه لم يكن يقصد كسره..
الا ان والده استغرب من هذا الكلام وسرعان ماشعر بشتيوان انه لايعلم شيئا عن الموضوع وانه انما جاء لاصطحابه الى الدار بعد ان احس بتأخره.. رغم ذلك بقي بشتيوان خائفا لذا طلب ان يبقى في بيت عمته التي اقنعت والده بابقاءه عندها هذه الليلة..
في صباح اليوم التالي لم يستطع ان يتمالك نفسه لمعرفة ماحدث بعد فراره.. ليذهب مبكرا الى دارهم وما ان وصل الى مقربة منها فوجئ بمصباح دار بولص سليما.. لكنه كان متأكدا انه تحطم امام عينيه فكيف عاد سليما.. والاغرب انه حين دخل داره لم يسأله احد عن المصباح، فكر مع نفسه..، ايعقل انه لم يشكوه احد لكسره المصباح والا لكان قد تعرض للعقاب..
جلس في باب الدار وما أن رأى بولص يخرج من بيته حتى انخطف لونه مجددا الا ان بولص ابتسم في وجهه وهو يقترب منه ليحييه ويتركه في حيرة من امره.. دون ان يسأله عن المصباح..
هل هو حمار فعلا..، حيث تراءى له تحطم المصباح الكهربائي!!
لم يجرؤ ان يسأل احد من الاولاد حول المصباح لكنه بقي عالقا في ذاكرته طوال الاعوام التالية من حياته..
ذات يوم كان عائدا الى بيته بعد يوم طويل ومتعب في المدرسة الثانوية حيث اصبح طالبا في المرحلة الثانية منها..
فوجئ بزحام شديد يسد شارعهم وصراخ وعويل ينطلق من هناك فتراكض صوب الجموع الهائجة ليقع عليه الخبر المريع كالصاعقة.. لقد قتل بولص في جبهات القتال..، تردد هذا الخبر على السن الحاضرين وعيونهم تذرف الدموع لرحيله المفاجئ، لكن الموت لايعرف احدا، كما لم يكن يعرف ان بولص كان طيب القلب..
شارك مع بقية ابناء محلته في التشييع المهيب الذي اقيم لجنازة بولص حين اقترب منه احد اصدقاء الطفولة وهو يردد قائلا:
- هل تذكر ذلك اليوم حين كسرت المصباح وهربت..
- وكيف لي ان انسى ذلك.. لقد كان يوما عصيبا بالنسبة لي و...
- نعم كان كذلك، لكن بعد هروبك خرج المرحوم بولص ورأى المصباح متهشما وحين اخبرناه بما جرى طلب منا الاّ نخبر احدا بذلك حيث قام بتنظيف مكان المصباح المكسور واستبدله بآخر جديد وهو يكرر علينا ضرورة كتمان الامر..
سقطت دموع لاأراديه من عيني بشتيوان التي ذهبت بعيدا وهو يتأمل ماحدث في ذلك اليوم ثم ردد بحسرة قائلا:
- لقد فقدنا مصباحا آخر.. فهل نستطيع استبداله؟؟



 
  جليل ابراهيم المندلاوي (العراق) (2008-08-14)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

قصتان:
1-صور ممنوعة لامرأة فوق الشبهات 
2- مصباح بولص-جليل ابراهيم المندلاوي (العراق)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia