جدارٌ شاحب كالجالس قدّامه، والجالس يُغرقه الليل في بحر لجيّ من الكرب والغم .. وقف وثيابه الرّثة تقطر عرقا وعفنا، ولحيته الكثة والمبعثرة تهتز لساعات طويلة من الكلام المبهم، فيجلس الرجل مرة أخرى وقد سبّ نفسه وأعقاب السجائر المشتعلة في يده .. وقف وهو يصعد الجدار المحاط بالمقبرة .. حدّق طويلا في وقار الموتى، وصاح بصوت راعد وقد ألقى سجائره على القبور وكأنها عيون حمراء صغيرة:
- خذْ أيها الموت نفَساً منها ربما تنتعش صدور ضيوفك فيك ..