لحظة صفو-خالد شاتي (العراق)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

لحظة صفو

تيقن بأن ما يمر في باله من صور وأحداث تتزاحم في عقله ككلاب مسعورة كانت حقيقية جدا ولم تكن للهواجس والأفكار دخلا فيها، حتى تلك الحركات المجنونة التي تشاكس أحداقه في لحظات خاصة، ربما عندما يقلق أو يضمر شيئا لا يريد لأحد إن يلمحه فتخلق لديه شعوراً غامضا بالعجز.
حتى ذلك الشرود الذي ينتابه في ساعات الليل المتأخرة الذي يجعل منه جذوة آيلة للخفوت، أو كائنا أخر محبوسا وأسيرا لكل ما يستحوذ على فكره ووجدانه من تلك الذكريات البعيدة عنه، فكثيرا ما يستحضرها عقله الباطن عندما تمر به تلك الحالة الغير معروفة لديه أو أن تفسر مايجري له بالضبط أو مايجعله يعيش في هذا العالم بسلام وآمان من دون أن تترك أثارها عليه في ساعة غضب أو لحظة ضعف أو عودة قسرية بالذاكرة إلى فترة ما قبل النضج وتلك المساحات الكبيرة والمسموح فيها بفعل أي شيء وكل شيء من غير حسيب أو رقيب لما يظن هو.

يضجر.... يدخن سيجارة... يقف... يجلس... يسير بخطوات متعثرة تضفي عليها شيئاً من الجنون المصحوب بقوة لا تسكن أو تهدأ.... يحدق في جسده يتفحص أعضائه يفكر في تلك الألوان التي تصطبغ بها ثيابه. هل هي الأخرى تعني شيئاً لا يفهمه أو أن تكون علاقة تفسر للآخر بعض تصرفاته وأفعاله وأن تأخذ شكل المفتاح لمعرفته وانكشاف شخصيته المركبة تلك.

يقضم بعض أظافره بفمه.. كطفل معاقب لا يقوى على مواجهة غرائزه أو ميوله التي ربما تجلب له بعض سوء الطالع مع من يعيش معهم أو يعاشرهم ؟

هكذا ومن دون أي مقدمات يسترسل في غيبوبة تعودت عليها حواسه لتكون فسحة راحة منفلتة من كل القيود والالتزامات التي تخنقه وتغرقه في دوامة لها أول وليس لها آخر وحتى تلك الفسحة فقدت ميزتها تدريجياً بسبب ذلك الارتباط المج مع الواقع الذي يفرض عليه فروضاً صعبة وقاسية؟ .
يغمض عينه... يترك لجسده المتعب حرية الاسترخاء بأي وضع كان, يمدد يديه الكسولتين كحالم تتراقص أهدابه. كنائم لا يجرأ على اليقظة. لعله يحضى بلحظة صفو تعيد إليه بعض من ذكرى انتصاراته الماضية فترتسم على محياه ابتسامة خفيفة توحي بالجنون أكثر من إيحائها بالزهو ذلك الشعور الذي فارقه من زمن بعيد ولم يعد يشعر بمذاقه أو يدنو من طعمه؟!

حتى تلك الأصوات الخفية التي تسيطر على عقله أحياناً والتي تأخذ إشكالا مختلفة في الذوات المتسلطة عليه والتي تشاركه في اتخاذ قرارات سرعان ما يندم عليها وكانت هي الأخرى لا تقوى على اختراق مساحات معينة من نفسه برغم من أنها تجيد مشاكسته وأثارته ليصرخ كطفل صغير _ كفى كفى فينتبه لنفسه ويعدل من هيئته ويمسد على شعره الكث بأطراف أصابعه المرتجفة وسط حبيبات من العرق منتشرة كبذور صغيرة على مساحة جبهته؟
يكلم نفسه ويوحي لها بالثبات والقوة... يغلق يديه على وجه المتعب فتنزل من عينيه دموعاً تنساب من بين أصابعه.

لكن من ماذا, هذا ما يتبادر إلى ذهنه وهو في هذه الحالة المربكة لكن لم يهتدي إلى إجابة يمكن معها إن يفسر ما يمر به من حالة نكوص سيطرت عليه واستحوذت على مشاعره كلها؟
لم يصدق كل هذا الذي يجري عليه فيضحك بهستيرية واضحة تترك انطباعاً للهزيمة والاستسلام!
يسأل نفسه بخضوع.
- ما بي... وهل أنا مجنون ولا أدري
- .......
لا يهتدي لجوابٍ يمكن أن يطفئ حيرته ويسكنه.
- هل هي علامات التيه مرة أخرى .. لأربعين قادمات؟!
- ..........
ولا جواب ؟

يستنجد بكل تجاربه الماضيات.. لكن من دون جدوى!
ترتسم أمام عينيه علامات للاستفهام كثيرة.. تتركه ركاما هامدا.
فيسقط مغشياً عليه مرة أخرى؟؟



 
  خالد شاتي (العراق) (2008-09-15)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

لحظة صفو-خالد شاتي (العراق)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia