سمعتْ طرقا خفيفا مهذبا على باب الشقة .. هرولتْ تتعثر في تنورتها، متعجلة فتح الباب عن هذا الطارق الكيـّس ، وهي تتمتم :
" يُعْرَفُ المهذبون حتى من طرقهم على الأبواب !! " ..
فتحت الباب على وجه رجل مربوع القدّ ، يلبس جلبابا " وزانيا " محببا ، ويعتمر طربوشا " وطنيا " . بادرها بالسلام ، ناثرا عليها كلمات جميلة لم تسمعها منذ مدة :
" أهلا .. أهلا .. أنت بنت سي عبد السلام هيه .. من فيهن ؟ لا شك أنك الوسطى .. أسرعي يا جميلة.. نادي لي على بابا ، قولي له أن سي المختار بالباب " .
بقيتْ متسمرة عند الباب ، قابضة على الأكرة ، تـُحركها يمينا ويسارا بلا معنى ، وهي تتساءل :
" هل أقول له من أكون ؟ أم أتركه في غيّه ؟ . لا شك أن سي عبد السلام سيقول له من أكون. سأقول له ".
قالت له من تكون، فتغيرت لهجة الرّجل وصدع بأمر أهوج :
" هيا أسرعي بالدخول وقولي لسيّدك أن سي المختار بالباب " .
فاجأها الأمر، فأسرعت إلى الشرفة أين كان سي عبد السلام يتناول فطوره ويطلع على عناوين جريدته الصباحية . أخبرته . . تضغـّن وجهه ، وأمرها بالعودة إلى الطارق الثقيل وتقول له أنه غير موجود .
عادت وفتحت الباب ثانية ، ودون أن تنظر إلى وجهه المبثور قالت :
" يقول لك سيدي أنه غير موجود " .
وصفقتِ الباب وعادت إلى المطبخ يهصر قلبها ألم الأوامر ، تلعن في سرّها سي المختار وأمثاله من الأفظاظ .