أحلام مجهضة...-بوشعيب عطران - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

أحلام مجهضة...

            قبل الأوان تفجرت أنوثتها أصبحت محط أنظار أهل قريتها وكلما ازدادت جمالا و نضجا ازدادت تأففا و ضجرا، بعيشها وسطهم في بلدتها الصغيرة ، التي تبدو ضيقة أمام أحلامها و طموحاتها اللامتناهية...
تقدم الكثيرون لخطبتها رفضتهم بشدة رغم إلحاح جدتها التي تستسلم لرغبتها، لأنها وحيدتها بعد أن تركاها والداها؛ ليرحل الأب إلى وجهة غير معروفة هربا من الديون التي أثقلت كاهله و عصفت بتجارته، و تتزوج الأم في قرية بعيدة قلما  تزورها بعد أن أصبح لها أبناء آخرون ترعاهم.
         انقطعت عن الدراسة التي لا تتجاوز في قريتها المرحلة الابتدائية، لتساعد جدتها في الحقل و رعي بقراتها في الصباح، ثم غزل الصوف والاعتناء بشؤون البيت في المساء..
هكذا كانتا تتدبران حياتهما اليومية، الخالية من كل جاذبية و بهاء لفتاة في سنها، لتنصرف بأحلامها العذبة التي  تحلق بها كل ليلة إلى المدينة حيث تطمح لتعيش حرة طليقة و تجد ما تتمناه من ملابس جميلة ،عطور ،حلي ،مطاعم، مقاهي ، بنايات نظيفة ،  سيارات... وأشياء أخرى تزدحم بها مخيلتها و تنعدم في قريتها.
تشبثت بهذه الأحلام عندما تقدمت إحدى قريباتها بطلبها من جدتها، للعمل في بيتها بالمدينة و بعد أخذ و رد وتوسلات الحفيدة، وافقت الجدة مقابل أجر شهري يعينها في حياتها، على أن تزورها كلما سنحت لها الفرصة.
 

       انتقلت إلى المدينة و كلها آمال لتحقيق رغباتها الدفينة و أمانيها الغالية، لكن سرعان ما دب اليأس إلى أعماقها، فقد بدت لها أكثر رتابة من قريتها، تعج بالفوضى والضوضاء و سكانها يستمدون راحتهم و عيشهم من تعبهم و كدهم اليومي الذي لا ينتهي..
تلاشت أحلامها التي نسجتها عنها شيئا فشيئا،  ومشغلتها بدأت تضايقها وتخنق حريتها لتغادرها غير آسفة إلى فضاء أوسع..
تعرفت على صديقات جدد من نفس محيطها ، اغتالت المدينة دواخلهن ليحطمن ما تبقى لهن على أرصفتها وجنابتها، فانطلقت معهن تسخر جمالها و فتنتها، كقربان لليالي طوال و متنقلة
من حضن لآخر، لاهية عابثة غير عابئة بأحلامها التي أجهضتها ، متوغلة بين أوحالها منصهرة في دوامتها، وكريشة في مهب الريح غذت تتقاذفها الأهواء كما تشاء...



 
  بوشعيب عطران - المغرب (2011-04-27)
Partager

تعليقات:
بوشعيب عطران /المغرب 2011-10-04
شكرا لبصمتك أختي سعاد على النص...هي إحدى متاهتنا اليومية......محبتي
البريد الإلكتروني : bouchaibayoub@yahoo.fr

غسان سعاد /الجديدة 2011-09-30
كلمات مشبوعة بنزوات النفس المصابة بالوجع على واقع ا ليم يحيط بنا . تحياتي وتقديري لك اخي .
البريد الإلكتروني :

بوشعيب عطران /المغرب 2011-09-18
أختي الراقية هاجر شكرا لمرورك العطر بحرفك الوامض و سطورك الرائعة و لك أغلى التحيات
البريد الإلكتروني : bouchaibayoub@yahoo.fr

هاجر فارس /المغرب/رباط الفتح 2011-05-23
صديقي الغالي أولا تحية عطرة من هذا المنبر...كما عهدناك قلم متقد.... إذا كانت الشخصية الإنسانية في القصة الواقعية الحديثة تشكل العنصر الأكثر فعالية و تأثيرا في العناصر الأخرى، فإن أهم ما يميز تلك الشخصية درجة قربها أو صلتها بالقراء، سواء أقام ذلك التقارب على الانحياز لها أم ازدرائها.ولاشك أن هذه الصلة ليس لها أن تتحقق دون روابط فنية تجعل القارئ يتحسس بعمق ويقين طبيعة تكوينها فيستدل من خلالها على حقيقة البواعث النفسية و العقلية و الشعوريةالتي تحكمت في تحديد مواقفها داخل الأحداثو هذا لا يتم إلا من خلال أن تسمعنا الشخصية صوتها و تنقلنا إلى عوالمها الباطنية...هكذا كانت بطلتك الموسومة بالتمرد رغم ما اعتراها من يأس و ضجر أحيانا...وبالرغم من تبدد البراءة الأولى...عشنا معك و معها لحظات مختزلة الأحرف عميقة الدلالة ..دام حرفك رقراقا أيها المختلف الراقي ..أما الصورة المرفقة فهي تبوح بأزمنة دخان الهوى المنتهكة.........
البريد الإلكتروني : hajar_prof2009@hotmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أحلام مجهضة...-بوشعيب عطران - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia