بَعْززْ نفسك-محمد مباركي / وجدة / المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

بَعْززْ نفسك

  محمد مباركي    

وقف متعبا أمام مكتب المسؤول الأول في المقاطعة العاشرة، حاول ضبط أعصابه، لكن النظرة الاستفزازية التي لفحه بها المسؤول، جعلت جملة كان يلوكها لسانه طول الطريق تنفلت مضغوطة من بين أسنانه:
- أنا طالب حق لن يضيع.
ردّ عليه المسؤول في تهكم واضح وبلغة سلطوية فجة :
- أغرب عن وجهي فلا حق لك عندي.
 
ردّ قبيح خرج من فمه الكريه. ظل يطارده في يقظته ونومه زمنا طويلا . تمنى سعادته لو لم يكن في ذات المكتب على كرسي وثير يستنشق هواءا منعشا يخرج من مكيف هوائي كوري الصنع، والحر في الخارج يشوي الوجوه . لمح حبات العرق تنساب على صدغي الشاب الواقف أمامه ينتظر الرد على طلب صغير. إمضاء بسيط بقلم جاف كان سينهي المشكلة. لكن المسؤول لم يرتح للوجه المضغون، ونهر صاحبه وطرده.
 
مع تناول فطور الصباح، رنّ واهتز هاتفه النقال فوق الطاولة أمامه كالجني. ردّ في تثاقل " ألو ". جاءه صوت رئيسه من الطرف الآخر غليظا :
- أين أنت ؟ قلبت علينا الدنيا يا ملعون.
انحبست اللقمة في حلقه، وقفز إلى بذلته الرسمية يلبسها في خفة، وخرج مسرعا إلى مقر المقاطعة .. وجد جمهورا غفيرا من الناس يتطلعون إلى أعلى بناية محاذية، حيث كان شاب الأمس يعتلي سطح البناية حاملا قنينة بلاستيكية مليئة بمحلول أحمر بيد، وماسكا ولاعة بيد، وهو في قمة هيجانه يقذف حمما من الكلام البذيء وبعض التساؤلات.
" يا أولاد الق... لماذا احتقرتموني ؟ ألست ابن هذا الوطن ؟..يا أولاد البياعة ...
 
فشلت كل محاولات المسؤولين في إنزاله  وفي ثنيه عن الأمر الذي عزم عليه .. تسلق البناية مع الفجر عبر سلم خلفي في غفلة من الحراس، وانتظر حتى الساعة الثامنة صباحا وقت التحاق الناس بمقرات أعمالهم. وبصرخة واحدة من ذلك العلو تجمهر خلق كثير.
بالكاد استطاع سعادة المسؤول الوصول إلى مكان وقوف رئيسه . بادره هذا الأخير محذرا :
- أنت من سيتحمل تبعات ما سيفعله هذا المجنون بنفسه.
لم يرد، وتقدم إلى الصفوف الأمامية للجمهور. رمقه الشاب وصاح فيه :
- أنت من قال لي " بَعْزِزْ " نفسك وادخل التاريخ، وها أنا ذا  سأفعل .
 
سحب البعض هواتفهم النقالة وبدؤوا يصورون المشهد.. وحضرت الصحافة المرئية والمسموعة وبعض مراسلي الجرائد الورقية والالكترونية.
 تقدم المسؤول خطوات ليسمعه الشاب. كان في حالة يرثى لها.  صاح فيه مستجديا بلغة دارجة :
- نْزَلْ آوليدي .. ها العار.. والله حتى نلبي ليك الطلب ديالك والله والله ..
ردّ الشاب في تهكم :
- فات الأوان، سأبعزز نفسي وأدخل التاريخ وأترك لك هذا الوطن.
انتزع الشاب سدادة القنينة وهمّ بصب المحلول الأحمر على رأسه وكل جسده. حينها سمع صوتا كالرعد.. كان يعرفه .. صعد إليه من الجمهور آمرا إياه بأمر جمده في مكانه:
" لا لا تحرق نفسك يا بن وطني ".



 
  محمد مباركي / وجدة / المغرب (2011-04-30)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

بَعْززْ نفسك-محمد مباركي / وجدة / المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia