-1-
خَرَجْتُ مِن بَيْتي،
نازلاً نَحْو المَدينَة.
على عَتَبَة رَمادِيّة،
قُدّامَ بَقّالَةِ حَليمَة،
كان ما يَزالُ مُكَوّمًا،
وخَمْرَةُ اللّيْلِ شُعْلَةُ نارٍ،
ورَمادٍ مَسْمومٍ على شَفَتَيْه.
وكانَ يَهْذي مِن بُؤْسِ خِلْقَتِهِ،
ومِنَ الخَوْفِ العَرَبِيّ،
ومِن قَدَرِهِ التّعيس،
كانَ يَهْذي ويَهذي،
مَنْ لا إِسْمَ لَهُ،
ولا عُنْوانَ،
ولا هَوِيّة.
-2-
ونَزَلْتُ في أَلْوانِ الشّوارِعْ،
عالِقَة نَفْسي بِحُبّ السّكينَة،
والضَّجّة مِن حَولي تُغَنّي،
وأُناسٌ تَطوفُ سَوارِعْ،
في وُجوهِها عُيونٌ شَتّى،
تَلْتَهِمُ فيها فيما تَلْتَهِمُ مِن الشُّؤون،
تَلْتَهِمُ الخُرافات فيها و"البيتْزا"
و"لاطات الكالنْتي" فيها،
ونِساءٌ شَوابِقٌ بِلا أُفُق،
ولا سَكَنٍ شَريفٍ ولا رَفيقَة.
-3-
وانْتَشَرِتُ نازلا في النُّزولْ،
حَوْمَةٌ مِن هُنا ودُرُبٌ مِن هُنالِكْ،
وحُمّاقٌ مِن حَوْلي يَدورونَ مَرايا.
ورَغْوَةُ شايٍ مَغْرِبِيّ مُنَعْنَعْ،
وحُبّ في الرّغَباتِ مُشَعَشَعْ،
وريحٌ مِن هُنا،
وراحٌ مٍن هُناكْ،
وحَمائِمٌ بَيْضاء تَحوم، فيما تَحومْ،
وسائِحٌ عابِرٌ بحورِيّةِ سَّمْراءْ،
حبٌّ تِجارِيٌّ وفَضاءْ،
وأنا لا أَمَلَ لي،
لا ذاكِرَةَ،
ولا نُفوذْ.
-4-
وَمِن جَديد مَشَيْتُ،
لا مَثيلَ لَها طَنْجَةَ في الوجودْ،
لا زُرْقَةً كَخُضْرَة عُيونِها طَنْجَة،
ولا صُخورَ مَنْحوتَة ولا صَدى،
لِخُرافاتِ حَوافِرَ فُرْسان عَصِيّة.
وقَدِمَتْ راياتٌ خُضْرٌ،
تُظِلُّ دُموعِ سَنِيّة،
وفي روحي هَوى،
لِتُرْبَةِ بِلادي النّدِيّة،
ولِلشّوقِ المغربِيّ،
ولأَحْرُفِ نارٍ،
مِن وَحْيِ،
آياتٍ،
نَبَوِيٍّة.
-5-
ومَشَيْتُ صَباحَ عَشِيّة،
فَوْقَ أوْراقِ العُشْبِ،
وتَحْتَ الظّلال،
وبَيْنَ الأَغْصان،
والسّواقي النّدِيّة.
وسَرَحتُ في السُّحُبِ أَسْري،
وبَينَ الآفاقِ سِرْتُ،
لا كَهانَة تَجَلّتْ،
ولا رفيقَة وَلهى،
ولا بَلْطَجِيّة.
حين مَضى بِيَ السّيْرُ،
وفي القَلبِ حَنينٌ لِلثّرَيّا،
ورَجْعٌ لِرَوْنَق سكينَةِ الصّدى،
وذِكْرى لِخَفْقِ آذانِ الهُدى،
تَساقَطُ روحُها عَلَيّ رُطَبا هَنِيّة.
-انتهت-