سار بخطى حثيثة، كطريد لا يلوي على شيء، أحس ببرد الخريف يسري بين
أوصاله؛ رفع ياقة معطفه ووضع يداه في جيوبه، ملتمسا بعض الدفء؛ فاحتواهما الفراغ كأيامه المضنية الجوفاء..
بدأت أشعة الشمس، تتراجع نحو المغيب، و الليل يزحف بظلامه، فغدا كقطعة منه
يتحرك في هذا الطريق الخالي، الذي قاده إلى شاطئ البحر.
جلس مفترشا رماله، غير بعيد عن أمواجه، التي تتلاطم بإيقاعات صاخبة كاستيائه، ثم ما تلبث أن تستكين حدتها على صخوره المترامية كهواجسه، و يتطاير رذاذها الناعم كأحلامه، التي صارت بعيدة المنال...
لقد أعياه البحث عن عمل؛ بمواصفات تحصيله العلمي دون جدوى، كما أضحى عالة على أخيه بعد أن فقد والديه.
دب اليأس إلى حياته، قرر الرحيل عن أهله، بيته، ماضيه، أحلامه، كل شيء...
تكوم في مكانه، شاخصا ببصره إلى السماء، يتابع نجومها التي يشع وميضها بين الفينة والأخرى كآماله المرتقبة، غير عابئ ببرودة الليل وحلكته، إلى أن داهمه الكرى.
أفاق على أصوات النورس،وهى تحلق فوق البحر،الذي بدا ساكنا هذا الصباح كمزاجه،وخيوط الشمس تتلألأ على صفحاته خجولة، كلوحة تتماوج فيها شتى الألوان،مما أغراه بالسباحة،نزع ملابسه ،ثم غاص فيه رغم برودته.
وسط مياهه، أحس بحمله يخف شيئا فشيئا، و مخاوفه تتناثر حوله كزبد البحر و أوهامه تتلاشى، كقطرات الماء من جسده، و الطمأنينة تعود إليه، لتقتلع جذور اليأس من أعماقه.
ردد مع نفسه: الحياة كفاح، و لاشيء فيها يدعو للانتظار.
ارتدى ملابسه بسرعة،و تابع طريق النسيان،في رحلته إلى المجهول...