حمار طروادة-حيدر عبد الله ألشطري - العراق
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مسرح

حمار طروادة

  حيدر عبد الله ألشطري    

ديباجة
 الحمار... الذي غارت أسنانه
في لحمها الطري
لا ينفك من الإطباق عليها
كلما حاولت الفرار
تفر ....وتفر
ومثل غواص ماهر
لم يعثر على شيء
تخرج مبللة بالخيبة
تفتش في شوارعها النازفة.
طروادة.....
التي وِلدت البارحة فوق الطين
ها أنت تؤذن فوق قبابها
لفجر قد لا يأتي....
او ربما .....
قد مــــر
سيغادرها الضوء
وتعود تبحث عن اسمها .....
في زمن آخر
 (المسرح خالٍ...مع إضاءة مناسبة)
الجندي1/ أيــــه... ياطروادة  هذا العصر...ودرة هذا الزمان التي وضعها الله
          هنا في هذا المكان من الأرض ...ماذا تنتظرين بعد كل هذه السنوات
           من الحصار  واليأس والمرارة....أية قوىً غاشمة تلك التي تريد أن                تحيل سماءك إلى حمم من النار والدخان ..أنها ستكون جريمة ليست                 مثلها أخرى.
         الهي ....أيرضيك هذا الحال ونحن هنا منذ سنين ننتظر رحيل أولئك
        الأوغاد الذين يتاخمون على مشارف المدينة ويحاصرونها من خلف
        الأسوار ننتظر أية إرادة ستغلب الأخرى وأي يأس سوف لايصمد أمام
         الآخر انه امتحان طال أداءه ونتيجة لا ندري لمن ستؤول .
        (يخاطب شيئا من بعيد )
         أيــــــــه..... يا طواحين طروادة القرن العشرين ....دوري.....دوري
          واطحني مــا يقوت رهط الجائعين ويسد رمق أولئك الذين سوف  يأكلون أحشاءهم....دوري ...دوري...فبعدها ستطحنين نفسك عندما لا تجدين شيئا تحت أسنانك.
          ( ينتبه )
          هــــا....لقد توقفت الطواحين ....يا الهي ..كأن الأرض
          توقفت عن الدوران ..أو...أو..كأنها صفنت صفنتها الأخيرة..كلا..
         دوري..دوري..
        ( يدور بسرعة وكأنه يحاول تحريك ألواح الطاحونة )
        لا تتوقفي.. أرجوك وإلا ستتوقف عجلة الحياة .
           ( يسقط على الأرض )

الجندي2/ ( يدخل مسرعا..يضاء المسرح يبدو انه يمتلئ بحاجات جنود ويظهر المكان انه نقطة حراسة )
           هـــيه.. ما بك أيها الرفيق ....هيا انهض..ما الذي أصابك كأنك    
          تحاول لف دولاب في الهواء
الجندي1/ ( ينهض من رقدته  بسرعة ويتبين انه كان يحلم )
           يا الهي ...يبدو إن كابوسا قد حط على رأسي ...أو إن هذا الدولاب
          يدور في رأسي
الجندي2/ ما أكثر الكوابيس التي تنتابك هذه الأيام ...هيا لقد حان موعد
          مناوبتك ..انظر إنها أول خيوط الفجر الصادق ...استلم دورك
          بالحراسة وأنتبه انك سوف لن تنم ...كلا.. أنا أول شخص يعرف
         بأنك سوف لن تنم وأنك تقدر معنى الواجب ولكني لا اضمن من انك
         ستغرق في خيالك وأنت تحاول هزيمة تلك الجيوش المرابطة أمامنا
        لوحدك
الجندي1/ وهل أجمل من الحلم شيئا تقضي به على عدوك وأنت لا تمتلك
           مقومات النصر عليه ...
          هل ترى إن شيئا هناك يلوح بالأفق ...أو تحس بان الأمر سيؤول
           إلى مصير مــــا.....؟ لا ادري لماذا أحس بالخوف كلما ازفر زفرة
          مشوبة بالحشرجة وكأنها آخر العهد بحياة كنت ارسم ملامحها على
          صفحة من الرمل أو على سطح ماء نهر المدينة الذي بدى وكأنه
         أكثر عطشا من جندي هناك يقف قبالتنا يؤدي نفس دورنا .
            اسمع....ليس هناك أصعب من أن تكون جنديا في حرب
            ليس لك بها شيء...وانك ستكون من حطامها شئت أم أبيت
           ثم انك ستجد نفسك بعد مضي وقت قصير انك تدافع عن شيء
           عــزّ عليك في تلك اللحظات أو انك لم تعرف قيمته سابقاً.
الجندي2/ اعتقد بأنك حلمت كثيرا في نوبة استراحتك....ثم كأنك تريد
           أن تنهي نوبة حراستك مع رفيق غبي مثلي سوف لن يلحق
          بسويعات نوم مسروقة من هذا الزمن المجنون .
الجندي1/ اذهب إلى نومك ودعني اعد النجوم التي بدت وكأنها تتساقط
           على الأرض الواحدة تلو الأخرى
الجندي2/ بل تذكر واجبك وانتبه لتحركات العدو في هذا الظلام الدامس
           الذي يعرف جيدا كيف يستغله
الجندي1/ ألا ترى إن الظلام يمد ذراعيه مغطيا المكان كخيمة تغطي وتخفي
            مـــا تحتها ....أنا اعرفهم من دويهم الذي يشبه دوي الزنابير ..كما
            اعرف جيدا إنهم عاجزون عن أي محاولة لاختراق أسوار مدينتنا
            العظيمة ...وهذا مــا أرغمهم على الانتظار كل هذه السنين ... إني
           أخشى من شيء اجهله ألان قد يخططون له لاقتحام الأسوار
الجندي2/ دعني اذهب إلى منامي
           ( باستهزاء )
           أيها القائد العسكري المحنك....
           ( يستيقظ جندي3 من نومه دون أن ينهض )
الجندي3/ اسمعوا جيدا... علي أن أنام قليلا من الوقت ..فأن موعد مناوبتي
           سيكون ...
           (مشيرا إلى الجندي1 )
            سيكون بعدك مباشرة.
          دعوني اهنأ بنوم أوهم نفسي بأنه عميق لعلي اهرب من تلك الأجواء
         الملغومة بالحذر والحيطة والتي تحولت فيه أجسادنا إلى ألواح من
           الخشب ترى كل الأشياء وكأنها مسامير.
         ثم عليكم أن تكفوا عن مخاوفكم من قوة العدو الجبارة وحيله التي
        تثير قلق الجميع واتركوا كل شيء إلى حينه.
        واقسم لكم إذا مــا تركتموني أن اخلد للنوم ...سوف لن اقلق راحتكم
        في موعد مناوبتي وسأملأ المكان صمتا وهدوءا   
الجندي1/       ( يبقى وحده يؤدي دور الحراسة.. ينظر باتجاه الجمهور )
           كيف سأملأ هذا الفراغ الرهيب الذي يعم المكان وكيف سأقضي
           هذا الوقت الذي يجر أنفاسه بصعوبة كأنه جندي أصيب في ارض
           المعركة وما من احد يقوم بأخلائه
           ( يفكر قليلا )
           نعم سأكمل قراءة إلياذة  هوميروس
         ( يتناول كتابا ضخما كان قد وضعه في صندوق ويقرأ بصوت عالي)
         فقد  قام الآخيون بقيادة آغاممنون شقيق مينا لاوس بحصار
         طروادة لاستعادة هيلين زوجة مينا لاوس ملك إسبارطة.

         كان باريس قد اختطف هيلين أثناء زيارته إلى إسبارطة وأخذها إلى
           طروادة.استمر الحصار لعشر سنين فدب القنوط في نفوس الإغريق
        وأيقنوا أنهم لن يتمكنوا من الاستيلاء على المدينة. عندئذ ارتأى أوليس
        اللجوء إلى الحيلة. فتظاهر الإغريق بأنهم على وشك إنهاء الحصار
          ومغادرة المكان. وكانت بعض سفنهم قد أبحرت لكنها توارت خلف             جزيرة قريبة.......

       ( صوت من الخارج )
صوت/  اسمعوا أيها الجنود ...على الجميع التهيؤ والنهوض ..هنالك حركات
          مريبة قامت بها الجيوش التي تحاصر المدينة ...لذلك وجب الإنذار
          والانتباه إلى ذلك.
الجندي1/ ( يتجه نحو الجندي2 والجندي3 لــ إيقاظهما )
          هيا انهضوا ...هناك إنذار من القيادات العليا ينبأ بتحركات مريبة
          لدى العدو ....هيا انهضوا
          (ينهضون بتثاقل )
الجندي2/ وماذا يختلف عن إنذار البارحة...يا الهي لم انم إلا قبل قليل ...
          وهل إن كل تحركات العدو مريبة....؟
الجندي3/إذا مـــا نهضت الآن..فسأقتطع ذلك الوقت من نوبتي وأضيفه إليكم
           ( يضحك )
الجندي1/ وهل هناك مـــا يدعوا للضحك
الجندي2/ هيا انهض انه واجب جماعي علينا أداءه معا.
الجندي3/ اسمعوني... سأروي لكم هذه الرواية وستعرفون لمــاذا ضحكت
الجندي2/ وهل نحن بحال نستطيع فيه سماع روايات
الجندي3/ الم تكن مرابطتنا هنا في هذا المكان كل هذه السنين ضرب من
           الهذيان.....
           اسمعوا..عندمـــا كنت اخدم في الجانب الآخر من السور ..هناك
           قرب تلك القلعة المقابلة لنا ...وفي إحدى الليالي كنا ثلاث جنود
           نتناوب للحراسة وكانت مدة حراستنا من منتصف الليل إلى الساعة
          السادسة صباحا..وكانت حصة كل منا ساعتان ...وكنت الأخير في
         التسلسل.
          ( يضحك بشدة )
          وبعد أن استلمت واجبي كان بديهيا أن تنتهي مدته مع ظهور خيوط
         الشمس الأولى ..وانتهت المدة.. وكانت الساعة التي كنا نضبط بها  الوقت تشير إلى  الساعة السادسة صباحا ...ولم يكن هناك من ضوء ولا أي شارة من شارات الصباح.....وكنت لا ادري هل توقف  الزمن في تلك اللحظات .....أم انه يتراجع للخلف وقبل أن يصيبني الذهول عرفت سبب ذلك....أتدرون ماذا كانت الحقيقة.....؟

         ( يضحك )
الجندي1/ نعم مــاذا حصل ...؟
الجندي3/ تبين إن الجنديين اللذين سبقاني في الحراسة...كان كل منهما قد
           سرق ساعة من مدة مناوبته وقام بتقديم الوقت إلى الأمام في ساعة
           الضبط وهكذا تبين إنني قد استلمت واجبي في الساعة الثانية صباحا
           بدلا من الرابعة وانه قد انتهى حيث ما كان من المفروض أن  يبتدئ
الجندي2/ ( ينظر باتجاه الجمهور )
            انظروا إنهم يغطون في نوم عميق ..فأي تحركات مريبة هذه
الجندي1/  هذا مـــا يظهر لنا ...وإنهم قد يناورون في أماكن أخرى وأمام
             بوابات أخرى من السور
الجندي3/ كم الساعة ألان.....؟
الجندي1/ (ينظر في ساعة يخرجها من جيبه )
            إنها الرابعة صباحا
الجندي2/ وهذا يعني إن الزمن سيتوقف في هذه اللحظة
           ( يضحكون )
الجندي3/ مـــا هي إلا ساعتان حتى ينكشف الصباح و سينفضحون ويتبين
           كل شيء
           (يسمع صوت قصف جوي ومدافع وإطلاق رصاص..الكل يهرول باتجاهات مختلفة في محاولة للاختفاء..تعم الفوضى في كل أرجاء المكان )
الجندي1/  ( ينهض )
           هيـــه...هل الجميع بخير ...هل أصيب احد ...هيــــه ..يا رفاق
          لقد انتهى القصف
            ( ينهض الاثنان )
     
الجندي2/ إن هذا تطورا خطيرا في مسار الحصار الطويل الذي ضرب علينا
          وان تلك بادرة جديدة.
الجندي3/ المهم أن يكون الجميع بخير
الجندي1/ اعتقد إنها علامات النهاية تلك التي تلوح
الجندي3/ نهاية مـــاذا وفي أي اتجاه تسير ......؟
الجندي2/ وما تعني الاتجاهات إذا مــا كانت الأرض تدور كما الطواحين
           إن النهاية واحدة وليس هناك رابح في الحرب
الجندي1/ يبدو إن هناك تحولا كبيرا سيحصل كل الدلائل تشير إلى حدوث
           ذلك .
الجندي3/  وكيف تظن ذلك...هل سيهاجمون ....؟
الجندي1/ ربمـــــا..وربمــا قد يحدث أمر آخر
الجندي2/   بعد كل هذا الانتظار المرير ....مــا هو الأمر الآخر....؟
الجندي1/ لا ادري......
           (ينتبهون إلى حدوث شيء مهم أمامهم ووقوع شيء عظيم لم يكن                  يتوقعوه يصيبهم بالذهول)
الجندي3/ مـــا هذا ....أترون الذي أراه..لا أكاد اصدق ...انحن في حقيقة أم                   في حلم
الجندي2/ لولا إنني أستطيع النظر حتى في أحلك الليالي لمــا صدقت مـــا
            أراه ألان .
الجندي1/ لا تستغربوا... إنها تلك النهاية المنطقية للأشياء عندمـــا تبدأ                        بالانحلال وخسارة مبررات وجودها
الجندي2/ ولكننا لم نكن نتوقع أن ينسحبوا بهكذا سهولة ...ما قيمة الخسارات
           والتضحيات التي قدموها كل هذه السنين....؟
الجندي 1/ وهذا هو السؤال الأهم الذي يحتاج إلى إجابة مقنعة وسريعة تفك
           كل الرموز وتحل كل الأحاجي
الجندي2/  انظروا... إنهم ينسحبون انسحابا عسكريا منظما ...لم تبدوا عليهم
           أي علامات للخيبة والخذلان ...كأنهم خرجوا منتصرين من حرب
           طال أوارها وقصرت فيها تباشير الأمل
الجندي3/ المهم... إنهم انسحبوا من حصارهم علينا
الجندي1/ لقد اتسعت دائرة الشك المريب حتى أحاطت بكل مــا يدعوا لفرح
          عابر بانتهاء عناء طويل
الجندي2/ ومـــاذا تقصد هل نستسلم لدوامة الاحتمالات ونحن لم نهنأ بعد
           بلحظات من نشوة كنا ننتظرها لسنين.....؟
الجندي1/ علينا أن ننتظر الأوامر من القيادات العليا فلعل هناك معلومات
           أكثر دقة لتفسير مـــا يحدث
الجندي2/ ( مستهزئا وتبدوا عليه علامات عدم الرضا )
           ما هي إلا لحظات وسأريك كيف إنهم سيحتفلون بنصر لم يكن
           لهم فيه انجاز يذكر.
الجندي3/ اسمعوا ...أنا سأنزل من هنا وسأذهب لأسأل الرفاق الآخرين
           عن رأيهم بما يحدث ...وهل إن هناك تعليمات صدرت حيال
           ما يحدث الآن
    (يخرج الجندي3 بينما نسمع صوت مدوي من الخارج )
           إلى كل الجنود المرابطين..على سور مدينتنا العزيزة...
           مبروك لكم نصركم المؤزر بالعز ومبروك لقيادتنا الحكيمة
           حنكتها وخبرتها في التعامل مع هذا الحصار الذي استمر لسنين
           عجاف والذي تكلل بالنصر المبين على أعدائنا الذين رجعوا
           خاسئين إلى جحورهم يجرون أذيال الخيبة والخسران .
          أيها الجنود الأبطال....هذه  هي النتيجة الحتمية لصبركم الطويل
          وهذه هي جائزتكم الكبرى.
الجندي1/ كلا ...كلا...ليست بهذه السرعة ....لقد استعجلوا النهاية قبل أن
           يعرفوا نتائجها
الجندي2/ الم اقل لك بأنهم سوف يحتفلون بنصر ليس لهم فيه انجاز ..إنهم
           واهمون
الجندي1/ أ بهذه السرعة يمكن أن ينجلي جيش جبار ملأ الآفاق وانتشر في
     جميع الجهات
الجندي2/ إنها الحرب يا رفيقي تلك التي تستعر لسنين وتنتهي بتواقيع في
                خيمة أو سفينة بمدة لا تستغرق تعداد قتلى قذيفة واحدة أو مدة
           تشييد  شاهد قبر  لضحية .
الجندي1/ ومن قال لك بأن كل شيء قد انتهى...؟
الجندي2/ ومــاذا بعد رحيل آخر جندي ...؟
الجندي1/ الم تتعلم في أي مدرسة حربية إن الحرب كــر و فـــر...؟
الجندي2/ أنا لم افترض أية نهاية ...كما إنني لا أستطيع أن أتجاهل جلاء آخر
        جندي من جيش قضً علينا مضاجعنا حتى لم نعد نهنأ بأي شيء
الجندي1/ ( ينظر إلى الأمام مندهشا )
           انظر ....هل ترى ذلك  ...أم إن عيناي بدأت ترياني مــا يدور
           في ذهني المشوش
الجندي2/ ( باستغراب واضح )
            إن لم تخدعني عيناي أنا أيضا ...فأني أرى إنهما قد خلَفا وراءهما
            حمارا خشبيا هائلا......!
الجندي1/ وأنا أرى كذلك...
الجندي2/ مــا هذه الغنيمة الغريبة .....؟
          (يدخل الجندي3 مسرعا وتظهر عليه علامات السرور)
الجندي3/ مبروك أيها الرفاق....لقد انسحب العدو خاسرا.. هذه آخر التبليغات
           الرسمية ...حتى إنهم قد تركوا وراءهم حمارا خشبيا كبيرا وان
           جميع قيادات الجيش وجنوده اعتبرت ذلك تطورا مفرحا ونهاية                           لم يتوقعها احد ...وستنزل سرية من سرايا حماية الجنرال وستقوم
          بنفسها بجـــر الحمار وإدخاله إلى المدينة والاحتفال بذلك النصر                  العظيم .
الجندي2/ هيا ..هيا وهل نبقى الوحيدين الذين لا يريدون انتهاء الحرب وكأننا
           من قد اشتهى إشعالها ولم يشرب إلى الآن نخب الانتصار فيها.
           (تحدث ضوضاء وجلبة.. تتداخل الأضواء والأصوات الفوضى تعم المكان...يدخل شخص غريب بلباس قديم )
الجندي1/ من أنت أيها الغريب...ومن أين أتيت ..ومن الذي جاء بك إلى هنا
            هيا قل.....؟
لاكون/ أنا لاكون ...كاهن معبد نبتيون في مدينة طروادة القديمة
الجندي2/  ولماذا جئت إلى هنا من ابعد نقطة في خارطة الزمن.....؟
الجندي3/ وهل كنت احد الجنود الذين كانوا يحاصروننا ...؟
لاكون/ أنا جئت محذرا من أمر عظيم سيحدث ....ارجوا أن تسمعوني
        وتصدقوا مــا سوف أقوله لكم .
الجندي1/ وكيف لنا أن نعرف بأنك لاكون فعلا...؟
لاكون/ الم تكن قارئاً لإلياذة هوميروس....؟
الجندي1/ واعرف لاكون جيدا...
لاكون/ وهل تعرف أيضا كيف اكتشفت حيلة الجيوش المحاصرة...عندمــا
         رميت خاصرة الحصان بحربة فانطلق منها صوت عميق يشبه الأنين
         وتبين مــا يضمره العدو
الجندي1/ ولمــاذا أنت هنا اليوم...؟
لاكون/ نسخة مطابقة من التاريخ تظهر حروفها الآن ومؤامرة قديمة أصبحت
        الحاجة ملحة لها في هذا الوقت ...مأساة أخرى لا أريد أن تتكرر                 ونزيف جديد يجب أن يتوقف
الجندي2/ وما نفعك أنت من هذه النصيحة بعد أن طويت صفحات التاريخ
          وكأنها لفافات ورق ووصلت إلى هنا
لاكون/ وكيف ينتظر الأجر من يحاول منع جريمة ستقع بحق أبرياء لم يكن
         قد شاركوا في اختطاف هيلين.....!
الجندي3/ اعتقد بأن الأجدر أن تكون أنت في محل الحذر..لماذا تريد أن تفسد
           علينا فرح نصر لم نخسر فيه روح واحدة
لاكون/ ( بشدة وإصرار )
        ستخسرون الآن....نعم الآن ستبدأ عربة الخسائر وكأنها تسير بكرنفال
       جنائزي بشارع الموكب حتى إذا مــا شاهدت بدايته فأنك لا تستطيع
       رؤية نهايته .
       (يسترسل )
        انتبهوا جيدا..ولا تختلط عليكم أوراق أريد لكم أن تخدعوا بها .....
        واعلموا إن الحروب التي يخوضها الفقراء بالنيابة عن الآخرين
        سيكونون وقودها هم فقط...نحن أصحاب تجربة من قبلكم في هكذا
        حيل انطلت على الجميع وحذرت منها كثيرا ولكن وقع المحظور
        ولات ساعة مندم ....إن العدو الذي بقي لسنين وهو يحاصركم
        لا يمكن أن يرحل هكذا بسهولة ...الحرب دون خدع مقابلة غبية
        في عرف مشعلوها لذلك فأن انسحاب عدوكم دون تحقيق أهدافه
        قرار غبي وهذا مـــا لا يتصف به من جاء من آخر الأرض وخطط
        لسنين عديدة.
الجندي1/ ومــا طبيعة المخاوف التي جئت تحذر منها ونحن في السطور
           الأولى من صفحات التاريخ الحديث
لاكون/ ( يدعوهم للنظر في نقطة باتجاه الجمهور )
          أترون ذلك الحمار الذي تركه الجيش وراءه وكأنه هدية أهديت لكم
          أو كأنهم نسوه ورحلوا..في كلا الحالتين كان القصد واحد وواضحا..
          لقد رميت ذلك الحمار بحربة أيضا ...نعم لقد رميته بحربة...! وكانت النتيجة نفسها.
الجندي2/ ومــاذا تعني ...؟
الجندي1/( بخوف )
            هل هــــــو.....؟
لاكون/ نعم هــــــو.....وإنها خدعة دبرها لكم العدو فلا تنطلي عليكم واحذروا
         من الاقتراب من ذلك الحمار
الجندي3/ وكيف نخدع بذلك الحمار
الجندي1/ اسكت أنت فأنك لا تعي شيئا...
           ( يخاطب لاكون )
           ولكنه كان في المرة الأولى حصانا.....؟
لاكون/ وذلك لأنهم يعرفون جيدا من يحاربون.....ففي الأولى كان الحصان
        مقدسا عند الطرواديين
الجندي1/ (باستدراك )
           ولكن الآن ..
لاكون/( يقاطعه بسرعة )
         الآن أرادوا الإيغال في إذلالكم .......
          الآن اختلفت الطرق والهدف واحد....ثم إنكم غالبا مــا تستهينون
          بالحمار.. عليكم أن تعرفوا أن القضية اكبر من قضية حمار .
          لا تدخلوا الحمار إلى داخل المدينة  واعلموا الجميع بذلك...وإلا
           سوف لن تلحقوا بلحظات تعبرون بها عن ندمكم
          ( أصوات متداخلة وضجيج يأتي من الخارج)
الجندي1/  ( يشير إلى الجندي2 والجندي3 )
           مــا الذي يحدث ....انظروا مــاذا يحدث في الخارج
           ( يخرجون )
           وكيف يمكن أن نتخلص من ذلك الحمار...؟
           (يدخل الجندي2 والجندي3 ومعهما شخص غريب )
           ومن يكون هذا الشخص......؟
الجندي2/ انه أسير من جنود العدو قبض عليه قرب الحمار
الجندي1/ (إلى الأسير )
            من أنت...؟
الأسير/ إنا احد جنود الجيش الذي كان يحاصركم في الخارج .....واسمي                    سينون
         ( ينتفض لاكون بشدة )
لاكون/ كلا...كلا..انه جاسوس ...لا تدعوه يخدعكم....احذروا ذلك الشخص
         ولا تستمعوا إلى أي شيء يقوله.
الجندي3/ بل سنسمع منه مـا يقول ...حتى نعرف بعض الحقائق التي يمكن
           أن توصلنا إلى أمر نستدل به.
الجندي2/ نعم...سنستمع إليه ...فكيف نحكم على شخص دون أن نسمع منه
           ما يريد أن يقول وما لا يريد أن يقوله
           ( يتجه نحو لاكون )
            ثم من أين لك أن تعرفه ...وتعرف انه جاسوس
             اسمع...إذا مــا كان كلامك صحيحا فهذا يعني إنكما شريكان..
            أتنكر ذلك....؟
الجندي1/ اصبروا قليلا ....حتى نعرف الحقيقة كاملة و نعرف الصديق
           من العدو فأن الحقائق التي أمامنا كلها تبدو ضبابية.. نحن بحاجة
          إلى ما يبدد كل الشكوك
لاكون/ صدقوني انه يريد أن يحيدكم عن الطريق الصحيح وهذا هو هدفه
        بل هو هدف جيش كامل بقى يحاصركم لسنين ويتحين الفرصة لأي
        غفلة قد تغفلون بها .
الجندي3/ الآن سنعرف منه الحقيقة
           ( يخاطب الأسير )
           قل لنا لماذا انسحب جيشكم بهذه السهولة ولماذا ترك ذلك الحمار  وراءه .....؟
الأسير/ لقد انسحب الجيش لأنه لم يعد قادرا على تحقيق أي نصر عليكم
          ثم أن اليأس والملل بدأ يتسلل إلينا حتى لم نعد قادرين على المواصلة
          في ذلك الحصار الطويل ...فكان رأي القادة إن نصف خسارة خير
          من خسارة كاملة فكان الانسحاب أولى من البقاء...أما فيما يخص
          الحمار فأنه تعويذة قادتنا الكبار ومن الرموز المقدسة لدينا والتي
                نحترمها كثيرا وقد تركه الجيش خلفه لصعوبة نقله أثناء الانسحاب
          واستحالة حركته في الطرق الوعرة.
الجندي2/ انه فأل حسن ..أن يتركوا تعويذتهم وراءهم فهذا يعني إن خيرا
           وفيرا سيصيبنا وأن حظا سعيدا سينالنا
الجندي3/  هيا ...لنسرع وندخله إلى المدينة  ونقيم الاحتفالات حتى الصباح
           الباكر فهناك حياة جديدة تنتظرنا
لاكون/ إن في هذا الحمار نهايتكم ..احذروا ....احذروا....
        ( يصرخ بصوت عالي ويدور في كل الاتجاهات بهستيريا حتى يسقط من فوق السور على الأرض)
الجندي1/ إن ذلك سيجرنا إلى حيث لا نعلم لقد خسرنا رجلا كان يعرف الكثير وكان من الممكن أن يدلنا على الحقيقة  .
الجندي2/ بل إن سقوط ذلك الشخص الغريب وموته هذه الميتة الشنيعة قد
           أزال كل بواعث الشكوك
الجندي3/ إن كلام هذا الجندي الأسير هو الصحيح .أما عاقبة هذا فكانت
          بقدر محاولة خداعه لنا وكان مصيره الموت
الجندي1/ إن هذا ليس بالرأي الصحيح أيها الرفاق وأني خائف من عاقبة
            قد لا تسرنا ...
          ( ينتبه إلى حركة وجمهرة جموع الجنود حول الحمار في أسفل السور ومحاولة جره إلى داخل ألمدينه )
          يا الهي ...لقد سيطرت عليهم حمى نصر كاذب ووهم قاتل ...
          كيف يمكن أن يعودوا إلى رشدهم ...إن مصير مدينة كاملة مرهون
         بانتباهة من أولئك الواهمين...ما ذنب كل الضحايا الذين سيسقطون..
         كيف يمكن للخديعة أن تدمر مدينة بكل ناسها وتاريخها بعد شوط
        طويل من صبر كنا نتجرع مرارته مع كل يوم يمر دون أن نستطيع
        دفن موتانا خارج باحات بيوتنا .
       الهي ...كيف لـ إنسان  يحتاج إلى أكثر من حكيم في وقت واحد ويتحكم
      بمصير الآخرين ...كلا .كلا
     ( ينتفض بشدة محاولا رفض المصير الذي سيؤول إليه خداع زملائه )
     سأمنعهم بالقوة....وسوف لن ادعهم يدخلون الحمار إلى داخل المدينة
     ( يخرج )
الجندي2/ ارجع..أيها الرفيق..سوف لن يتركونك لتفسد عليهم نشوة الانتصار
           ارجع ودعك من وساوسك
            (يخاطب الجندي3 )
          ألا ترى بان رفيقنا ستقضي عليه أحلامه التي دمرته وأحالته
         إلى إنسان مريض ....؟
الجندي3/ دعك منه ......ماذا سنفعل بهذا الجندي الأسير  ...؟
الجندي2/ وهل يستطيع جندي جُرد من كل أسلحته وقد تركه زملائه وحيدا
           في ارض المعركة من أن يحقق نصرا لجيش لم يستطيع تحقيقه
           لسنين ....؟ لا تخف منه ولا عليه .
          ( ينشغل الجنديان بالتلويح لزملائهم وأثناء ذلك يتسلل الجندي الأسير
          إلى الخارج هاربا )

الجندي3/ هيا...يا رفاق احملوه إلى الداخل انه رمز نصرنا
الجندي2/ اسحبوه على مهلكم ...احذروا أن  يسقط  عند جركم له
الجندي3/  انظر انه رفيقنا يحاول منع الجنود من سحب الحمار إلى الداخل
            لقد جن هذا الرجل.
الجندي2/ انه ينفخ في بوق مثقوب ...وهل يستطيع منع حشود متعطشة
          للاحتفال بنصر كبير
الجندي3/ إنهم يرمون به خارج حلقاتهم
الجندي2/ لقد انتظرنا طويلا ونحن بشوق إلى تلك اللحظات الخالدة
الجندي3/ وها نحن نعيشها بكل تفاصيلها
         ( أصوات متداخلة من الخارج...يدخل الجندي1 متهالكا ويائسا )
الجندي1/ عشر سنين من حصار رهيب ونحن ندفع ثمن خطيئة لم نرتكبها
           نحن ...ولكنها نُسجت مع بساط الفقراء وأُلصقت على كل حيطان
         المدينة وخُلطت مع ترابها... وصيروها قضية وطن...وشربنا كأسها
         المر منذ ذلك اليوم إلى الآن..أما أن يصل الحال إلى دمار شامل
        بلحظة غفلة فتلك هي المصيبة .
       ( صوت من الخارج )
الصوت/ من قائد القوات المرابطة على سور المدينة إلى جميع جنودنا                     البواسل ...اليوم حق لكم الافتخار بنصركم العظيم والتمتع بنشوته
         الكبرى ونعلن لكم انتهاء واجبات الإنذار والتهيؤ بعد انسحاب العدو
          من مقاتلتكم وليحتفل الجميع والى انتصارات أخرى
الجندي2/ هيا ...فلننزل ونحتفل مع رفاقنا الآخرين لم يعد هناك أي مبرر
           لوجودنا هنا ..هيا لنشاركهم في إدخال الحمار إلى داخل المدينة                   حتى ننال جزءاً من ذلك الشرف
الجندي3/ ( موجها كلامه إلى الجندي1 )
           وأنت يا رفيقنا العزيز ألا تنزل معنا ألا تشاركنا احتفالنا ..كأنك لم
          تكن معنيا بمــا آلت إليه الأمور....هيا تعال معنا فليس هناك اكبر من                            هذه الفرحة
الجندي1/(تبدو عليه علامات عدم الرضا...ويخرج الجندي2 والجندي3 )
           كلا أنا سأبقى هنا...سوف لن ابرح مكاني ....ستأتي الساعة التي
          تتمنون فيها الوصول إلى هنا ...لست من الجنود  الذين يتركون
         ساحة المعركة قبل انتهائها ..
         ( يدور مترنحا في أرجاء المكان )
        أيـــهٍ....يا طروادة هذا العصر...تعلقي ولو بخيوط واهية بقبة السماء
        لعلهم لن يستطيعوا أن يدنسوا أرضك الحبيبة ...أو طيري على جناح
        طائر مهاجر وعودي عندما يذهبون ...الم أرك البارحة وأنت تغادرين
        سهولك على أمل رجوع وعدت أبنائك به بعد حين .
        ( صرخا بصوت مدوي)
        اذهبي...اذهبي الآن واختبئي خلف وجوه أطفالك العائدين من مدارسهم
        فهم خير من يحمونك ...اذهبي فأبنائك يسددون فوهات بنادقهم نحو
       رؤوسهم وسيصيبونك على جبينك اللجين
       ( بيأس واضح )
       اذهبي ...فقد اكتملت فصول روايتك الحزينة..وغط أبطالها في نوم
       أعمق من جرحك النازف......
       ( يتناول الكتاب من داخل الصندوق ويقلب أوراقه طويلا...ثم يقرأ
بصوت مهموس )

       
     بعد ذلك قام الإغريق ببناء حصان خشبي عملاق وأعلنوا أنه سيكون
     تقدمة إلى الإلهة مينيرفا. ولكن بالحقيقة كان الحصان مملوءا بالمسلحين.
        أما بقية الإغريق فقد تركوا مواقعهم وأبحروا تاركين الحصان الكبير          خارج أسوار المدينة.

فرح الطرواديون وتهللوا لِما اعتبروه مغادرة الإغريق لمحيط مدينتهم ففتحوا
 بوابات المدينة وخرجوا منها مبتهجين. وقد أثار الحصان الخشبي فضولهم
 وأراد بعضهم سحبه إلى داخل أسوار المدينة، في حين كان آخرون متخوفين
 منه. عندئذ نقلوه إلى داخل المدينة بطقوس رائعة وفرح كبير.

عند حلول الظلام قام سينون بمساعدة الإغريق المسلحين على الخروج من
جسم الحصان ففتحوا بوابات المدينة ليسمحوا لإخوانهم الإغريق – الذين
عادوا في الظلام – بالدخول إليها.
 
عندئذ أحرقت المدينة وأعمل الإغريق السيوف في الطرواديين وكانت تلك
نهاية حروب طروادة.

( يهم بتناول سلاحه ويخرج مسرعا )


           (انتهت بسقوط طروادة هذا الزمان سنة 2003 )



 
  حيدر عبد الله ألشطري - العراق (2011-06-02)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حمار طروادة-حيدر عبد الله ألشطري - العراق

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia