قراءة في رواية " جدار " للكاتب محمد مباركي-حسن بعودة - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

قراءة في رواية " جدار " للكاتب محمد مباركي

  حسن بعودة    

ما كان لهذه الدراسة النقدية لرواية جدار  للأستاذ الفاضل   حسن بنعودة  أن تلقى على مسامعنا ونحن بجانب مجموعة من تلامذتنا لولا رواية "جدار" لمؤلفها الأستاذ محمد مباركي ، وذلك بمناسبة التوقيع الأول لهذا الإصدار بثانوية أبي ذر الغفاري ببني درار.
   يشرفني أن أكون اليوم بين ثلة من نساء ورجال التعليم الذين أشاركهم الكثير من آمالهم وآلامهم في هذه المدينة التي شهدت طفولتي وفترة لا يستهان بها من شبابي، مدينة لها علي دين ولا أظنني قادرا رد بعض من أفضالها علي وعلى كثير من زملائي والذين هم اليوم يصارعون الزمن في مناطق شتى داخل الوطن وخارجه . جئت اليوم نزولا عند رغبة صديقين حميمين تحابينا في الله وجمعت بيننا أواصر المودة، إنهما الأستاذان الفاضلان  حسين سونة والأستاذ الفنان محمد مباركي الذي نحتفي اليوم بإصداره الأول : في صنف الرواية "جدار"...
أخي محمد مباركي
... إن الكلمات تموت حينما تقال ومهما حاولت فلن أستطيع أن أوفيك حقك، فالذين عاشروك اكتشفوا فيك الفنان، والفن إذا لم ينعكس صورة جميلة في النفس بات ضربا من الهوس، وما الفن إلا الجمال .. وحين قدمت لي باكورة أعمالك في مجال الرواية، وطلبت مني قراءتها قراءة أدبية أحسست بثقل المسؤولية، فما أنا بناقد ولا عرفت النقد إلا قواعد بسيطة ولكنني قارئ يستمرئ  ما يقرأ  ويستعذب تلك اللحظات التي يعيشها بين أحضان الفن ويعترف  للفنان بالجميل . فدعني أعترف لك بالجميل لأنك متعتني كما أمتعت غيري بهذه الرواية، وحلقت بي عاليا وسافرت بي طويلا . حين قرأت الرواية عرفتك أكثر وتأكدت أن الفنان لا يستطيع أن ينسلخ عن جلده ولا يتحرر من ذاتيته، فأنت رجل التاريخ والتاريخ في روايتك حاضر، سواء ذلك التاريخ الذي ارتشفته من مقاعد الدراسة أم ذلك الذي عشته أو عايشته .
  فماذا يمكنني أن أقول عن رواية "جدار" لقد قرأت مزاوجة غريبة بين اللذة والألم ، بين ما هو كائن وما يجب أن يكون ، إنها رصد ميداني لثقافة متأصلة ، تستمد وجودها من تلاقح  ظل قائما بين بلدين ربطت بينهما أواصر التاريخ والمصير المشترك وفرقت بينهما أحقاد الحاضر ولعنة السياسة ...
 إن رواية "جدار" سلسلة من الأحداث لعل أهم ما يميزها هو تراجيديتها ، فالبطل في الرواية لا يفتأ يصنع لنفسه مكانة في النفس والعقل من خلال تجارب واقعية تنتقل بسلاسة وتستقر في مكان ما من النفس، يظل خلال ردح من الزمن راغبا في الشيء غير قادر على تحقيقه ... لأن هناك جدار بل جدران، الجدار في الرواية حد فاصل بين الخير والشر، بين الألم واللذة، بين الحق والباطل، بين السعادة والشقاء، بين الحياة والموت، جدار بُني في ظروف وظل الجميع أسيرا له .. والجدار هو الحاضر الغائب في شعور البطل، أحدث شروخا وتطايرت منه شظايا في كل مكان لتصيب الكبار والصغار وتحترق من لوعته قلوب وما أشدها حرقة وكأنه بُني في الأصل ليضع حدا لكل ما هو جميل في النفس، قضى على الإخاء، وغرس قيما جديدة ، قيم الكراهية والحقد والبعد والهجران. لقد هاجر "سعيد" وهو أخ البطل وهو يحمل حقدا دفينا على الجدار لينتقم لنفسه ومن نفسه، بل ومن الجدار حين ضاع في متاهات الهجرة والخمرة والموت ... وقبله مات الأب مفجوعا حين أمره  أخوه بتوزيع التركة وبناء الجدار الذي فصلهما.
ولا شك أن العم كان ضحية الجدار ... لم يكتو بنار الجدار إلا أولئك الذين عاشوا لحظات بناء الجدار وتقسيم "جنان العربي"...
   إن الكاتب يحمل في داخله لعنة لكل الجدران التي أقيمت سواء المادية أو المعنوية، وكأنها ما أقيمت إلا لغاية واحدة، فكما اكتوت الأسرة بناره اكتوت مدن ودول وشعوب كما يصرح الكاتب بذلك حين تحدث عن جدار برلين والحدود الجزائرية المغربية...
  إن الكاتب وهو يسرد أحداث هذه الرواية يمتح من ثقافة أصيلة، بدوية الطبع تستمرئ الفن البدوي في مختلف تجلياته، ثقافة تفصح عن نفسها في المناسبات التي أبى الكاتب إلا أن يوظف بعضا من فصولها في الأعراس والمناسبات التي  تعرفها المنطقة الشرقية حيث تتزاوج الكلمة مع اللحن والإيقاع مع الرقص فيحدث في النفس إمتاعا وهي ثقافة جماعية استمدت حضورها من تاريخ مشترك بين بلدين جارين كثيرا ما اخترق أصحابه الجدار للانتقال به أو إليه في البلد الآخر .



 
  حسن بعودة - المغرب (2011-06-16)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

قراءة في رواية

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia