حب المدينة محمد أنقار يحاور خليل الغريب-عبد الصمد مرون –أصيلة - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

حب المدينة محمد أنقار يحاور خليل الغريب

  محمد انقار    

عابرا من شارع إلى شارع، متوغلا في الذاكرة، كانت فكرة المكان تسكنني قبل أن أسكنها، بزقاقها الضيق وقلبها الكبير كانت فكرة المدينة تثير في فتنة السؤال، كيف لي أن أعبر عن حب مدينة في كل حجر منها ذكرى؟ من أصيلة إلى تطوان كان الخيال يحط من محطة إلى أخرى ومن رمز إلى أخر، من هذا المنطلق غدوت أكثر اقتناعا بأن ما شكل صورتي عن المدينة لم يكن غير تعبير من سبقني عن حجم حبهم لمدنهم أو مدائنهم، في هذا السياق غدا كل من "خليل الغريب" وما أتاحه إلي وإلى أبناء جيلي من زاوية نظر في مواطن الجمال بمدينة أصيلة عبر تشكيله هو وغيره من فناني أصيلة لصورتها المتخمة بالجمال، وفي اتجاه آخر وربما في الاتجاه نفسه، يسير واحد من رموز مدينة تطوان، محمد أنقار المبدع والناقد الذي منحنا حب المكان قبل التكوين الأكاديمي سنوات الإجازة والماستر بعد ذلك، عبر طموحه إلى سماع هدير البحر ونسيم الجبل من خلال قراءتنا لنجيب محفوظ وماركيث وإمنﮕواي كويلوا وغيرهم، كان يريد أن يكتشف هو أنا هذا الطالب يأتي من طنجة والأخر من زومي والأخر من الشفشاون، وبنفس الروح كان يتحرك إبداعيا عبر أدواته المتجددة التي تختلف بالتأكيد عن أدوات خليل الغريب لكنها تلتقي في تشكيل صورتنا عن المدينة، هنا بدا لي سؤال إشكالي في صلب النقد كما أفترض، لكنه ينحو في اتجاه رصد الجوانب المشتركة بين الفنون أي بين الأدب والتشكيل.
خليل الغريب، علي أن أعترف في البداية أني لم أعرف الرجل إبداعيا إلى في مرحلة متأخرة، وإن كان من الوجوه المألوفة لدي إنسانيا في الماضي، وقد كانت مناسبة هذا التعرف خلال نهاية سنتي الماستر عندما كنت إزاء البحث عن صورة تعبر عن إشكال بحث الماستر الموسوم "بالابتسام عن دولة ابن هشام" تقديم وتخريج، بإشراف الدكتورين عبد الله الترغي وعبد اللطيف شهبون، حيث ألفت إحدى لوحات الرجل تقترب كثيرا من مضمون البحث، فقمت في الحين بوضعها واجهة تأثث فضاء هذا البحث، وبطبيعة الحال دون الرجوع إلى صديقنا المبدع خليل الغريب وهذا اعتراف ثان، أرجو أن لا يأخذني عليه أستاذي. خولتني هذه المناسبة أن أكتشف بعدا وأفقا إبداعيا غير مكرور، فالمبدع يحاول في كل تجربة الإنصات إلى حديث المكان عبر أدواته الخاصة، عبر البحث في روح الأشياء البسيطة المفعمة بالحياة التي تمثل عوالمه التشكيلية، وقد تنبه "الغريب" بحسه المرهف إلى مجموعة من العلائق يصعب على الكثيرين اكتشفها، إنه في العمق إنصات لروح المدينة وحكايتها، كنت فيما مضى ألحظ الفنان التشكيلي "خليل الغريب" من الحين للأخر وهو يجوب حواري أصيلة الضيقة يتوقف أحيانا عند بعض المشاهد، يقلبها من زوايا مختلفة، والحقيقة أنني كنت أفشل دائما في الاهتداء إلى هذا القلق الذي يحرك الرجل إلى سر انتباهه لأشياء قد تبدوا مألوفة لغيره، رغم محاولتي استدراج الفنان إلى حديث أتمكن عبره من التسلل إلى عوالمه الفنية، لكن هذه المحاولات كانت تبوء بالفشل بما أن "الخليل" كان يضع ابتسامته اللطيفة حاجزا منيعا، ويمضي مزهوا باكتشاف لم يشأ أن يشرك أحدا في معرفة خباياه.
بنفس الابتسامة ونفس الرهافة يتحرك الروائي المغربي، ابن مدينة تطوان كما يحلو له هو أن يكون. محمد أنقار في بحث مستمر عما يحول بموجبه حارته الضيقة إلى بؤرة كونية عبر التقاط القيم، كان الروائي يحاول أن يكتب المدينة إبداعيا، كان إشكال أنقار ينبع من البحث عن المختلف والطريف وهذا ما يوسع أفق العالم، فالكونية لا تعني أن يضطر العالم إلى التفكير والتخييل بالشكل نفسه، وإنما هي الاعتراف بثراء هذا العالم، في هذا الإطار فقد أمن ابن تطوان أن هذه المدينة لها حكاية ترويها، بلسان مبدع ما، في هذا السياق تندرج رواية أو ملحمة باريو مالﮕا والمصري قبلها، بوصفهما يشكلان عالما زاخرا بالعلاقات الإنسانية المتشعبة، متمثلتا في كم التفاعلات بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والفضاء،  التي تحتفي بهما الروايتان، كل هذا في سبيل التعبير عن الشغف المتجدد بالمدينة وسكانها.  
من أصيلة إلى تطوان تختلف الأماكن ويختلف الرجال لكن الحب يبقى محركا رئيسا للإبداع، تحية الحب والتقدير للأستاذين خليل الغريب ومحمد أنقار اللذان علمان أن من لا مدينة له فلا قلب له.



 
  عبد الصمد مرون –أصيلة - المغرب (2011-07-01)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حب المدينة محمد أنقار يحاور خليل الغريب-عبد الصمد مرون –أصيلة - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia