الكف السفلى-محمد اجكنور /ورزازات-المعرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

الكف السفلى

  بسمة الشوالي    

 ما يثير قارئ أقصوصة :" الكف السفلى" للكاتبة التونسية المبدعة بسمة الشوالي  هو  جمالية عنوان النص ، لأنه  اختزال ذكي لمجمل مكونات النص وأحداثه وابعاده الدلالية ، فأصبح  دالا على مضمونه وعتبة مسهلة لقراءة تفاصيله فهو الخيط المتين الرابط بين النص وقارئه ، كما هو مكون نجاح  للعمل السري، كونه يثير فضول القارئ.ويجذبه في الانخراط في كيمياء النص تحليلا ، هدما وبناء. أو قراءة و إعادة قراءة . نقدا وتمحيصا لبناء دلالية جديدة  تغني الموضوع  و أبعاده.
و بناء على ما سبق يتكون عنوان المؤلف من مفهومين بارزين هما  الكف / السفلى. وهما عنصران متشابكان  ممتزجان  يعبران عن تداخل الواقع المعيشي  بالخيالي المتخيل لرسم مشهد درامي لحياة الهامش في المجتمع التونسي،كما  يعكس في آن واحد طبيعة التجربة القصصية للكاتبة. هذه التجربة الموسومة بالعمق في تناول قضايا الهامش و إثارتها  برؤية جديدة  مفرطة في الخرق الابداعي . فالكف هي أساس الحياة المادية والمعنوية معا . وبؤرة للعلاقة الإنسانية. بالكف  تتحدد طبيعة البعد  الوجودي البشري البناء  وتفاعله إيجابا او سلبا مع محيطه ونوعه بناء وتعميرا ، تضامنا وتكافلا ..الخ    ..وكلمة السفلى هي  إحالة  ذكية من الكاتبة  إلى  بعد  اللا منطق الذي يحكم  الحياة البشرية. هذه الحياة  المؤسسة على  الطبقية والتفاوت وعياب العدالة اجتماعية الضامنة لكرامة المواطن وحقوقه في العيش الكريم  ..وهما(الكف/ السفلى)  عاملان مستفزان  للقارئ، يجعلانه  جزءا مهما من بؤرة النص     منشغلا بتفاصيله منفعلا  بأحداثه ، مستمتعا  بشغف كبير  بقراءته. وياتي المتن الحكائي بتفاصيل العنف الحياة الاجتماعية وقهرها وسطوتها على الطبقات المحرومة. وذلك عبر ثنائة الفقر والغنى والخير والشر.. فالفقر ضرير أعمى يخبط ويتعثر في الدروب والأحياء. تطحنه لعنة الحياة المادية ولهات المدنية الجافة. فعبد الكريم بكل رمزيته الدينية والانسانية ( الضرير) فقد الصلة بالعالم عبر فقدانه لحاسة البصر ، كنافذة للعبور الى فهم واستقراء بل الاستمتاع بالحياة  وبالتالي الوطن أرضا وسماء وخيراته ونعمه  . فللعمى في النص رمزيته الحادة ، فهو يحيلنا على فقدان الصلة بالوجود عبر البصر والقراءة والاستكشاف وهو بالتالي اقصاءه من دائرة المواطنة الحقة، إذ هو  عنصر طفيلي غير مرغوب فيه.. يعيش نكرة وعالة على مجتمع الرفاه ، وحياة المال والأعمال. ويزداد  هذا المشهد قتامة: حين نجد  الضرير( المنبوذ اجتماعيا والمنسي انسانيا)  يعتمد  في حياته على الأمية والجهل و الخرافة ( مرشدته ) التي اختارتها الكاتبة بذكاء فتاة عانس طوح بأحلامها اليأس والقنوط وهي فاقدة لكل الضوابط الاخلاقية والاجتماعية، متمردة  لا يحركها في الوجود سوي شهوتي النكاح والمال . وهيما  ( المتعة والمال) ضالة  عالم الفقر والحاجة الذي ضرب بأطنابه في المجتمع .. ديدانه إشباع نزواته البهيمية وحاجاته في الطعام،  ولو على حساب الشرف والقيم الانسانية  والهوية والمواطنة ..ويأخذ هذا كله بعدا سياسيا في النص حين تبرز الكاتبة هشاشة الحياة العامة وفقدانها لضوابط السلامة فتغرق الأحياء الشعبية الفقير  في برك الماء والأوحال والازبال والفاقة  بينما الاحياء الراقية ترفل في النعيم، ويحقق هذا العنف السياسي  ذروته حين وقع اعبد الكريم الضرير  في قبضة الشرطة لينتزع منه ماله بتهمة الكسب الغير المشروع. وهو برهان  يؤكذ على طغيان الظلم الاجتماعي والسياسي وتعفن الحياة العامة. .. وبهذا وغيره من الحداث حقق المثن الحكائي قدرا محترما من النضج الفكري والاجتماعي لذا الكاتبة سعدها على اسر قراءها ضمن تصورها للعالم و في حدود رؤيتها الخاصة . وهو امر جميل يحسب اها..
و تتميز لغة بسمة الشولي بالخرق العنيف  للغة الطبيعية الواقعية المباشرة..اللغة  التقريرية الجافة الخالية من كل رونق بلاغي وجمال بياني. فهي لغة مفرطة في الانفلات.موغلة في التعقيد  والعتمة المعنوية ،تعتمد كمرتكز  بنائي على الجملة الطويلة المركبة. المتطلبة  لنفس خاص في القراءة و مراس  احترافي  في الفهم والاستيعاب..فالكاتبة تتعمد الى حد المغالاة  توظيف لغة المجاز والمشابهة وا الترميز والتكثيف والانزياح لتشخيص أحداث ومواقف مبتذلة مطروقة بإسهاب (موضوع التسول- العنوسة -والاستغلال –الدعارة..الخ) .. وهي تيمات بات اليوم من " الكليشيهات الابداعية"  واعادتها الى مقصلة الفن الابداعي يتطلب عمقا في المناولة الفكرية اكثر من الطرح البلاغي. لكن هذا لا يمنع من كون الكاتبة غاصت بكا سعتها فب جمالية اللغة ورونقها مما ضمن للنص جملية مميزة تبهر القارئ . ومما يزيز هذه الفسحة الابداعية رونقا وطراوة كون الكاتبة اعتمدت على خرق مفهومي الزمان والمكان بذكاء المبدع المتمرس ، فلا الزمان في النص زمان بمفهومه الفيزيائي ولا المكان مكان ببعده الجغرافي بل هماعصرة ابداعية تنسج مشاهد درامية ممتعة خارج سقوفها الزمانية والمكانية .لتبقى المتعة الفنية والجمالية الابداعية اكبر مكسب يحسب للكاتبة الشابة التونسية بسمة الشوالي. والنص كنز لغوي ثمين .يحفظ اللغة مرتبها المقدسة في الابداع الأدبي..



 
  محمد اجكنور /ورزازات-المعرب (2011-07-18)
Partager

تعليقات:
بسمة الشوالي /تونس 2011-07-22
الآن وقد تعرّفت على صاحب هذه القراءة النقدية القيمة أتقدّم بالشكر الجزيل للأستاذ الكريم الكاتب والناقد محمد أجكنور. فوجئت حقا بهذه اللفتة النقدية الكريمة وهذا التحليل العميق للعنوان خاصة من حيث دلالاته الرمزية وآفاق التأويل التي تنفتح عليها معانيه في علاقتها بالمتن السردي للقصّة وأبعادها الاجتاعية والسياسية.لقد استفدت من جلّ ملاحظاتك النقديةفشكرا وفيرا سيدي مرة اخرى. دمت مبدعاأجمل تحياتي. بسمة الشوالي تونس
البريد الإلكتروني : chaouali_besma@yahoo.fr

طنجة الأدبية /المغرب 2011-07-21
لقد قمنا بتصحيح الخطاء نشكرك على مساهمتك.مع التحية والتقدير
البريد الإلكتروني : redaction@aladabia.net

محمد اجكنور /ورزازات المغرب 2011-07-20
لم ينتبه الكاتب لكيفية كتابة اسمي فأسقط سهوا الكاف متاصحيح هو: ذ: محمد اجكنور ورزازات المغرب ولكم كل الشكر والتقدير ...
البريد الإلكتروني : simou62a@h.com i

محمد اجكنور /ورزازات المغرب 2011-07-19
لقذ تم نشر التحليل الذي انجزته لأقصوصة :"الكف السفلى" لبسمة الشوالي التونسية دون ادراج اسمي. وارجح انه سقط منكم سهوا أو لعارض ما فارجو استذراك ذلك لتصحيحه لأجل الأمانة العلمية وبكم منى خالص التقدير والامتنان وشكرا...
البريد الإلكتروني : SIMOU62A@H.COM

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الكف السفلى-محمد اجكنور /ورزازات-المعرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia