العجينة-محمد مباركي / وجدة / المغرب.
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

العجينة

  محمد مباركي    

فرقت بينهما الحياة مدة طويلة، لتعيد الصداقة الفياضة الجمع بينهما في ذات الحومة، من ذات المدينة التي تربيا فيها. كان أحمد خبازا يعمل في فرن تقليدي ورثه عن أبيه عن جده. طور منتوجه، بصنع أقراص الخبز من الشعير والدقيق المدعم.. يبيعها لسكان الحومة ولأصحاب الحوانيت في الحي والأحياء المجاورة.. كان إقبال الناس على الخبز التقليدي كبيرا، فمذاقه يذكرهم بمذاق الماضي. الماضي الذي يعتبرونه جميلا رغم قساوته في الغالب.
 
أما يحيى فكان من محظوظي أبناء الحومة. واصل دراسته وتفوق فيها وحصل على وظيفة مهمة.. بعد عودته إلى مدينته، سكن في حي متوسط، وداوم على زيارة حومته وصديقه الخباز في فرنه التقليدي. المكان الذي يبعث في يحيى دوما ذكريات جميلة، فيشعر بذلك الدفق من الحنين للماضي البعيد.. يقفز في نقلة عبر السنوات، يستحضر عبرها الذكريات الجميلة.. يتلذذ بأحاديث صديقه التي غالبا ما تدور حول أحداث وقعت في الحومة، وما آل إليه أبناؤها وبناتها. وفي ذات الوقت كان يراقب أقراص الخبز يخرجها صاحبه محمرة من الفرن كلون المرجان. تفوح منها رائحة تسيل لعابه كطفل. يأخذ قرصا ويبدأ في قضمه حتى يأتي عليه كاملا. هكذا كان يفعل في صغره. يأكل الخبز " حافيا "، يمرره في بلعومه مع الشاي المنعنع في وجبات اليوم الثلاث، كمثل أغلب " رعايا " الوطن العزيز.
 
في أول يوم من إجازته السنوية، مرّ يحيى بصديقه في الفرن. وجده منهمكا في تحضير عجينة كبيرة. كان يدعكها بيدين قويتين، وحبات العرق تنساب على صدغيه.  ينشفها بكمه تارة ويتركها تتقاطر على العجينة تارة أخرى. سأله ببلاهة :
- ماذا تفعل يا أحمد ؟!
- كما ترى، أحضر عجينة .
سأله ثانية ببلادة واضحة :
- ماذا ستصنع منها ؟
- كأنك تسأل عن شيء لا تعرفه .. سأصنع أقراص الخبز وبعض الفطائر والحلوى.
وقهقه عاليا وأردف :
- هذه العجينة مثل رعايا الوطن العزيز. تصنعون منهم ما تشاءون .
رد يحيى جادا :
- إلا هذه الأيام مع أريج  الياسمين والفل.



 
  محمد مباركي / وجدة / المغرب. (2011-07-25)
Partager

تعليقات:
محمد مباركي /المغرب 2011-07-30
الشكر الجزيل لأسية وحسين عبدوس على المرور الكريم.تحياتي
البريد الإلكتروني : med1959@hotmail.fr

حسين عبروس /الجزائر 2011-07-29
الاستاذ محمدمباركي.اسمحلي بأن أزف لك تحايا المحبةوالتهنئة على قصتك الموغلة في الروعة الفنية والاحترافية العالية في مجال الكتابة الابداعية.دمت لنا مبدعا رائعا .وللتواصل أرجو زيارتنا على عنوان=فوانيس السماء العربي=
البريد الإلكتروني : hocineabrous@yahoo.fr

أسية /المغرب 2011-07-25
قصة رائعة وممتعة،نشكرك على هذه اللحظات الجميلة ودمت نجما متألقا في سماء الإبداع.
البريد الإلكتروني : assia_maitresse@hotmail.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

العجينة-محمد مباركي / وجدة / المغرب.

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia