ذبابة أرستقراطية-العربي الرودالي - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

ذبابة أرستقراطية

  العربي الرودالي    

سدد بسوط  من  حرير ، يستعمله عادة للهش اللطيف ، لمسة خفيفة لذبابته، كي يروضها على التأدب..هي ذبابة مدللة..وتكون في غالب الأحيان لبقة وفق مزاجها، ونبيهة لا تغفل أو تتيه عندما يتعلق الأمر بما يرضيها..لقد أصبحت أليفة لديه، تسبقه إلى سيارته الأميرية، وتجلس على قمة الأريكة الخلفية في ارتخاء حالم، حيث يصبح وكأنه سائقها..تنزل عند وقوفه بجانب الرصيف، مقابل مقرعمله ذي الهندسة الفخمة ويافطات التنبيه الجذابة.. فتهب صحبته إلى المصعد المريح والمتحرك درجه..وعند دخوله إلى مكتبه، وجلوسه على أريكته الوثيرة، وهو يتمايل نخوة، يجدها قابعة منتظرة إياه على رأس قلمه الفضي النفيس، الذي تسلمه هدية من أحد كبار المتعاملين مع مشاريعه الشهية..فيهشها في دعابة، نافثا دخان سيجارته الأنيقة، عند تناوله للقلم كي يوقع على وثائق مالية ضخمة، صففتها على المنضدة الكاتبة الحسناء، المختالة بتنورتها القصيرة جدا جدا... فتنتشي ذبابته بهذه الجرعة المنفوثة وتحوم حول رموش كحيلة للكاتبة الحسناء، التي تهشها هي أيضا، في غنج، بأناملها العاجية الرقيقة.. فتلهو في مشاكسة وتدلل.. يبتسم للأمر وقد وجد نقطة "بزاق" منها حطت على  الصفحة الرئيسية
للورقة، والتي هو بصدد البث فيها داخل أحد الملفات، فلا يسعه إلا أن يوقع بمحاداتها ..لقد صارت أصلا جزءا من توقيعاته.. وعندما زاره أثناء وجوده بمكتبه الفخم هذا، أحد أرباب المال والأعمال، من الشخصيات التي هي إحدى ركائز ومعارف مشاريعه الشهية، راعتها هيئة هذا الزائر البدين ، فحطت على كرشه الباذخة تتزلج على ربطة عنقه الملساء، وقد تعودت على أمثاله الوازنين بعيدا عن أية نماذج أخرى.. في هذه اللحظة أخذت تبصبص حول وأمام أنفه ، مستمتعة بأريج سيجاره الضخم ذي النكهة المنعشة، ومرحبة في لباقة بتهالكه على الأريكة المقابلة لصديقها الثري صاحب المكتب  الفخم والمشاريع المغرية.. حاول الضيف، في خجل مترفع، إبعادها دون لفت الانتباه، مخافة أن يشعر أحد بأنه مجلب للذباب أو به شيء مما يثير انجذابه..لكنه لم يفلح..لاحظ  صاحب المكتب الفخم تبرم الزائر وحرجه من هذا الموقف، وهو يترنح حائرا في كيفية التملص من هذا الحادث ، فتناول قارورة تسر بهندامها الناظرين، واقترح أن يرش عليه قليلا من العطر
المستورد، قصد إبعاد الذبابة المدللة عن ضيفه المكتنز، دون إحراج أو إثارة للمشاكل ..لكنه لم يفلح هو أيضا..دخل الرجلان في حديثهما الهام غير مبالين بشيء..ورغم مشاكسة الذبابة وعنادها، فإن الحوار استرسل وهما يهشان تارة بالأيدي وتارة بالوثائق التي كانت محط توقيعاتهما، فتمادت  تزهو محلقة كما تهوى، في شبه رقصة بالي رومانسية.. وحصل أن صودق على مشروع تعاقدهما..فوضع الشخص شيكه البنكي على المكتب الخشبي الرفيع.. كان مبلغا كبيرا، دفعه عربونا على الاتفاق الهام والسعيد..وإذ يتأمل صاحب المكتب الفخم والمشاريع الشهية شيك ضيفه، قبل تناوله، يرمق فوقه زوجا سعيدا لذبابتين اتفقتا على ترابطهما الغرامي المأمول.. فكانت المصاهرة...



 
  العربي الرودالي - المغرب (2011-08-17)
Partager

تعليقات:
مزهر جبر الساعدي /العراق 2016-07-24
قصة جميلة؛ السرد تقليدي لكنه جميل ويشد القارىء وممتع. القصة مرمزة من العتبة العنوان والذي شكل مفتاح أو باب الدخول المعنى. الثيمة وأختيار موضوعة قليل من أسثمر هذا الموضوع؛ جميع المعاني والدلالات وضع حمولتها الفكرية الكاتب على حناحي ذبابة. النهاية فتحت الدرب الى جوهر الفكرة؛ الزواج بين كائنين في لحظة غرامية: من هنا،نفهم كم بئيسة وأقرب الى مصاصي الدم من الحيوان، حيونات صغيرة جدا، في ذات الوقت جلبة الى الامراض؛ رجال الاعمال والمال" البرجوازيون"، في وقت لا يتعدى وجودهم عن كائن صغير لمنه مؤذي جداً.تحية للكاتب.
البريد الإلكتروني : mzahr@1231yahoo.com

العربي الرودالي /تمارة-المغرب 2013-10-25
العزيز والصديق نور الدين كرماط، شكرا على التهنئة وعلى طيبوبتك
البريد الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr

العربي الرودالي /تمارة-المغرب 2013-10-25
الأخ سلام الدين..أنا جد فخور بهذا التنويه الباذخ..تحياتي وتقديري
البريد الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr

نورالدين كرماط /المغرب 2011-10-06
مبارك عليك التتويج الأستاذ المبدع العربي الرودالي
البريد الإلكتروني : nasser76@menara.ma

سلام الدين محمد /المغرب 2011-08-22
الاخ الاستاذ المحترم والعزيز نشكرك جزيل الشكر على هذه القصة الرائعة التي تحمل بين سطورها اشارات لتك الفئة من المجتمع التي تحاول ان تترفع عن باقي مكونات المجتمع على جميع المستويات ولكن واقع الحال يشير الى عكس ذلك حيث ان حضيرة خنزير اطهر من اطهرهم
البريد الإلكتروني : med_salameddine@hotmail.fr

العربي الرودالي /تمارة المغرب 2011-08-21
العزيز والصديق الغالي، الشاعر الكبير محمد علي الرباوي، معي هنا؟ ومن بعيد يبعث لي شهادة مشرفة..؟ أعتز بالمفاجأة وبهذا الاعتراف المتوهج، وذاك البرعم من ذكريات ماض موهوب...
البريد الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr

محمد علي الرباوي /وجدة/المغرب 2011-08-20
طفلفي عمر أريج الورد، كان يحلق في غابة سيدي قاسم، كان الشِّعر يملأ قيثارتة وكان الحكي يتناثر من بين شفتيه رقراقاكعطر الياسمين، ذلك الطفلحين حدث عن هذه الذبابة لم أشعر بغرابة ذلك بأن الطفل الذي عرفته في مدينة البرتقال قصها علي ، أذكر أنني قلت له:قصة فيها شغب الأطفال، رائعة.
البريد الإلكتروني : rabawi_m@yahoo.fr

العربي الرودالي /تمارة (المغرب) 2011-08-18
الأخ عبد الواحد، شكرا للمتابعة كعادتك..هي ارتسامات وملاحظات لها قيمتها الأدبية وتستحق كل الاحترام..فمن خلال هذه المداخلة الجادة، لمست أن النص بلغ شيئا من رهانه..يبقى أن المباشر هنا ركب التصور السريالي...كل المودة والتقدير أيها الأخ الكريمالعربي الرودالي
البريد الإلكتروني : mr.roudali@yahoo.fr

عبد الواحد ابروح /شفشاون 2011-08-17
السرد القصصي يتخذ الشكل المباشر مع فواصل التوضيح تربك قليلا متعة القراءة لكن الفكرة رائعة جدا وترقى الى مستوى الابداع الاخاذ اذ ان شراكة الذباب وترصد القذارة رمز صادم وادانة فبرايرية فاضحة للابلطرة العقار حيث ثلثي الشعب المغربي يكتوي بالكراء وقلة قليلة تحتكر الثروة عشرون عائلة من فاس والرباط
البريد الإلكتروني : ABDO|SE@LIVE.FR

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

ذبابة أرستقراطية-العربي الرودالي - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia