نقطة العبور-ميمون الغازي - فرنسا
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

نقطة العبور

  ميمون الغازي    

الرجل ذو اللحية الطويلة حتى الصدر، تبدو عليه علامات الحكمة والوقار، يحدث شخصا من ورائي عن أصول الدين، عن الأخوة في الإسلام، عن النظام وأشياء أخرى.

الجمركي يسب، يلعن، يرغد، يزبد، يصفع صاحب الدراجة العادية المهترئة، يطلب منه أن يتخلى عن كيس الأرز، يتوسل إليه صاحب الدراجة، ينزع منه الكيس بالقوة، يركل الدراجة ويشعل سيجارة.

يتكسر الطابور، تعمّ الفوضى، يتدافع القوم، يشتم القوم بعضهم  البعض، يلعنون المخزن والحكومة ونقطة العبور  .
 قال صاحب اللحية الطويلة :
 - "العيب فينا وما لزماننا عيب  سوانا"
 قال ثاني:
-البوليس هو الذي يفتعل هذه الفوضى حتى إذا أردنا الخلاص دفعنا لهم وخلصونا.
احتجوا، صرخوا ، أُغْلِق الشباك بدون إشعار وإلى إشعار غير معلن .

المتسول ممثل بارع، نصحته فيما بعد أن يجرب التمثيل، يتجول بين السيارات كصقر يمسح الأرض بعينيه بحثا عن فريسة ، كلما رأى امرأة جالسة في السيارة وحدها أو مع صغارها ،اقترب منها، رسم على وجهه علامات الأسى والحزن العميق، فجأة يعوي كالذئب يتوسل تنزل على خديه دموع تماسيح حارة يقول :
 -ماتت أمي وبقيت وحيدا
 وتارة يقول :
 - أريد أن أشتري دواءً لأمي العجوز
وتارة أخرى :
 -أريد أن أشتري خبزا فأمي جائعة
يعوي كالذئب، يضحك الصغار، وتقول طفلة صغيرة  بنظارات كبيرة تغطي وجهها الرقيق لأمها :
- لقد قال أن أمه قد ماتت، يضحك الصغار.
فُتِح الشباك ، اندفع القوم ، تعالت الصيحات، أربت على كتف ذو اللحية الطويلة :
- سيدي كيف تتقدمني إحترم الطابور لقد كنت ورائي.
يتجاهلني، يسرق الصف، لا يلتفت إلي، يطبع جوازاته يشكر الشرطي يمسح لحيته بيديه المتسختين ويدلف عاثرا في جلبابه الرمادي القاتم .

يقترب مني رجل في الخمسين، يبدو من خلال نظراته كبوليس سري سابق أو كشرطي أعفي من مهامه، يهمس في أذني:

ـ كيف لك أن تنجو وسط هذه الأمواج البشرية، لعلمك فقط، هناك طرق أسرع لطبع الجوازات إذا كنت ترغب في ذلك
ـ أعرف أن هناك طرق عديدة لكن أنظفها أن نحترم الطابور حتى يأتي دورنا
غير راض على الإجابة:
ـ كما تشاء بينما أنت مسمر في مكانك لقد مر قبلك عدد كبير دون أن يتعبوا انفسهم.
وتسلل وسط الجموع يبحث عن ضحية أخرى.

الشمس تتلألأ في الأفق ، السيارات معطلة، البنت الصغيرة  تتقيأ بدون نظارات، الذئب يعوي في وضح النهار، وذو اللحية الطويلة يصلي خلف سيارته ينتظر إشارة العبور.

فوضى عارمة، ، أمواج بشرية، يوم الحشر، وصلني الدور والدوار في آن واحد،  أتنفس بصعوبة ، أمد جواز سفري إلى الشرطي، يخلصني، أنزلق من بين الجموع، أهرول إلى سيارتي كالهارب، أدخل السيارة، أتنفس الصعداء.

وصلت نقطة العبور الإسبانية تفقد الشرطي جواز سفري وقال بالإسبانية :
- سفر سعيد           ( buen viaje)   
نظر إلي جمركي إسباني بالقرب منه ابتسم في وجهي ابتسامة عريضة، رديت بالمثل، نظرت في المرآة  إلى الخلف ، الجموع تتدفق، تتدافع، تتعالى صيحاتها، شتم، سب، قذف مجاني، سرعان ما تتلاشى الصيحات وأنا ابتعد شيئا فشيئا، عويل الذئب وحده ظل في أدني حتى بعد أن تركت نقطة العبور.



 
  ميمون الغازي - فرنسا (2011-09-09)
Partager

تعليقات:
الخديري عبدالاله /ايطاليا 2011-09-11
حمدا على سلامتك ، دمت بابداع العزيز ميمون
البريد الإلكتروني : goldman.abdel@hotmail.it

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

نقطة العبور-ميمون الغازي - فرنسا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia