أين مكاسب العربية؟-د.فؤاد بوعلي - المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

أين مكاسب العربية؟

  د.فؤاد بوعلي    

في الأيام الماضية دشنت حكومة الأستاذ عباس الفاسي خطة تواصلية تبرز فيها أهم المنجزات التي تحققت في عهدها. فمن خلال موقعها الإلكتروني وشعاراتها الإشهارية ورسائلها الإلكترونية أو الهاتفية تحاول الحكومة أن تبرز ما حققته خلال مدة وجودها، وتطرد عتها لعنة الاحتجاجات التي صاحبتها منذ بدايتها، وتهيئ نفسها للمحاسبة الشعبية التي من المنتظر أن تكون الانتخابات، إن جرت وفق المأمول ديمقراطيا ودستوريا، محطتها الرئيسة لتقديم  الحصيلة وكشف الحساب. لكن الغائب عن أجندة حكومة عباس الفاسي وتقارير وزرائه هو الحديث عن مكاسب اللغة، وما الذي تحقق للغة العربية في عهدها؟
ومشروعية التساؤل آتية من كون رئيس الحكومة وأهم وزرائها ينتمون إلى حزب دافع، منذ انطلاقته وريادته للحركة الوطنية، ومازال يدافع إعلاميا وحزبيا، عن هوية المغرب العربية والإسلامية، وعن دور اللغة العربية في رسم معالم الإنسان المغربي وتشكيل شخصيته. لذا ما فتئت التيارات المناهضة للعربية والتعريب، والتي تلحفت بعناوين متنوعة شكلا ومتماثلة عمقا، من الدفاع عن الخصوصية والتدريج إلى "الفرنسة" إلى التمزيغ، تعتبره عدوا استراتيجيا وتهديدا لمسار مطالباتها. كيف لا وهو الحزب الذي تغنى بكتابات العلامة علال الفاسي وأنشد أشعاره واحتمى بعبقريته. كل هذا يجعلنا نهمس في أذن الأستاذ عباس بالقول: ما الذي تحقق من مشروع الحزب اللغوي؟ وهل فعلا كان الحزب كما يقول ومن خلال تسييره للشأن العام مدافعا عن العربية؟ أم هي شعارات تقدم للقاعدة الشعبية وللممارسة شأن آخر؟
لقد دأب الوزير الأول على أن يكرر في كل تقديم لبرنامج حكومته أمام البرلمان الحديث عن الرفع من شأن العربية في الإدارة والحياة العامة. وفي هذا الإطار أصدر مرسوما سنة 2008 يقضي باعتماد اللغة العربية في التواصل والمراسلات والقرارات الإدارية والشأن العام في المصالح الحكومية وفي تواصلها مع المواطنين، كما تعود السيد عباس في لقاءاته الحزبية على جرد منجزاته في الدفاع عن العربية، ومنجزات حكومته. لكن هذا المسار "المشرق" يصطدم بجملة من الحقائق والنماذج الواقعية  :
•    ففي عهد الحكومة الحالية تم التخلي، في أكثر من دورة تشريعية، عن مناقشة مقترح"قانون تعريب الإدارة والحياة العامة"، الذي تقدم به الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان المغربي، تحت مزاعم عديدة ومتنوعة.
•    في عهد حكومة عباس الفاسي لم يحرَك مرسوم الوزير الأول حول استعمال العربية في الإدارات والمؤسسات العمومية، بل شهدنا "فرنسة" غير مسبوقة من قبل الوزراء الاستقلاليين قبل غيرهم. ويكفي أن نذكر بالمرات العديدة التي تقدم فيها عروض الوزراء أما ملك البلاد بلغة موليير، فكيف تكون الحالة في مجالس الحكومة، وفي الإدارات والجماعات.
•    في عهد الحكومة الحالية تم اجترار تنزيل مشروع أكاديمية اللغة العربية، الذي صادقت عليه الهيئة التشريعية منذ  أبريل 2003. ولا يمل وزراء الحكومة الحالية من التفنن في إبداع الأعذار لهذا "الوأد" المعلن للمشروع، ولم يكن آخرها خروج وزير التعليم بعذر أفظع ومستحدث، حين حديثه تبريره بمشاكل مجامع اللغة العربية في العالم العربي، وكأنه يقول للنواب ومن خلالهم للشعب المغربي: انسوا مشروع الأكاديمية.
•    في عهد حكومة السيد عباس شهدنا غيابا للحماية القانونية والتشريعية للغة الرسمية للدولة. فإضافة إلى "محرقة العربية" في الشوارع والتعليم والإعلام، ستجد في المغرب من يعلن صراحة حربه على العربية، بل سيتحفنا أحد زعماء حزب أغلبي مشارك في الحكومة بأن "العربية لغة استعمار"، دون رد من الحكومة ورئيسها وحزبه.
•    في عهد الحكومة الحالية انتقل دعاة التدريج إلى مستوى أكثر جرأة. فهم لم يختلفوا عن أسلافهم الذين وصفهم علال الفاسي بكونهم "يحدثون من المشاكل للنخبة التي تريد أن تعمل على استكمال التعريب والتحرر من أثار الاستعمار في كل مظاهر وجودها" ، لكنهم الآن وبمساعدة واضحة من أهل القرار انتقلوا إلى محاولة فرضها في التعليم وغيره. ويكفينا مثالا حضور وزير التعليم في افتتاح ندوة "اللغة اللغات" التي عقدت لهذا الغرض.
فعن أي مكاسب يمكن للسيد عباس أن يحدثنا؟  وكيف سيواجه قاعدته الشعبية وهو لم يحقق للعربية شيئا؟
سيأتي من يدافع عن الحكومة ورئيسها بالقول أن الأمر يتعلق بلوبيات فرنكفونية تمكنت من دواليب الحكومة وأجهزتها، وغدت تقود حروبا متوالية على كل عناصر الهوية والقيم، وهو ما عبرت عنه جريدة العلم بالقول: "يوجد هنا في المغرب من يدافع عن النشاز بانتصاره للغة الأجنبي على اللغة الرسمية التي أقرها الدستور بذرائع لا تقوم على أساس" . لكن سيظل التاريخ شاهدا أن العربية في عهد السيد عباس قد أفقدت ريادتها، وأتتها السهام من كل جانب، ومُكن للغات ولهجات أخرى وهي قابعة في أزمتها، والحكومة ورئيسها لم يحركوا ساكنا. فأين هي المكاسب؟



  1 - محاضرة علال الفاسي نشرت في مجلة البينة سنة 1963
2 - أنظر: افتتاحية جريدة العلم، الجمعة 3 مارس 2006.
  د.فؤاد بوعلي - المغرب (2011-09-21)
Partager

تعليقات:
mow /maroc 2011-09-24
3bbas ya 3bbas ya bourass.
البريد الإلكتروني :

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

أين مكاسب العربية؟-د.فؤاد بوعلي - المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia