غُـبْـنٌ مُضاعَـف-سعـيدة تـاقـي-تطوان-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

غُـبْـنٌ مُضاعَـف

  سعـيدة تـاقـي    

لم يتمكّن من النوم طوال الليل.
كان يفكر في القميص الأبيض الذي سيقتـنيه لابنته بدل ذلك الذي اصفرّ لونه و ضاق بجسد الطفلة التي تكبر على عجل.
كان ينظر إلى عيني زوجه النائمة، و هو يتخيّل مدى الفرحة التي ستغمرهما حين يقبل عليها بجلاّبة أخرى، بلون آخر.. و لن تكون قطعاً خضراء فقد التصق ذاك اللون دون جدوى بظهرها منذ أنجبا عبد العزيز قبل سبع سنوات.. جلاّبة تمحو عن غـبـنها كل تلك السنوات التي لم يفارقها فيها الجدب الذي سكن أفئدتهم قبل جيوبهم و بطونهم.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة حزينة، و هو يدرك حجم الصراخ الذي سيُصدره سمير حين سيعلم أن الحذاء الجديد ليس له و إنما لأخيه، قبل أن يتراجع عن بكائه لمّا يرى الصندل البلاستيكي الجديد الذي أصبح له.
لن يشتري لنفسه شيئاً.. يريد أن يتبقىّ له القليل لكي يقـتـني به بضاعةً جديدة يـبـيعها عوض تلك المجلّات البالية التي لا تستوقف أحداً من المارّة المستعجلين كالعادة.
بدا له و كأن الساعات لا تريد أن تمضي سريعاً مثلما يريد هو.. ألِـف أن تأتي الأشياء دائماً عكس رغباته.. لم يكن يوماً من الحالمين.. لم يطمح إلى ما لا يستطيعه حاضره. تجارته بسـيطة على قدر الحال، أصبحت بمـرور الوقـت مبتـذلة، لا تـسد مطالب الأسرة.. و الأبناء يكبرون بسرعة.
لا يعلم كم ستكون مكافأته.. لكنها بالتأكيد ستكون مبلغاً كبيراً فالكيس مملوء بالأوراق المالية الخضراء، قد تكون فرنسية أو أمريكية أو روسية لا يهم.. لا شك أنها ثروة ضخمة، أراد له القدر أن يشرق عليها أخيراً سعدُه.. ظل يترقبّ انبلاج الفجر.. لم ينم.. كانت الأفكار المتلاحقة تصرف أي وسنٍ يداعب جفنيه.
استسلم بعد الفجر لإغفاءةٍ داهمت أحلامَ يقظته..
استفاق لاحقاً على صوت زوجه توقظ كريمة و عبد العزيز للاستعداد للذهاب إلى المدرسة.
شرب كأس الشاي على عجل، و غادر البـيت.. كان يريد لليوم أن يسرِع به إلى اللحظة التي سيـنال فيها المكافأة.. لأجل ذلك قصد مركز الشرطة الأقرب إلى الدرب الخلفي حيث عثر على الكيس، رغبةً منه في ربح الوقت و توفير جهد البحث عن صاحب الكيس.
ذاك ما كان يظن.. فلا شك أن صاحب كل تلك النقود ينتظر في المركز على نار، عودة رزقه إليه.
لكن... بمجرد أن عبّر عن سبب قدومه للمركز حتي اختطفت يدان الكيس، و أمسكت أخريان بقفاه.. لم يفهم شيئاً كانت الكلمات الوحيدة التي التقطها سمعُه، قبل أن تدوّي تلك الصفعات المتوالية على خدّيْه:
ـ أنت هو مُولاها، أكْحل الرّاس و جاي برجْـلِيك.. عام كامل و احْـنا  دايخـين معاك.. تزوير العُـملة و الترويج و الحشيش.. من هْنا لا خْرجْت إلا للحـبس.



 
  سعـيدة تـاقـي-تطوان-المغرب (2011-12-19)
Partager

تعليقات:
kacem /sidi kacem 2011-12-21
قصة ممتازة من حيث امتلاك الموهبة لكن النضج القصصي لم يكتمل بعد إقرئي لربيعة ريحان وأي مجموعة قصصية عصية القراءة ستكتشفين أن كثرة الإحتكاك بتجارب الآخرين مثرية لأي مبدع يتلمس الطريق
البريد الإلكتروني : najib.mahfoud@yahoo.com

ع ابروح /المغرب 2011-12-19
النص يصور حياة اسرة ذهب لون السعادة منها ويبدو شاحبا وكان الحلم قاسيا قساوة رغبات الفقراء في بلدنا لان الظلم المخزني طال الجميع ورمزه الاكبر طبعا هو الشرطة بينما الاسلوب الجميل واللغة الانيقة لم تقترب من نسج نهاية قوية بين الخيال والواقع
البريد الإلكتروني : ABDO|SE@LIVE.FR

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

غُـبْـنٌ مُضاعَـف-سعـيدة تـاقـي-تطوان-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia