هراس المعاناة-عبد الواحد البرجي-زاكورة-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

هراس المعاناة

  عبد الواحد البرجي    

دلف باب المدرسة لأول مرة خوفا من شبح الأستاذ، تقلب بين الحجرات  عن غير وعي، مل تلك الجدولة الزمانية الراتبة بين أقسام آيلة للسقوط، جدرانها من تراب وحجر متراص وسقفها من أعواد وخشب منخور مغطى بسعف الجريد والقصب، وهو في الصف الخامس ابتدائي بدأ يشعر بوجوده الفعلي داخل هذا المكان الحزين بغطرسة الأساتذة الأشباح، الذين لاهم يشغلهم عن الاعتناء بجودة العصي و ( الكراوي المطاطية)لإبراز عضلاتهم وبث الرعب في عيون التلاميذ، حتى الإدارة نفسها لا تقل يومئذ غطرسة وافتراء للبنود المنظمة لسير الدراسة العادي ،                                       
شروط كنا ضحيتها ذلك العام. انتهت السنة الدراسية ، أقدم المقدم على توزيع النتائج في (الدوار) ، كانت عبارة عن وريقات بيضاء في حجم ورقة الكرطة أو بطاقة تعريف ، خالية إلا من اسم التلميذ ومعدله ،وتوقيع المدير وعبارتي ينتقل أو يكرر.                                                                
ساعتئذن  حصل ياسين على معدل ستة وزيادة لكنه فوجئ بعبارة  يكرر تكبل فرحته وتلبسه ثوب الحزن. أظهر استغرابه أمام الأب عساه يجد  تبريرا لنازلته ، حقا طالته الدهشة هو الآخر.                                     
وفي المساء سأل أباه من جديد هل التقيت بالمقدم؟أجاب بهدوء بارد: أخبرني المقدم بأن الأمر متعلق بعدد المقاعد في الصف السادس لم يكن وقتها إلا حجرة واحدة محدودة المقاعد.                                                       
اكتوى ياسين بنار اليأس وشرب وعاء مبرر واه وصارت المسألة في طي النسيان. ركب موج الموسم الدراسي الجديد مسرورا لأن قسمه الآن أشبه بحلبة يتصارع فيها الأقوياء بمعية   حكم يدعى الأستاذ جبور، الحجرة العتيقة  تضم أربعة صفوف، اختار الأستاذ أربعة تلاميذ أقوياء وجعل على رأس كل صف واحد ا ، منهم طبعا كان ياسين أحدهم؛ يسجل أسماء المشاغبين لكي تنالهم عصا الأستاذ دون خوف ولا فزع لأنه يعلم مسبقا أنه  الأعور بين العميان. أسد في عرينه .الأستاذ جبور عادة ما يتأخر بنصف ساعة إذا قدر الله أن يحضر ، وكان إذا حضر يأمرنا بتلاوة النصوص واحدا تلو الأخر حتى إذا انتهينا ولم تنته الحصة أعدنا الكرة ثانية . أما هو فقد أعد لجسمه الثقيل سريرا من أربعة مقاعد مصطفة جنبا إلى جنب داخل حجرة أقفرت إلا من زقزقة العصافير وهدير الحمام في أوكارها. تداول التلاميذ قصة الأستاذ في رجح الطرف. حقا كانت قصة أشبه بمقطع مسرحي على الخشبة، إذ كان الأستاذ جبور نائما ذات يوم على السرير داخل الحجرة العتيقة، لكن صوت دراجة نارية شق أذنه وقض مضجعه، فنهض على فزع ورعشة شديدين ودون أن يتأكد من هوية الصوت  قعد على أردافه السمينة ووضع يديه على ركبتيه محركا سبابته كأنه يصلي، ولما فرغ من صنيعه الشنيع هذا ألقى بعينيه من كوة تخترق جدار الحجرة ليتبين هوية الآتي فوجد صاحب المطعم  يعد الخبز ويكسره نصفين تبعا لعدد التلاميذ.                                                                   
زمن غير يسير لم يعه ياسين  تماما، ترك ضبابا معتما في ذاكرته لم يتذكر الآن من شظاياه سوى بهجة وسرور غمراه عندما اقتنى له أبوه دراجة عادية بمناسبة حصوله على شهادة الابتدائي.                                                     
 انتقل إلى إعدادية الإمام مالك، التي تبعد عن قريتنا بكلمترين تقريبا .مرت السنون في خفة كهبوب رياح لم يترك خلفه إلا شذرات مبعثرة هنا وهناك، هو الآن في الثالثة إعدادي لبس بزة  المراهقة من أكمامها . لم يعد يحفل بنصائح العائلة .اندفع نحو الاستقلالية الذاتية ، لا يكترث بالجدولة الزمانية ؛ ففي الصباح يوهم أباه وجدته الحنون بالذهاب إلى المدرسة لكنه يتوجه إلى فدان  مسيج بحائط عال وأشواك، يتسلل إليه عبر ممر الماء (تميزغت) ينبش في الأرض في خفة وخفاء بحثا عن جدور حلوة المذاق، تشبه جذورا نعرفها (بعرقسوس) ، وكلما كللت العملية بنجاح تاه في الخيال. والفرحة والانتشاء يغمران محياه،والدريهمات تتراءى أمام عينيه سهلة المنال. فينطلق مهرولا نحو الإعدادية  ليبتاع ما بحوزته من عود (عرقسوس) ثم  يصطحب التلاميذ إلى حجرة الدرس
كانت اللامبالاة خصلة رئيسية تلازمه.لذا لم يفاجأ بمعدل منتصف السنة،  زرع الشوك وحصد الحصباء. معدل رديء لا يتجاوز السبعة ، أوقعه في شرك الاتهامات . شاع الأمر  وهان عليه أن يخبر العائلة . حسن وحسين ونجاة فازوا بالرهان ، فمعدلاتهم جيدة أما هو فيجده أعور بينهم ، تقبل الإهانة وتجرع سؤم علقمها . كان كلما نودي بالكسول تظاهر بابتسامة تخفى كلوما تدمي بداخله.                                                                        
ذات  يوم أحد الزملاء ممن اعتادوا الجلوس على أحجار صلدة بجانب الطريق حيث يتبادلون أطراف  حوادث هامشية . لاح له بفكرة الفرار، أي فرار؟
فرار من المدرسة أم من حالة نفسية تسكنه ؟                                   
لم يتردد في الإجابة بالقبول .لكن إلى أين المفر؟                             
إلى ضيعات ترودانت للعمل في الفلاحة.                                        
قهقه ياسين قائلا : وكيف السبيل إلى ذلك ونحن لم نتجاوز العقد الثاني من عمرنا
 كان اليوم ، يوم جمعة .الحرارة شديدة الساعة تشير إلى الواحدة نهارا، رجال القبيلة في المسجد ،الأزقة خالية من الحركة، الهدوء يعم المكان. ياسين وشردمة من زملائه ساروا مهرولين  يحملون حقائبهم بين البساتين في اتجاه مأوى يأمنهم إلى حين وصول القطار، فجأة علا صوت أحهم، لقد وصل القطار...   
ركبوا رياح الغربة والتشرد الطفو لي وصارت الحافلة تحمله نحو ترو دانت...



 
  عبد الواحد البرجي-زاكورة-المغرب (2011-12-20)
Partager

تعليقات:
حبيبة ايت التهامي /شيشاوة 2015-06-16
قصةفي غايةالروعةوماذاعساهاانتكون غيرذلك فكاتبها
الاستاذالمبدع(عبدالواحدالبرجي)انهاحقاقصةمؤثرةاحييك عليهاواتمنى لك التوفيق في مسيرتك الابداعية
البريد الإلكتروني : habibaait03@gmail.com

عبد الواحد البرجي /المغرب زاكورة 2015-04-04
شكرا ورجة وفاطمة الزهراء وحنان ونجوى على كرم المرور من هنا ...... أتمنى لكم التوفيق في ممسيرتكم الدراسية والإبداعية
البريد الإلكتروني : abdelouahid87@hotmail.fr

فاطمة الزهراء بلقاضي /شيشاوة 2015-04-01
رائعة; هي كلمة جد ضئيلة في حق هده القصة المستوحاة من صلب الواقع فالقصة التي تحرك الشعور و تسلب الافكارهي بالفعل ابداع فني في منتهى الروعة و الجمال
و ما يمكنني القول فيما يخص الشخصية البطل بان معاناته اثناء فترة المراهقة لم تدهب مع الرياح عبثا بل اثمرت لنا قاصاو استاداتستيقظ له العقول من سباتها حين سماعها لاحدى محاضراته.اختم كلامي باننا نعتز نفتخر لكون الاستاد (عبد الواحد البرجي )استادنا.و نسال الله ان يوفقك في مسيرتك الابداعية...
البريد الإلكتروني : ilias456@outlook.fr

وردة بنت الطيب /شيشاوة 2015-03-17
بدون زيادة أو نقصان قصتك تحكي حكاية بطل زاكوري... منذ طفولته البريئه، إنها البرائة تلك الصفحة البيضاء التي أعقد أن الزمان لم يترك فيها خدش ولو صغير .. بإختصار يا أستاذ ويا قاص.. لك كل احترامي وتقديري وأحييك على هذه القصة التي سلبتني خطاه وتأثرت بها أتمنى لك التوفيق..(:
البريد الإلكتروني : warda_didi@live.fr

حنان قريش /شيشاوة 2015-02-14
قصة فريدة من نوعها و أتمنا لك توفيق
البريد الإلكتروني :

Najwa el haroki /Chichawa 2014-03-25
Mrci ahsan ostad
البريد الإلكتروني :

عبد الواحد البرجي /المغرب زاكورة 2014-01-27
شكرا ابتسام وكوثر على مروركما الدافئ والجميل من هنا تحياتي لكما
البريد الإلكتروني : valeur87@hotmail.com

ابتسام حبيب الدين /المغرب / شيشاوة 2014-01-24
هذه القصة الفريدة من نوعها اضحت لا تريم من فكري لقد كنت يا استاذي العزيز ع.الواحد البرجي تحكي و بكل صراحة عن قصة قد تختبئ وراء قطبان ماضي كل شخص و الله ابتلعني الصمت ليعجز لساني عن النطق
البريد الإلكتروني : ibtissam_saad@hotmail.fr

كوثر ايت لحميدي /المغرب / شيشاوة 2014-01-24
قصة معبرةو في نفس الوقت جد مؤثرة تناولت موضوع الهدر المدرسي بحثا عن العمل الذي نتداوله عن هذه المناطق الجنوبية او بالاحرى البوادي التي دائما ما نسمعه . لتؤثر في القلب و لو كان صارما. اعجبتني هذه القصة حتى عجز لساني للتعبير عن احساسي
البريد الإلكتروني : noir_blanc116@hotmail.fr

عبد الواحد البرجي /المغرب 2013-01-09
شكرا للبهيين الهام وسارة
البريد الإلكتروني : abdelouahid87@hotmail.fr

SANAA /TANGER 2013-01-06
VERRY GOOD
البريد الإلكتروني :

ILHAM HAMDOUCH /CHICHAOUA 2013-01-06
A3JABATNI HADIHI L9ISSA FI3LAN LA9AD AHSANTA YAOSTAD
البريد الإلكتروني :

عبد الواحد البرجي /المغرب 2012-12-26
حقا انت رائعة يا فاطمة الزهراء وشاعرة واعدة أتمنى لك التوفيق
البريد الإلكتروني : abdelouahid87@hotmail.fr

fatima azzahra houmir /chichaoua 2012-12-15
9issa jamilla atamana ane yakouna ldya ousloubon mitla ousloubika wa atamana laka lmazida mina l3ata2 fi massiratika alibda3ya
البريد الإلكتروني :

عبد الواحد البرجي /المغرب 2012-12-12
شكرا على مرورك البهي من هنا لطيفة متمنياتي لك بالتوفيق
البريد الإلكتروني : valeur87@hotmail.com

latifa el bakar /marocoo 2012-12-06
قد اعجبتني هده القصة و اتمنى لك المزيد من العطاء و الابداع بادن الله
البريد الإلكتروني :

غزلان الحروكي /شيشاوة 2012-04-28
قصة ماثرة عن ظروف حقيقية يعيشهااغلب سكان المناطق النائية
البريد الإلكتروني : مطر القدري

ABDELOUAHID ELBARJI /ELMAGHRIB 2011-12-25
إنه قطار الحياة ليس إلا يا أخي شكرا على كمرورك البهي
البريد الإلكتروني : elbarji87@hotmail.fr

اسماعيل ايت عبد الرفيع /المغرب/ أكدز 2011-12-23
قصة معبرة عن معاناة مستمرة لتلامذة منطقة الجنوبتحية للكاتب البرجي على هذا الاسترجاع المتميز، وإن أثارتني لفظة القطار الواردة في آخر القصة..
البريد الإلكتروني :

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

هراس المعاناة-عبد الواحد البرجي-زاكورة-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia