العائِد الجُزءُ السَّابع-ناجي نعمان-لبنان
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
حياة أدبا

العائِد
الجُزءُ السَّابع

  ناجي نعمان    


ألشَّوْكَة



زمنُ احتلال شَهْبورَ الأوّلِ الفارسيِّ سَمَرْقَنْدَ
ونَبَتَتْني الأرضُ شَوْكَةً على عُنُق زَهْرَةٍ مُخْمَلِيَّة التُّوَيْجات، فنَجَوْتُ من حوافِر الدَّوابِّ وأقدام البَشَر، إلى أنْ امْتَدَّتْ أصابِعُ ناعمةٌ لقِطاف مَليكَتي، فقَرَصْتُها، لا حِمايةً فحَسْب، بلْ لتُدْرِكَ أنَّ مَليكَتي، إنْ أُهدِيَتْ للحَبيب، فبثَمَنٍ، وأنَّ العِشْقَ دونَه عَذاب.
   

ألمَوْءُودَة



زَمَنُ الجاهليَّة - شِبهُ الجزيرة العربيَّة
ويَبْدو أنَّ الرَّجُلَ تَجاوَزَ، مع الوَقْت، مُعْجِزَةَ الوِلادَة لدى المَرْأة، وأَدْرَكَ أنَّه أقْوَى منها، جَسَدِيًّا على الأقَلّ، فراحَ يَتَسلَّطُ عليها مُبَرِّرًا تَصَرُّفَه بأنَّه هوَ مَن يُعِيلُها وأولادَها، ويَحْمِيهم.
ولَمْ أَدْرِ، في عِزِّ جاهليَّة العُرْب، إلاَّ وقَد وَأَدَنِي والدي، رَضِيعةً، في رِمال الصَّحْراء. وعَلَّلَ بعضُ المُجْتَمَع الذَّكَريّ، في حينِه، الوَأْدَ، بفَقْر الحال والحِرْص على الشَّرَف، في حين اسْتَخْدَمَه بعضٌ آخَرُ لإخفاء السَّفَّاحين من أبناء عارِ ذاكَ الزَّمن وبناتِه. ولمَّا لَم تَكُنْ قَد أَدْرَكَتِ العُرْبَ، بَعْدُ، الآيتان الكريمتان القائِلتان: "وإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ"، لَمْ تُدْرِكْني النَّجاة.




ألمُسافِر



عهدُ تَنْغ كَوْ تْسُنْغ - بلادُ تْسِين*
وعَمَّرْتُ حتَّى فاتَني الزَّمانُ وضاقَ بي المَكانُ في ناحِيَةٍ مَنْسِيَّةٍ، وبالتَّالي مُسالِمَةٍ، من أرض الأباطِرَة.
قَضَيْتُ العُمْرَ فلاَّحًا رَضِيًّا راضِيًا، ولَو طُلِبَ منِّي أنْ أُقَوِّمَ حَياتي لقُلْتُ إنَّها كانَتْ، على الرَّغم من قَساوَتها وشَظَفها، هانئَةً، لَمْ يُعَكِّرْ صَفْوَها مَكْروهٌ أو حادِثٌ جَلَل، فتَنَعَّمْتُ مع امْرَأتي الوَفِيَّة وأولادي بالصِّحَّة وبمُتَع دُنيا زماننا ومكاننا المُتاحَة، وإنْ قليلةً. ولَو سُئِلْتُ إنْ كُنْتُ أَخْتارُ الحَياةَ نَفْسَها لَو قُدِّرَ لي أنْ أَختارَ حَياتي مُجدَّدًا لأَجَبْتُ بنَعَم، أوَّلاً لِقناعَتي بالحَياة الَّتي أَعِيش، ثُمَّ لاقتِناعي أنْ لا خَيارَ لي أصْلاً في تَقرير حَياتي، فجُلُّ دَوْري، في هذا الخُصوص، يَقْتَصِرُ على هامِشٍ ضَيِّق من المُناوَرَة.
عِشْتُ، إذًا، حتَّى طَعَنْتُ في السِّنّ، ورُحْتُ أُفَكِّر: لِمَ الاستِمرارُ، يا تُرَى، في حَياةٍ غَدَتْ إلى أُفول، فيها من الرَّتابَة، ومن ضُعْف الجَسَد ووَهَن العَقْل، ما يَكْفي للتَّفكير بوَضْع حَدٍّ لها؟

هذا، ولقَد أَمْضَيْتُ حَياتي، كُلَّها، مُنْزَوِيًا مع عائِلَتي على رابيَةٍ تَبْعُدُ عن أقرَب دَسْكَرَةٍ مَسيرَةَ طُلوع شمسٍ ومَغيبِها؛ وإنِّي، وإنْ زُرْتُ الدَّسْكَرَةَ، عامًا بَعْدَ عام، فلِتَموينٍ ضَروريّ، ولمُدَّةٍ قَصيرة.

ولَطالَما حَلُمْتُ، في أُوَيْقات راحَتي بين مَوْسِمَي الزَّرْع والحَصْد، وفي أيَّام انتِظاري اخْتِباءً من الطَّقس العاصِف، أَقولُ، لَطالَما حَلُمْتُ بالسَّفَر.
ولا تَسْأَلوني إلى أينَ حَلُمْتُ بالسَّفر، فأنا نَفْسي لَمْ أَعِ إلى أينَ كُنْتُ أَوَدُّ السَّفَر.

وإذْ عَجَزْتُ عن السَّفَر، شابًّا وكَهْلاً، لانشِغالي بأرضي وعائِلَتي، ولَمْ يَعُدْ في مَقْدوري السَّفَر، اليَوْمَ وقد عَجَّزْت، تَراءَى لي أنَّه قد يَكونُ من الأفضَل لي أنْ أَقومَ بسَفْرَتي الأُولَى والأخيرة، فأَرْتاحَ من الرَّتابَة والتَّعَب، وأُحَقِّقَ حُلُمًا طالَ انتِظارُه.

وإذْ هَمَمْتُ بتَحقيق المُراد، اِسْتَوْقَفَني أصغَرُ أحفادي، ومَحْبوبُهم عِندي، سائِلاً: جَدِّي، كَيْفَ لي أنْ أَعْبُرَ السَّاقِيَةَ وأَصِلَ إلى الرَّوابي المُجاوِرَة؟ فأَجَبْتُه: بالسَّفَر يا سَلْواي.

قُلْتُها وعَدَلْتُ عن فِكْرَتي الطَّائِشَة، فلكُلِّ عُمْرٍ سِحْرُه وقَدْرُه؛ ولَئِنْ كانَ في المَوْت السَّفَرُ الأعظَم، والرَّاحَة، والحَقيقةُ المُطْلَقَة، فإنَّه، ولا شكَّ في الأمْر، لَحاصِلٌ يَوْمًا، فلِمَ العَجَل؟

أنْ تَنْطَلِقَ في قِطارٍ وتَصِلَ إلى هدفك، تلك هي نُزْهَةُ الحَياة، وبعدَها، أهلاً بسِرِّ المَوْت العظيم؛ وأمَّا أنْ تَنْتَظِرَ في المحطَّة، ولا قِطارَ، لا، ولا هَدَف، فتلك هي نُزْهَةُ المَوْت، ووَداعًا لسِرِّ الحَياة العظيم؛ قُلْتُها في سِرِّي، وانْطَلَقْتُ أُحَقِّقُ آخِرَ أهدافي البَسيطة: أنْ أكونَ جَدًّا.

* ألصِّين.


من "المُنعَتِق" - الجُزءُ الأوَّل



 
  ناجي نعمان-لبنان (2012-01-02)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

العائِد
الجُزءُ السَّابع-ناجي نعمان-لبنان

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia