غربة طائر الجنوب-علي بختاوي-البرازيل
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

غربة طائر الجنوب

  علي بختاوي    

وحدي . أطل من ضلفة النافذة المفتوحة . المطر غزير و الصيف في أوجّه . قبل قليل كانت بين يدي . تعانقنا . لثم كل منا الآخر . من جانبي سطت عليّ شهوة ساخنة لكني طردتها بسيجارة . من جانبها سعت . إجتهدت . بانت عن ساق مكتنز ونهدين عامرين بحجم الرّمان في فصله و أوانه . اثناء دخولها لم أهم كي استقبلها على طريقة العشاق الولهين الطيبين . تركتها تضع أكياس الطعام والشراب و بعض الثياب التي حملتها قبل يومين الى بيتها الرئيسي للغسيل . حين تقدّمت ووضعت يدها على حنفية الحمام لم تجد ولو قطرة ماء . الى المطبخ انسلّت أدارت الحنفية الى نهايتها . ولا قطرة ماء كذلك
 سألتني:
-    للآن لم تر مشكلة الماء هذه
-    جرّبت على مرّات متتالية لكن لا فائدة . غدا حين يأتي صاحب العمارة أبلغه الأمر
-    لكنك منذ يومين دون ماء
ثم أضافت في كلام رقيق مع إنفراجة في ملامح وجهها الأبيض القمحي:
-    هل أخذت حماما هذا الصباح
-    لا
أدرت المفتاح في قفل الباب . خرجت
سألتني الى أين:
 لم أجبها واصلت إنحناء ظهري ورأسي . ذاهبا الى المحرك الكهربائي الذي بواسطته يصعد الماء حتى الطابق الاول . ضغطت على الزر ثم صعدت . قابلني وجهها بإبتسامة شبقة . أظهرت لها قرفي من عدم وِفَادة الماء في بلد يعتقد أنه في صف الدول المتقدّمة
 تساءلت:
'' ربما يكون الهواء دخل الى الأنابيب الصاعدة وليس سوى حل واحد لإزالة الهواء وهو ترك جميع حنفيات البيت مفتوحة مع جعل المحرّك يشتغل حتى يصعد الماء''
قبل أن تنطق كنت جرّبت هذا الحل ولا فائدة لكني عاودت الكرّة للمرّة الثانية حتى تدرك أني لست عنيدا كما تتخيل . عشرون دقيقة . نصف ساعة . ثم ساعة بكاملها . لا شيء سوى صوت المحرك النشاز
 قالت : '' جرّب مرة أخرى فإذا كان الهواء كثيرا يجب أن ننتظر أكثر من ساعة ''
 وانتظرت ساعة اخرى . خلالها هبطت السلّم قاصدا جارتي ''برينا'' التي تقطن تحتي . تعرف مسالك الماء كانت جاءت الى هذه العمارة منذ سنة . تنهدت برينا ثم قالت متى يكون الخزّان الارضي عامرا بالماء يجب ادارة زر الانبوب الآتي منه . واذا كان فارغا ماعليّ سوى ادارة زر الانبوب الآتي من الشارع . عندما باشرت '' برينا'' عملها معي كانت عشيقتي تطل من ضلفة النافذة وماذا سوف يدور بيني وبين برينا . لكني طلبت من هذه الاخيرة ان تصعد وتقف على كل حنفية من حنفيات البيت . عشيقتي ركنت الى غرفة النوم . كانت نصف عارية . قميص حتى الخاصرة يستر نصفها العلوي . أما النصف الآخر ينتظر جنون تطرّفي لأمارس عليه طقوسي وهبلي . حين يئست ''برينا'' شدّت يديها الى صدرها ورجتني أن أترك الحنفيات مفتوحة و المحرك يشتغل . وافقت بهزة من رأسي . جلست على السلّم الذي يهبط بنا الى الارض . أشعلت سيجارتي رحت انتظر لعل وعسى ذاكرتي سنحت لها السيجارة كي تؤوب الى الوراء هناك في قريتي . ببلدي حين تضيق بي الدنيا واجد جسدي ينفث عرقا مالحا ماعليّ سوى وضع طنجرة ماء على الكانون . ربع ساعة . بعدها يسخن الماء . آخذ دوشا وتنتهي الحكاية . في بيت قريتي الكثير من القارورات والبراميل والدلاء العامرة بالماء هناك يعرف الجميع من أهل قريتي ان الماء لا يأتي بطريقة منظمة ولسنا في مسيس الحاجة الى محرك كهربائي او الى افراغ الانابيب من الهواء الذي يركبها بسبب فراغها من الماء . مع ذلك كنت سعيدا . افرغ طست الماء على جسدي تصيبني نشوة . زهو .  فرح . وأشعر أني أسعد مخلوق على الأرض . بساطتنا نحن الجنوبيون أننا نلتقف السعادة بتلقائية كاملة . لا نبحث عن أدوات أو وسائل للراحة والرخاء ثم سرعان مانقف عاجزين عن إصلاحها وتعطيل مشاويرنا مع الحياة والناس . أدرك . أعرف . أعلم تماما ان الماء هو الوجه الحقيقي للحياة . لكن . كيف أقول . هاهي تنادي عليّ 
نادت تيريزا وكان هذا اسم عشيقتي :
'' إنتظر قليلا حتى انادي على صاحب العمارة لا يعقل ان يأخذ ثمن الكراء كل شهر ثم لا يوفر لنا متطلبات كهذه يجب ان يعرف اننا بشر’’
اجبتها بتثاقل . كان لساني غير قادر على الكلام لذلك أجبتها بتثاقل . لم اكن متحمسا من وجود الماء او عدمه لأنني كنت اعرف ان يوما كهذا الجميع متححر من واجباته و اعماله نحن في عيد رأس السنة الميلادية والجميع منشغل بالبيرة والنبيذ والغناء الصاخب والاحاديث الملتوية الجافة .
‘’ تيريزا . هل نسيت ان هذا اليوم هو راس السنة الميلادية . حضارتكم تؤكد هذا عبر الملصقات الجدارية والاظرفة التي على شكل قلوب وبطاقات ملونة بالاحمر رمز الحب والتعاطف والتآخي ‘’
نزلت عبر السلالم التي تؤدي الى مخرج الباب الرئيسي للعمارة اين يوجد المحرك الكهربائي المدفون داخل الحائط بشكل لا يمكن لأي كان إكتشافه ضغطت على الزر ركن المحرك الى الصمت قبضتني من يدي ثم تركتها ولفّت ذراعها على ظهري وهمست :
'' تعال ''
أدركت أنها ملّت . يئست . قرفت من حالة الماء هذه . طرحتني على جانب السرير . شرّعت ضلفتي النافذة التي تطل على الشارع الكبير ثم سحبت خيط الستارة لتغطي النافذة ويلف الغرفة ظلام كثيف . دامس . يغري بالدنو . باللحظات التي فاتتها بالأمس وهي ترقص معانقة لجسدي المبتل تحت خيوط العرق والمطر المنهمر . في الثالثة من صباح اليوم رجعت متعبة . منهكة . مضعضعة . مكدكدة . لم تسعفها طاقتها في ممارسة أي شيء سوى قبلة وحيدة خرساء كانت هرّبتها من شفتيها الى فمي ثم نامت . لكن الآن . بعد أن استرجعت قواها بدأت تسطو . تقارب . تفتك من رزنامة الزمن الهارب في عجالة الى الأمام لحيظاتها . الجسد القمحي مرمي بجانبي . يناديني . يسألني المكاشفة . توديع السنة الماضية بقبلة . بلمسة . بتمريرة خفيفة من اصابعي على أي رحبة من جسدها . ويحها .
ألم تقلْ يوم عرفتها أنه لايحق لي مباشرة اي عمل معها إلا إذا اغتسلّت وتعطّرت و حلّقت . ؟
برؤوس أصابعها أيقظت طائر الجنوب الذي كفّ عن التغريد منذ أسابيع . في وحدتي أطلق تغريدتي الحزينة كنت .  أستعين على عذابي بدمعة . بتلاوتي للصمدية . بأغان بدوية . يشع معها صبح قريتي و رائحة بلدي البعيد .  
 الطائر الغريب . الحزين . إنجر وراءها . أعمى هو الآن . لكنه يرى من داخله . يشعر . يحدس . يحس . بريدها عبر عينيها يأتي برسالة قصيرة أن أصعد . أنسلخ تماما عن وجودي . حضوري . تعود بي اللحظات الى كلامها الأول
ياعلي ...
 ‘’ ألم تقلْ يوم عرفتها أنه لايحق لي مباشرة اي عمل معها إلا إذا اغتسلّت وتعطّرت و حلّقت ؟



 
  علي بختاوي-البرازيل (2012-01-03)
Partager

تعليقات:
علي بختاوي /البرازيل 2012-01-04
احييك على مرورك الكريم ماقلته صحيحا ياصديقي هنا في المكان الذي انا فيه ولا عربي استأنس به عذاب عذاباحبك دمت صديقا
البريد الإلكتروني : poetali@live.fr

محمد قنور /آسفي - المغرب 2012-01-03
في الغربة تندمل كل رغبة اعتيادية في المنظر الضبابي للبلد الأم، أعجبتني القصة و طريقة حياكتها... أحييك بحرارة
البريد الإلكتروني : medkanour@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

غربة طائر الجنوب-علي بختاوي-البرازيل

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia