الشمس تحتضر-إدريس شريفي علوي-أرفود-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

الشمس تحتضر

  إدريس شريفي علوي    

لم يكن للحظة المغيب أن تمر دون أن تجترح في نفسي حزنا عميقا..لا زلت أذكر ذلك اليوم الذي قادتني فيه قدماي إلى شاطئ يسمونه "الشاطئ العربي"، لكأن نداء من السماء دعاني..صارت قدماي تجول على حافة الشاطئ ويجول معها خاطري، وأمواج مد تداعب قدماي باردة كأهل هذه البلدة النائم أهلها.
في اللحظة التي اختار فيها قرص الشمس الضمور بعد يأس  من نور يشع به على أناس عادوه وآثروا سكون الليل واستسلامه، أوقدت قلبي وناظري قطرة كساها قرص الشمس بحمرته، فخلع عليها حمرة العتيقة بله المشعشعة..فاهتزت أطرافي لذلك القبس النوراني وارتعدت جنباتي، لكأنما أرسل نورا بداخلي شدني إليه..سمعت صوتا يناديني: "اقترب يا حليم". كان هنالك شخص يجلس القرفصاء على صخرة صامدة أمام أمواج تتكسر عليها، فتبدو شامخة متأبية على صروف الزمن والموج..تعجبت لوهلة كيف لم أر هذا الإنسان بجانبي فتذكرت أن صاحبا قد أخبرني منذ زمن أن على عيني غشاوة "احلم يا حليم، امكث في عتبة أحلامك، لا تفارقها، فالحلم وحده يشدك إلى الغد، أما العين التي تبصر ما بين ظهرانيها، فإن عليها غشاوة".
اقتربت من ذلك الشخص الغريب المغيبي، وتحسست ذلك القبس النوراني، فما كان إلا دمعة مهراقة من مقلة لم تستطع سدول الليل الأول أن تخفي تقرحاتها.
وعلى هدوء الليل واستكانته، وانطواء نفسي وانزوائها، ألفيتني أسأله: "ما خطبك يا صاح؟" فلم يتورع في سرد قصته ومعاناته.
"إني يا حليم ابن هذه القرية وسليل ترابها، قدت صباي جريا في مروجها، وأبليت شبابي في بناء بروجها..هي أنا، وأنا هي، وأهلها ذوي.. و حاكمها من تربتنا لكن ليس منا..فالمهل  الذي سقاه غير الغيث الذي أنبتنا.. جبروته وسع كل شيء، وجوره أقعد الشيخ، وأقام الحقير والسفيه، فقد أذل العزيز وأعز الذليل...".
مضى صاحبي مسترسلا في حكيه، فجالت بخاطري ليالي ألف ليلة وليلة، لكأن شهرزاد تحكي لتنجو من جور شهريار الأنا.. إن جوري نابع من صمتي واستكانتي وإيثاري المسير ليلا، غير آبه لنور وحرارة قرص الشمس التي تبعث بدفئها في شراييني.. لكن أنى لحرارة شمس أن تدفئ دماء جمدها طول فصل الشتاء وانتظار الربيع.
لم أدر كيف انفلت ذاك الطيف أوهذا الواقع في برهة من الزمن.. فوجدتني وحيدا كما كنت قبل لقاه، لكن نفسي الآن صارت ملآى بحروفه, فأصابتني سهام قوله، وأقضت مضجعي رماح كلماته.
لما أشرقت الأرض بنور ربها انتابتني أحاسيس غريبة لم أحسها قط، ألأن عيني كانتا مغشيا عليهما؟ أم لصمم وبكم أعلاهما الشيطان؟ لأول مرة أحس بحرارة الشمس تسري في عروقي..إنني أحس بنشاط رهيب للدورة الدموية.. نعم إنه أول أيام فصل الربيع..لكن لم لم يكن هذا الإحساس في أول أيام الربيع الماضي وفي الأيام التي تلته؟
صارت أفكاري تتزاحم، ويستدرك بعضها بعضا، وتتسابق في غير ما تأن حتى وجدتني على شاطئ الأمس..وجهت ناظري تلقاء الصخرة الصامدة، فألمحت شخصا غير طيف/ واقع الأمس..إنه طفل يفصح ثغره عن ابتسامة ثقة مشوبة بحزن لم يبدد تلك الثقة، فسألته: ما اسمك؟ فأجاب بصوت قوي وبعينين تلمح فيهما توقد النار والنور: "واصل". فسألته عن سبب جلوسه على تلك الصخرة، فأجاب: "هي صخرة والدي فداء". فلم أنبس ببنت شفة بعد، فقد علمت أن حرارة هذا الفصل هي قطرة دم تخلقت في رحم الشاطئ العربي.



 
  إدريس شريفي علوي-أرفود-المغرب (2012-02-01)
Partager

تعليقات:
حسن إدريسي /المغرب 2012-07-25
كنت رائعا في قصتك رائعا في سبكك لأحداثها، وفقك الله وزادك من فضله أخي إدريس.
البريد الإلكتروني : chababe_albahit@hotmail.fr

إدريس /المغرب 2012-02-28
الشكر لكم مني موصول سعيد ورضا ونورة,"وما هذه ولى إلا بذرة تعطي فرصة الدخول في أجواء بعيدة وقريبة من أجل أن تجرى عليها عملية التفكيك".
البريد الإلكتروني : cherif_alaoui@hotmail.com

إدريس /المغرب 2012-02-27
الشكر لكم مني موصول سعيد ورضا ونورة. "وما هذه التجربة الأولى إلا بذرة تعطي فرصة الدخول في أجواء بعيدة وقريبة من أجل أن تجرى عليها عملية التفكيك".
البريد الإلكتروني : cherif_alaoui@hotmail.com

رضا /مكناس 2012-02-26
ذلكم هو إدريس منذ عرفته... خيال خصب، وأسلوب شاعري.. وإن ما يخفي هذا الصاحب الحميم في جعبته لشيء عظيم وجميل لو كنتم تعلمون. سدد الله خطاك، ووفقك في طريق الابداع الرسالي
البريد الإلكتروني : mohiy-addin@hotmail.com

نورة /البيضاء-المغرب 2012-02-22
ابداع ادبي جميل خيال واسع و افكار خصبة وفقك الله في اتحافنا بالمزيد و المزيد
البريد الإلكتروني : nora-la-stare2011@live.fr

سعيد إدريسي /تطوان-المغرب 2012-02-19
لَئِن اختار قرص الشمس الضمورَ منذ بداية التسلسل الزمني لأحداث القصة،فاسحاً بذلك آفاقاً واسعةً للتعبير عن الزمن النفسي الذي يُعتبر هو الآخر ضرورة مُلحّة يجب استحضارها قصد إدراك ما تحمله خبايا القالب التركيبي لهذا النص القصصي الرائع من دلالات عميقة و معان مُستوحاة من فصاحة التعبير اللغوي و بلاغة التصوير الفني والمَجازي المُحكم لصاحبه،فإنَّي أرى في هذه النجوم المتألّقة التي تزين سماء الإبداع قدرة خارقة على قضِّ مَضاجع من ألفوا سكون الليل فاستسلموا له حتى يتذوّقوا حلاوة إبداع قصصي بهذه القيمة و يدركوا ما تنطوي عليه تراكيبه من دلالات و ما تهدف إليه من مقاصد في تحقيق يقظة الضمير و إحياء الهِمَم.لكني لا أرى لليأس سبيلا إلى ثَنْيِ هاته النجوم عن المواصلة و بذل العطاء في عالم الإبداع الأدبي و القصصي بخاصّة حتّى و إن اقتضى الحال الاستضاءة بالشموع نهارا عِوضاً عن ضوء قرص الشمس المتخاذل.أحسنت أخي إدريس سدّد الله خطاك.ونحن في انتظار المزيد...
البريد الإلكتروني : idrissi-12@live.fr

سعيد إدريسي /تطوان-المغرب 2012-02-19
لَئِن اختار قرص الشمس الضمورَ منذ بداية التسلسل الزمني لأحداث القصة،فاسحاً بذلك آفاقاً واسعةً للتعبير عن الزمن النفسي الذي يُعتبر هو الآخر ضرورة مُلحّة يجب استحضارها قصد إدراك ما تحمله خبايا القالب التركيبي لهذا النص القصصي الرائع من دلالات عميقة و معان مُستوحات من فصاحة التعبير اللغوي و بلاغة التصوير الفني والمَجازي المُحكم لصاحبه،فإنَّي أرى في هذه النجوم المتألّقة التي تزين سماء الإبداع قدرة خارقة على قضِّ مَضاجع من ألفوا سكون الليل فاستسلموا له حتى يتذوّقوا حلاوة إبداع قصصي بهذه القيمة و يدركوا ما تنطوي عليه تراكيبه من دلالات و ما تهدف إليه من مقاصد في تحقيق يقظة الضمير و إحياء الهِمَم.لكني لا أرى لليأس سبيلا إلى ثَنْيِ هاته النجوم عن المواصلة و بذل العطاء في عالم الإبداع الأدبي و القصصي بخاصّة حتّى و إن اقتضى الحال الاستضاءة بالشموع نهارا عِوضاً عن ضوء قرص الشمس المتخاذل.أحسنت أخي إدريس سدّد الله خطاك.ونحن في انتظار المزيد...
البريد الإلكتروني : idrissi-12@live.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الشمس تحتضر-إدريس شريفي علوي-أرفود-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia