رسالة من الغربة-فاطمة عافي-طنجة-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

رسالة من الغربة

  فاطمة عافي    

فتحت عيني ببطء  بعد قيلولة طويلة ، هدوء غريب يخيم على البيت أرهفت السمع ، حتى صوت التلفاز توقف.. كنت قد تركت ابنتي تشاهد أحد مسلسلاتها المفضلة .
نهضت ،اتجهت نحو المطبخ لتحضير فنجان شاي ، ألقيت نظرة على غرفتها ..وجدتها على المكتب غارقة بين الكتب.
دق الباب ..كان حارس العمارة .. في يده عدد من الرسائل .. سلمني واحدة..
رسالة من الخارج؟تساءلت ثم نظرت إلى الاسم ..رجاء ؟ بعد كل هذه السنين التي انقطعت عني أخبارها تكتب لي
فتحت الرسالة ..
"صديقتي العزيزة ، مرت مدة طويلة ،بل سنوات وسنوات منذ آخر لقاء لنا عندما ودعتك قبل سفري أو بالآحرى هجرتي إلى فرنسا ..
تستغربين لما أكتب لك الآن هذه الرسالة بعد كل هذه المدة، وكيف لم أراسلك رغم أنني كنت أعرف قلقك علي مما يمكن أن يواجهني في بلاد الغربة ..
أكتب لك لأنك كنت دائما من يستمع إلى مشاكلي باستمرار ويبدو أن القدر يسعد بشقائي ..
بيد أكتب وبأخرى مرتجفة أمسح دموعي التي تنهمر من عيني ..
وككل مرة أقسم أنها آخر دموع أسمح لعيني بذرفها ..
فجأة انقشع الضباب الكثيف الذي منع عني رؤية الحقيقة ..
أصبحت كل الوسامة التي جذبتني إليه أول مرة رأيته فيها قبحا بل بشاعة وأنا أسمعه يراكم مبررات سخيفة كان أخرها أسفه بأن عائلته لن تقبل بي بسبب فرق السن ..فأنا أكبره  بخمس سنوات.
كأن هذه الخمس سنوات لم يكن يعرفهاالأ الآن .
مع بداية علاقتنا أخبرته  ، لكنه سخر من ذلك وقال :"نحن الآن في الألف الثالثة فلا تشغلي بالك بهذه التفاهات .." ثم نظر في عيني وقال :" المهم أنني أحبك .."
لم تكن حياتي سهلة ، فأنت تعرفين كيف اضطررت للهجرة لأعيل أمي وإخوتي بعد وفاة والدي ..
تسلل إلى حياتي فاعتبرته شمسا أشرقت فأنارت عالمي الكئيب ..أحببته بل أصبحت مجنونة بحبه ..أقنعتي أن من الممكن أن نتزوج بالفاتحة الى أن نعود الى المغرب فنكتب العقد بين الأهل ونقيم عرسا ..
من لم تحلم بهذا اليوم الذي يعتبر بداية حياة جديدة وباللحظة التي تودعها أمها وهي تبارك هذا الزواج وتزودها بكل النصائح التي ستمكنها من  إسعاد زوجها..لكن في المقابل، أقمنا حفلة صغيرة دعونا إليها بعض من أصدقائنا ..
نسيت أن أخبرك أنه كان يتابع دراسته العليا وأنا كنت أشتغل وأعيله حتى من ثمن تذكرة الميترو ..
بعد مدة رزقنا بطفلة جميلة ..
أكتب لك وأنا جالسة على أحد مقاعد كنيسة نوتردام حيث لاتسمع
 إلا أصوات خافتة هي صلوات لمتعبدات أمام صورة مريم العذراء ..
أنظر الى السيد المسيح المصلوب ثم الى سائحات يشعلن الشموع ..شموع كثيرة تضيء ركنا من الكنيسة ضوءها يتراقص كأنها رقصات الموت ..
قلبي ينزف وثقل يجثم على صدري ، يخنقني ..
أصبحت لا أحس بما حولي.. حتى ابنتي أخذتها السلطات مني بدعوى أنني لاأهتم بها ..
 فما فائدة بقائي في هذه الحياة وقد خسرت كل شيء .
لحظات كثيرة كنت  أنظر الى السماء أنا في قمة يأسي وأصرخ دون أن يسمع لي صوت أغيثيني ..لكن السماء لم تغثني والناس من حولي كل منشغل بحياته ، الكل يركض ففي باريس لاوقت للأخرين ..
الحزن جمر يحرق فؤادي ..والدرب أمامي مليء بالمخاطر ..باريس مدينة الأحلام،أصبحت بالنسبة لي مدينة العذاب الذي لا ينتهي منذ وطأت قدماي أرضها ..
كيف أغدو غريقة ..تائهة  وأنا التي كنت أظن أنني سأعيش أهنأ اللحظات بالقرب ممن أحب ..
أحلامي تبعثرت ..كل شيء أمامي حطام ..
أيامي ..ليالي .. حالكة ..
حنيني وأنا في لحظات حزني يزداد لتلك القرية المنسية في جبال بلادي
التي تتغطى بالثلوج شتاء .. ثلوج تمنحهاالنقاء هو نقاء قلوب سكانها البسطاء ..
أحن الى الأرض التي كنت أفترشها سعيدة هانئة بأحلام المستقبل قبل أن أعرف هموم الحياة ..
أتساءل باستمرار أين ذهبت تلك الفتاة المرحة التي كانت الإبتسامة لاتغيب عن وجهها بل كانت ضحكاتها تشق عنان السماء ؟
ماذا فعلت بها الأيام ؟ الناس ؟
كيف ضاعت ..تاهت منها روحها بعدما كانت شعلة من نشاط ..
أقضي الأن معظم وقتي هاربة إلى النوم بفضل الأقراص المنومة ..
هكذا أصبحت صديقتك تعيش وهي التي كانت تحلم بأن تجوب العالم على ظهرها حقيبة ولباسها جينز وحذاء رياضي .."



 
  فاطمة عافي-طنجة-المغرب (2012-02-09)
Partager

تعليقات:
السلمي حميد /طنجة 2013-06-09
ما اجمل زمن الرسائل المكتوبة بخط يد من كتبها... تشم رائحته فيها مهما طال البعد. كما كدت اشتم رائحة الشاي الذي اتجهت لتحضيره من مدى وضوح الصورة اثناء قراءة القصة...
استادة فاطمة عافية. امراة شرفت مهنة التربية و التعليم
احترامي و تقديري
البريد الإلكتروني : flpgreen@gmail.com

ع ابروح /تطوان 2012-02-15
لقد استسلمت البطلة وتكسرت احلامها وهذ هو مصير اوهام الرومانسيين والحالمين اما اوربا فهي بلد معبوده المال مع قليل من الانسانية والكثير من العنصرية وفي الشكل فكرة النص السردي المفتوح عبر رسالة هي تجربة مبدعة يحتاج الى تالق لغوي و حدث اخاذ كان يمكن ان تصنعه البطلة لولا استسلامها
البريد الإلكتروني : ABOROH @ hotmail .FR

ابو سلطان /المملكة العربية السعودية 2012-02-15
القصة جميلة وتلامس الوجدانولكن كان من الممكن تفادي ماورد فيها من ملاحظات بخصوص ( عيسى عليه السلام ) ( ونداء السماء ) وقد ذكر هذا الأخ ابراهيم جزاه الله خير وكثر أمثاله الصالحين المصلحين ... احسبه كذلك والله حسيبه تقديري لك يا اخ ابراهيم
البريد الإلكتروني : bn-roog@hotmail.com

ابراهيم البوزنداكي /المغرب 2012-02-14
سيدتي،بعد التحية أود أن اشير إلى أن القصة جميلة تنقل بشكل جميل معاناة مهاجرة مع الغربة ومع خبيبها الذي هجرها. لكن لابد لي من الإشارة إلى أن الثقافة الغربية بها أشياء لا تصلح لنا نحن المسلمين، لذلك يكون لزاما أن نحذر و نحن نقتبس من تعابيرهم و خصوصا فيما يتعلق بالعقيدة. لإبراز ما أشير إليه أقول إن المسيح الذي هو سيدنا عيسى عليه السلام لم يصلب و أن السماء لا تنفع و لا تضر أنظري جيدا أين تطئين بقدمك فرب قول يقصد بصاحبه إلى النار. وأستسمح منك إن كنت فضوليا.
البريد الإلكتروني : holmz4@hotmail.com

سعيد شباب/فاس //فاس/المغرب 2012-02-13
بطلتك -خيالية/واقعية- الى حد اننا نستطيع ان نلمسها لأنها اكيد مرت بمحاذاتنا ذات مرة ،استطعت ان تنقلي أحاسيس الشخصية وكأنك لم تغيري من ملامحها داخل نص ادبي ،إلى حد أنها طابقت ملامحك كساردة . تجربة الغربة تجربة مريرة والأمر أن تتغرب أنثى (بطلة القصة)فالانثى مجاز الارض، لقد أبدعت في نقل هذه التجربة الانسانية ......شكرا.
البريد الإلكتروني : ramzi_lati@hotmail.fr

خليل الوافي /المغرب 2012-02-12
قريبة من الشعر الى النثر .لكن خصوصية الان تغلب على افكارك .وجميل ان تمزجي بين الذات المبدعة وملمسة الواقع الحياتي الذي نعيشه.اتمنى لك كل التوفيق................
البريد الإلكتروني : khalil-louafi@hotmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

رسالة من الغربة-فاطمة عافي-طنجة-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia