السيد(س) والسيدة(ش)-أيمن عبد السميع حسن حسين- مصر
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

السيد(س) والسيدة(ش)

حين زحف الغروب بغبشه الذي تتداخل فيه الأشياء……..
كان قرص الشمس الأرجواني  يحتضر .. يميل إلى الذبول.. يلامس حافة الأفق البعيد ..السماء كانت حُبلى بقطع السحب المتناثرة..نلمح السيدة(ش) تجلس وحدها في الردهة الجميلة الواسعة.. هي خمسينية العمر.. بشرتها هادئة السمرة تشبه لون الليل الهادئ..تجلس علي (الانترية )  القطيفة .. يتعلق بصرها  برفيق عمرها  السيد (س) ..كان يرتدي (البالطو الكاكي)  في الغرفة المواجهة لها..عيناها العجوزتان مشدودين  إليه , تحدقان فيه...جلده غامق  مشدود ,  وشعر رأسه اشتعل الشيب فيه.. كان السيد (س) يعيش حياته بالطول والعرض..متفتح الحواس.. طيب السريرة.. مرهف الحس.. يحمد الله وكفي..تتجسد في نظراته الصلابة والحنو  في آن واحد..إنها حكمة السميع العليم وإرادته أن يعيش بدون (خلفة). وقف السيد (س) أمام المرآة  يرجّل شعره, وبصره الضعيف يري وطنه عبر النافذة الزجاجية المتسخة....
لا زال المكان يحمل عبق التاريخ.. هي حارة سد طويلة ذات منحني حاد..تزخر بباعة الخضار  وعربات اليد ..الأصوات عالية.. ويتضاءل فيها  عواء السيارات ، تحت نداءات الباعة الجائلين وفي الخن الصغير من الحارة ، تقف  متأملا ً ..تتهافت العيون في شبق بهفهفات كهرمان السبح المعلقة علي واجهات المحلات الصغيرة..  من آن لآخر تحتويك  الزحمة الخانقة بين حناياها.. ويتفصد منك العرق.. أخذت وقدة الشمس تنكسر رويداً, وتهب نسمة طرية ..  يتمايل علي أثرها  (شواشي) شجر(البنسيانا)
  المبعثر في الخلاء من الناحية الخلفية لبنايات الحارة المتلاصقة..
اقترب السيد(س)) من زوجته الجالسة وابتسم , فتورد وجهها, فنهضت وتحركت يدها- المعروقة -؛ لتتحسس فوديه ..تمسح علي خديه  بحنو العاشقين. تمتم السيد (س) بكلمات مرتعشة ..ضمها بذراعيه ..
 ولثم  جبينها:
.**هيا يا رفيقة العمر..فالعمر يجري..
فتمادت في ابتسامتها ونهضت, ورفعت شعرها المرسل إلي الخلف ؛ ليكشف استطالة وجمال رقبتها رغم التجاعيد..وانشغل الزوج باختيار المفردات المناسبة .. وجد أن الفرصة مواتية ليمتدح جمالها, وليطلب منها أن تفعل ذلك كل يوم..بدأ نزيف أصوات الباعة الجائلين  يتباطأ  شيئاً فشيئاً, عندما  وقف الشيخ (رمضان) مشرئباً برقبته الطويلة  ينادي بأذان المغرب..يتردد صوته الشجي ..يملأ أركان الحارة..راح (السيد (س) يهفو إلي السيدة (ش) .. كانت الابتسامة لا تفارق سحنته التي شاخت..
 وقال مبتسماً:
 **أين تريدين الذهاب الليلة يا (ش) ؟
**يكفيني الجلوس معك يا(س) علي حافة النهر.. نتسلى بحبات البطاطا الساخنة , كما كنا أيامنا الخوالي..
 تناول  السيد (س)عكازه (الأبنوسي)  المعلق بجوار صورة لطفل يبتسم.. وخرج خلف زوجته..يتغزل في مشيتها علي درج السلم..
(2)
المشهد / ليل/ خارجي/
 لقطة كبيرة عن قرب لرأسين ملتصقتين كأنهما قباب صغيرة..
شعاع النور الصادر  من أعمدة  الكورنيش .. والإسفلت  في الشارع  يتلألأ  تحت أضواء لمبات الصوديوم  الضخمــة ..  يرتفع عواء السيارات ..سرعتها  رهيبة .. وكأنها هاربة من مطاردة مرعبة.. قالت السيدة (ش) بفم  سقطت أركانه  وهي تقبض  علي حبات البطاطا الساخنة المملّحة  تلتهم بعضها :
**أتتذكر يا (ش)..عندما كنا في الماضي.. تتهافت أبصارنا في هذا الشارع- بالذات-  لرؤية سيارة فين و فين... !! ..
 أخذ الزوج  نفساً عميقاً وصمت..وهز  رأسه..
 وبعد ما يقرب من ساعة..
 راح السيد/س والسيدة / ش ..يتمشيان ببطء..وأخذ يعبران الشارع يستند  كل منها  علي الآخر .. يقبضان علي كفي بعضهما  بحنو زائد ..((وكأنهما يتشبثان بالحياة))!!
 
 
(3)
المشهد / ليل خارجي/ الكادر فارغ تماماً.....
اقتحم الليل  سكون الشارع.. لقد زاد المطر علي فجأة ..واخذ يمزح علي سطوح البيوت الآيلة للسقوط..وقتها كان زجاج الحياة مغبراً... تقف بجوار كابينة تليفون (مينا تل) سيارة (الأسعاف الطائر البرتقالية) يصدر عنها صوت (سارينة) متقطعة.. وهبط منها شابين  في ذي المسعفين ..وراحت أيديهم المقفرة تجمع أشلاء(السيد/س والسيدة / ش) في أكياس  حمراء ..
وقف  أحد الشابين ..وتعملقت الحرارة في جسده.. واجتاحته  قشعريرة ورعشة في داخله.. سقط فكه وتجمد..و راح يبكي بحرقة.. حتى تدلى مخاط أنف..فقد لمح  - من ضمن الأشلاء المتناثرة علي صفحة الأسفلت - كفين عجوزين ..يقبضان علي بعض في
           حنوِ زائد ((وكأنهما يتشبثان لما بعد الحياة))!!



 
  أيمن عبد السميع حسن حسين- مصر (2012-03-03)
Partager

تعليقات:
حسن ابوزيد /مصر 2014-08-03
تسلم ايديك يا ابو حسام بجد قصه مؤسره جدا جزاك الله خيرا
البريد الإلكتروني : 01097136396

Mostafa Elaraby /Egypt .Alex 2013-01-26
بجد تسلم الايادى وتسلم الكلمات وغير كـل دة احسـاس اكثر من رائـع وبـصراحة انا سمعت القصة دى بصوت حزيـن وانا ماشى بالسـيارة على الراديو وكانـت المحطة بى بى سى الخاصة بدولـة الكويت واتأثرت بيـها لدرجة انى توقفت على جانـب الطريـق حتى اكمـلها .... وفى النهـاية تسلم تسـلم تسـلم ويا ريـت المزيد
البريد الإلكتروني : just_sawa7@yahoo.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

السيد(س) والسيدة(ش)-أيمن عبد السميع حسن حسين- مصر

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia