عندما تتحول العبقرية إلى جراحات وخيبات، بحث في شخصية الشاعر المصري سعدني السلاموني-كريم ترام-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

عندما تتحول العبقرية إلى جراحات وخيبات، بحث في شخصية الشاعر المصري سعدني السلاموني

  كريم ترام    


أشرنا في مقال سابق عن الشاعر سعدني السلاموني أنه وصل إلى القاهرة ، راغبا البحث عن فرصة جديدة للحياة بعدما تقوضت أحلامه وطموحاته في قريته الصغيرة بالريف المصري.وفي القاهرة،قاهرة الألباب والنفوس سيلج عوالمها ،متسكعا بين حاراتها ودروبها ،متنقلا بين مجموعة من المهن االبسيطة حتى يضمن قوت يومه.
وقد كانت حالته محفزا على أن يحفر بقلمه في مفاوز الكتابة وتشعباتها،ناقشا على أثار الإنسان المصري البسيط .وظل يعرض بين الفينة والأخرى إبداعاته على أهل الأدب بصفة عامة ،فكانوا يستحسنون ويثنون على موهبته البهية ،إلى أن جمع مخطوطته وظل ينشد نشرها،فتسربت بقع من اليأس إلى نفسيته بعد طول انتظار فعقد العزم على العودة إلى قريته النائية .بيد أن الروائي العربي الكبير جمال الغيطاني،نشر له المخطوطةعلى حلقات عندما كان يدير جريدة أخبار الأدب.
وبذلك تحقق حلم سعدني في الوصول إلى شريحة كبيرة من القراء،مما حفزه على الاعتكاف في محراب الكتابة النبيل ،فتقطرت من موهبته مجموعة من الإصدارات رغاوي الألم، عظم خفيف،أول شارع شمال ،وديعة في البنك،دواوين في الدرج،ديوان رصاص فارغ.
وفضلا عن كل هذا وذاك، فان السلاموني صاحب فكرة مايسمى بالرواية الشعرية في الأدب العربي،وهي محاولة جريئة في مشهدنا الأدبي،رغم تحفظ أو رفض النقاد لها أصلا.فكان غيث التجربة روايتين جنون رسمي وأرواح بتطير.
ورغم كل هذه النجاحات التي حققها الرجل إلا انه بقي في بركة كبيرة من الخيبات نتيجة لما ظل يعانيه من الحصار المشدد عليه من نظام حسني مبارك المخلوع من قبيل مراقبة تحركانه،التنصت على مكالماته الهاتفية ،ووضع الكاميرات فوق سطح شقته ،محاولة تسميمه في المقاهي والمطاعم التي يرتادها.
وضع جعله يحمل أكله في حقيبته الصغيرة ،لأنه يدرك تمام الإدراك ما ينتظره.
إشارة  أخرى ينبغي أخذها بعين الاعتبار ،وهي أن الرجل من أوائل الأدباء في مصر الذين تحمسوا لثورة 25 يناير ،فأهداها ديوانه رصاص فارغ،متتبعا أدق التفاصيل عنها،معتزا بها أيما اعتزاز ،لكونها خلصت الإنسان المصري من براثن الذل .إلا أن سعدني سيغيب طويلا عن الكتابة والميدان الأدبي بسبب معاناته مع الألم حادة في مفصل الفخذ الأيمن.آلام حادة أقعدته الفراش طويلا، وكان يتردد على المسشفيات الحكومية للعلاج إلا أنها كانت تغلق أبوابها في وجهه.
وهكذا،فقد شاعت في الوسط الثقافي المصري معاناته ،فعرض عليه مجموعة من المثقفين الميسورين العلاج على نفقتهم الخاصة ،بيد أن جوابه الوحيد هو العلاج على نفقة الوطن العزيز.وبعد أيام استجاب المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم للنداء والاستغاثة ،وأجريت له العملية وكللت بالنجاح،فاغتبط المقربون منه ،ولكنه عاد مؤخرا إلى عاداته القديمة متمثلة في الخروج إلى ميدان التحرير مع المتظاهرين المعتصمين رغم عدم شفائه كليا .
فهل قلت كل شيئ عن الكبير سعدني السلاموني؟



 
  كريم ترام-المغرب (2012-03-07)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

عندما تتحول العبقرية إلى جراحات وخيبات، بحث في شخصية الشاعر المصري سعدني السلاموني-كريم ترام-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia