** أثيرت في الآونة الأخيرة نقاشات مستفيضة حول دفاتر التحملات المتعلقة بالقنوات التلفزيونية المغربية، إلى درجة كان فيها على أي متتبع أن يطرح السؤال التالي: هل نحن بصدد حرب سياسية شاملة تتعلق بدفاتر تحملات القناة الثانية على وجه الخصوص ؟ أم هي مجرد معركة بين طرفين يحاول كل واحد منهما الظفر بتسيير التلفزيون المغربي وفق رؤيته المرجعية، والتأثير بالتالي في توجيه خطه التحريري ؟
و الواقع أن فتح الحديث على مصراعيه، لتناول موضوع التلفزيون المغربي، قد تأخر كثيرا، حيث ضاع منا كثير من المال والجهد والوقت، دون أن نخضع هذا المرفق الاستراتيجي في الماضي – وحتى الحاضر – للتقييم، والنقد الذاتي، و التدخل الجراحي، رغم أن الجميع كان يعبر عن استيائه لأداء هذا المرفق، و عدم تجاوبه لتطلعات المشاهدين المغاربة.. بل إن الجميع، كان و مايزال، يرى على أن هذا التلفزيون لا يشبهنا، و لا يفصح عما بداخلنا، و لا يترجم ما نصبو إليه من أهداف ومتمنيات و طموحات مستقبلية.. بل أكثر من ذلك، هناك من كان ومايزال، يرى على أن هذا التلفزيون يمثل الآخر في ثقافته و حضارته ولهوه، و لم يمثلنا قط، لا في الفرح و لا في الترح.
إن المطلوب اليوم، و قبل الغد، أن نحدث ثورة إصلاح عميق بهذا المرفق العمومي الهام.. إذ لم يعد مسموحا لنا أن نجبن، أو نتردد في مغربة هذا المرفق، و دمقرطة أدائه، وانفتاحه على واقعنا السياسي و الاجتماعي بجميع قواه الحية و الغيورة على مصلحة البلاد، و مستقبلها الحضاري..
بل لم يعد مقبولا منا أن نترك هذا التلفزيون المختل مهنيا و ماليا، أن يجرنا إلى هوة سحيقة، تزيد من بعدنا عن إنجاز بنائنا الديموقراطي المتصاعد بخطوات وئيدة واعية.
نقول نعم للانفتاح على اللغات الحية و المجاورة لجغرافيتنا الترابية.. ونقول نعم للبرامج الثقافية الأجنبية الهادفة و البناءة و المتفاعلة و المحايدة.. و نقول نعم للأعمال الدرامية و السينمائية الأجنبية الجادة و المرتقية بذوقنا الفني و الإنساني و الحضاري..
ولكن، نقول لا للانفتاح على لغة بعينها ضدا على مخزوننا اللغوي الثري العربي و الأمازيغي.. و نقول لا لتهميش أعمال مثقفينا و مفكرينا و طاقاتنا المبدعة في المسرح والسينما والأغنية.. و نقول لا لإقصاء أفلامنا و مسلسلاتنا و أعمالنا الفكاهية المغربية.. ونقول بأعلى صوتنا كفى ازدراء لعطاءات فنانينا و مبدعينا، وكفى إقبارا لمواهبهم و حسهم الذكي في صناعة الفرجة التلفزيونية.
ونقول أيضا كفانا إهدارا لطاقاتنا الصحفية و الإعلامية الكفأة والمقتدرة، التي شارك هذا التلفزيون في هجرتها نحو الخارج، و دفعها قسرا و ظلما لصناعة التألق الإعلامي بفضائيات عربية و أجنبية.
و عموما، فإن نجاح أي دفتر تحملات معين رهين بمدى إنصاتها لنبض الشارع، و قدرتها على فك أي شفرة شعبية تتطلع إلى ذوق فني و مهني عميق الصلة بتاريخ البلاد و ثقافته و مرجعيته الحضارية و الحرص على ضمان خدمة عمومية محلية و جهوية و وطنية، محررة من أي وصاية فكرية معينة، أو إيديولوجية ما.. وذات استقلالية في الإبداع و التنشيط و الإخبار. و اختيار المرأة المناسبة و الرجل المناسب في المكان المناسب، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة.