المخرج الأديب أو حين يترجم المبدع ذاته عز الدين الوافي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

ãáÝÇÊ
  عز الدين الوافي    
المخرج الأديب أو حين يترجم المبدع ذاته

أسئلة أولية

لماذا لم يستطع أدباؤنا إنتاج وإنجاز أفلام مقتبسة عن رواياتهم مع إستثناءات معدودة؟
لماذا يتحول الشاعر والروائي ليصبح سينمائيا وليس العكس؟
هل كل سينمائي هو مبدع باللغة وليس بالضرورة أديبا؟
هل ينتهي دور الأديب عندما تتدخل التقنية الكاميرا لتصوير مضامين اللغة المكتوبة؟
هل يبدأ دور السينمائي عندما يرضى بالتخلي عن أدبية النص لنقل مفاهيم اللغة  الصوت التركيب النحو المفردات عبر وسائط غير أدبية الإنارة الديكور حركات الكاميرا عمق المجال إلخ
هل بالضرورة وبالفطرة كل أديب يمكنه أن يصبح سينمائيا وهل المطلوب هو العكس؟
هل هناك طقوس ومعايير لإنجاح عمل أدبي عندما يحول إلى عمل سينمائي؟

نتحدث هنا عن زيجات متعة بالمعنى الإيروتيكي، على إعتبار أن فعل الكتابة والتصوير  إنما هما فعلان شبقيان، لمحاولة قهر الموت أو الهروب من قبضة الزمن .
فالشرع والشرعي إنما هو مجال محكوم بالضوابط والمرجعيات، فيما المتعة جامحة تمتح من المتخيل الشعري كينونتها وتجدد طاقتها بتجدد أحجام النزوة والشهوة فيها، وبالتالي نجزم أن هناك جدلا لإنتاج أطياف من الدلالات التي تخلق عبر حوار الكلمة الصورة أو النص الكاميرا
خلق زواج متعة بين مجالين يحقق فيهما الأديب ذاته وهو الأدب ومجال يمرر عبره السينمائي فكره وهو السينما.

بعد النجاح الباهر والنسبي في نظر البعض، الذي استطاعت أن تحققه بعض الأعمال المقتبسة عن روايات، وإغراء السوق التجاري والمالي لإنتاجات السينما، وتحول المخرجين إلى نجوم إعلامية تطرح مسألة الثقافة بمعناها الترويجي حسب بودريار. فالروائي إما ظل منسجما مع عوالم الأدب ورفض كل مساومة للنزول والدخول في عوالم التسويق ، بل رافضا كل أفلمة للأدب بإعتبار الفرق بينهما فرقا جوهريا. وكلود شابرول حيث ظلت المدرسة السينما الجديدة كنوع من المرور بين ضفة الأدب إلى ضفة السينما حاضرة. كونتر غراس  الذي حولت روايته الطبل إلى عمل سينمائي، والكاتب  والمخرج  الفرنسي جان لوي غودار الذي تساءل عما بإمكان السينما أن تضيفه لما قاله الأدب؟
لقد  حافظ بعض الأدباء على تلك المسافة النقدية تجاه السينما وكأن للكتابة الأدبية رهبتها ورهبانيتها ، أو لكونها كتابة صافية لا يجوز أن تنزل لمستوى السينما بل شككوا في قدرة السينما على مجاراة الأدب وأقصى ما فعلوه هو ترك أعمالهم للآخرين كي يتعاملوا معها. وما كان من المفروض فيه أن يكون حوارا أجناسيا صار نوعا من العداوة والنفوربين أولاد العم. .
غير أن نسبة التزاوج  والتماشج بين الأشكال التعبيرية جعلت من خلق حوار فكري وثقافي بين الأصناف التعبيرية مسألة من صلب التجريب والحداثة.
لم يستطع المبدع المؤلف أن ينأى بنفسه عن عوالم الصورة البلاغية الشعرية والسينمائية بإعتبارها مجازا لإدراك خريطة من المفاهيم المشكلة عن الإنسان والكون، وبالتالي كان ذلك الحوار العقيم أحيانا، والمنتج أحيانا أخرى بين الأدب والسينما تحديدا ، وشتى الأشكال التعبيرية كالتشكيل والمسرح مارسيل بانيول وكوكتو والرسم والنحت والرقص والفوتوغرافيا والغرافيزم والقصة،  والشعر : إقتباس شعر محمود درويش من طرف نصرى حجاج للسينما.
غير أن إيصال رسالة الأدب عبر السينما، ولما لا رسالة السينما عبر الأدب، وهي منطقة  ظلت محظورة ووعرة وتحتاج إلى نوع من التفكير؟
وبالتالي ظلت مسألة  تحويل بعض الأعمال إلى سينما، تشوبها الكثير من التعقيدات والإنزلاقات المنهجية والحقوقية والقانونية، ناهيك عن طبيعة ذلك الزواج بين فن قديم قدم الإنسان وفن حديث، صار يدعي قدرته على امتصاص جميع الأجناس التعبيرية الأخرى بل تجاوزها.

وجوابا على سؤال أخير هل هناك من ضوابط أو مقومات ، تضمن نجاح مرور النص السينمائي عبر النص الأدبي؟
إن الإقدام على تحويل العمل الروائي أو الأدبي عموما إلى منتوج سينمائي، هو سقوط في غواية مضاعفة على اعتبار أن الفيلم له جماليته الخاصة ، وبالتالي إذا كانت الترجمة هي إقدام على فعل غريب من طرف غريب، فإن تحويل الأدب من طرف الأديب السينمائي هو فعل إختياري وركوب في مغامرة محاورة نص ذو طبيعة مخالفة..
بكل تأكيد لا يمكن التغاضي عن أدبية أو البعد الأدبي للفيلم وأحيانا وجود بعض التجليات الفيلمية في لغة السرد الأدبي كاستعمال الفلاش باك أو تقنية الربط.
واهم من يعتقد أن الأديب سيكون ناجحا في تحويل عمله إلى فيلم سينمائي، إن لم يمتلك إواليات الكتابة السينمائية من سيناريو له خصوصيات الفعل الحاضر والمشروط بكونه فعلا بصريا وليس ذهنيا.
المهم إذن أن تحصل القصة على تلك الجاذبية، وهذه الجاذبية لا تكون ممكنة إلا إذا تحققت مجموعة من الشروط الإبداعية والتقنية أهمها حسب رأيي:
- اعتماد الموضوع والقضية التي يطرحها العمل الأدبي على إثارة تساؤلات ممكنة ومحتملة عبر نسيج من المشاهد المشوقة بلغة تترجم المحسوس إلى ما هم مرئي.
ـ خلق مسارات متعددة قبل الحسم لصالح مسار أخير ينتصر للبناء العقلاني لتراكم الأحداث.
ـ الاقتراب من الوصف المشهدي والإبتعاد عن الحشو والتوصيف المجرد.
- القدرة على متابعة الفعل والحدث متابعة بصرية وليس ذهنية.
ـ  تحويل الكلمات من حاملة لأفكار إلى حاملة لأفعال.
ـ استعمال تقنيات سينمائية في السرد كالخلفيات والكادر، وسلم اللقطات.
-  التركيز على قوة الشخصية وبنائها، من حيث المظهر والعمق والإستغناء عن الشخصيات التي لا تضيف قيمة للسرد والقصة.
-التحكم في خط الحكاية صعودا نحو الانفجار وهبوطا نحو خيبة الأمل أو الانفراج.
ـ اللعب بمشاعر القارئ وخلق التشويق.
ـ تأكيد عنصر الصدمة الأخيرة.

وهناك بعض الفروقات من حيث التمييز بين عوالم الأدب والسينما :

- أولا، لكون الرواية قائمة على بعد ذهني يتطلب شبكة من الخبرات في تحويل الدوال إلى مدلولات ، وبالتالي فكيفية استقبالها من طرف جهاز الدماغ للقارئ تختلف عن تعامله مع خطاب الصور والضوء، ومع كائنات تتحرك أمامه وتنفذ إلى وجدانه صوتا وصورة حيث يتكلف الفيلم بنقل المقابل البصري للكلمات إلى صور وما على العين إلا أن تتعرف عليها فقط لتدرك المعنى وربطه بما فات وما هو قادم.

- ثانيا، تتمتع الرواية بالزمن الكافي لتقديم الأمكنة ووصفها وبسط الشخصيات والغوص في أفكارها بواسطة أسلوب أدبي يستعمل كل المحسنات البلاغية والصور المجازية في نقل المشاعر وتقريب الأحاسيس .

- ثالثا، ليس أمام الفيلم سوى زمن المشاهدة،  باستثناء شرائط "الديفي دي" المنزلية التي غيرت مفهوم القراءة الفيلمية وحولتها إلى تمرين على القراءة، حسب الوقت والرغبة والمال.

- رابعا، تشتغل الرواية بالكلمات والجمل وعلامات التنقيط، وعلامات أخرى للتعبير عن وضعيات تواصلية كالتعجب والتساؤل والإشارة وغيرها بمستويات متراوحة بين ما هو صوتي، ونحوي ،تركيبي، ودلالي، ومعجمي.

- خامسا، ليست السينما بحاجة لكل الكلمات المجردة والأفكار المستعصية على الإظهار، لأنها فن الاختصار والانتقاء لما يناسب طريقتها في العرض، والاقتصاد في الإمكانيات وفي التعامل مع النص، بعيدا عن كل الإطناب والحشو اللغوي الذي لا يؤدي وظيفة محددة، والإدماج بامتياز ، كالاستغناء عن بعض الشخصيات التي لا تغير إن حذفت من النص شيئا ذا قيمة أو دمج شخصيتين في واحدة  .

- سادسا، تمتد الرواية على محاور الوصف والسرد الأولى، باعتبارها تقريبا بصريا للأشخاص والأشياء والعالم المرئي، والثانية باعتباره تقريبا لأزمنة تتناوب عليها الأحداث وتتعاقب لخلق حكاية موزعة على صفحات الورق.

كان بودنا التركيز على نموذج فيلمي وأدبي وهو الرواية المتوسطة الطول لفجر يعقوبلبطريق وهي موجودة على موقع يوتوب وهذا رابطها :

  HYPERLINK "http://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&ved=0CDEQtwIw"http://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&ved=0CDEQtwIw AA&url=http%3A%2F%2Fwww.youtube.com%2Fwatch%3Fv%3D3O-J_ltFK_M&ei=eCP1UcPxLdLM0AX5noEY&usg=AFQjCNFqn3DfoTl1O3H7b63Dcfagy0xvpA&sig2=andx0iADjrMBoD2uWSHutQ&bvm=bv.49784469,d.d2k
لكننا تركنا الخلاصات للقارئ ، غير أن نقطا أساسية يمكن تسجيلها لصالح هذا المبدع الفلسطيني المقيم بين بيروت وسوريا، هي أنه يجمع بين نظم الشعر والرواية والنقد السينمائي والإخراج السينمائي، وتحكم أعماله السينمائية روح شاعرية تتمثل من خلال قدرته على النفاذ إلى أدق المشاعر الإنسانية في جانبها الدرامي، كالذاكرة والعودة والروابط الإنسانية وبحكم  تطلع المخرج لما هوغير مألوف سواء في تعامله مع السرد الفيلمي أو في المزج بين ما هو نثري   وما هو شعري بين الوثائقي والتخييلي في قالب تجريبي كما في روايته الأخيرة نقض وضوء  الثعلب التي ستحول إلى عمل سينمائي أو فيلمه التجريبي الأخير "طريق بيروت - مولهولاند 150ألف كيلومتر".

في فيلمه "البطريق" يتناول المخرج علاقة مركبة ومربكة بين زوجة وزوجها من خلال أكواريوم سمك. تتحول فيه السمكة البرتقالية إلى شخصية محورية في ميزان القوى بين الزوج المغرم بأغاني أم كلثوم وخصوصا أغنيتها لما يرق الحبيب، ومقتها لأم كلثوم لأن ذلك يذكرها بأبيها. وتتوزع الإشارات، حيث يكتب المخرج في يوميات التصوير كما فعل البحارون والرسامون تلك العلاقة الخفية بين التخييل وكيفية ترويض الكاميرا للتعبير عن لحظات تبزغ خلال التعامل مع مكونات الفيلم ونقله من مستواه الأدبي كنص إلى مستواه الفيلمي كنص مغاير.

عند النجاح الباهر والنسبي في نظر البعض الذي إستطاعت أن تحققه بعض الأعمال المقتبسة عن روايات وإغراء السوق التجاري والمالي لإنتاجات السينماوتحول المخرجين إلى نجوم إعلامية تطرح مسألة الثقافة بمعناها الترويجي حسب بودريار وبالتالي قد يكون الهاجس الإعلامي والربحي هو الحاضر لدى لدى الأدباء السينمائيين فيما قد يكون الإلتزام بقضايا الإنسان والثورة ونشر وعي بديل ما هو الحال عند باولو بازوليني الذي كان مسكونا بالبحث عن لغة بديلة.

 
  عز الدين الوافي-المغرب (2013-12-27)
رجوع إلى الملف
   
   
مواضيع ذات صلة

-

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia