مقدمة:
تشكل العلاقة بين الأدب والسينما جانباً مهماً من تاريخ السينما المصرية ، إبتداء من عام 1930 عندما قدم المخرج " محمد كريم " فيلم (زينب) . ويعتمد عدد من المخرجين عند تقديمهم لأفلامهم الأولى على الاستعانة بنصوص أدبية مصرية مثل " محمد شعبان " ( الشرف ، 2000 / عن رواية بيوت وراء الأشجار لمحمد البساطى) ، " إيهاب راضى " ( فتاة من إسرائيل ، 1999 / عن قصة الوداعة والرعب لمحمد المنسى قنديل ) ، بينما يغامر بعض المخرجون ، ويقدمون على تحويل نصوص عالمية شهيرة إلى معالجات تتصل بالواقع المصرى مثل " الغيرة القاتلة " ( إخراج : عاطف الطيب ، 1983) والمأخوذ عن مسرحية " عطيل " للكاتب " وليم شكسبير" ، و" الأقدار الدامية " ( إخراج : خيرى بشارة ، 1981 ) والمستوحى من مسرحية " الحداد يليق بإلكترا " ليوجين أونيل .
ومن الأمور اللافتة للانتباه فى السينما المصرية ، تكرار تناول بعض الأعمال الأدبية فى أكثر من فيلم سينمائى ، حيث يتم إنتاجها فى تواريخ متقاربة مثل فيلمى " رغبة متوحشة " (إخراج : خيرى بشارة ، 1991 ) و" الراعى والنساء " (إخراج : على بدرخان ،1991) عن مسرحية " جريمة فى جزيرة الماعز " للكاتب " أوجو بتى "، وقد تكون المسافة بين إنتاج الفيلمين عدة سنوات مثل فيلمى " البؤساء " (إخراج : كمال سليم ، 1943 ) ، " البؤساء " (إخراج :عاطف سالم ، 1978) .
ويتناول هذا البحث " إتجاهات النقد الفنى فى بحث العلاقة بين الأدب والسينما فى مصر "، ذلك أن الباحث قد لاحظ صدور العديد من المطبوعات المصرية والعربية التى تتناول هذه العلاقة ، كما سيقوم الباحث بالتركيز على بحوث النقد الفنى المصرية ، مستبعداً بعض المطبوعات العربية التى تناولت هذا الموضوع مثل كتاب "جان آلكسان " (الرواية العربية من الكتاب إلى الشاشة ، دمشق، وزارة الثقافة ، المؤسسة العامة للسينما ، 1999 ) .
وينقسم هذا البحث إلى تمهيد وثلاثة موضوعات هى :
1ـ المفاهيم الرئيسية
2ـ أوجه المقارنة
3ـ النتائج
تمهيد : موقع بحث العلاقة بين الأدب والسينما من إنتاج النقد الفنى
من الملاحظ أن تناول العلاقة بين الأدب والسينما ، يتم من خلال أربعة أشكال
1ـ موضوع البحث بالكامل ، مثل رسالة الماجستير الخاصة بالباحثة " درية عبد الحق شرف الدين " والمعنونة باسم (الرواية الأدبية فى السينما المصرية ـ دراسة تحليلية بالتطبيق على نماذج من الأفلام المصرية ) ، كتاب (نجيب محفوظ والسينما ) تأليف " سمير فريد" ، كتاب (نجيب محفوظ بين الفيلم والرواية) تأليف "محمود قاسم " .
2ـ ويشكل الموضوع فى بعض الأحيان جانباً مهماً من موضوع البحث الأصلى مثل رسالة الدكتوراة الخاصة بالباحثة " مها أنور المشرى " (الرمز فى الأفلام السينمائية المأخوذة عن أعمال أدبية وتأثرة بالمتغيرات السياسية والإجتماعية / دراسة تحليلية فى الفترة من 1967ـ 1981 ) ، حيث تخصص الباب الثالث لبحث العلاقة بين بعض الأفلام ومصادرها الأدبية ، كتاب (نشرات السينما فى مصر ـ إتجاهات نقدية ) تأليف " ناجى فوزى " .
3ـ وفى أحيان أخرى يشكل الموضوع جانباً فرعياً من موضوع البحث الأصلى مثل إشارة المخرج " سمير سيف " إلى التحولات التى طرأت على شخصية " سماحة الناجى " عند تحويل إحدى حكايات رواية (الحرافيش ) للأديب " نجيب محفوظ " إلى فيلم سينمائى يحمل إسم (المطارد ) وذلك ضمن كتاب (إخراج أفلام الحركة / تجربتى فى السينما المصرية ) .
4ـ وتشكل العلاقة بين الأدب والسينما موقفاً عابراً خلال بعض المواد النقدية ، وهو ما يمكن ملاحظته فى مقالة الناقد " سمير فريد " عن فيلم " حتى لا يطير الدخان " (إخراج : أحمد يحيى ، 1984) حيث يكتفى بالإشارة إلى الفيلم مأخوذ عن قصة للأديب " إحسان عبد القدوس " (1) .
المبحث الأول : المفاهيم الرئيسية
يقرر " ناجى فوزى" أن أهم العناصر التى تتناولها الدراسات النقدية بالنشرات السينمائية فى مجال العلاقة بين الفيلم ومصدره غير السينمائى تتمثل فى (مسألة النقل ـ تقدير قيمة المعالجة السينمائية وأسلوب الإخراج ـ الإشارة إلى فوائد نقل الأدب أو
غيره إلى السينما وأسبابه) (2) ، مشيراً إلى أن البرامج التلفزيونية المذاعة ، تأتى فى حكم المواد النقدية المنشورة ، حيث تحتل العلاقة بين الفيلم ومصدره الأدبى مكانة ملحوظة فى البرامج السينمائية بالتلفزيون المصرى وهو ما يتمثل فى البرنامج التلفزيونى " سينما نعم وسينما لا " وهو برنامج تلفزيونى أحتل مساحة ملحوظة على خريطة إرسال التلفزيون المصرى لعدة سنوات (1989ـ1994) (3) .
ويشير " جابر عصفور " إلى أنه يمكن للأفلام المأخوذة عن الأعمال الأدبية أن تنتقل بسهولة فائقة من دائرة الموازاة الإبداعية إلى دائرة التفسير الذى يتجسد بالتركيز على موضوع أو محور بعينه فى الأصل الأدبى ، وإعادة صياغته بلغة السينما التى تستلزم فى هذه الحالة ـ درجات متعددة من تحويل الأصل بواسطة عمليات من التكبير والتصغير أو التبديل أو التقديم والتأخير أو الحذف والإضافة ، وذلك كله بما يحقق رؤية المخرج التى هى خلق مستقل بمعنى من المعانى أو إبداع مواز بكل المعانى ، وفعل التفسير الذى ينطوى عليه عمل المخرج الذى يقوم بالصياغة السينمائية للعمل الأدبى هو فعل ضرورى ، لا يمكن أن يكون لفيلمه وزن بدونه (4) .
كما يشير " ناجى فوزى" إلى أن هناك صورتين للعلاقة بين الفيلم السينمائى والمصدر الأدبى المأخوذ عنه ، الأولى هى فكرة (الالتزام بالنص الأدبى) وفى هذه الحالة لا يسمح للفنان بالاجتهاد فى المعالجة السينمائية سواء من حيث الشخصيات أو الأحداث الرئيسية ، أما الثانية فهى فكرة (احترام النص الأدبى) وتعنى أن الفنان السينمائى لا يغير من فكر المؤلف الأدبى ، ولكنه فى نفس الوقت ـ يسمح له بالاجتهاد فى المعالجة السينمائية التى هى من صميم اختصاصه ، بل هى واجب يلتزم به (5) .ويتفق " سمير فريد " مع الرأى السابق ، مشيراً إلى أن أحد أنواع العلاقة بين الأدب والسينما ، هو الفيلم الذى يستغل شهرة العمل الأدبى
لصنع فيلم تجارى ، مثل أفلام المخرج "حسام الدين مصطفى" عن روايات "دستوفيسكى" (6).
وتستعين " دينا فؤاد " فى رسالتها العلمية برأى الكاتب " جيفرى واجنر " والذى يقسم المعالجة الدرامية للنص الأدبى إلى ثلاثة أقسام (النقل ـ التعليق ـ التماثل) حيث يقصد بالتعليق " أن يتم لإجراء تغييرات فى النص ـ نوعاً ما ـ سواء عن عمد أو بدون قصد ، ويسمى هذا بإعادة التركيز أو إعادة البناء " (7) ، وترصد قيام " دادلى أندرو " بإضافة نوعين لعملية الإعداد السينمائى وهما (الإستعارة Borrowing) و(التقاطع intersection) ، أما الإستعارة فلا تحوى على أى تقليد للنص الأصلى ، ولكن من خلالها يسعى المتلقى لاكتشاف جوانب مؤثرة تظل عالقة طويلاً بالنص مثل مسرحيات الغموض فى العصور الوسطى ، بينما يقصد بالتقاطع " الرفض القاطع لعملية الإعداد التقليدية ، حيث يتم تمييز النص وإضفاء الحياة عليه من خلال الفن السينمائى ، وذلك عن طريق الدمج بين جماليات الفنون الأخرى والتقنيات السينمائية المستحدثة مثل أفلام المخرج (بيير باولو بازولينى) (8) .
وتشير " نهاد صليحة " إلى أنه " يترتب على القول بحرية الفنان فى تفسير النصوص ، وطرحها عبر وسائط فنية مختلفة ، والقول بنسبية معنى الأعمال الفنية ، الإعتراف ضمناً بأن العمل الفنى يمتلك خاصية توليد قراءات متعددة ، فى أزمنة متعاقبة ، أو حتى فى الزمن الواحد ، أو لدى نفس القارئ أو المفسر ،وأن المعنى الكلى لأى عمل فنى هو جماع كل القراءات الممكنة له ، السابقة واللاحقة ، ولذا فهو لا يوجد أبداً فى صورته الكاملة ، فى لحظة زمنية معينة ، ولا فى لحظة اكتمال إبداعه وانتهاء الفنان من إنجازه ، بل ليتحقق مرحلياً ، على مر الزمن ، ولا يكتمل أبداً ما دام هناك قراء جدد ، فى زمن لاحق ـ أى أنه يكتمل فقط حين تنتفى إمكانية وجود متلقين ـ جدد أو سابقين (9ـ10) . ويرى (مدكور ثابت ) أن العملية الإبداعية لابد وأن تتم عبر جدلية " التطويع / الخضوع " فى آن واحد ، لجمالية السينما وتكنولوجيتها فى آن واحد كذلك ، ومن ثم يصبح ما يمكن إيصاله عبر كلمات الأدب غير ممكن تحقيقه هو نفسه عبر الفيلم إلا بـ " إعداده " ، بما هو " تطويع وخضوع " ، أى بما هو " التكييف " إذا ما أردنا تعبيراً اصطلاحياً (11) .
المبحث الثانى : أوجه المقارنة
يتناول هذا المبحث أوجه المقارنة التى يغلب وجودها فى كتابات النقد الفنى فى مجال العلاقة بين الأدب والسينما والتى تتمثل فى ( الحبكة ـ الشخصيات ـ السرد ـ المرئيات السينمائية ) .
1 ـ الحبكة
وهى تعنى " الإطار العام للحدث الذى يدور فى فلكه مجموعة معينة من الشخصيات" (12) ، وبذلك فإن دراسة موقف النقد الفنى فى مصر من العلاقة بين الفيلم السينمائى والعمل الأدبى من خلال الحبكة تتضمن الأتى : البدايات والنهايات ، تكثيف الأحداث ، الإضافة ، الحذف ، تقديم أو تأخير الحدث .
أ ـ البدايات والنهايات
يشير " هاشم النحاس " إلى أن فيلم " بداية ونهاية " (إخراج : صلاح أبو سيف ، 1960) يبدأ من نقطة تالية من الأحداث على النقطة التى تبدأ بها الرواية ، مستوعباً الفصول من (6 : 10 ) خلال مشاهده الأولى (13) ، وتقارن الباحثة " دينا فؤاد كامل " بين بداية كل من رواية " قصة حب " للأديب يوسف إدريس ، وفيلم " لا وقت للحب " (إخراج : صلاح أبو سيف ، 1963) بقولها " إن الرواية تبدأ بداية ساكنة يصف فيها الكاتب رحلة حمزة ، صباح أحد أيام يناير متوجهاً إلى
معسكر التدريب فى شبرا ، أما بداية الفيلم فكانت أكثر حيوية وسخونة ودخولاً إلى الحدث مباشرة حيث يبدأ العمل باجتماع حمزة مع مجموعة الفدائيين" (14) .
وإذا كان "محمود قاسم" يشير إلى أن فيلم " الشحات " (إخراج : حسام الدين مصطفى ، 1973 ) يبدأ من خلال الماضى ، غير الموجود فى بداية الرواية ، إذ يقدم العمل إجتماع لإحدى الخلايا السرية ، يشارك به (عمر الحمزاوى ـ عثمان ـ حامد ـ مصطفى) ، ويقارن المشهد بين وجهة نظر كل من (عثمان ـ حامد) (15) ، فإن " حسن عطية " يذكر أن فيلم " بداية ونهاية " (إخراج : أرتورو ريبيستين ، المكسيك ، 1993) يبدأ من نفس بداية العمل الروائى ، حيث يجلس الفتى "جابرييل" فى فصله سارحا ، والمدرس يشرح درسه ، ويدخل سكرتير المدرسة مصطحباً أخاه الأكبر " نيكولاس " ، الذى يشى وجوده معه أنه استدعاه قبله ، ويخبرهما بموت الأب السيد " بوتيرو " (16) .
وعلى جانب أخر ، تشير " دينا فؤاد " إلى أن مشهد النهاية فى فيلم " لا وقت للحب" هو التعبير الأكثر نضجاً ووعياً للجزء الأخير من العمل الأدبى ، حيث أن الفقرة التى ينهى بها " يوسف إدريس" روايته تبدو نقيض الذروة أو ما بعد الذروة ( anti climax ) ، على العكس من نهاية العمل السينمائى التى تحتوى على الفكرة الأساسية للعمل ( حيث تعبر عن فكرة الحب بمعناه الواسع الذى يشمل الناس بمختلف طوائفهم وذوبان الفرد فى المجموع ) (17) .
وتتوصل " نهاد إبراهيم " إلى أن أهم اختلاف بين مسرحية " النائبة المحترمة " وفيلم المخرج " سعيد مرزوق " ، يتمثل فى تغيير النهاية تغييراً جذرياً ، يؤدى بالعمل السينمائى إلى اتجاه مختلف تماماً عن الرؤية التى يطرحها " توفيق الحكيم " فى النص المسرحى ، إذ تقرر البطلة فى ختام المسرحية بإعلان استقالتها وتخبر السياسى الكبير بقرارها عن طريق إتصال تليفونى ، أما فى الفيلم السينمائى * فقد كانت النائبة أكثر وضوحاً وصراحة والتزاماً بموقفها وتحملها كل الأضرار ، وختم المخرج فيلمه باستمرار علاقة الشد والجذب بين النائبة (فاتن حمامة) وزوجها (أحمد مظهر) ، الذى يستسلم فى ختام المشاجرة إلى الأمر الواقع (18) .
أما " محمود قاسم " فيرى أن سيناريو فيلم " الحب تحت المطر" (إخراج : حسين كمال ، 1975 ) قد قام بإقحام " حرب أكتوبر 1973" لينهى بها العمل ، على عكس رواية (نجيب محفوظ) والتى توقفت عند معاهدة روجرز ، قُبيل رحيل الرئيس (جمال عبد الناصر) (19-20-21) .
ويختتم حديثة عن فيلم " سمارة الأمير " ( إخراج : أحمد يحيى ، 1992) بعرض الفرق بين نهاية العمل ونظيره الأدبى ، فبينما ينتهى الفيلم بمقتل زوجها (محمد وفيق) على يد القواد (محمود حميدة) ، ينهى الأديب قصته بزيارة بائع الفستق للبطلة ، ورفضها العمل بالملهى الليلى (22) .
أما " سمير فريد " فيذكر " أن نهاية فيلم " الحرام " تختلف عن نهاية الرواية ، إذ يستبعد " سعد الدين وهبة " الصفحات الثلاث الأخيرة من الرواية والتى تتحدث عن " قانون الإصلاح الزراعى " وثورة يوليو التى أنهت بؤس الفلاحين " (23) .
وتشير الباحثة " درية عبد الحق شرف الدين " إلى أن فيلم " الشوارع الخلفية " (إخراج :كمال عطية ، 1974) قد إختار نقطة نهاية مخالفة لما جاء بالعمل الأدبى ، فعلى حين امتدت الأحداث بالرواية إلى ما بعد استشهاد " سعد " ، وتطرقت إلى بعض المتغيرات التى حدثت داخل أسرته وخارجها ، حتى صدر الأمر بنزع ملكية منازل شارع " عزيز " لتحويله إلى شارع أمامى ، فقد توقف الفيلم عند المظاهرة التى استشهد فيها " سعد " وهو يحمل العلم ، وحزن أمه وأبيه (24) *.
ب ـ تكثيف الأحداث
يذكر " هاشم النحاس " أن سيناريو فيلم " بداية ونهاية " قد قام بدمج فصلى (15) و(17) من الرواية ، فإذا كان "حسنين" و "حسين" يصعدان إلى شقة " فريد أفندى" للتدريس لابنه فى أولهما ويلمح حسنين بهية ، بينما يتجراً فى الفصل الأخر على الضغط على يدها وهو يتناول منها صينية الشاى ، أما فى الفيلم ، فقد تم لحسنين ما أراد من أول مشهد لهما بشقة فريد أفندى لبداية عملهما بالتدريس لابنه (25) وتؤكد الباحثة " دينا فؤاد " أن رواية " قصة حب " تسترسل فى رحلة بحث " حمزة " عن " إسماعيل أبو دومة " ، بينما ينتقل الفيلم مباشرة إلى حمزة وهو يلقى السلام على أبو دومة (26) . وتشير الباحثة " عزة حليم " إلى قيام فيلم " بين القصرين " بدمج فصلين من الرواية وهما ( 36 ، 45) حيث يعرض الأول لخطبة " عائشة " ويعرض الثانى لخطبة " خديجة " بعد زواج عائشة ، حيث أشار الفيلم إلى أن الشقيقتين قد تم خطبتهما فى نفس اليوم (27) .
ج ـ الإضافة
يشير " هاشم النحاس " إلى أن كاتب سيناريو فيلم " بداية ونهاية " قد أضاف عدداً كبيراً من الأحداث التى دلت على فهمه العميق للرواية ، مثل تمرد " حسنين " على تناول غذائه من العدس الذى لا يتوفر غيره فى البيت ، حيث كشف لنا هذا الموقف عن البعد الأساسى لشخصيته فى الخمس دقائق الأولى من الفيلم (28) .
وتتناول الباحثة " عزة حليم " بعض الإضافات التى يفرضها صناع الأفلام عند تعرضها للعلاقة بين الفيلم ومصدره الأدبى مثل (29) :
1ـ يضيف فيلم " قنديل أم هاشم " (إخراج : كمال عطية ، 1968 ) مشهداً يشاهد فيه إسماعيل شخصاً يخلع الأسنان باستخدام " ماء النار " وسخطه على ذلك ، لتصوير مظاهر التخلف الطبى فى مصر .
2ـ إدخال الغازية إلى مجال حياة البوسطجى ، وتكاتف أهل القرية على حرمانه منها ، وأدى ذلك إلى حدة إحساسه بالوحدة ، مما يدفعه إلى فتح خطابات أهل القرية ليكشف أسرارهم ، فى فيلم " البوسطجى" (إخراج :حسين كمال ، 1968) المأخوذ عن قصة " دماء وطين " ليحيى حقى .
3ـ إسترداد فهمى لحقيبة المتفجرات والتى أخفتها مريم ، حيث يسمعان نداء باعة الجرائد لخبر الإفراج عن الزعيم " سعد زغلول " ، فى فيلم "بين القصرين" إخراج
: حسن الإمام ، 1964) المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ بنفس الإسم .
4ـ يضيف فيلم " قصر الشوق" (إخراج :حسن الإمام ، 1967) قيام " زنوبة " (نادية لطفى) بالغناء داخل المنزل عقب زواجها من "ياسين" (عبد المنعم إبراهيم) ، حيث تتسم الأغنية بالطول المفرط .
5ـ لقاء صلاح وخطيبته مع سميحة وزوجها داخل الكازينو ، ومحاولة صلاح لفت أنظار سميحة أنه لا زال محتفظاً بالدبلة الفضية ، فى فيلم " الوسادة الخالية" (إخراج : صلاح أبو سيف ، 1957) .
6ـ إنقاذ "فاتن" (وردة) لمحمود (رشدى أباظة) من رجال البوليس السياسى ، فى فيلم " أه يا ليل يا زمن " (إخراج : على رضا ، 1977) ، للتأكيد على وجود دافع شخصى لدى محمود يتجاوز كونه يساعدها لغيرته الوطنية على سمعة بلاده .
7ـ معرفة " ليلى " بزواج صديقتها أثناء تواجدها فى إحدى الدول العربية (تونس) ، فى فيلم " الحب الضائع" (إخراج : بركات ، 1970) .
ويؤكد " محمود قاسم " أن السيناريست " مصطفى محرم " قد قام بابتكار بعض المواقف الدرامية عند تقديمه لفيلم " أهل القمة" (إخراج : على بدرخان ، 1981) مثل إستعانة رجل الأعمال "زغلول" (عمر الحريرى) باللص "زعتر" (نور الشريف) حتى يستعيد " شيك مصرفى " قام بتحريره لأحد رجال الأعمال (30) .
ويشير " سمير فريد " إلى قيام السيناريست " ممدوح الليثى " بإضافة بعض التفاصيل بالنسبة لوالد زينب ووالدتها ، وبالنسبة لشخصية حلمى حمادة ووالده ، وذلك عند تعرضه للعلاقة بين فيلم " الكرنك " ورواية " نجيب محفوظ " (31) .
د ـ الحذف
تستعرض " عزة حليم " عدد من المحذوفات التى يتعمد صناع الأفلام الاستغناء عنها ، عند إعدادهم للنصوص الأدبية مثل (32) :
1ـ المحاورات التى دارت بين إسماعيل والفتاة الألمانية ، وتأثير ذلك عليه ، حيث كان هذا الحوار أحد أسباب كفر إسماعيل بالقيم والمعتقدات المصرية المتخلفة (قنديل أم هاشم) .
2ـ الجزء الخاص بالحياة الخاصة لعباس ، وسبب عمله فى مصلحة البريد (البوسطجى) .
3ـ قيام "أم مريم" بالتوسط لدى " السيد أحمد عبد الجواد " حتى يعيد " أمينة " إلى منزلها ، وهو الحدث الذى يقع فى الفصل (35) من رواية (بين القصرين) .
4ـ مطاردة " السيد أحمد عبد الجواد" لزنوبة فى جميع الأماكن التى تذهب إليها ، والتى تقع فى الفصل (8) من رواية (قصر الشوق) .
5ـ شخصيتى شقيقة "صلاح" وشقيق "سميحة" حيث أشارت إليهما قصة (الوسادة الخالية) .
6ـ مشاعر " محمود" تجاه " فاتن " ، وكيف كان يراها قبل قيام " ثورة 23 يوليو 1952" ، والتى تقع فى بداية قصة (محاولة إنقاذ جرحى الثورة) .
7ـ الفصل الأول من رواية (الحب الضائع) للأديب (طه حسين) والذى يرصد كيفية وصول البطلة إلى فكرة كتابة مذكراتها .
ويلقى" محمود قاسم " الضوء على أحد المحذوفات التى طرأت على رواية "ثرثرة فوق النيل " عند تحويها إلى فيلم سينمائى (إخراج : حسين كمال ، 1971) وهو الجزء الخاص بمشاجرة " أنيس " مع مدير المصلحة الحكومية (33) .
ويذكر " هاشم النحاس " أن سيناريو فيلم " بداية ونهاية " قد قام بحذف الفصول الثلاثة المتوالية (53 ، 54 ، 55 ) وهى الخاصة بذهاب الأم إلى حسين فى طنطا على أثر خطابه الأخير الذى يعتذر فيه عن إرسال المبلغ لإصابته بمرض (34) .
ويشير" سمير فريد " إلى قيام كاتب السيناريو " ممدوح الليثى " ببعض المحذوفات عند تقديمه فيلم " الكرنك " ( إخراج : على بدرخان ، 1975 ) وذلك بقوله " إنه يحذف قصة الجرسون مع قرنفلة أيام كانت راقصة قبل أن تشترى قهوة الكرنك ، ويحذف شقيق زينب السباك ، وأختيها المتزوجتين ، ويحذف استسلامها لبائع الفراخ الذى تقدم للزواج منها ، وتحول الجرسون وبائع الأحذية إلى قوادين " (35).
هـ ـ تقديم أو تأخير الحدث
يشير " وليد سيف " إلى أن سيناريو فيلم " قلب الليل"( إخراج : عاطف الطيب ، 1989 ) " يجعل الاقتراح بأن يتعلم " محمد شكرون " الموسيقى فى نفس الليلة التى يغنى فيها أمام الراوى لأول مرة ، بينما يأتى هذا الاقتراح متأخراً فى الرواية ، وقد ساعد هذا الاختصار فى سرعة الإيقاع للفيلم " (36) .
ويضرب " هاشم النحاس " مثالاً على تقديم أو تأخير الأحداث عند تحويل رواية " بداية ونهاية " إلى فيلم سينمائى ، مثل تقديم زيارة " حسنين " لأحمد بك يسرى (فى الفصل 59) يطلب منه التوسط لإلحاقه بالكلية الحربية ، على زيارته لأخيه " حسن" (فى الفصل 58) يطلب منه توفير المبلغ اللازم لمصاريف الكلية (37) .
2ـ الشخصيات
يرصد " شريف صالح " فى كتابه " نجيب محفوظ وتحولات الحكاية " الفارق بين المساحة المخصصة لشخصية " عليش " فى رواية " اللص والكلاب " مقارنة بالفيلم المأخوذ عنها (إخراج : كمال الشيخ ، 1962) مؤكداً " أن " عليش " ظهر فى ثلاثة مشاهد داخل الرواية ، واحد ضمن زمن الخطاب عند مواجهة " سعيد " له فى الفصل الأول ، وإثنان مستعادان : فى ليلة الزفاف ، ثم أثناء تصوير "سعيد" لمدى ولاء " عليش " له فى الفصل العاشر ، بينما ظهر " عليش " داخل الفيلم فى عشرة مشاهد كلها ضمن زمن الخطاب ، وافتقد بدانته التى تميز بها روائياً ليصبح طويلاً نحيفاً " زين العشماوى " (38) ، وتشدد " دينا فؤاد " على وجود بعض الاختلافات بين شخصيتى ( حمزة وفوزية ) فى فيلم " لاوقت للحب " والأصل الأدبى بقولها " إن خوف حمزة فى الرواية هو خوف ميتافيزيقى نابع من وجوده فى المكان ، أما فى الفيلم فنجد رد فعل حمزة هو إخراج مسدسة والاستعداد للهجوم ، أى أنه خوف من شىء مادى ، هو أن يقبض عليه البوليس ، ويرجع ذلك إلى صورة البطل التى رسمها الكاتب السينمائى منذ البداية ، كما أن الفيلم قد استطاع الكشف عن جوانب مختلفة من حياة فوزية ، على عكس الرواية التى قدمتها باعتبارها شخصية ذات بعد واحد " (39) .
وحول شخصية " إبتسام " فى فيلم " درب الرهبة " (إخراج : على عبد الخالق ،1990 ) المأخوذ عن قصة للكاتب (إسماعيل ولى الدين) ، يذكر "كمال رمزى" أن الشخصية تبدو فى القصة ثانوية إلى حد ما ، ولكنها تتحول إلى البطلة المحورية التى تدور حولها بقية الشخصيات ، وتبدأ بها الأحداث ، وينتهى بها الفيلم ، ومن أجلها يضيف "مصطفى محرم" (كاتب السيناريو) علاقات وملامح ووقائع ، لا وجود لها فى القصة ، وذلك ليحقق هدفاً مزدوجاً ، أولهما : إتاحة أكبر فرصة ممكنة لظهور النجمة (نبيلة عبيد) ، وثانيهما: محاولة إضفاء طابعاً سياسياً نقدياً على فيلمه (40) .
أما " ناجى فوزى " فيؤكد أن المعالجة السينمائية لشخصية الطفل "كمال" فى فيلم "بين القصرين" تنتمى من خلال فكرة "الواقعية" ، إلى النص الأدبى المأخوذ عنه هذا الفيلم ، مشيراً إلى بعض المواقف الدرامية التى تؤكد هذا الرأى ، مثل محاولته العمل على إعادة والدته إلى المنزل ومشاركته لأشقاءه فى الضغط على الأم لمغادرة المنزل ، عقب سفر الأب إلى خارج القاهرة (41) .
وحول فيلم " ليل وقضبان " (إخراج : أشرف فهمى ، 1973) يرى " ناجى فوزى" أن فنان الفيلم (كاتباً سينمائياً ومخرجاً) قد تعمد تعديل وصف ثلاثة شخصيات من شخصياته الأربع الرئيسية ، سواء من حيث أوصافها الخارجية (الجسمانية) أو من حيث خصائصها الداخلية (ملامحها المعنوية وصفاتها النفسية معاً على وجه التحديد) ، فإذا كان الأديب " نجيب الكيلانى " يشير إلى مدير الليمان يتصف بالبدانة ، فإن الفيلم يقدمه متناسق القوام إلى حد المثالية ، وسيم الشكل وتقاطيع الوجه ، لا يعانى مظهره الخارجى من أى تشوهات (42) .
وإذا كانت " أميرة إسماعيل الجوهرى " تشير إلى عدم قدرة صناع فيلم "الشحات " على ترجمة مشاعر الحيرة الداخلية التى تنتاب شخصية " عمر الحمزاوى " فى تساؤله عن وجود الله حين يبلغ نقطة التحول الرئيسية التى تمثل بداية إنتقاله من مرحلة البحث عن استدامة " النشوة " فى الحب وفى الجنس إلى مرحلة الإحساس بالنشوة " التصوفية " ، مستعينة بأحد أجزاء رواية " الشحاذ " لنجيب محفوظ ، قبل أن تسرد التناول غير الأمين لهذه الجزئية فى المشهد الذى يحدث فيه " عمر " صديقه " مصطفى " بأن موضوع التصوف هو الموضوع الذى أصبح يشغله ولا يقرأ إلا فيه (43) ، فإن " كمال رمزى " يتعرض لتقديم شخصية "مصطفى المنياوى" (بدر الدين جمجوم) فى فيلم (الشحات) مؤكداً " أن السيناريو لم يستفد مطلقاً من الإمكانيات الكبيرة التى تحتويها هذه الشخصية ، إنه فى الرواية يبدو ساخراً حقاً ، لكن سخريته تتسم بمرارة دفينة ، سخرية من يحلم بأنه سيكتب شيئاً جاداً وعظيماً للناس ، حيث يخفى مرحه وهزله يأساً قاتلاً ، وفقداناً تاماً للثقة بنفسه وبأبناء جيله ، وهو بهذه الأبعاد يعد شخصية بالغة الأهمية ، خاصة وأن هزيمته فى النهاية تعد وجهاً أخر لهزيمة "عمر الحمزاوى" (بطل الفيلم) ، لكن السيناريو لم يقدم إلا الصورة المسطحة المملة والمتكررة لشخصية "مضحك البطل" المخلص التافه ، العاطفى ، الخفيف الظل ، الذى لا أبعاد له " (44) .
وعن العلاقة بين فيلم " زينب " ( إخراج : محمد كريم ، 1952 ) ورواية الأديب " محمد حسين هيكل " يذكر " محمود قاسم " أن حجم تواجد شخصية " حامد " داخل الرواية يكاد يغلب تواجد شخصية " زينب " ، بينما تقلص دوره فى الفيلم من أجل زيادة المساحة المخصصة لشخصية " إبراهيم " ، باعتباره العاشق الذى تتلهف " زينب" لرؤيته ، وسماع أخباره قبل الزواج من "حسن" وبعده (45) .
كما يشيد " محمود قاسم " باختيار المخرج " إبراهيم الصحن " لبطل فيلمه " دنيا الله " (الممثل صلاح منصور) ، إذ يتطابق تكوينه الجسمانى مع وصف الأديب " نجيب محفوظ " لشخصية الساعى الفقير (46) .
وإذا كان الأديب " إسماعيل ولى الدين " يشير إلى أن المجرم " خليل " قد تعرض للقتل أثناء محاولته الهرب من السجن ، ضمن أحداث قصة " أبناء وقتلة " (47) ، فإن الباحثة " سلوى بكير " توضح أن المخرج " عاطف الطيب " قد قام بحذف بعض العبارات الواردة داخل السيناريو الذى كتبه " مصطفى محرم " عند تصويره لمشهد النهاية فى فيلم " أبناء وقتلة " ( 1987 ) ، حيث تضمن الحوار المحذوف إشارة إلى مصيره ، فأدى ذلك إلى عدم معرفة المتلقى لما حل بهذا المجرم بعد القبض عليه بواسطة رجال الأمن (48) .
ويعقد "سمير سيف" مقارنة بين شخصية البطل فى كل من :ـ فيلم " المطارد " (إخراج : سمير سيف ، 1983) ، وقصة الأديب "نجيب محفوظ" ، إذ يلفت النظر إلى أن " شخصية " سماحة الناجى " فى العمل الأدبى لا تقدم النموذج الأمثل لبطل
فيلم حركة ناجح ـ إذ أنه " مفعول به " أكثر منه " فاعل " ، صحيح أنه يرغب فى استعادة أمجاد أجداده من الفتوات ، إلا أن هذه الرغبة لم تتعد مرحلة التمنيات الحبيسة فى الصدر ، إنه مراقب ، مختبىء ، هارب أكثر منه مخطط ومقاتل ، بينما قام الفيلم بالتأكيد على حلم سماحة بالفتونة والاستعداد ليوم المعركة الفاصلة مع الفللى سارق اللقب ، وتجاوز العقبات فى سبيل هذا الهدف (49) .
وتشير " نهاد إبراهيم " إلى إجراء كاتب السيناريو " يوسف جوهر " والمخرج " محمود ذو الفقار" بعض التعديلات فى شخصية " جيهان " عند تقديمهما لفيلم " الأيدى الناعمة " عام ( 1963) والمأخوذ عن مسرحية الأديب " توفيق الحكيم " فبينما بلغ عمر " جيهان " فى النص المسرحى تسعة عشر عاماً ، ولم تكن تعمل فى أى مهنة ، فإن الفيلم قد أظهر لنا تلك الشخصية (مريم فخر الدين) باعتبارها إمرأة ناضجة تماماً لاعلاقة بينها وبين جيهان النص المسرحى ، لا فى المرحلة العمرية ولا فى المرادفات والأحلام المنطلقة التى تتماشى مع طبيعة هذا السن ، فقد كان نضج "جيهان " الواضح فى الفيلم السينمائى هو الدافع الحقيقى الذى جعلها تستوعب هذه الدنيا الكبيرة مبكراً .. حيث ترسم لوحاتها التى تتكسب قوتها منها ، حتى تجد لها دوراً نافعاً فى الحياة ، وحتى لا تعيش عالة على زوج شقيقتها مهما كان كريماً ومتسامحاً كما صرحت هى نفسها فى حوار الفيلم بشكل مباشر (50).
ويرى " هاشم النحاس " أن ما يؤخذ على شخصية " رباب " فى فيلم "السراب " ( إخراج : أنور الشناوى ، 1970 ) هو إنحرافها عن المطابقة مع شخصيتها الأصلية فى الرواية ، وتحديداً فى الجزء الخاص بزواجها من " كامل " ، فهى تبدو أكثر جرأة فى ليلة الزفاف ، وعندما يقول لها " كامل " فى صباح اليوم التالى مدارياً خجله من الفشل أنه كان بسبيل ايقاظها أمس ، فتلومه بلهجة جنسية واضحة على عدم إيقاظها ، وذلك على خلاف شخصية " رباب " فى الرواية التى تذوب حياء ورقة وتحرص بشدة بالغة على الحفاظ على مشاعر زوجها (51) .
ويلاحظ الباحث ندرة الإهتمام بالتفرقة بين الشخصيات الرئيسية والثانوية عن تناول العلاقة بين السينما والأدب ، فباستثناء مطبوعات قليلة مثل ( قراءات خاصة فى السينما المصرية ـ نجيب محفوظ وتحولات الحكاية ) لا يهتم الباحثون بالفروق الموجودة بين شخصيات العمل الأدبى ونظيره السينمائى .
3ـ السرد
يشير " حسن عطية " إلى فيلم " زقاق المعجزات " (إخراج : خورخى فونس ، المكسيك ، 1994) يقدم الأحداث عن طريق ثلاثة وجهات نظر ، وذلك على العكس من رواية " زقاق المدق " للأديب " نجيب محفوظ" ، حيث ينقسم الفيلم إلى أربعة فصول ، يحمل ثلاثة منها أسماء بعض أبطال العمل (روتيليو ـ آلما ـ سوسانيتا) ، أما الفصل الرابع والمعنون باسم (العودة) فيقدم حال الزقاق بعد عامين من حدوث الحكايات الثلاث المتزامنة الفعل ، ويغلق الحكايات الثلاث التى بدأت وتطورت دون نهاية فى الفصول الثلاثة الأولى ، وبشكل خاص حكاية " آبل " و" آلما " (52) . ويذكر " سيد سعيد " أن التركيب السردى فى فيلم "حكاية الأصل والصورة فى إخراج قصة نجيب محفوظ المسماة صورة " (إخراج : مدكور ثابت ، 1972) * قد اعتمد على الأصوات المتعددة للشخصيات ، حيث تتفاعل الشخصيات مع الأحداث وتتنوع رؤيتها للحقيقة الواحدة بظروف الشخصيات وتكوينها النفسى ، حيث يقوم الرواة داخل العمل بعملية السرد الروائى ، ويختلفون فى طبيعة تعليقاتهم تبعاً لطبيعة ارتباطهم بالحدث ، كما يحدد مناطق السرد الرئيسية فى الفيلم وهم ( منطقة الذات الساردة العليا ـ منطقة التورط ـ منطقة التعليقات " السرد الخارجى " ) (53) .
وإذا كان " وليد سيف " يشير إلى أن فيلم " قلب الليل" لم يلتزم بأسلوب الرواية فى السرد من وجهة نظر موظف وزارة الأوقاف الذى يسرد له البطل قصة حياته ، بل ألغى الشخصية تماماً ، وبالتالى فقد جعلنا نتابع الأحداث من وجهة نظر محايدة ، وفقاً للترتيب الزمنى لحياة جعفر الراوى منذ الطفولة وحتى الشيخوخة (54) ، فإن " محمد حسن عبد الله " يرى " أن هذا الإلغاء كان فى خدمة التكوين النفسى الذى ظهر عليه جعفر فى مشهد النهاية ، إذ ظهر على درجة من الهوس أو الجنون مع التصميم على معتقدة " (55) .
وتركز الباحثة " فدوى ياقوت " فى جانب من رسالتها العلمية ، على اختلاف شكل السرد بين فيلم " الرجل الذى فقد ظله " (إخراج : كمال الشيخ ، 1968) والرواية المأخوذ عنها العمل ، حيث أن الرواية إعتمدت فى سردها على شكل الراوى المتعدد التكرارى ، الذى يتميز بمنحه مساحة سردية مستقلة لكل راو ، يسرد فيها نفس الوقائع من وجهة نظره الخاصة ، فى حين أن الفيلم يقوم على شكل السرد المتعدد التسلسلى ، هذا بالإضافة إلى قيامه بتهميش الدور السردى الخاص بأحد الرواة الرئيسيين فى الرواية ألا وهو " محمد ناجى " فى مقابل زيادة وجهة النظر السردية الخاصة بشخصية " شوقى " ، هذا بخلاف أنه جعل من " يوسف " راوياً مزدوج الوظيفة ، فبالإضافة إلى وظيفته الأساسية كراوى درامى داخلى ، يقوم "يوسف " أيضاً بوظيفة الراوى الإطارى الذى يفتتح ويختتم به الفيلم (56) .
ويشير " محمود قاسم " إلى تقديم فيلم " السكرية " (إخراج : حسن الإمام ، 1973) لشخصيات العمل ، قد تم عن طريق المعلق ، والذى يعرف المشاهد أهم المعلومات عن كل شخصية ، فى مساحة زمنية غير قصيرة (57) .
4ـ المرئيات السينمائية
بداية ، يقرر " عبد التواب حماد " أن أهم المقومات السينمائية لأدب " نجيب محفوظ " يتمثل فى ( دقة وصف المرئيات ـ التعبير البصرى عن المجردات ـ الإيحاء بالعناصر السمع ـ بصرية ) (58) . ويؤكد " ناجى فوزى " أن العلاقة بين المفردات المرئية للنص الأدبى " بداية ونهاية " ونظيرها من مفردات مرئية فى الفيلم السينمائى (إخراج : صلاح أبو سيف ، 1960) ، تصل إلى ذروتها فى ذلك المشهد الذى يدور فى مكتب الضابط رئيس نقطة شرطة " السكاكينى" ، بين كل من " حسنين " ورئيس النقطة وهو يخبره أن شقيقته قد تم ضبطها فى أحد البيوت المشبوهة بتهمة الدعارة ، فمن الواضح أن ثراء المفردات المرئية فى النص الأدبى كان مفتاحاً لهذا الثراء المرئى الذى يعبر عنه فنان الفيلم عن نفس الموقف الدرامى على الشاشة السينمائية ، ويورد " ناجى فوزى" نص المشهد الموجود بالرواية ، ثم يشير إلى أن الفيلم يقدم هذا الموقف من خلال عدد من اللقطات ذات المنظر الكبير جداً (B.c.u) التى تعبر عن رد فعل حسنين (59) .
ويصف تعبير الفيلم عن وصف الأديب " نجيب محفوظ " لحالة الانبهار التى تنتاب "حسنين" بمجرد مشاهدته تلك الثريا الضخمة الثمينة التى تزين بهو سراى " أحمد بك يسرى " بالبلاغة المرئية ، إذ يفتتح مشهد وصول " حسنين" إلى السراى بلقطة ذات منظر كبير جدًا لهذه الثريا وهى تملأ إطار الصورة تماماً ، مع حركة دوران من آلة التصوير حول المحور البصرى لعدستها ، مما ينشىء إنطباعاً بذلك الدوار الذى ينتاب "حسنين" ، من جراء تأمله لهذه الثريا الضخمة (60) .
أما بالنسبة للديكور ، فإذا كان " أحمد طارق طلبة " يلقى الضوء على العلاقة بين وصف الأديب " نجيب محفوظ " وتصميم المناظر فى بعض الأعمال المأخوذة عن رواياته (61) ، فإن " كمال رمزى " يشير إلى استيعاب المخرج " أشرف سمير " لروح الأديب " يوسف إدريس " عند تحويله لقصة ( بيت من لحم ) إلى فيلم سينمائى ، قائلاً " فمثلاً يصف " يوسف إدريس الحجرة التى تسكنها المرأة والبنات الثلاث بقوله (على الرغم من ضيقها .. على الرغم من فقرها الشديد ، مرتبة أنيقة ، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات النساء الأربع) وبطريقة خلاقة ، تجد هذه الملاحظة معادلها السينمائى ، فى الأطباق والأكواب المغسولة ، الموضوعة على مائدة نظيفة .. وصورة " رب الأسرة " الراحل ، يعلوها شريط القماش الأسود ، عند إحدى الزوايا ، وتتعلق مسبحة الغائب على المسمار الذى يسند الصورة من أسفل .. فضلا عن بعض مشغولات النسيج ، معلقة على جدران الحجرة " (62) .
ويشيد " سمير فريد " بتصميم مصمم المناظر " مجدى ناشد " لديكور الشقة التى أسسها " عمر الحمزاوى " لوردة فى فيلم " الشحات " والذى يتفق مع وصف "نجيب محفوظ " لحالة البطل عند تأسيسة هذا المسكن " أنفق بلا حساب وكأنه يتخلص من ورم مالى أليم " (63) .
المبحث الثالث : النتائج
تتعدد النتائج التى تتوصل إليها البحوث المنشورة وغير المنشورة ، الخاصة بـ " العلاقة بين الأدب والسينما " ، فعلى سبيل المثال ، تقرر"مها أنور المشرى" أن " لكل من الأديب والسينمائى أدواته التى يعبر بها عن واقعه ويعيد تشكيل هذا الواقع ويختار منه ما يتلائم مع رغبته فى الكشف عن هذه الرؤية " (64) .
وتؤكد " عزة حليم " أن الأديب يوافق على بيع انتاجه لتحويله إلى فيلم سينمائى لغرض من إثنين :
1ـ الوصول إلى جماهير السينما الغفيرة ـ بعد أن كان عمله محصوراً فى نطاق النخبة التى تقرأ ـ وأملاً فى اجتذاب بعضهم إلى قائمة الذين يقرأون الأدب ، ويثبت ذلك ازدياد الاقبال على قراءة أعمال أخرى لنفس الأديب .
2ـ سعياً وراء الربح المادى ، مع ملاحظة أن مبيعات الرواية الأدبية لا تزيد عن بضع آلاف قليلة ـ بغض النظر عن المستوى الفنى الذى سيظهر به العمل فى شكله النهائى ، وحجتهم فى ذلك أن مسئوليتهم تقف عند حدود الكتاب المطبوع ، أما الفيلم فهو مسئولية المخرج السينمائى (65) .
ويوضح " وليد سيف " أن إنتاج أفلام مثل : " قلب الليل" و"وصمة عار" بما يغلب عليها من طابع ذهنى أصبح ممكناً فى التسعينيات ، وذلك نتيجة لظهور جيل جديد من صناع السينما يهدفون إلى تقديم سينما عالية الفكر ، وكذلك توافر الجمهور المثقف الذى تدرب على تلقى هذه النوعية من الأفلام ، مشيراً إلى أن هناك عاملا له تأثيره فى غياب الروايات الذهنية لنجيب محفوظ عن السينما لفترة طويلة ، وكذلك فى الفكر والمعنى الأساسى الواضح فى بعض الروايات وهو التغيير السريع للشروط الاجتماعية والتاريخية التى يعيشها المجتمع المصرى (66) .
وتشير " دينا فؤاد " إلى أن إغفال أى من عناصر العمل الأدبى يؤدى إلى الخلل فى عملية الإعداد السينمائى ، وذلك حين يحدث عدم فهم واستيعاب لرسالة النص الأدبى ومضمونه ، أو التناول السطحى للنص الأدبى وإهمال مفاتيح أساسية فيه عند عملية الإعداد السينمائى (67).
ويذكر "عبد التواب حماد" أن السينما أستفادت بأغلب مناطق القوة والجاذبية السينمائية فى روايات " نجيب محفوظ" ، وعرضتها بشكل يتراوح ما بين المطابقة
شبه التامة أو التحوير البسيط ، فاعتمد الفيلم فى نجاحه على قدرة مخرجه فى التعامل مع النص الأدبى ، ومدى اقترابه منه ، واقتفاء أثره ، والأمانة فى استثمار خصائصه السينمائية التى احتوى عليها الأصل الروائى المطبوع (68) .
ومن أهم النتائج التى توصلت إليها الباحثة " درية عبد الحق شرف الدين " (69) :
1ـ إن الإسلوب السردى لفيلم " الحرام " (إخراج : بركات ، 1965) قد بدا فى مستواه أقرب إلى المشاهد المثقف منه إلى المشاهد العادى ، وكانت رواية " الحرام " تتطلب جهداً أكبر فى تطويع السرد الأدبى إلى سرد سينمائى يتسم بالبساطة المؤثرة حتى يتفق ذلك مع طبيعة تكوين وميول غالبية المشاهدين المصريين ، ويختلف الباحث مع هذا الرأى ، حيث أن هذا الاسلوب السردى قد استخدمته العديد من الأفلام المصرية مثل " من أجل إمرأة " (إخراج : كمال الشيخ ، 1959) ، كما أن المخرج لم يقدم الفيلم بإسلوب " وجهات النظر المتعددة " حتى يتهم بالتعالى على المشاهد ، فالحكم على العمل قد تم على أساس علاقته بالجمهور وهو أمر مرفوض ، ذلك أن بعض الأفلام قد حققت فشلاً تجارياً عند عرضها لأول مرة مثل فيلم " باب الحديد " ( إخراج : يوسف شاهين ، 1958) ، والذى تجاوب الجمهور مع مضمونه الفكرى بعد عدة سنوات .
2ـ اتفق كل من فيلمى " الشوارع الخلفية " و" الباطنية " فى عدم الالتزام بالأصل الأدبى وهبوط المستوى الفنى ، وقد بدا إعراض الجماهير عن الفيلم الأول لأسباب تتمثل فى عدم سلاسته ، وغموض دوافع وتصرفات شخصياته ، واهتزاز خطه السردى ، ولم تستطع الإيحاءات الجنسية التى وردت كثيراً بالفيلم تحقيق عامل الجذب الجماهيرى ، وقد قام " ناجى فوزى " بتفنيد هذا الرأى ضمن كتابه " كمال عطية / التعدد الإبداعى وعشق السينما " ، حيث أشار إلى "أهميته التقنية" وما يتميز به الفيلم من إستخدام إستثنائى للمنظر الكبير ( close up ) ، متسائلاً " لماذا لا يتم إعادة الكشف عنه تمهيداً لإعادة اكتشافه ؟ " (70) .
خـــاتــمة
من خلال البحث يبرز عدد من النقاط المتعلقة بموضوع الدراسة وهى :
1ـ يتصدر الأديب نجيب محفوظ قائمة الأدباء الذين تهتم بأعمالهم البحوث العلمية المنشورة وغير المنشورة ، وهو ما يتضح من خلال العناوين الآتية ( تصوير شخصيات نجيب محفوظ فى السينما ـ السينما فى أدب نجيب محفوظ ـ نجيب محفوظ وتحولات الحكاية ـ نجيب محفوظ على الشاشة /45ـ1988 ) .
2ـ يتكرر نشر بعض البحوث أكثر من مرة ، مثل البحث الخاص بالناقد " محمود قاسم " والمعنون باسم " النهايات بين الأفلام وأعمال محفوظ الأدبية " ، حيث تم نشره فى كتاب ( نجيب محفوظ فى السينما والتلفزيون ) بالإضافة إلى العدد الرابع من دورية نجيب محفوظ والذى يحمل إسم ( نجيب محفوظ والسينما ) .
3ـ تغفل البحوث المنشورة الإشارة إلى أساليب الإعداد السينمائى لروايات بعض الأدباء مثل (السقامات / يوسف السباعى) ، ( فى بيتنا رجل / إحسان عبد القدوس) ،(دعاء الكروان / طه حسين ) ، (يوميات نائب فى الأرياف/ توفيق الحكيم) ، ( الرجل الذى فقد ظله / فتحى غانم) ، ذلك أن المكتبة السينمائية فى حاجة إلى بحوث مطوله ، تتناول علاقة الأدب بالسينما .
4ـ تتجاهل بعض المطبوعات السينمائية بعض الأفلام الخاصة بالأديب ( موضع الدراسة ) ، مثل استبعاد كتاب ( نجيب محفوظ بين الفيلم والرواية ) لفيلم " عصر الحب " ( إخراج : حسن الإمام ، 1986) ، ولا تقدم مبرراً لهذا التجاهل مما يرجح غفلة الكاتب عنها ؛ بما يشير إلى عدم الدقة المناسبة لتناول الموضوع .