حوار مع د.عبد الكريم برشيد أجراه ذ. مولود القنبي
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

ãáÝÇÊ
  توقيع على الدفتر الذهبي ببغداد- 1985    
حوار مع د.عبد الكريم برشيد
في ظل متغيرات يعرفها العالم وتعرفها الفنون والآداب كان لزاما علينا أن نواكبها، استضفنا الدكتور والمبدع والمنظر والمسرحي عبد الكريم برشيد ليشاطرنا ببوحه الحميمي هذه الأسئلة ويقول فيها قوله وفق منظور جديد، ووفق مرحلة عمرية اكتسب معها وعيا آخر بأمور الحياة والفن والمسرح و....
• علاقته بالتراث:
• التراث هو امتدادنا، هو عمقنا الفكري والوجداني والروحي، وبالتالي لا وجود للإنسان إلاّ بهذا العمق التراثي الذي يتضمن الذاكرة الجماعية التي نجد فيها اللغة ونجد فيها الفكر الشعبي والأمثال ونجد فيها الحكم ونجد فيها المعتقدات المصورة والتي هي الأساطير. فليس هناك مبدع ينطلق من فراغ، فإمّا أن يمنح من الواقع، من شيء يعيشه، أو أن يمنح من الذاكرة الجماعية، ومن التاريخ ومن الأسطورة، وفي الحالين معا فنحن نتعامل مع أشياء نقرأها، ولا يمكن أن نقرأ هذا التراث بنفس العين وأن نتعامل معه على نفس المستوى، فيمكن أن تقرأ الأسطورة قراءة أسطورية تماما كما يمكن أن تقرأ الأسطورة قراءة علمية، وبالنسبة إلي فأنا أتعامل مع التراث، أعيشه وأحياه تماما كما أحيا هذا الواقع، وفي الواقع لا أميّز بين ساعة الحلم وساعة اليقظة ولا أميز بين الأسطورة والواقع، ولذلك فهناك تداخل، وهناك نقطة معينة تلتقي فيها كل المتناقضات، يلتقي فيها المحسوس بالمتخيل، يلتقي التاريخي بالأسطوري، يلتقي اليومي بالأبدي، وبهذا يمكن لامرئ القيس أن يكون في باريس، ويكون من حق ابن الرومي أن يوجد في الدار البيضاء، ويكون من حق المتنبي أن يتجول في شوارعنا، لأنه أساسا هذه الشخصيات لا توجد في الكتب فقط ولكنها توجد في مخيلتي، فهم أصدقائي، يعيشون معي، يقاسمونني نفس الهم، يقاسمونني نفس الرؤية، نفس الحالة، نفس الموقف، وبالتالي، فكما أختار أصدقائي في الواقع، أختار أصدقائي أيضا في الكتب وفي التاريخ وفي التراث، فليس صدفة أني اخترت المتنبي أستاذا ومعلما، وليس صدفة أني اخترت ابن الرومي لأعبّر من خلاله عن إحساسي بالجمال وخوفي من القدر، وخوفي من المجهول، وعشقي للحياة اليومية، ولذلك حتى عندما كتبت عن عنترة فإنني لم أكتب عن الشخصية الأسطورية بكل مغامراتها بكل شجاعتها، بكل جرأتها، بكل انتصاراتها،لأنني أتمثل عنترة في ظل الشروط الجديدة للإنسان العربي المهزوم والمدمر، والموجود في إطار مرايا تكسّر صورته ولا تعطيه بنفس الصورة القديمة، وبذلك فالأساس ليس هو التراث في ذاته، ولكن الأساس هو التراث كما نراه نحن الآن هنا،كما أقرأه أنا أو كما تقرأه أنت، كما يتمثل لنا، ولذلك ففرويد عندما قرأ أوديب استنبط عقدة أوديب، وسارتر عندما قرأ الأسطورة اليونانية ، كتب les mouches « الذباب « وجون جيريدو كذلك، وكما فعل توفيق الحكيم في «أهل الكهف» أو في «إيزيس» أو في غيرهما من المسرحيات الأخرى، فهناك دائما هذا الهم الآني ، فنحن لا نلتفت إلى الوراء، ولكننا نسير دائما إلى الأمام، فهناك مرآة هي rétroviseur كما في السيارات، والذين لا يرون أمامهم، ويرون ما يقع خلفهم، وما يقع جانبهم، لابد أن تعترضهم حوادث، وبهذا أقول مع ابن عربي «الإمام لا يلتفت الإمام يستشعر الذين خلفه، له حس، له خيال، يحس الذين وراءه»، وأنا بهذا الوعي أكتب، وجهتي الأمام، ولكنني في نفس الوقت أتمثل ما كان وما يكون وما سوف يكون.
• حول الوظيفة الرمزية للشاعر في نصوص عبد الكريم برشيد المسرحية.
• باستثناء المتنبي الذي احتفظت له بمهنة وبوظيفة الشاعر، فالشخصيات الأخرى غير موجودة كشخصيات لشعراء، فعنترة موجود كشخصية مريضة بئيسة مدمرة في زمن مدمر، وابن الرومي موجود كإنسان عاشق للجمال ، في زمن الغنى، ولكنه يعيش البؤس بشكل فظيع، ولذلك فالشعر في هذه المسرحيات لا يقف عند حدود شعرية اللفظ وشعرية الكلمة، ولكن الأساس هو شعرية الصورة ، فابن الرومي يعيش أحلاما، تأتيه المرأة في أزياء متعددة وتسأله كيف تريد أن تراني؟ وفي أي لون تريد أن تراني؟ فيقول أريدك عارية بدون لون، بدون زيّ ، بالنسبة للمتنبي موجود في المسرحية من خلال لياليه الثلاث التي أصيب فيها بالحمى، وبالتالي فإن كل المسرحية هي عبارة عن هلوسات وهذيان وعربدة نفسية وروحية ووجدانية وفكرية، والشعر أساسا في المسرحية تمثله الحمى التي تقول له: كل شعرك مني، أنا الوحي، أنا التي أحرّك فيك الشعر ، لذلك فالأساس في هذه المسرحية ليس هو أن أتحدث عن المتنبي الشاعر، ولكن أن أتحدث عن الجانب الخفي للشاعر، معاناة الشاعر مع الناس، مع المتشاعرين، مع الأعداء، مع الحاسدين، مع الحاقدين، وكل ذلك هو الذي يتراءى له في ساعة الحمى، وبالتالي يعبّر عنه بصور شعرية سريالية بالدرجة الأولى عندما لا يعبّر ولا يرى الواقع بحجمه ولا بألوانه، ولا بشخصياته ولا بزمنيته الواقعية والمادية والحسية، وهذا ما يصنع في المسرحية الاحتفالية زمنا طقوسيا، وزمنا حلميا متحررا من الزمن المادي.
لذلك أؤكد على شاعرية الحالة، شاعرية الصورة، ليس على الشاعرية اللفظية فقط.

*- سؤال خاص باللغة المسرحية عند عبد الكريم برشيد.
في الواقع اللغة واحدة و لكن المتكلم هو الذي يختلف بحسب الزمان، يختلف بحسب المكان، يختلف أيضا بحسب العلاقة، أنا لغتي مع الوالدة، ليست هي نفس اللغة مع صديق ولا مع الزوجة، ولا مع الابن، وبالتالي فعندما يتغيّر الآخر، سواء كان قارئا، أو مشاهدا، أو مستمعا، تتغيّر اللغة بطبيعة الحال، لذلك فلغة السجن ليست لغة البار، ولغة السوق، ليست لغة المنتديات الثقافية وبالتالي فاللغة تتشكل بحسب الزمان والمكان والآخر والحالة والمقام والموقف، ولذلك فالمسرحية أساسا نماذج بشرية متعددة، وهي أصوات، أما في التنظير فهناك صوت واحد، هو الأنا الكاتب، في الإبداع هناك الآخر، هناك الآخرون وأنت مطالب بأن تتحدث بلغة السلاطين والشحاذين والدجالين والحمّالين، وبكل اللغات الكائنة والممكنة ، وأن تكون عاقلا مرة وأن تكون مجنونا مرة أخرى، وأن تكون رصينا ، وأن تدخل مجال الهذيان، ومجال العربدة اللغوية، وبالتالي فمجالات اللغة الإبداعية هي مجالات مفتوحة جدا، في حين أن اللغة التنظيرية ولغة النقد أقرب إلى اللغة التقريرية منها إلى اللغة الإبداعية ، ومع ذلك أحاول أن لا أجعل لغة الإبداع، لغة جافة ويهمني أن تكون مثل لغة نيتشه في «هكذا تكلم زرادشت»، أن تكون مثل « مزامير داوود»، أن تكون مثل « نشيد الإنشاد المسيحي»، أن تكون لغة الصوفية، محمّلة بالإيحاءات المتعددة، أن أقول كلمة يمكن أن يقرأها كل واحد، وأن يجد فيها كل أحد نفسه وحاله ومقامه، وأن يضيف لها شيئا من عنده، وأنا شخصيا ضد الكلمة المحنّطة، المقبولة، المقعّرة، الكلمة المعجمية التي ليس لها غير معنى واحد محدد لا تفارقه، فالكلمة، يحددها سياقها، تحددها الحالة، يحددها طبيعة العلاقة، قد تكون الكلفة مرفوعة بيني وبينك، فنتراشق بكلمات قد يظهر أنها شتائم أو غير ذلك، ولكنها تدخل في إطار رفع التكليف، ولذلك فليس هناك كلام مقعر له معنى نهائي، وهذا ما أحاول أن أفعله دائما، أن أجعل لغة التنظير تستفيد أيضا من لغة الإبداع، وأن تكون فيها مرونة هذه اللغة وإيحاءاتها ودلالاتها ومعانيها المتناسلة، وأن يكون فيها جرسها ونغمتها، وربما ذوقها ولمَ لا فالكلام أيضا يتذوق وهذا ما يفسر مقولة رولان بارث «لذة النص» فأنا أحرص على أن يكون لهذه اللغة طول وعرض وعمق، وان يكون لها طعم ورائحة ومذاق، وان لا تخاطب الأذن فقط، وأن لا يكون لها معنى في المعجم فقط ولكن أن تفجّر في النفس مثل الطاقة النووية، عندما نفجّر الذرة تعطينا طاقة بلا حدود.
• التنظير والمسرح المثقف وموقع البيانات في مسير التنظير للاحتفالية.
قد يخطئ كثير من النقاد أو من الدارسين، أو من الذين يحسبون نفسهم على النقد وعلى البحث العلمي عندما يتخيّلون أن الاحتفالية هي البيانات ، فالبيانات هي إشارات على الاحتفالية، فالبيانات تبيّن ماذا؟ تبيّن أشياء خارج إطار هذه البيانات،هل لأن الاحتفالية جديدة وغامضة، ولأن الاحتفالية لديها ما تقول، ولأن الاحتفالية لا تشبه الفكر السائد، ولا تمشي في الطرق المعبّدة؟ وكانت في حاجة إلى تبيين، لو أننا مارسنا المسرح كما يمارسه الجميع لما احتجنا لبيان، لكانت المسرحيات تعبّر عن نفسها بنفسها وكفى الله المؤمنين القتال، ولكن هذه المسرحيات لها حمولة معرفية جديدة، لها فلسفتها الجديدة، لها توجه جديد، لها خلفيات غامضة، لها مسكوت عنه، ولذلك استوجب الأمر أن تكون هناك بيانات ، تبيّن فحوى هذه الاحتفالية، ثم أن هذه الاحتفالية ليست نهائية، وهذا ما يفسّر أن تكون البيانات متتابعة ومتناسلة، فنحن نمارس التنظير، ونمارس الكتابة الإبداعية، ونجتهد على مستوى الإخراج، والاحتفالية لها جبهات نضالية متعددة ومتنوعة، ولا يمكن أن نختزل هذه الاحتفالية في البيانات والتنظيرات، أو في الإبداعات، لأن الأساس أن الاحتفالية فكرة، هذه الفكرة تدحرجت كما تتدحرج كرة الثلج، فأصبحت مرعبة، الاحتفالية مواقف أيضا، مواقف نضالية، ومواقف اجتماعية، الاحتفالية مساهمة أيضا في الحياة الاجتماعية، بمعنى أنها سلوك أخلاقي، وأنها نظام في العيش، نظام يعتمد على أن نعيش بصدق وشفافية، وأن لا نخون ذاتنا، وأن نكون مشابهين للحظتنا التاريخية، وأن نكون صادقين، وبالتالي فإن الاحتفالية هي هذا الكلّ المتكامل هي فلسفة وجود وإبداع أدبي،وهي إبداع فني، وهي منهجية في القراءة النقدية، في التلقي المسرحي، أو في التلاقي المسرحي، وهذا الكل المتكامل نجد البيانات تعبّر عن جزء بسيط منه، ولكن مع ذلك تبقى الاحتفالية في كائنها أو في ممكنها أو مستحيلها، أكبر من البيانات، لأنها مفتوحة على العجائبي والغرائبي، وعلى الصدفة الموضوعية، وعلى الصدفة الذاتية، ومفتوحة على اللاّ متوقع، واللاّ منتظر، ففي الوقت الذي يعتقد الكل أن الاحتفالية انتهت إلى الصمت، وأنها ماتت، تنتفض من رمادها مثل طائر الفينيق، لتظهر في جسد جديد، وبروح جديدة ،ودماء جديدة، وأن تظهر لها بيانات جديدة، وبأسماء أخرى جديدة، فالآن هناك احتفاليات عوض احتفالية واحدة، فعبد المجيد فنيش له احتفالية ملحونية، ويوسف الريحاني له احتفالية تجريبية، ومولود القنبي له مساهمته في قراءة الاحتفالية، وبالتالي فكل واحد من الممكن أن يضيف وعيه الفكري والروحي إلى هذه الاحتفالية، ليست ملك أحد من الناس ولكن ملك للإنسانية بكل تأكيد.
• مراهنة الاحتفالية على أبعاد وجودية وصوفية.... الخصومات ، استقطاب ذوات احتفالية جديدة.
• شيء طبيعي، فالاحتفالية دائما متجددة، متجددة بأسمائها، متجددة بطروحاتها، فمؤخرا حضرت فرقة من القاهرة بمسرحية « اسمع يا عبد السميع « في الموسم الماضي كانت هناك مسرحيات احتفالية في القاهرة وفي غزل المحلة، وفي السويس وفي الجزائر وفي كثير من العواصم العربية، وهناك جيل من الشباب المغربي، في الأيام الأخيرة تأسست جمعية بمدينة مكناس تحمل اسم « أصدقاء عبد الكريم برشيد للفنون الدرامية «و تأسست فرق جديدة، كنّا في القاهرة وقدمنا «الناس والحجارة» لمخرج احتفالي شاب هو يوسف الريحاني، وهناك محمد الوادي ككاتب وكناقد وكمنظر يدعو إلى الاحتفالية الجديدة، وهذه الاحتفالية الجديدة كان لها وجود أيضا في المهرجان الوطني لمسرح الشباب الذي انعقد مؤخرا في الرباط من خلال مسرحية «مدينة العميان» تأليف محمد الوادي، أعتز أيضا بالشباب الذي يشتغل على الاحتفالية مثل الأخ مولود القنبي الذي يشتغل على رمز الشاعر وعلى الاحتفالية في نصوصي المسرحية، ولابد أن يعمّق هذا الجانب الذي أغفله كثير من الباحثين وكثير من النقاد، وبالتالي ستكون الاحتفالية أكبر مني بطبيعة الحال، أقول أني في أواسط السبعينات عندما أطلقت ذلك البيان، لم يخطر ببالي أنها ستصل لهذه اللحظة، وأن تكون بهذا الحجم، وبهذه القوة، وأن يكون لها كل هذا الإشعاع، وكل هذه البيانات وكل هذه الكتابات وكل هؤلاء الذين أضافوا لها من أرواحهم ومن فكرهم ومن اجتهاداتهم، وبالتالي فأخطر ما في الاحتفالية هو أنها مفتوحة، وأنها ليست تجربة فلان أو علان، ولكنها تيّار عام، وهي مناخ نعيشه، ولكن كل واحد يعيشه بأسلوبه الخاص، الطريق واحد، ولكن كل واحد يمشي على آلة معينة، فهناك من يمشي راكبا طيارة، وهناك من يركب دراجة، وهناك من يمشي على قدميه، وهناك من يمشي راقصا، وهناك من يمشي زاحفا على بطنه، ولكن الطريق واحد، ونحن كلنا نعيش في مناخ احتفالي واحد، ونعيش زمنا احتفاليا واحدا، وهذا الزمن الاحتفالي هو الذي سيصدر مستقبلا من خلال بيان يحمل «زمن الاحتفالية»
• أخذوا عن الاحتفالية وتمردوا عليها، الهدوء والغضب من خلال كتاب «الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة»
• في الواقع لم يكن غضبا، ولو كنت غاضبا ما استطعت أن أجيب بتلك الدقة، وأن أسجّل كل الآراء، وأن أقف عليها، وأن أناقشها بمنطق سجالي، وفي بعض الأحيان بنوع من السخرية أوالهزل، فكانت تلك مرحلة عرفت بمواقفها الإيديولوجية القائمة على تصورات وعلى حسابات. لكن الاحتفالية كانت ولا تزال مقتنعة بآرائها، مقتنعة بثوابتها الفكرية، وانطلاقا من هذه الثوابت ناقشت وتناقش وسوف تناقش مستقبلا، فالذين كانوا ماركسيين وكانوا يساريين، الآن تمخزنوا، وهم الذين يزحفون الآن على بطونهم، وباعوا تاريخهم ونجد بعضهم في لجان وتحولوا إلى بوليس ثقافي يمارس الرقابة على الإبداعات الاحتفالية، وعلى حضورها، وفي حين أن الاحتفالية كما كانت بنفس مواقفها وآرائها وبنفس قناعاتها لا تزال كما كانت محافظة على نفس الروح، على نفس العقيدة، ولا تزال ماضية في نفس الطريق، فأقول دائما هناك من هاجم الاحتفالية تمشيا، أو إرضاء لأحزاب معينة كانت في اليسار مثلا، وهناك من هاجمها إرضاء لتلك الصيحة الغوغائية التي أطلقها البعض، وكانت عبارة عن فرقعات لفظية وعن حرّاقيات صبيانية لم تؤدي إلى أية نتيجة.

• ما هي الرسالة التي تود أن توجهها لهم؟
• أولا أنا لا أوجه رسالة للذين لا يحسنون قراءة الرسائل، فأنا شخصيا قد أختلف مع المختلفين، وأحترم المختلفين، ولكنني لا أحترم المتخلفين، فالذين يحملون وعيا متخلفا ويحملون آراء مريضة أو صبيانية، هؤلاء ليست لدي أية رسائل لهم، أما الذين يختلفون مع الاحتفالية، أقول لهم: قل هاتوا بمثله إن كنتم صادقين.
الاحتفالية ها هي ببياناتها بمسرحياتها التي تمثل في كل العالم العربي، بفكرها، بمواقفها التي لا تجامل، ولا تتنازل عن الحق وعن الحقيقة، فالاحتفالية هاهي، أين أنتم؟ ما هو عطاؤكم؟ إذا كان لديكم بديل نريد أن نراه، وإذا لم يكن فالأجمل أن تتعلموا في صمت.
*أسماء في ميزان المساءلة:
- امرؤ القيس: هو أمير صعلوك، وأنا في كل مسرحياتي شخصياتي من الهامشيين أو من الصعاليك، والمرة الوحيدة التي كتبت عن أمير، كتبت عن أمير صعلوك.
- ابن الرومي: هو الإنسان الاحتفالي العاشق للجمال الخائف من المستقبل، الخائف من الموت، المؤمن بالكلمة، الشاعر الذي له غنى روحي ونفسي ووجداني، ولكنه مع ذلك يعيش الفقر المادي في زمن الغنى المادي.
- المتنبي: هو المعلم الأكبر فأرى فيه شيئا من ذاتي، أرى فيه الاحتفالي المؤمن بسلطة الكلمة، المؤمن بسلطة الحكمة، ولذلك فمن خلاله ينطق الاحتفالي أيضا.
شكسبير: هو المعلم الأول في المسرح، وأراه احتفاليا لأنه يستحضر النحن الآن هنا، فرغم مرور أربعة قرون على وجوده، مازال مسرحه يمثل النحن والآن ويمثل الهنا، وهذا ما جعل ناقدا يكتب كتابا يسميه
Shakespeare notre contemporain
-موليير: الساخر، صاحب المواقف الهزلية الذي ضحك على البورجوازية الصاعدة، وضحك على رجال الدين لدرجة أنه عندما مات دفن سرّا وحاربته الكنيسة في زمن كانت فيه الكنيسة قوية، وأيضا نرى أن الاحتفالية الآن تحاربها كنيسة الأحزاب الجديدة أو القديمة، ولذلك ففي موليير شيء كذلك من الاحتفالية.
- طاغور: هو الشرق، روح الشرق، قدسية الشرق، ونفحات الشرق، وصوفية الشرق، وبالتالي هو امتداد لحافظ الشيرازي ولجلال الدين الرومي ولكل شعراء الروح.
- فاوست : هو كل الذين يوجدون في لحظة الاختيار، الاختيار بين الواقع والحقيقة، بين الحقيقي والوهمي، فالأوهام قد تكون مغرية ولها غوايتها لأنها جميلة، هي التي يغلّفها الشيطان بالجمال الاجتماعي، ولكن مع ذلك فيمكن لهذا الفاوست أن يبيع نفسه للشيطان في لحظة ضعف، ولكنه في النهاية لابد أن يسترد وعيه وأن يسترد إنسانيته ومواقفه، وأن يعلن انتماءه للإنسان وللحق وللحقيقة وللجمال الكوني الرباني الحقيقي.
- أبو نواس: دائما نتحدث عنه على أنه ممثل للحس، وأنه رجل شاذّ ونرجسي وعاشق لذاته، ومقبل على الخمرة، ولكن الخمر خمرتان، خمرة حسية وخمرة روحية، شربناها قبل أن يُخلق الكرم، ثم في داخل أبي نواس ذلك الإنسان الصوفي المؤمن الخائف من الموت وهو الذي قال:
منّتك نفسك أن تتوب غدا أوَ ما تخاف الموت دون غد
يعني رجل مؤمن بعفو الله، لكنه ومع ذلك يخاف أن يدركه الموت قبل أن يلحق هو التوبة، التي هي المفتوحة لكل التائبين، ولذلك فهو في داخله روح إنسان فمثل الخيام الذي قال:
يا ربي هل يرضيك هذا الظمأ والماء يجري أمامي زلالا
فعالم جميل، كون جميل، ما فيه إلاّ الجمال، ولكن هناك مجموعة من الفقهاء المتزمتين الذين يحسنون لعبة التحريم، تحريم ما أحل الله، وتحريم الطيبات في عالم فيه جمال، وفيه إغراءات ولذلك أرى أن ابن الفارض وأبا نواس يلتقيان في أشياء كثيرة جدا.
• عمل وحدة المسرح والمدينة ومناهج النقد الأدبي والفني.
• هذه الوحدة في الواقع أنا أعول عليها وابني عليها كثيرا من الآمال لأنني أرى فيها مجموعة من الأسماء المخلصة للمسرح والعاشقة في المسرح والمتفانية في حب المسرح، فالمسرح لا يمكن أن نتعامل معه بنوع من الحرفية ونوع من المهنية ونوع من الإبعاد والغربة، المسرح ينبغي أن نعتنقه، وأرى أن الأسماء الموجودة في هذه الوحدة، هي أسماء تعشق المسرح وتعتنقه، وبالتالي اختارت مواضيع من الآن هنا، مواضيع حية، لم تلجأ إلى الكتب وإلى المقتبسات والمترجمات، ولكنها انتقلت إلى التجربة الحية، ولذلك أنا شخصيا أميز بين التجربة والتجريب، التجربة فعل والتجريب افتعال، وكثير من النقاد يفتعلون الكتابة النقدية ولا يفعلونه، وفي هذه الوحدة، هناك مولود القنبي، هناك عبد العالي السراج وعبد العزيز بوبكراوي، وسميرة السباعي، وسعيد بويسين....وهي الآن تمارس العمل النقدي ولها كتابات رصينة جدا ومساهمات حقيقية، وبالتالي ننتظر منها الخير، أما بعض النقاد أو من يحاولون الانتساب إلى المسرح، فالمسرح بريء منهم، فما أبعدهم عن المسرح، لأن كلا يدعي وصلا بليلى وكلنا يحب القمر، لكن القمر المسرحي حب من؟ فهناك من يحبه المسرح وأقولها أنتم يحبكم المسرح.
 
  أجراه ذ. مولود القنبي (2007-06-12)
رجوع إلى الملف
   
   
مواضيع ذات صلة

-

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia