الاحتفالية وامتداداتها الجديدة . . د. محمد الوادي
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

ãáÝÇÊ
  الدكتورعبد الكريم برشيد    
الاحتفالية وامتداداتها الجديدة . .
ارتأينا أن ننطلق، في مقاربة تيمة «الاحتفالية وامتداداتها الجديدة» من المحاور التالية التي نعتبرها مجرد مدخل لدراسة الاحتفالية في تعالقاتها الجديدة:
1- فاتحة الأسئلة المفتوحة
2- الاحتفالية التي كانت. . والاحتفالية التي أصبحت
3- الاحتفالية الجديدة. . والأسئلة الفعلية
4- بيان تازة للاحتفالية المتجددة. . والعين الشاهدة
5- كرنفال الأقنعة
تزودنا هذه المحاور برؤية منهجية، وبحدود الاشتغال التي تتغيا المسرح كتبئير، ولكنها تتجاوزه إلى ما هو فلسفة، واجتماع، وصناعة مرتبطة بالوهم الإبداعي بما هو شطحات، وأنسجة سرية، وترابطان لمرئية. كما أن هذه المحاور، من خلال استقراء تراتبيتها وتداخلاتها تشكل ضميمة، وكتلة معرفية، ومحفزات تساؤليه محرضة على إنتاج معرفة ما.
1- فاتحة الأسئلة المفتوحة:
بداية نتساءل على امتداد تاريخ الاحتفالية (من أول بيان إلى غاية بيان تازة الأخير) ماذا تغير في الاحتفالية (المسرح والنظرية والفكر)؟ وماذا بقي فيها ساكنا وثابتا ؟
-كيف كانت الاحتفالية أيام المعارك النقدية؟ وكيف أصبحت أيام صمت أصحاب الأوراق والمشاريع التنظيرية؟
-هل هناك من تغير جوهري واضح على مستوى التأليف والأداء والإخراج والتصور والتلقي؟ أم أن المسار بقي مبهما وغامضا، وبالتالي لم يكتسب بعد ملامحه المميزة ؟ كيف نقرأ المتغير الاحتفالي في صورته الظاهرة، وفي رسائله المشفرة المرمزة ؟
-كيف نقرأ الثابت الذي يشكل العمود الفقري للتوجه والاختيار الاحتفالي، في وثوقيته؟
-الثوابت في الاحتفالية (الآن -هنا -نحن) من جهة (الإنسانية -المدنية -الحيوية) من جهة أخرى، ألم تلحق ضررا بالاحتفالية وتجعلها أسيرة المثلث المضاعف؟
-والمتغيرات في الاحتفالية (الانتقال -على مستوى الحركة الداخلية -من الاحتفالية إلى احتفاليات أخرى) ألم تخلق عسر فهم لمتلقي الاحتفالية، وخصوصا المتلقي النمطي؟
-ونحن، ما ذا نريد من الاحتفالية؟ وكيف نريدها أن تكون؟ هل مرغب في الاحتفالية الكائنة بأدبياتها، بفكرها، بأساليبها، ببياناتها، بنصوصها، وبكل مكوناتها الراهنة؟ أم نتوق إلى الاحتفالية الممكنة المتعددة المتجددة والجديدة؟
نروم، من خلال هذا التسويد الاستفهامي، رسم خطاطة مؤقتة للاحتفالية الجديدة بما هي اجتهاد عملي، اختار طوعا وبوعي نقدي، أن يكون مجاله الرحب هو الاحتفالية المرجع. ولكي نروي عطشنا المعرفي الدائم فقد عزمنا على «اقتراف» الأسئلة كآلية منهجية وإبداعية لتحقيق غرض الشك «التجريبي» كمرحلة من مراحل مسار طويل وعنيد ومشاكس. وهكذا بدأنا -إجرائيا- بالأسئلة الاستكشافية، معرجين على الأسئلة الاستفزازية التحريضية لترسو سفينتنا -مؤقتا- في ميناء الأسئلة -الفعل التي هي، في منظورنا الخاص، شبكة من المترابطات والتعالقات. وهي، كذلك، المدخل السالك لتأثيث معرفة حقيقية ذات أبعاد جمالية، وتصاميم بيانية دقيقة، وقوة اقتراحية لإنجاز فعل مسرحي متفرد وفاعل. حضور الأسئلة قائم في الممارسة الثقافية، خاصة في الاشتغال النقدي والاستشراف التنظيري. لكن ما هي طبيعة الأسئلة في ثقافتنا العربية، وتحديدا في المجال المسرحي؟
لو أعدنا -على سبيل الاستقراء- قراءة متن الأسئلة ضمن ضميمة (إبداع، نقد، تصور نظري. .) من مارون النقاش، مرورا بأسماء وتيارات، وصولا إلى الآن مع آخر متسائل في الهامش المسرحي، لاكتشفنا أن هذه الأسئلة لم تخرج -في أحسن أحوالها - عن طابع البداهة. وهو العامل الذي ساهم، بقسط وافر، بوعي أو بغير وعي، في سكونية الثقافة العربية، وجعل المسرح العربي في منأى عن فعل التأسيس والتبلور. من هنا، فالأسئلة -الفعل هي هذه القراءة التساؤلية الغائبة المغيبة. . هي هذه السطور المحذوفة سهوا ونسيانا وعمدا. . هي هذه «الملفوظة» الفوكوية التي تظهر وتختفي، وتقتطع حيزها الوجودي والتاريخي والمسرحي ضمن ثنايا النص المفتوح الممتد من أجل بلورة ما يمكن أن نسميه ب «الحقل السؤالي» أو «المنظومة الاستفهامية» إن شئنا، والبحث فيه بالعمق المعرفي، لكن ليس كما صاغه فوكو (وهو هنا لا بد وأن يكون مرجعا) ولكن كما تؤسسه الاحتفالية المشاغبة في الذاكرة بكل منسياتها وهوامشها.
2- الاحتفالية التي كانت.. والتي أصبحت:
أكيد أن الاحتفالية التي هدمت الأصنام، والهياكل، والأسوار التي شيدها المسرح الأرسطي، وأزاحت الجدار الرابع وكل الجدران الوهمية، وكسرت القواعد التعليمية البريشتية، والقواعد والقيود التقليدية المهترئة.. تتوق لمواصلة فعل الهدم، وفعل التنقيب، لكن ليس بهدف الهدم المجاني.
نعلم أن الاحتفالية كانت في الأول فكرة طرحها رجل عبقري، فيلسوف اختار أن يكون المسرح، بكل ظلاله وأطيافه وعوالمه وجنونه وأحلامه، هو فلسفته التي تؤويه.. هو محرابه الذي فيه يتعبد ويمارس طقوسه. هذا الرجل شاءت الأقدار أن يكون عبد الكريم برشيد، صاحب الاحتفالية التي بدأت عنده سؤالا ثم تفكيرا صامتا، ثم خرجت الفكرة من سجن التخمين الأحادي المنعزل لتصبح منظومة لها نسقها، ولها طموحها. هذا التطور السريع كان ولا يزال هو المخيف في الاحتفالية، وهو الذي جعل المؤسسة الرسمية تتموقف منها وتستشعر خطورتها وبالتالي تخندقها وتحاصرها، بل وتستأجر من يقوم بالمضايقات العلنية المفضوحة. وفعلا تزايد خصومها النفعيون. إلا أن الذي لم تلتفت إليه هذه المؤسسة ولم تحسبه جيدا هو تزايد عدد المقتنعين بالفكر الاحتفالي وبرسالته الفنية.
-ونعلم، كذلك، أن الاحتفالية كانت مفردا، ثم تعدد الواحد ليصبح جماعة صغيرة، ثم كبرت الجماعة وتجاوزت ذاتها وبروتوكول التوقيع لتصبح جماعة أكبر يوحدها الميثاق الإنساني، والخط الفكري الملتزم، لا الإمضاء الشخصي المتجاوز.
-ونعلم، أيضا، أن الاحتفالية بحثت كثيرا عن أجوبة لأسئلة طرحتها هي نفسها، أو طرحها الفكر والواقع، وصاغت ذلك في شكل إشكاليات وقضايا. ولكنها أدركت أن لا معنى للإجابات الجاهزة، ولا حتى المبحوث عنها، لتبقى الأسئلة أكثر جوهرية، وأكثر دلالة ومعنائية.
-ونعلم، أخيرا، أن الاحتفالية كانت احتفالية واحدة، ثم أصبحت الآن احتفاليات برز منها الاحتفالية الجديدة، وهناك مؤشرات على بروز احتفالية متجددة، وأخرى ملحونية.
3- الاحتفالية الجديدة .. والأسئلة الفعلية:
وضعنا الاحتفالية تحت مجهر السؤال النقدي، تعددت الأسئلة فأصبحت منظومة. في الأول أحسسنا ببراءتها، لأنها طرحت في مفصل عن الاختراق، إلا أن الفعل ألمخابراتي تسلل إليها وأصبحت الأسئلة مغلفة بالإيديولوجيا، وحينما سكنها هاجس الإبداع، وهاجس العلم معا غدت فوارة/مسكونة بأثر الخلفيات والمرجعيات، ودخلها شيء من التأويل. لذلك استبعدت الاحتفالية الجديدة -بوعي- الأثر الإيديولوجي وغروره السياسي السافر الذي غالبا ما يغتال الغرور الإبداعي.
كان همنا هو تأسيس الأسئلة -الفعل، ولكن اصطدمنا بالأسئلة -اللافعل التي هي -بالضرورة- غير مشاغبة، ومنافية للإبداع، ومنافية للتغيير وللمسرح الحقيقي. وبالتالي فهي غير مؤهلة لتصبح أسئلة احتفالية، وذلك لعدم قدرتها على إضافة قيم جديدة، وهذا يتنافى مع المسرح كقيمة نوعية وكبعد إنساني حميمي تواصلي. وبما أن هناك حدا فاصلا بين الأسئلة -الفعل والأسئلة-اللافعل فقد انحازت الاحتفالية الجديدة إلى الاختيار الصعب والأحسن.
4- بيان تازة للاحتفالية المتجددة .. والعين الشاهدة:
جاء بيان تازة تحت عنوان: «بيان تازة للاحتفالية المتجددة.. تازة عاصمة احتفالية».. جاء هذا البيان للدلالة والتأشير على النقلة النوعية والقفزة العملاقة التي أفرزتها الاحتفالية والتي حققت بها المزج الروحي بينها وبين امتداداتها الجديدة. جاء في البيان: (واليوم، بعد أن دارت الأيام، وبعد أن تغيرت المواقع والمواضع، فإن الاحتفالية لم تعد كما كانت، لقد انتقلت من موقع إلى موقع، ومن زمن إلى زمن، ومن مكانة إلى مكانة، ومن وعي إلى وعي، ومن درجة إلى درجة، ومن عمر إلى عمر، لقد كانت بسيطة وأصبحت مركبة، وكانت واحدة وأصبحت متعددة، وكانت غامضة وأصبحت أكثر غموضا).

نعلم أن الثقافة العربية اتهمت بأنها كانت -في أصلها- ثقافة سمعية اعتمدت على الرواية وعلى المحفوظات والسرديات، وغابت الثقافة المشهدية البصرية أو أريد لها أن تغيب وتغيب.لذلك يرى البعض تأخر ظهور المسرح والتشكيل والنحت والسينما... عندنا على شاكلة النموذج الغربي. وتعملق الشعر إلى الحد الذي أصبح ديوانا للعرب. والناظر إلى هذا الادعاء يكتشف أنه كلمة حق أريد بها باطل. وفي زمن انقلاب الصورة وإعادة الاعتبار للعين العربية تصحح الاحتفالية ما كان مغلوطا: (في البدء كانت العين ومعها ولد فعل الرؤيا، وكانت هذه الرؤية توقعا ونبوءة، وكانت غموضا في بحر الأنوار -وليس بحر الظلمات- وكانت نظرات بعين العقل، وكانت تأملا بعين الروح، وكانت سفرا في مملكة المعاني، فكان الذي كان في المسرح الاحتفالي، وتحقق الذي كائن اليوم).
هكذا ندرك أنه بين العين الاحتفالية، والعين الاحتفالية مسافة.. هي نفسها المسافة بين النور والظلمة.. المسافة بين الرؤيا والرؤية.. ويبقى الهم بالنسبة للاحتفالية الأصل والامتداد هو: (أن تبصر، وأن تنظر، وأن تكون رؤيتها البصرية ثنائية الأبعاد.. أي أن تكون بالبصر والبصيرة معا).
5- كرنفال الأقنعة:
نظرت عين الاحتفالية إلى الوجود والناس والأشياء فوجدت المدينة مفصولة عن مدنيتها، وأن الحياة في منأى عن حيويتها، والإنسان منزوعة منه إنسانيته. وبالتالي فوجوده كله مجرد حفل كرنفالي (ليس في هذا الحفل الكرنفالي إلا الأقنعة، أما الوجوه فليس لها وجود، وإن أخطر الأقنعة ليست هي تلك الأقنعة الحسية، التي يرتديها الممثلون، لكنها تلك الأقنعة المعنوية التي تتمثل في الأسماء والكلمات. ولا شيء أخطر من كرنفال اللغات ومن كرنفال الأسماء). هكذا، استنتجت الاحتفالية أن الواقع شيء والحقيقة شيء آخر، فالظلم واقع لكنه ليس حقيقة. من هنا انصب اهتمامها على البحث عن الحقيقة.
  ملحوظة: كل الاستشهادات بين مزدوجتين مأخوذة من « بيان تازة للاحتفالية المتجددة.. ».
  د. محمد الوادي (2007-06-12)
رجوع إلى الملف
   
   
مواضيع ذات صلة

-

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia