شهادة عباس الجيراري: الدكتور أبو بكر العزاوي أستاذ الحجاجيات
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

ãáÝÇÊ
شهادة عباس الجيراري:
الدكتور أبو بكر العزاوي أستاذ الحجاجيات

بسم الله الرحمن الرحيم
    تغمرني سعادة فائقة في كل مرة يتاح لي أن أضيف في رحاب "النادي الجراري" علماء وأدباء من بلدان صديقة وشقيقة، أو أن أستقبل أعضاء جدداً يكونون في الغالب من الباحثين الشبان الذين تخرجوا من مختلف الجامعات المغربية الناهضة. ويزيدني شعوراً بهذه السعادة حين يتسنى لي أن أطالع بعض ما جادت به قرائحهم وما أنجزوا من دراسات علمية، أو أن أستمع إلى ما يقدمون من عروض يُتبعها أعضاء النادي بالمناقشة وما قد يثيرون من استفسارات عما يكون فيها من غموض، تحث صاحب العرض على مزيد من التوضيح ومن التعمق في بعض قضاياه الشائكة. وهو ما أعتبره تجديداً لنشاط النادي، وإغناء له وتقوية لأواصر التواصل والتعارف بين أعضائه وزائريه، مهما تباعدت أجيالهم وتعددت التخصصات.
    ولا أخفي كم كان بهَجي كبيراً يوم رحبت وسائر أعضاء النادي بالأخ الكريم الأستاذ الدكتور أبي بكر العزاوي، الذي قدِم إلينا من جامعة مولاي سليمان ببني ملال، حيث يعمل أستاذاً للتعليم العالي بكلية آدابها، متخصصا في النظرية الحجاجية المندرجة ضمن القضايا اللسانية الحديثة التي نشر فيها دراسات دقيقة وعميقة عن الخطاب والحوار وغيرهما مما يتصل باللغة وظاهرة الحجاج.
    وكان بعد تخرجه عام اثنين وثمانين وتسعمائة وألف من شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية آداب جامعة محمد الخامس بالرباط، قد أنجز بحثاً للدراسات العليا في فرنسا سنة تسع وثمانين عن "الروابط الحجاجية والمنطقية في اللغة العربية"، تحت إشراف أستاذ مبرز في الموضوع هو السيد أوزفالد ديكرو. ثم لم يلبث أن استكمل تكوينه بأطروحة لدكتوراه الدولة في اللسانيات بإشراف زميلنا الفاضل الأستاذ الدكتور محمد مفتاح، بجامعة بني ملال في بداية عام ألفين.
    ثم كان تقديمه في إحدى جلسات النادي لعرض عن "الحجاج والانسجام في القرآن الكريم" متخذاً أنموذجه من خواتم سورة البقرة، وناظراً إلى الحجاج من خلال مفهوم يصله باللغة وما يكون فيها من روابط، بها يكون هذا الحجاج ويتحقق عبر الدرس اللساني التداولي وما قد يفضي إليه اعتماد الأفعال اللغوية.
    لقد برهن ببراعة ومهارة في هذا العرض الذي يشكل جزءاً من اهتماماته الحجاجية، أنه يعنى باللغة والمنطق وما بينهما من أواصر، على ما في ذلك من صعوبة وتعقيد في المقاربات المختلفة التي اعتمدها الدارسون، انطلاقاً مما يقتضيه المنطق في علاقته بالأعمال اللغوية، وما للحجاج اللغوي من أثر في ذلك، قبولاً أو رفضاً لإثباتات قد تصدق أو تحتاج إلى الحوار الذي يتطلب تقديم البراهين، وكذلك الاحتجاج للإقناع بها، أو لاطمئنان القلب إليها، على نحو ما يبرز الحوار الذي دار في السورة نفسها بين إبراهيم عليه السلام والخالق عز وجل حول كيفية إحيائه الموتى.
    والأستاذ العزاوي في معالجته للظاهرة الحجاجية أياً كان مجالها، يستند إلى اللغة في بعدها الطبيعي والاصطناعي، إلى جانب النحو والبلاغة، مع العناية بالاستعارة من حيث هي عنصر أساسي في الاحتجاج اللغوي يتجاوز ما قد يقصد عادة من الاستعارة الفنية التي اعتادها بعض الكتاب والشعراء ومن إليهم من المبدعين. كما يستند إلى المنطق وعلم النفس والنظريات اللسانية، مع التركيز على المقومات الحجاجية، باعتبارها فعلاً لغوياً ينطلق من مفهوم للحجاج يرتكز على تقديم الحجج والأدلة التي من شأنها أن تفضي إلى التأثير والإقناع، من خلال جميع الأدوات اللغوية والمنطقية التي قد تبقى مجرد احتمالات.
    ولا شك أن إخضاع أي نص للحجاج أو عرضه على النظرية الحجاجية، هو الذي يساعد على فهمه وإدراك مراميه وما يتصل بهذه المرامي، مما قد يكون ظاهراً أو خفياً. وهذا ما يجعلنا لا نستغرب توسيع دائرة تطبيق هذه النظرية على مختلف النصوص وجميع الخطابات، سياسية كانت أو أدبية أو حتى إشهارية، بما في ذلك ما يتصل بالمأثورات الشعبية المتداولة ؛ من غير أن ننسى الخطاب الديني وفق ما يكشفه المثالان المشار إليهما من سورة البقرة.
    وأشهد –بهذا وغيره مما لا يسمح مجال هذه الكلمة بالتوسع فيه– أن الصديق العزيز الأستاذ الدكتور أبا بكر العزاوي عالم متمكن وباحث قادر على استكناه مكونات أي خطاب، سواء في بعده المعرفي أو التواصلي، وأنه بذلك صاحب نظرية شائكة ومعقدة، ينطلق فيها من تصور منهجي واضح، داخل مشروع قدمه متميزاً بأنساق ومقومات من شأنها أن تعين على تحقيق الحجاج في تجلياته كافة.
    وإني إذ أهنئه وأشد على يديه، لأود أن أعرب له عن كبير تنويهي بجهوده العلمية العميقة، وعظيم تقديري لما أنجز فيها من بحوث رصينة ؛ مع الدعاء إلى العلي القدير أن يديم عليه عونه وتوفيقه لمزيد من السداد والتألق، سواء في مهامه التدريسية أو رئاسته للجمعية المغربية لتكامل العلوم، وأن يسبغ عليه في نفسه وأسرته نعمة السعادة والهناء، مشفوعة برداء الصحة الكاملة والعافية الشاملة.

 
  (2017-06-19)
رجوع إلى الملف
   
   
مواضيع ذات صلة

-

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia