محمد اشويكة*
يشكل السيناريو أساس العملية الإبداعية في الفن السابع، إذ يستند عليه المنتج والمخرج والممثلون والفريق التقني.. من أجل العمل على تحقيق وإنجاز الفيلم السينمائي وفق المسار التخييلي الذي رسمه مؤلفه. وبذلك فهو عماد التخييل السينمائي والسند المرجعي في ضبط نفسية الشخوص ومساراتهم وعلائقهم والوثيقة التقنية المرجعية لفريق العمل.
يتقاطع السيناريو مع بعض الفنون التخييلية الأخرى كالأدب والمسرح.. إلا أن تقنيات كتابته تختلف عنها من حيث مراعاته لخصوصية التخييل السينمائي وطرق اشتغاله التقني وتبلوراته الإستيتيقة والسردية.
عرفت السينما في المغرب نقاشات هامة حول موضوع السيناريو خاصة وأن عددا مهما من النقاد والمتتبعين يرصدون - بشكل جدلي وتفاعلي - الكثير من القضايا المرتبطة به كالإبداع والتخييل والتخصص والفاعلية.. وذلك في ظل ما يرتبط بهذا الحقل من مشاكل راكمتها السينما المغربية عبر تاريخها وطفت إلى السطح بشكل بارز في الآونة الأخيرة.
هناك من يربط أزمة الإبداع والخيال بأزمة الكتابة السيناريستية، وهناك من يُرْجِع ارتباط كتابة السيناريو بالمخرج المنتج ذاته لأنه ساهم في تضييق أفق الخيال عبر تفكيره المسبق في الميزانية، وهناك من يقرن الأزمة بغياب التكوين الأكاديمي الرصين الذي يبتعد عن إجراء الورشات الشكلية العابرة هنا وهناك، والتي لا تليها المتابعة والتقويم. تتطلب كتابة السيناريو إلماما كبيرا بمجريات السرد والدراما.. وهذا أمر لا يتأتى إلا في نطاق المدارس ذات البرامج العلمية والأكاديمية الرصينة والمنتظمة.. نعثر في حقلنا السينمائي على بعض النماذج من «كتاب السيناريو» الذين تفتح معهم النقاش حول الأدب أو الفلسفة أو تاريخ الفن والسينما فيتبين لك أنهم لا يدركون الألفبائيات! هل يمكن التعويل على هؤلاء لصناعة خيال الأمة؟ أعتقد أن السيناريست إنسان رؤيوي، يعرف قيمة المجال السوسيوثقافي الذي يبدع فيه.
من الطبيعي أن يغيب العمق في هذه الحالة.. فالاطلاع على المرجعيات المُؤَسِّسَة من شأنها أن تغني رؤية السيناريست وتبعده عن التكرار.. ولذلك بقيت أعمال بعض الكتاب الكبار كغابرييل غارسيا ماركيز بعيدة عن الشاشة رغم أن الرجل مشهور بإدارته لورشات ودروس الكتابة السيناريستية في شتى أنحاء العالم؛ بل نشر بعض سيناريوهاته على شكل كتب أو في المجلات. أعتقد أن السيناريو الجيد يقع في العمق الاستراتيجي للإبداع التخييلي، فالسينما مجرد وسيلة لتحويله إلى صور، يمكن للقارئ أن يتمتع به كعمل أدبي.. أتمنى أن نصل في المغرب إلى هذا المستوى من الوعي، وأن يصبح السيناريو عملا فنيا وتخييليا ممتعا من حيث لغته (التي لا يهتم بها بعض كتاب السيناريو!) وفرادة شخوصه وجدة موضوعه وبعده الجمالي والفكري.. لأننا في حاجة إلى سينما منفتحة على قضايانا الحقيقية، والتي بدون مجابهتها لا نستطيع أن نتطور.
ساهمت عدة عوامل موضوعية وأخرى ذاتية في تدني مستوى جودة السيناريو في السينما المغربية حيث يمكن الإشارة إلى انعدام التخصص، فالكل يكتب السيناريو مما عَجَّل بتمييع المهنة وجَعَلَهَا في ظرف وجيز مهنة من لا مهنة له أصلا! زِدْ على ذلك انكباب المخرجين والمنتجين أو منفذي الإنتاج على الاهتمام بمشاريعِ سيناريوهاتٍ تحت الطلب بدعوى الرهان على شباك التذاكر مع العلم أن عدد المتفرجين يتقلص يوما بعد يوم! من الأفضل الرهان على الجودة عوض مجاراة السراب!
ساهمت اختيارات لجان الدعم منذ إحداثها وإلى اليوم، بقسط مهم، في تردي جودة الفيلم المغربي، فهذه اللجنة في حاجة ماسة إلى وضع قوانين صارمة تحكمها على مستوى ضبط قواعد الاختيار من خلال وضع إيديولوجيا واضحة المعالم توضح هويتها من قبيل الإجابة عن سؤال: أية سينما نريد؟ إذ من غير المعقول أن تخضع مشاريع السيناريوهات إلى التصويت دون مناقشة: قمة العبث! وأن يُنَاقَشَ الأشخاص عوض المشاريع وألا تقدم اللجان تقريرا عن أسباب رفض المشاريع أو أوراق تساهم في تطوير المشاريع المقدمة لها.. إن مسائل كهذه تجعل هذه اللجنة غير احترافية سيما بعد أن ولجها التِّقْنَوِيُّون (من مجالات تخلط كل الأشياء وتقومها وفق منطق واحد!).. لقد أصبح هؤلاء يصوتون وكأن الأمر مجرد لعبة!
يمكن أن تتسم الاختيارات بالتعدد وليس بتغليب اختيار فني أو جمالي دون سواه لأن الأصل في السينما الحرية إضافة إلى أن المشارب الفنية للمخرجين المغاربة ذات مرجعيات إستيتيقية متباينة، لذلك يصعب أن نحشرها في اتجاه أو مدرسة سينمائية واحدة!
أخلص إلى أن أسئلة السيناريو في المغرب تحتاج إلى تعميق النقاش حولها كي نستطيع تطوير الإجابة على بعض التساؤلات من قبيل: ما طبيعة وخصوصية الكتابة السيناريستية بالمغرب؟ من هم كتاب السيناريو المغاربة؟ ما هي رهاناتهم؟ ما علاقتهم بالأدب المغربي؟ كيف يمكن لكاتب السيناريو بالمغرب أن يتأقلم مع مواضيع الواقع التي تتجاوز الخيال في الكثير من الأحيان؟ هل ندرة كتاب السيناريو المتخصصين تبرر لجوء المخرج إلى كتابة وإنتاج وإخراج فيلمه منفردا؟ ألا يؤثر هذا على جودة الفيلم؟ هل لدينا بالفعل كتاب سيناريو بالمعنى الاحترافي للكلمة؟ هل لكل كاتب خلفية نظرية تجعله يعي وضعه في المغرب أم أن العشوائية سيدة الموقف؟
سَيْلٌ من الأسئلة التي يمكن أن تتوالد في ظل الظروف التي تعرفها السينما المغربية اليوم خصوصا وأن الرهان عليها كبير عكس الأدب والفنون الأخرى!
*قاص وناقد سينمائي