السينما المغربية : بحث في مشكلة السيناريو نور الدين محقق
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

ãáÝÇÊ
  الكاتب و الروائي والناقد السينمائي المغربي نور الدين محقق    
السينما المغربية : بحث في مشكلة السيناريو

   نور الدين محقق* 

منذ ما يزيد عن خمس عشر سنة أو أكثر بدأ الحديث النقدي في الساحة الثقافية المغربية يتنامى بشكل كبير عن إشكالية كتابة السيناريو في السينما المغربية وعن ضرورة إيلاء هذا العنصر الهام ما يستحقه من أهمية باعتباره أساس بناء أي فيلم سينمائي ناجح، حيث كانت السينما في هذا الوقت، تعاني، في بعض أفلامها المقدمة، من جودة كتابة السيناريو وعملية إحكامه، حيث كانت هذه الأفلام السينمائية المغربية على قلتها في ذلك الوقت، وحتى التي لاقت نجاحا، تفتقر إلى الحكاية بمفهومها التسلسلي المترابط، مما كان يجعل منها أفلاما سينمائية رغم ما تطرحه من مواضيع هامة، بعيدة عن التلقي الجماهيري العام وأقرب إلى سينما التجريب الفردي، مما دفع النقد السينمائي المغربي في ذلك الوقت إلى طرح هذه المسألة بقوة والدعوة إلى تبني إقامة حكاية مفهومة في الأفلام السينمائية المنجزة، على اعتبار أن السينما هي قبل كل شيء فن الفرجة والمتعة مع الإفادة طبعا. وهو الأمر الذي التقطه كثير من المخرجين السينمائيين وسعوا إلى تبنيه في أفلامهم التي نجد أنها قد لاقت صدى كبيرا عند الجمهور المغربي، مما جعل من هذه السينما تصالح جمهورها العام. يمكن أن نشير في هذا المجال إلى الأفلام السينمائية الأخيرة للمخرج مصطفى الدرقاوي التي بدأها بفيلم «غراميات الحاج المختار الصولدي» ثم فيلميه «الدار البيضاء باي نايت» و«الدار البيضاء داي لايت»، التي حققت نجاحا جماهيريا لافتا للنظر على عكس أفلامه السابقة التي رغم أهميتها السينمائية وقوتها ظلت محصورة في نخبة المثقفين والمولوعين بالفن السينمائي. ولقد بدأ هذا الاهتمام يتحقق مع أفلام سينمائية مغربية متعددة منها فيلم «حب في الدار البيضاء» وفيلم «البحث عن زوج امرأتي» واستمر مع باقي الأفلام السينمائية المغربية الأخرى. لكن مع ذلك ظل هاجس كتابة السيناريو المحكم المبني على حكاية عميقة وذات بعد فكري عميق تشغل بال المشتغلين بهذا المجال. هكذا بدأ الحديث عن ضرورة إيجاد كتاب سيناريو متخصصين، يعرفون قواعد الكتابة السيناريوية والدعوة إلى الانفتاح على المتخيل الروائي والقصصي المغربي، بغية الاستفادة منه على صعيد الحكاية المقدمة والمتخيل المعبر عنه فيها، خصوصا وأن هذين الفننين الأدبيين، أقصد الرواية والقصة في المغرب قد عرفا ازدهارا مشهودا في السنوات الأخيرة سواء في المغرب أو في الأقطار العربية. كما بدأت الدعوة أيضا إلى ضرورة الاشتغال على الموروث الشعبي والثقافي العام الذي يزخر به التراث المغربي. وهو ما دعا بعض كتاب السيناريو في المغرب إلى الاشتغال على هذا الجانب. ففي مجال انفتاح السينما المغربية على الفن الروائي وجدنا أفلاما مثل «جارات أبي موسى» لعبد الرحمان التازي المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب أحمد التوفيق،، وفي مجال انفتاح السينما على التراث الشعبي المغربي وجدنا فيلم «خربوشة» للمخرج حميد الزوغي الذي كتبه كل من الكاتب والناقد السينمائي خالد الخضري صحبة أخيه عبد الباسط الخضري،، على سبيل المثال لا الحصر. وهي ظاهرة بدأت تأخذ اتساعا، حيث قام السيناريست المغربي بلعيدبن صالح اكريديس بكتابة سيناريو مأخوذ عن رواية «بونوار» للكاتب عثمان أشقرا، سيقوم بإخراجه المخرج حميد الزوغي، كما أن المخرج عبد الحي العراقي يسعى لتحويل رواية «قطع مختارة: غراميات متعلم جزار» للكاتب محمد نيدعلي إلى فيلم سينمائي هذا دون الحديث عن اشتغال كتاب ونقاد سينمائيين بمجال كتابة السيناريو أو المساعدة في ذلك من أمثال الكتاب محمد صوف ومحمد سكري ومحمد اشويكة ونور الدين وحيد وسواهم. لكن مع ذلك ما يزال مشكل كتابة السيناريو في المجال السينمائي المغربي مطروحا، في قلة وجود سناريستيين متخصصين في المجال، خصوصا وأن الأفلام السينمائية المغربية التي تنال الدعم يتم منحها ذلك اعتمادا على السيناريو المقدم وليس على الفيلم المنجز. وهنا يطرح الإشكال فقد يكون السيناريو المقدم جيدا ولكن عملية انجازه على المستوى الإخراج السينمائي قد تفقده بعض وهجانه الإبداعي،  كما أن إمكانية حدوث العكس ممكنة فقد يتحول سيناريو يبدو عاديا الى فيلم ناجح إذا توفرله المخرج القوي. وهذه المسألة لا تشمل السينما المغربية فحسب بل إنها معروفة على المستوى العالمي.
على أي يمكن القول بأن كتابة السيناريو قد تقدمت كثيرا في السنوات الأخيرة، بحيث أصبح المجال السينمائي المغربي يعرف كتابا جددا في هذا المجال، منهم من تخصص في كتابة السيناريو السينمائي بشكل كبير، ومنهم من اهتم بهذا المجال انطلاقا من مجال المسرح أو الفن الروائي والقصصي الذي يهتم به، وقد استطاعوا أن يفرضوا حضورهم من خلال الأفلام السينمائية المغربية التي تحققت انطلاقا مما كتبوه لها، كما أن اهتمام بعض الكتاب الروائيين المغاربة للكتابة للسينما أو عن السينما نذكر منهم محمد صوف، يوسف فاضل، نور الدين وحيد وغيرهم، فتح المجال لظهور نوع جديد من الأفلام السينمائية المنبنية على التسلسل السردي المحكم والرؤية الواسعة المتفهمة، كما أن اهتمام بعض المهرجانات السينمائية المغربية بإقامة ورشات تكوينية في مجال كتابة السيناريو دفع الكثير من المبدعين الشباب للسير في هذا المجال والرغبة في تطوير أدوات اشتغالهم فيه. لكن مع ذلك يجب بدل المزيد من الاهتمام بمجال كتابة السيناريو وفتح المجال أمام المشتغلين به أو الذين يسعون للتكوين فيه إذا نحن أردنا للسينما المغربية أن تحقق مزيدا من التألق.
______________________________
* كاتب روائي وناقد سينمائي مغربي

 
  نور الدين محقق (2010-10-15)
رجوع إلى الملف
   
   
مواضيع ذات صلة

-

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia