كيـف ينـظر مثقـفونا إلى حـراك الشـارع العـربي؟ فريد أمعضـشـو
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

ãáÝÇÊ
  فريد أمعضـشـو    
كيـف ينـظر مثقـفونا إلى حـراك الشـارع العـربي؟

إن شبان العالم العربي، اليوم، يرسمون بحناجرهم المدوّية في الشوارع والساحات العمومية، مطالِبةً بالديمقراطية وإسقاط رموز الفساد والقطْع مع قيم الاستبداد والرجعية، معالمَ تاريخ جديد يريدونه مغايراً تماماً لماضيهم القريب.. تاريخٍ عربي يستعيد فيه المرء مروءته، والإنسان إنسانيته، والمواطن مواطَنته، ويعيش على إيقاع الأمل والتفاؤل بغدٍ أفضلَ في كافة مجالات الحياة1. وهذا ما جعل كثيرين يسمُّون اللحظة الحضارية التي يمر بها العرب، الآن، بـ«الربيع العربي»، الذي صحّح مفاهيمَ وتصوراتٍ عدة حول أبناء الوطن العربي، وأعاد مَوْضَعَتهم في السياق الحضاري، ودعا إلى الاعتراف لشباب هذا الوطن بما كان يختزنه من قيَم العِزة والوعي والغيْرة والفاعلية التي لم يُتحْ لها الخروج من قوقعة «الوجود بالقوة» إلى حيز «الوجود بالفعل» إلا في الأشهر القليلة الماضية عقب إشعال الشهيد محمد البوعزيزي فتيلَ الثورة العربية الجديدة التي أسهمت – وما زالت – في رسْم صُوى حقبة جديدة من تاريخ الأمة العربية المعاصر، كان العاملان الفاعلان فيها، بدون أدنى ارتياب، الشباب ووسائل الاتصال والتواصُل الاجتماعي الحديثة. فهذا الشبابُ متحمِّس غَيور على وطنه وأمته وحضارته، توّاق إلى تغيير الأوضاع السائدة في اتجاه الأفضل والانخراط، بإيجابية، في عالم اليوم، ومحاوَرة الآخر من موقع القوة، ولكنه يصطدم بواقع قاسٍ قوامُه البطالة وغياب التحفيز واستشراء الفساد والظلم والتفاوت الطبقي ونحو ذلك من مظاهر الخلل في المجتمع والاقتصاد وغيرهما. واغتدى التواصل والاتصال بين الأفراد، في أيامنا هذه، أمرين في منتهى السهولة والحرية، بعيداً عن أعْيُن الرقابة التقليدية التي طالما خنقت أصوات أولئك الشباب، وأجهضت أحلامَهم بشتى الأساليب.
إن ما يشهدُه العالم العربي، اليوم، «حدث تاريخي»، بكل ما تحمله العبارة من معنىً، شكّل فيْصلاً مميّزاً بين مرحلتين من تاريخ العرب المعاصر: مرحلة ما قبل الثورة، ومرحلة ما بعد الثورة! وقد أصاب مَنْ وصفوا ذلك الحدث بـ»التسونامي» العربي؛ ذلك بأنه لم يكن يتوقع أحدٌ أن ينتفض أبناء الأمة العربية، فيخرجوا إلى الشوارع تعبيراً عن تذمّرهم وسخطهم وعدم رضاهم بالأوضاع التي يعيشونها، رغم كل ما تكتنزه أراضي بلدانهم من خيرات وموارد مختلفة، وكانت شعاراتهم التي رفعوها في مسيراتهم ونضالاتهم متقاربة، في أغلب الأحايين، من حيث المطالبةُ بالحرية والعدالة الاجتماعية وإسقاط رموز الفساد وتوفير الشغل وأسباب العيش الكريم للمواطن، ولكن أجْرَأ تلك الشعارات وأكثرها حِدّةً ذلك الشعار الذي رفعه الشبّان العرب في كثير من أقطار العالم العربي، والذي كان منطلقه من تونس الخضراء، وهو عبارة «الشعب يريد إسقاط النظام» التي أضحت بمثابة «مسْكوكة» (Expression figée) تتردد على ألسُن المحتجّين في كثير من المناطق العربية، لتؤكد «الطلاق البائن» بين الشعوب وقادتها في تلك المناطق. ولا بد، هنا، من أن نسجّل، من باب الموضوعية والنَّصَفَة، أن الأقطار العربية ليست متساوية في سلم الديمقراطية، كما في سلم الديكتاتورية أيضاً. ذلك بأن منها بلداناً تسوسها أنظمة قمعية استبدادية تحكم شعوبها بالحديد والنار، وإن كانت تحاول أن تظهر أمام الملإ في المحافل الإقليمية والدَّولية بمظهر الحداثة والديمقراطية. على حين نُلفي منها بلداناً أخرى حققت، منذ سنوات، مكاسبَ مهمة في سبيل التحديث والعَصْرَنة والتحضر وإرساء دولة الحق والقانون والمؤسسات والانتقال الديمقراطي والقطيعة مع الماضي بكل قيمه السَّلبية، وأبْدت الرغبة الأكيدة في إقامة صُروح مجتمعات حديثة فاعلة في محيطيْها الجهوي والدولي، وفي تحقيق التنمية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً عبر مبادَرات ومشاريع ملموسة.
إن الحِراك الذي يعيشه الوطن العربي اليوم يدعونا إلى التساؤل عن موقع الثقافة، ودور المثقفين العرب فيه. والواقعُ أن علاقة المثقف العربي بواقعه قديمة، تعود بنا إلى أقدم العصور. ذلك بأنه ارتبط بجماعته القبَلية في الجاهلية حتى عُدَّ بُوقها واللسان الناطق باسمها في حالتي السراء والضراء، وفي حالي السلم والحرب معاً. وكانت تلك الجماعة تفرح، وتصنع الولائم، لَمّا ينبغ فيها شاعر، كما يحكي كثير من الرواة؛ وذلك إدراكاً منها لمكانة المثقف عامة، وقوة كلمته في التأثير وتخليد الأيام والمناقب والإنجازات. وبعد الجاهلية، استمر التحامُ المثقف بجماعته ومجتمعه، سواء أكان شاعراً أم ناثراً، وتقوّت العلاقة بينهما؛ فعبّر عن انشغالات الناس وتطلعاتهم، وانتصر لمُعتقدهم الجديد، ونافَح عن مبادئ الحزب الذي انتسب إليه صدقاً أو ارتزاقاً على عهد بني أمية خاصة، ولم يدع أي جانب من جوانب المجتمع العربي القديم، ولا أي مظهر من مظاهر حياة أناسه، دونَ نقْله وتجسيده فيما يكتبه، ودون التعبير عنه؛ من منطلق صلته الوثيقة بمجتمعه الذي يحْيا فيه. وقديماً قيل إن الأديب، أو المثقف بصفة عامة، «ابن بِيئته»؛ لذا، كان لزاماً عليه أن ينخرط في مجتمعه، ويعبر عن آلام أبنائه وآمالهم، ويلتحم بهم باستمرار. بعبارة أخرى، يتعيّن عليه أن يكون «مثقفاً عضوياً»؛ على حد عبارة غرامشي، وأن يلتزم بقضايا الجماهير. ولكن الملاحَظ أن علاقة المثقف بواقعه لم تحافظ، تاريخياً، على وتيرة واحدة مطّردة، بل عرفت لحظاتٍ من القوة والفتُور، وأحياناً من القطيعة نسبياً، تحكّمت فيها عواملُ عديدة بعضُها داخلي، وبعضُها خارجي. لعل أبرزها غياب الحرية، وانتشار قيم الاستبداد والتسلط، والتضييق على حَمَلَة القلم.
وقد لوحِظ، منذ عقود، تراجع كبيرٌ فيما يخص علاقة المثقف العربي بواقعه في بُعْديْه الخاص والعامّ، القُطْري والقومي، بل إن الأمر لم يقتصر على الحالة العربية؛ لأنّا نجد مثل هذا التراجع لدى غيْرنا كذلك، وإنْ بدرجاتٍ متفاوتة بالتأكيد. وهذا ما جعل بعضهم يتحدث عن «نهاية المثقف»؛ على نحْو ما تردّد سابقاً من مَقولاتٍ أخرى، من قبيل «نهاية التاريخ» التي روّج لها المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما، و«موت المؤلِّف» التي أطلقها البنيويون، وعلى رأسهم رولان بارط، و«موت الإله» التي اقترنت بالفيلسوف الألماني نيتشه... لقد كان صعباً قبولُ انسجاب المثقف، أو تراجُعه على الأقلّ، بالنظر إلى ما له من أدوار حيوية تتوقف عليها دينامية المجتمع وتطوره، وإلى ما يمتلكه من «رأسمال رمزي» من شأن استثماره والإفادة منه أن يسْهم في إنماء هذا المجتمع وتحريك دواليبه في شتى الميادين. ولعل هذا هو الدافع إلى دعوة كثير من المفكرين ورجالات العلم والثقافة إلى «الدخول في الفعل الثقافي»؛ كما قال بيير بورديو.
لقد كان قصْدُنا في هذه المقالة أن نقف عند حالة المثقف العربي وموقفه من الحِراك الذي يعيشه واقعه منذ مطلع السنة الحالية، في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، والذي أخذ يعيد اليوم «تعريف المثقف العربي ودوره في التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يفرض نفسَه على المنطقة وشُعوبها»2. وإذا كان هذا المثقف في غيبوبةٍ قبل اندلاع شرارة الثورة التونسية، إلا أنه استفاق بعد ذلك؛ كما أكد أمين معلوف في حوار أجْريَ معه مؤخراً3. ولكنّ استفاقته هذه لم تكن عامة، ولم تكن بصورة موحّدة، بل إنّا بالإمكان أن نرصد فيها درجات، ونسبةٌ مهمّة من أولئك المثقفين لم يستفيقوا بعدُ لأسباب معروفة! وهذا يدفعُنا إلى تأكيد فكرة أن المثقف العربي، في علاقته بما يعرفه واقعُنا الآنَ من احتجاجات وثورات، أصنافٌ وفئاتٌ، نستطيع اختزالها في ثلاثٍ بارزة. وفيما يلي بيان ذلك:
1- المثقف العربي مُنحازاً: 
وَجدت نسبة مهمة من المثقفين العرب نفسَها مضطرّة إلى اتخاذ موقف من الحراك العارم الذي اجتاح المنطقة العربية في الغرب كما في الشرق، وعدم الاكتفاء بالوقوف على الحياد والتفرُّج على ما يجري فيها من تحولات متلاحقة تُنْبئ برسْم صورة أخرى لعالم الغد العربي. ففريقٌ من أولئك المثقفين انحاز إلى شباب الثورة، وتعاطف معه، وتبنّى خياراته، ونادى بضرورة الاستماع إلى نبض الجمهور، والإسْراع بتلبية مطالبه المشروعة في الحرية والكرامة والشغل وغيرها. بل إن منهم مَنْ نزل إلى الشوارع والساحات العمومية، وشارك جنباً إلى جنب مع الجماهير الثائرة؛ مثلما فعل الروائي علاء الأسواني في عزّ الثورة المصرية المظفرة التي أطاحت بنظام محمد حسني مبارك ورموزه. وقد استحق على هذه المبادرة لقب «لسان الثورة المصرية»، وكانت سبباً في حصوله، مؤخراً، على جائزة الشاعر الإماراتي الراحل المجيدي بن ظاهر، الممنوحة من قِبل مؤسسة «ميتروبوليس بلو» الكنَدية للإبداع الأدبي، بالتعاون مع هيأة أبو ظبي للثقافة والتراث4. فهذا الصنفُ من المثقفين أعلنوا، منذ البدْء، انحيازهم اللاّمشروط إلى صف شعوبهم المقهورة، وآثروا الظهور بوجوههم مكشوفةً أمام الملإ دون خوف ولا وَجَل؛ لأنهم اقتنعوا بنضالات الجماهير، وقرروا الالتزام بقضاياهم العادلة، ولم يكتفوا ببعْث رسائل التأييد، والتنظير لحراك الشارع وتحريكه وتشجيعه من بعيد؛ على نحْو ما فعل كثيرون لم يجْرؤوا على الإفصاح عن حقيقة اقتناعهم، والنزول إلى ساحات تجمْهُر الثائرين. الأمر الذي جعلهم حاضرين وغائبين في الآن نفسِه. فهم حاضرون من حيث تأييدُهم لشباب الثورات العربية، وتوجيههم لنضالهم ولوْ من خارج معتصَماتهم وأماكن تجمُّعهم، وعدم إغفالهم عن تحركات أولئك الشُّبّان. وهم غائبون لعدم التحامهم، فعلياً، بالجماهير، وانخراطهم في نضالهم اليومي من أجل الكرامة والعدالة والحريات ونحْوها من المطالب التي يرفعونها. ويبدو أن هؤلاء ممَّن سبق لهم التعرض إلى أشكال من القمع والاضطهاد والتضييق والاكتواء بلظى أنظمتهم الحاكمة عقاباً لهم على كلمة قالوها، أو على تصرُّف بَدَر منهم، لم يَرُقْ تلك الأنظمة، ولم يوافق هواها.
وإذا كان عددٌ كبير من هؤلاء المثقفين قد انحازوا إلى الجماهير منذ انطلاق حركتهم وثورتهم، أو في بداياتها، وآمنوا بمشروعية مطالبهم، وبحق الشعب في الحياة الكريمة فوق أرضه، غير مُبالين بما قد ينجُم عن موقفهم ذاك فيما لوْ أجْهِضَت ثورتهم، فإن عدداً أكبر منهم تريّثوا، ولم يصدر منهم أي تأييد لثورات شعوبهم إلا في وقتٍ لاحق من عمْر تلك الحركات الاحتجاجية. ومثالُنا على ذلك اتحاد الأدباء التونسيين الذي التزم الصمت، ولم يعلن انضمامه إلى الشعب إلا بعد مرور مدة على بدْء الثورة التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي وحاشيته. ولذلك، لم يعوّل شباب الثورة في تونس على مثقفي هذا الاتحاد. تقول الأديبة التونسية سامية بن حسين: «الشعبُ التونسي، بكل مكوّناته، سحب البساط من تحت قدمي المثقف، وقال ما لم يجرؤ المثقف على قوله وفعله. كان المثقف، أو لنقل الأغلبية، مستقيلة من مهامها، مستسلمة إلى مصيرها، قابلة للوضع، وحتى إنْ عبّرت أقلية ونادت بالحرية يتم قمْعها أو سجْنها أو تمييعها. اليوم يحاول المثقف التونسي استرْداد حريته وكرامته، مستمدّاً شرعيته من الشارع ومن ثورةٍ لم يؤسسْها، لكنه مطالبٌ الآن بأن يساهم في حمايتها ومساندتها بكل ما أوتيَ من قوة.»5
مؤدّى ما سبق أن من المثقفين العرب نسبة لا يُستهان بها انحازت إلى حراك الشارع العربي الذي رفع شعارَ التغيير، وساندته بشكل مباشر أو غير مباشر. وأكثرُهم من الشباب المثقف المتشبِّع بقيَم الديمقراطية والحداثة، والمتسلِّح بالجُرأة والشجاعة، والمتطلع إلى بناء مجتمع يعيش فيه أبناؤه عيشة الكرامة والعزّة. وقد ألفيْنا هذه الفئة الشبابية نَشِطة في كل الثورات العربية الراهنة، كان آخرها شباب سوريا ومثقفوها الذين حرّروا مؤخراً بياناً، مذيَّلاً بأزيد من مائة توقيع، أعربوا فيه عن تلاحُمهم وتضامنهم مع أبناء وطنهم في درعا وبانياس والقامشلي وريف دمشق وغيرها من مناطق سوريا التي عرفت مسيرات احتجاج قُتل فيها إلى حد الآن المئات، وعبَّروا عن استيائهم وغضبهم ممّا يتعرض إليه مواطنوهم من قمع واعتقال وتقتيل. ومما جاء في هذا البيان: «نحن الكتاب والصحفيين السوريين نوجّه هذا البيان الاحتجاجي ضدّ الممارسات القمْعية للنظام السوري ضد المتظاهرين، ونترحّم على جميع شهداء الانتفاضة السورية ضد النظام، ونؤكد على حق التظاهر وكل ما  يُطرح من شعارات الوحدة الوطنية، والمطالبة بالحرية، وذلك وصولاً إلى المطلب الأهمّ، وهو إجراء حوار وطني شامل يضم جميع أطياف الشعب السوري، ويحقق مطالب التغيير السِّلمي.»6
وكان مركز الدراسات العربي – الأوربي بباريس قد أنجز استطلاعاً ثقافياً استجْوَب فيه أزيد من سبعين مثقفاً عربياً من المبدعين والنقاد والإعلاميين والحقوقيين وغيرهم، سواء أكانوا مقيمين بالمنطقة العربية أم بالمهجر، وذلك لمعرفة رأي هذه الطبقة في مدى حضور المثقف العربي أو غيابه عن لعِب أي دور في حركات التغيير الجارية الآن في العالم العربي. وقد تبيَّن من خلال إجابات المُسْتجْوَبين أن كثيراً منهم يؤكدون حضور ذلك المثقف، وإسهامه في الثورة العربية بأي صورة من صُور الإسْهام. إذ صرّح، مثلاً، الجزائري العلمي حدباوي بأن القائلين بغياب مثقفينا عن الحركات التغييرية الحالية «هم كمَنْ يقول إن التغيير الجاري انبنى على هبةٍ عاطفية ليس لها مُسوِّغ. وإن المنطق والتاريخ والواقع لَيَقولون إن سُفن الثورات لا تكتفي بالمجاديف الدافعة دون الرّبابين المفكّرة، ويؤكدون أن الثورة ما يكون لها أن تنجح من غير دور المثقفين.»7 ودافع الكاتب والإعلامي الأردنّي كامل النصيرات، في جوابه ضمن الاستطلاع المذكور، عن حضور المثقف العربي الملتزم بقضايا جماهير شعبه في الثورة العربية الحديثة، مؤكِّّداً أن مشكلة هذا المثقف التنويري أنه دائماً «يصنع التغيير، ولا يتصَدَّر المشْهد على أرض الواقع. لذا، فكلُّ ما يقوم به يسكُن في الباطن الجَمْعيّ للشارع المتحرِّك نحو التغيير...»8
وكيْفما كان الأمرُ، فالثابتُ أن الثقافة أسهمت في ثورات شعوب المنطقة العربية، وأن مثقفينا، ولاسيما شبابهم، قد لعبوا دوراً فيما تشهده من حركاتِ تغييرٍ منذ مطلع العام الجاري؛ إذ باركوا خُطْواتها، وشجّعوا صانِعيها، ووجّهوا – في كثير من الحالات – مساراتها، وشاركوا فيها – علناً – أيضاً سواء في ساحات التحرير والتغيير أو في الساحات الإلكترونية (المدوَّنات والمنتديات والمواقع الرقمية). والواقع أن هذا الجيل الذي فجّر الثورة في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا يحتاج إلى مصاحبة مستمرة، وإلى دعم متواصل، مادياً ومعنوياً، حتى تتحقق مطالب الشارع العربي المشروعة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويتم ذلك عبر إجراءات ذكَرَ فتح الله ولعلو؛ وزير الاقتصاد والمالية السابق، بعضَها في قوله إن المنطقة العربية، اليومَ، «تعيش لحظة لقاء بموْعد تاريخي، جيلُها الصاعدُ يطالب بالتغيير المنتِج للحرية والكرامة والتقدُّم، ويجب مصاحَبته من خلال خلْق شروط نجاح الإصلاحات، وعبر تيسير سُبُل انخراطه في مشاريع التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ليحمل باقتدار مشعل بناء المستقبَل.»9
وبالمقابل، ظهرت فئة أخرى من المثقفين العرب لم تنحزْ إلى صف الشعب وشباب الثورات العربية، بل إلى جانب النظام الحاكم؛ تدافع عنه، وتعدِّد مُنجَزاته، وتذكّر بشرعيته التي تلحّ على أنها معبَّر عنها جماهيرياً عبر صناديق الاقتراع، أو مستمدّة من كارزمية الشخص الحاكم وأفضاله المزعومة على شعبه، بل إن بعض مثقفي هذه الفئة لا يترددون في رَمْي الشارع ومعارضي أولياء نعمتهم بأسوإ الأوصاف أحياناً؛ من مثل المرتزقة، والجرذان، والإرهابيين. ولا شك في أن هؤلاء ممّن رضعوا حليب النظام الحاكم، وكوّنوا ثرواتهم الضخمة من تزلفهم إليه، واستفادوا منه امتيازات كثيرة يخافون أن تضيع منهم فيما لو حوّلوا وجهتهم عنه، وانخرطوا في الثورة مسانِدين حراك الشارع العربي، ومُتبنّين مطالبه العادلة في الحياة الكريمة. وانقلب عددٌ من مثقفينا الذين كانوا، إلى عهد قريب، يمارسون نشاطهم الفكري نظرياً، بعيداً عمّا يجري في واقعهم، إلى أبْواق للسلطة حشروا أنفسهم في المعْمَعة الجارية الآن، وتموْقفوا من الصراع الدائر بين الشعب والنظام، وهم – في الحقيقة – حكموا على ذواتهم بسوء العُقبى لَمّا قرروا – اقتناعاً أو طمعاً أو خوفاً – الانحياز إلى الحاكم ضدّاً على شعوبهم؛ لأن الشعب يبقى، والأنظمة أو الحكّام يزولون مهما طالت مُدَد جلوسهم على كراسي السلطان الوثيرة.   
ويحضُرني هنا مثالٌ لهؤلاء المثقفين المنحازين إلى النظام الحاكم، وهو المدعُو يوسف أمين شاكير، الذي يقدمه لنا التلفزيون الليبي الرسمي بصفته باحثاً ومحللا سياسياً ومعارضاً سابقاً لنظام العقيد معمر القذافي، ويخرج علينا كل يوم، منذ انطلاق الثورة الليبية، عبر برنامج «عشم الوطن» الذي يبثه التلفزيون المذكور، ليكشف عن انحيازه الواضح، ودفاعه المستميت عن حاكم ليبيا وأسرته واللجان الشعبية، وعن منجزات الفاتح وعبقريته وأياديه البيضاء على شعبه وعلى أمته وعلى أفريقيا وعلى العالم أجمع. كما أنه لا يتوانى في وسْم المعارضين بالمتآمرين والخوَنة والعُملاء والأفّاقين وناكري الجميل والجرذان (وهذه الصفة الأخيرة اقتبسها من خطابٍ سابق للعقيد) الذين يلزم استئصال شأفتهم، وتطهير ليبيا منهم «زنگة زنگة»! بل إنه يتوعّدهم بأشدّ الوعيد إن لم يعودوا إلى «رُشدهم»، ويرضوا بالأمر الواقع، ويكفوا عن المطالبة بحقوقهم!
2- المثقف العربي متردِّداً:
لقد تردد عدد كبير من الكتاب والمبدعين والمثقفين العرب، ووقفوا على مسافة من النظام الحاكم ومن الشارع المنتفِض معاً، ولم يبادروا بإعلان انحيازهم إلى أيٍّ منهما في بداية الثورات التي يشهدها العالم العربي اليوم، بل انتظروا أياماً وأسابيعَ حتى رجحت كفة «المعركة» لأحدهما، وكأني بهؤلاء يقولون: «نحن مع المنتصِر»! وأعتقد أن المثقف «الحقيقي» هو الذي لا يخشى من الإفصاح عن موقفه وعن قناعته، سواء أكانت بالانحياز إلى الثورة ومطالبها أم بتبني رؤية النظام والمنافحة عنها. ولا ريب في أن الدافع إلى مثل هذا التردد هو الخوف من عواقب الأمور ونتائجها في الحالتين معاً. فإذا انحاز المثقف العربي إلى شباب الثورة، وانتصرت على النظام، فستعظم صورة ذلك المثقف في مجتمعه، ويحظى بمزيد من التقدير والاحترام نظيرَ ما أبْداه من مواقف جَرِيئة في أوان الشدة والأزمة. ولكن إذا أيّد ثوار بلده، ورجحت كفة الحاكمين وكسبوا الصراع لصالحهم، فإنه سيُلاقي صعاباً في حياته، وقد يتعرض إلى أشكالٍ من التضييق والتهميش والقمع كذلك، على الرغم من أن موقفه ذاك سيظل محفوظاً في ذاكرة التاريخ النضالي الشعبي.
ونمثل لهذا الفريق من المثقفين بالشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي، الحائز على جائزتين رفيعتين من نظامين استبدادييْن أطاح بهما شباب الثورات العربية، هما نظاما مبارك وابن علي. فهذا المثقف فضل، في بداية ثورة مصر، الصمت والانسحاب، مكتفياً بمراقبة حراك الشارع في بلده. وبانتصار تلك الثورة، وجدْناه يثني على شبابها، ويعرب عن تأييده لحراكهم، ويأسف على قبوله جوائز من أنظمة عربية مستبدّة. ولكن كثيرين انتقدوه في ذلك، واصفين رد فعله هذا بـ»الثورية المتأخرة»، وحبذوا لو أنه رفض تلك الجوائز على غرار ما فعل، مثلاً، الروائي الإسباني العالمي خوان غويتيصولو حين رفض قبول جائزة ليبية تحمل اسم القذافي، رغم قيمتها المالية المُغرية التي يسيل لها لُعاب الكثيرين.
ومن هذا الصنف كذلك الأديب السوري الشهير علي أحمد سعيد، المعروف بـ»أدونيس»، الذي ترشح مراراً للحصول على جائزة نوبل للآداب. إذ إنه التزم الصمت، لما انطلقت شرارة الثورة في وطنه منذ منتصف مارس الماضي، ولم يبادر بإعلان أي موقف مما يحدث في جنوب سوريا ووسطها وشمالها؛ الشيء الذي جعل بعضهم يؤاخذ عليه صمته المريب هذا، لاسيما وأنه يكتب باستمرار في عدد من الصحف السيارة (كـ»الحياة» اللندنية)، وأنه صاحب «أغاني مهيار الدمشقي» وأشعار أخرى كثيرة في الثورة والمقاومة، وأنه يحمل الجنسية اللبنانية ويعيش خارج بلده متنقلا بين بيروت وباريس وعواصم أخرى منذ 1976. ولكنّا وجدْناه، فيما بعدُ، يغيِّر موقفه في اتجاه تأييد الثورة، وينتقد أسلوب النظام في التعامل مع المتظاهرين سلميا، ويدعو إلى التخلي عن «ثقافة الحزب الواحد»، ويقصد حزب البعث الذي يتحكم في الحياة السياسية السورية منذ 1963، معتبراً إياه «نسخة طبق الأصل عن فكرة ماضوية» تقول بـ«الإله الواحد، وبالتالي بحزب وحيد... يتمتع بحصْرية كل شيء.. ليس في السياسة فحسبُ، بل أيضاً في الاقتصاد والثقافة.»10 بل إن النظام في سوريا جعل هذا الامتياز بنداً دستورياً (المادة الثامنة)، وأسند حق تمثيل الشعب، بمختلف أطيافه، إلى حزب البعث ومن يركب قطاره، مستبعِداً كل مَن يعارضه أو يتبنى توجهاً مخالفاً له. وقد دعا أدونيس إلى إلغاء تلك المادة من الوثيقة الدستورية المذكورة، والتي عدَّها «أساس الوباء في الحياة السورية الراهنة: سياسياً واقتصادياً، ثقافياً واجتماعياً، إنسانياً وحضارياً». وألحّ على ضرورة «أنْ يرافق هذا الإلغاء قانون يسمح بتأسيس الأحزاب. فالتعدد والسِّجالُ وطرْح الآراء والنظرات المتنوعة أساسُ الحياة السياسية السّويّة. ولا بد من أن ترافقه كذلك دعوة لانتخاب تشريعي حُرّ، يؤسس لعهد جديد في سورية، تتنافس فيه القُوى الاجتماعية السياسية كلها، من دون استثناء، في مناخ ديمقراطي، وعلى نحْوٍ إنساني وخلاّق، ويتم فيه تداول السلطة سلمياً ووَفقاً للمعايير القانونية.»11
إن الموقف المتردد قد لا يكون مقبولاً من مثقف عربي يعيش في وطن عربي بين أبناء شعبه، ولكنه يبدو معقولاً حين يصدر عن الأجانب، وأقصد بالتحديد القُوى الغربية التي لها مصالحُ في المنطقة العربية كلها تخاف من تضييعها أو فقدها لموقفٍ تتخذه من هذا أو ذاك. لذا، ألفيْنا أكثر الدول الغربية، في أوربا وأمريكا، تتريّث، وتنتظر بروز ملامح رجحان الكِفّة لأحد طرفي «الصراع»، قبل أن تعلن انحيازها إلى الحراك الشعبي أو إلى النظام الحاكم، رغم علاقاتها الوطيدة بهذا الأخير في كثير من المناطق التي تشهد ثورات الآن.
وعلاوة على عملها بمبدإ الترقب، فإن دول الغرب، وأمريكا خصوصاً، لم تتعاملْ مع الثورات العربية تعامُلاً واحداً، ولم تنظر إليها بمنظار واحد، بل بالإمكان تصنيف رؤيتها الإستراتيجية لتلك الثورات إلى ثلاثة أصناف12. يضم الصنف الأولُ، أساساً، تونس ومصر اللتيْن انتظر الغرب مدة من الزمن، قبل أن ينحاز إلى صف شباب الثورة الذين أطاحوا باثنين من الأنظمة العربية الاستبدادية المعاصرة سلمياً، رغم ما فقدوه من أرواح، بل إنه بارك لهم ذلك الإنجاز، ووعدهم بتقديم مختلِف أشكال الدعم في سبيل تحقيق الانتقال إلى دولة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. ويضم الصنف الثاني دولاً مثل اليمن وليبيا اللتين سالت فيهما دماء غزيرة، ومورس على شعبيْهما عنف وقمع كبيران، وما يزال يُمارَس، ولاسيما في القطر الليبي، مما أحْرَج الإدارة الأمريكية التي تأكد لها أن بقاء نظامي القذافي وصالح مشكلة في حد ذاته، وأن الثورتين الليبية واليمنية عازمتان على وضْع حذّ لهما، ومحاكمة رموزهما، وإقامة نظام آخر مكانهما، أساسُه الديمقراطية وقيمها وضمان الحياة الكريمة للشعب، مهما كان الثمن. وعليه، فقد تدخلت واشنطن عسكرياً في ليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين من كتائب القذافي التي تقصف عشوائياً المباني الآهلة والمنشآت الحيوية، وتمارس أبشع صنوف الإبادة والقمع في حق أبناء ليبيا في الشرق كما في الجبل الغربي ومصراتة والجنوب وغيرها من المناطق، ولكنها تراجعت، فيما بعد، واكتفت بأداء أدوار أخرى في حلف الناتو الذي آلت إليه مهمة إدارة الحرب في هذا البلد؛ لعدة اعتبارات. وما زالت الإدارة الأمريكية تمارس الضغط على علي عبد الله صالح في اتجاه قبول التفاوُض مع أحزاب اللقاء المشترك والشباب الثائر، الذي يطالب بإسقاط نظامه، وتنحّيه؛ على غرار ما فعل مبارك في مصر تحت ضغط الشارع. وقد تنتقل إلى ممارسة ضغط أقوى عليه، بعد أيام أو أسابيع، أمام تمسُّكه بالسلطة، وإصرار الشعب على تنحيته، وفشل المبادرات الإقليمية التي تقدمت بها أطراف خليجية للتوصل إلى حلٍّ للأزمة في اليمن السعيد الذي لم يعد الآن «سعيداً»! ويضم الصنف الثالث بلداناً مثل البحريْن والأردنّ اللتين ما تزال الولايات المتحدة تأمل في استمرار نظام الحُكم فيهما، وتدعوهما إلى القيام بإصلاحات ضرورية عاجلة، والاستجابة لضغوط الشارع المتحرك، وتجنب الفتن والتصادُم مع شباب الثورة.
إن موقف التردُّد الذي تلتزمه كثير من القوى الغربية لم يَرُق قطاعاً واسعاً من الشعب العربي، الذي دعاها، تلميحاً وتصريحاً، إلى التدخل لصالحه، لاسيما حين كثر في صفوفه القتل والاضطهاد، وأحسّ بميْل كفة المعركة للنظام الذي استخدم كل ما يملك من أسلحة لإجهاض ثورة الشارع، ووضْع حذّ لآمال الثوار ومطامحهم في التغيير. ولم يقتصر طلب التدخل على العرب الثائرين فقط، بل طالب به عدد من سياسيي الغرب ومفكريه ممّن لهم بُعْد نظر، خصوصاً لما رأوا تقاعُس بلدانهم عن اتخاذ موقف واضح مما يجري في عديد من أقطار الوطن العربي خشية استيلاء «الإسلاميين»، أبناء التيارات الإسلامية، على مقاليد الحكم فيها في حال سقوط أنظمتها، ولكنهم أكدوا لهم أن شباب الثورة في تلك البلاد قد سحبوا البساط من تحت أقدامهم، كما سحبوها من تحت أقدام الأحزاب السياسية المتزايدة يوماً بعد يوم، ولكنْ دون جدوى، وأعلنوا أن حراكهم ثورة شبابية سلمية انبثقت من الشارع، ونادت بالحريات وتوفير شروط الحياة الكريمة. ويحضُرني في هذا المقام ما قاله أوليڤي لوروا؛ الخبير الفرنسي في شؤون الحركات الإسلامية، عن شباب الثورات العربية والإسلامية، ودواعي حِراكه، وعلاقته بهذه الحركات. ودعا في ثنايا ذلك الغرب الأوربي إلى دعم أولئك الشبان مادياً ومعنوياً. يقول: «من بنغازي إلى طهران، ينزل الشبّان إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية. لذلك يجب على أوربا أن لا تترك الخوف من الإسلام يعْميها، وعليها أن تدعم أولئك الشبان»، الذين فقدوا، على حد قوله، الثقة في الإسلاميين «كقادة سياسيين. لقد رأوا إلى أين أدى تطبيق شعارات الإسلاميين؛ مثل تطبيق الشريعة في السعودية، والطغيان الإسلامي في إيران وفي ظل الطالبان في أفغانستان. وبسبب هذه الأمور يكنّون لهم القليل من التقدير.»13
3- المثقف العربي وعدم الاكتراث بحِراك الشارع:
في الوطن العربي مثقفون، من تخصُّصات معرفية شتى، لم يُبالوا بالثورات التي أطلقها الشباب في بلدانهم أو في بلاد عربية أخرى، ولم يتابعوا مساراتها ولا إنجازاتها وإخفاقاتها، بل انشغلوا عنها بأمور أخرى لعلهم عَدُّوها أوْلى بالعناية. فإذا بك تجد من مثقفينا المتخصِّصين في مجال الكيمياء مَن انكبّ على إعداد تجاربه في مختبرات الكليات والمعاهد، والعمل في مشروعات علمية. وإذا بك تجد الباحث في الفقه الإسلامي منشغلاً بمطالعة المظانّ، ومدارسة كتب الفقه في مختلف المذاهب. وإذا بك تجد الناقد الأدبي مستغرقاً في الدراسة والتحليل وقراءة مُتون الإبداع الشعري والنثري ونحْو ذلك. وقِسْ على ذلك مثقفين من حقول علمية وأدبية كثيرة آثروا المُضي في أبحاثهم وتجاربهم، غير مكترثين بما يجري في الشارع العربي عموماً، ناسين، أو متناسين، أن توفر الأمان وأجواء الحرية والديمقراطية في بلدانهم عوامل تساعدهم، بلا شك، في ما هم بصدده! 
إن موقف هؤلاء المثقفين غير المكترث بحراك الشعب أساء إليهم في واقع الأمر؛ لأن المثقف الحقّ ابنُ مجتمعه، يكتوي بلظى عذابات شعبه ويأسى لَمّا يراه عائشاً في أوضاع البؤس والمعاناة والحرمان، ويسعد حين يسعد أبناء شعبه وأمته. بل إنه – بالأحرى – ينحاز إلى حيث يرى «الحقيقة»، وإن كانت في صفّ النظام! فالمثقف، كما يقول فيصل درّاج، «علاقة في مجموع؛ يرتقي بارتقائها، وينهض بنهوضها، وينكسر بانكسارها، ولا يرتفع فوقها إلا إذا كان نبياً؛ كما قال الفِلسطيني الراحل إدوارد سعيد.»14  
وقد بلغ هذا الصمت الغريب والمُثير بأحدهم إلى رمْي أولئك المثقفين بأوصاف تنطوي على كثير من القسوة، بل وإلى إقصائهم من دائرة «المثقفين الحقيقيين». فهم، في نظر فازع جبر عورتاني؛ الباحث الفلسطيني في المجال التربوي، ليسوا من هذه الفئة الشريفة المحترَمة، وإنما هم «مُسوخ أو أنصاف أو أرباع أو أشباه مثقفين، إضافةً إلى كونهم جُبناء ومنافقين من الطراز الأول، وانتهازيين وقابلين للبيع والشراء؛ فلا تصدّقهم الجماهير والشعوب والعباد. والمثقف العربي (الحقيقي) لا بد صانع التغيير، ومحرّض عليه وعرّابه، ويكون فاعلاً وليس مفعولاً به.»15
ولعل بُعْد مِثل هؤلاء المثقفين، أو أشْباه المثقفين، عن شعوبهم، وانشغالهم بمَشاغلهم الخاصة، مع أنه كان من المفروض عليهم أن يكونوا مُحرِّكي تلك الشعوب وموجِّهيها نحو شُطآن الديمقراطية والحرية والكرامة والتقدم، هو الذي جعل الجماهير تحيِّدُهم وتُبْعِدُهم من دائرة الفعل والتأثير، وتسحب من تحت أرجُلهم البساط، مثلما سحبتْه من تحت أقدام التيارات الإسلامية والهيآت السياسية، لتجعلَ حراكَها ثورة شبابية سلمية منظمة تطالب بالحقوق والحريات التي رأت نفسَها محرومةً منها آماداً، واحتجاجَها المتواصل في الفضاءات العمومية «صوت الرغبة في مستقبل جديد.»16  
4- نحْو مُصالحة حقيقية بين المثقف العربي وشعبه:
اِتضح لنا مما تقدَّم أن المثقفين العرب لم يقفوا موقفاً واحداً ممّا يعرفه الشارع في بلدانهم، وفي أمتهم ككلّ، من حراكٍ وثورة، وأن «طلاقاً» قد حصل بالفعل بين عدد مهمّ منهم وبين شعوبهم؛ فصمتوا عمّا يقع ، وانسحبوا من ميدان الثورات، ولم يأبهوا بكل الحراك، العنيف أحياناً (حالة ليبيا نموذجاً)، الذي اكتسح مناطق في شرق الوطن العربي وغربه معاً. وقد عُدَّ هؤلاء مثقفين سَلبيين، أو أشباه مثقفين، لم يستوْعبوا رسالة الثقافة، ولا دور المثقف العضوي المطلوب في كل زمان ومكان. الأمر الذي دفع إلى إعادة تعريف المثقف الحقّ، وتبيان وظائفه الأساسية في الحياة بعيداً عن الانغلاق والانشغال بما هو ذاتي وخاصّ فقط.
ولإرْجاع اللُّحمة بين المثقف العربي وجماهير شعبه وأمته، أو تقويتها، اقتُرحَت استراتيجيات ووجهات نظر تتغيّا تحقيق المصالحة بين الطرفين. فدعا بعضُهم المثقفين العرب إلى الخروج عن صمتهم وحيادهم وعزلتهم للانخراط في «قلب الفوضى الاجتماعية»؛ على حد تعبير دوركهايم، والالتحام بالشعوب الثائرة، والالتزام بقضاياها العادلة، وتبنّي مطالبها في الحياة الكريمة كلها. واقترح أحدُهم استراتيجية ثقافية أسْماها «استراتيجية التطهر والتطهير من الداخل»، ترمي إلى «إعادة بناء الجسم الثقافي العربي بما يليق به من وَهج، مع الاعتراف بوجود أصوات نبيلة لديها مواقفُها ومبادئها.. أصوات لم تروّض، رغم الضغوطات القوية، وعاشت بما يليق للمثقف من كبرياء المبدإ، وشُموخ الروح.»17 ودعا المؤتمرون المشاركون، مؤخراً، في فعاليات الدورة الثانية لملتقى «سرْد وكتابة حوض البحر المتوسط»، التي انعقدت بمكتبة الإسكندرية، بالتعاوُن مع المجلس الثقافي للاتحاد من أجل المتوسط، إلى المصالحة بين المثقف العربي وشعبه الذي ثار طلباً للحقوق والحريات المشروعة، وإلى تمتين الروابط بينهما، مؤكِّدين أهمية دور الكتابة والأدب والتدوين الرقمي في نجاح الثورة في بعض بُؤر الحراك العربية.18
وأودّ، ها هنا، ألاّ أفوِّت الفرصة دون الإشارة إلى الإسهام البارز والحاسم لوسائل الاتصال الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي في هذا «الربيع العربي» الذي انطلق منذ بداية العام الجاري، وشكّل، فعلاً، بداية لعصْر عربي جديد سيكون حتماً مختلفاً عن سابقه في كل شيءٍ. فبفضل ثمار التكنولوجيا الحديثة هذه تمكن شباب الثورات العربية من حشْد الجماهير، والتعبئة، والتعريف –على أوْسع نطاق– بأهدافهم وبمطالبهم اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، والخروج إلى الشوارع والميادين للتظاهر وانتزاع الحقوق من أيدي حُكامهم بطرق سلمية. ولم يندَّ عن هذا المَهْيَع سوى ثوار ليبيا الذين نزلوا إلى الشارع، بادئ الأمر، للاحتجاج سلمياً، ولكن نظام القذافي اضطرّهم إلى حمْل السلاح في وجهه دفاعاً عن أرواحهم وممتلكاتهم، مدعومين بعدد من الجهات الغربية والعربية، سعْياً إلى الإطاحة بالزعيم ونظامه كله الذي عمّر لما ينيف عن الأربعة عقود. ويصعب على الأنظمة القمْعية التدخل الآن بهمجية ضد المتظاهرين لقمْع مسيراتهم السلمية، خوفاً من افتضاح أمْرها أمام العالم أجْمَع، بفضل وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة (الهاتف النقال – البريد الإلكتروني – المدونات – اليوتيوب – الفايسبوك – التويتر...). فثورة أبناء حماه في سوريا سنة 1982 ليست هي ثورة درعا الآن؛ ففي الحالة الأولى تدخَّل نظام الأسد وقمَعها وقتل فيها خلقاً عديدين، دون أن يعرف العالم شيئاً ذا بال عن ذلك، على حين أنه في الحالة الثانية انكشف أمره بمجرد سقوط أول قتيل في الجنوب السوري! ولا ننسى، في هذا السياق كذلك، الدور الأبرَز الذي لعبته وسائل الإعلام والفضائيات العربية والأجنبية (كالجزيرة، والعربية، والحرة، وقنوات أمريكية وأوربية عدة) في نقل ما يجري في الوطن العربي من حركاتِ احتجاجٍ ومسيرات سلمية وغير ذلك من مظاهر الحراك الشعبي، وكشْفه للعالم كله في أيامنا هذه التي شاءت العولمة أن تجعلها بادية للعيان، مُزيلةً أي قيود أو موانع قد تغطي ما يحدث وتستر عليه، على الرغم من أن بعض الأنظمة العربية حاولت، لاسيما في بدايات الثورة فيها، إخفاء الحقيقة الجارية على الأرض، وقطْع خِدمات الهاتف والإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي، والتشويش على بعض القنوات التي «تقلقها»، ولكن سَرْعان ما تراجعت عن ذلك تحت ضغط قوى الغرب. وننبِّه، ها هنا، إلى أن تغطية تلك القنوات لم تكن موضوعية في كل عملها، ولم تكن تنقل الحقيقة دائماً، بل كانت تسقط أحياناً في نقيض ذلك، وتقع في أخطاءٍ طالما جَرّت عليها نقداً كثيراً. وقد اعترف بهذه الأخطاء صانعو ذلك الإعلام والعاملون من داخله أنفسهم، ونكتفي – في هذا الإطار – بإيراد ما قاله محمد كريشان؛ الإعلامي المعروف في قناة «الجزيرة» القطَرية، الذي أكّد أن «الإعلام وصانِعيه في كل هذه الثورات العربية لم يكونوا لا ملائكة ولا شياطين، لا أبطالاً ولا عُملاء؛ أصابوا هنا وأخطؤوا هناك، وتردّدوا بين هذا وذاك أو تعثروا. لم تكن دائماً للإعلام بوْصلة واضحة في جميع الثورات، ولا كان مُنْصفاً أو مهْنياً في جميعِها. تسللت الاعتبارات السياسية وغيرها من هذه الثغرة أو تلك، فأثرت بدرجة أو بأخرى. والقولُ بغير ذلك مُكابَرة أو تضليل.. لا أحدَ كان على صواب دائم، أو ضلال دائم.. لا أحدَ... لا الإعلام ولا الصِّحافيين ولا السّاسة ولا الجُمْهور... فقد كانت لكلٍّ حساباته المعلَنة أو الضمنية، وكل واحد أصابه تشويش مّا في موضع ما.»19 
إن المثقف العربي مُطالب اليومَ بالتحلي بالجُرأة والشجاعة في قلب الحراك الشعبي الذي يعمّ أرجاء المنطقة العربية، وتبنّي مطالب شباب هذا الحراك العادلة، والإسهام في بناء مجتمع جديد تسوده قِيم الديمقراطية والحداثة والتعاون والحريات، وتوجيه ذلك الحراك إذا تبيّن له زَيَغان بوصلته عن الجادّة. ونعتقد أن الأمة العربية الآن تمر بمخاض عسير، وبلحظة تاريخية حَرجة ستزول، حتماً، فاتحةً بابَ عصر عربي جديد، ولا بد للمثقف العربي أن يتخلى عن صمْته وتردده إذا كان من الفئتين الثانية أو الثالثة، وأنْ يُسْهم في استعادة الاستقرار والثقة، وتصحيح الأخطاء، وتوحيد الصفوف، ووضْع «قطار بلده» على السكّة. ذلك بأنه لا معنى لأنْ يظل على حياده السلبي، ويستمر في التفرُّج على ما يجري أمام تصاعُد حدة الصراع بين الأنظمة وشعوبها، وسقوط مزيد من الضحايا والجرْحى، وتدمير البُنى التحتية في كثير من بؤر التوتر العربية الآن، والتي تطَلَّب تشييدُها أموالاً باهظة، وسنواتٍ طويلةً من العمل! ولن يكون دور هذا المثقف فاعلاً، وموقفُه نزيهاً، إلا إذا مُتِّع بالقدْر الكافي من الحرية في التعبير المسؤول غير المنحاز سوى إلى صف الحق. فلا مناصَ، لضمان استعادة المثقف العربي دورَه الفاعل في مسلسل التغيير والإصلاح، من «إتاحة المجال أمام المثقفين الراغبين في إنتاج خطاب ثقافي مختلف، عبر فتْح قنوات التعبير أمامهم؛ بحيث يتم الفصْل تماماً بين مصلحة الجهة المتبنِّية لمُساهمات المثقف عن نَتاج هذا المثقف، والفصْل أيضاً من طرف المثقف ذاتِه بين مصالحه وبين مُنتَجه الثقافي.»20
خلاصة القول أن المثقف العربي لم يتخذ موقفاً واحداً من الثورات التي تجتاح كثيراً من مناطق الأمة العربية اليوم، مُطالِبةً بالإصلاح والتغيير والتنمية وتحسين الأوضاع في مختلف المجالات الحياتية، بل إن منها ثورات رفعت سَقف مطالبها إلى المُناداة بإسقاط الأنظمة الحاكمة فيها، وقد نجح بعضها في ذلك، وأقصد هنا حالتيْ تونس ومصر، ولكنها لم ترفعْ ذلك في بداية تحرُّكها، بل طالبت بذلك بعد تعنُّت تلك الأنظمة، وتهرُّبها، وعدم تجاوُبها إيجاباً مع المتظاهرين سلمياً بأنْ تستجيب لمَطالبهم العادلة في الحرية والكرامة والانتقال إلى مجتمع الديمقراطية والحقوق، ولجوئها – بالمقابل – إلى استخدام لغة العنف الذي أدى إلى سُقوط المئات من الضحايا، فضْلاً عن الآلاف من الجرْحى والمُشرّدين. ونرى، في ختام هذا المقال، أن تلك الثورات – رغم هذا الحجم الكبير من الخسائر في الأرواح كما في المُنْشآت – قد فتحت عهْداً جديداً في الأمة العربية، وأبانت عن وُجود جيل جديد من أبنائها توّاق إلى الكرامة، وإلى أن تتبوّأ أمته مكانة أسْنى بين الأمم، وإلى أن يعيش في مجتمع يقطع مع أساليب الماضي القمْعية والاستبدادية، وينتقل إلى الديمقراطية ودولة الحق والقانون. وإن المطالبة بالتغيير والإصلاح أمرٌ مشروع، بل واجبٌ، طالما أن هناك أوضاعاً غير طبيعية، وأموراً مُنكرة، وظواهرَ غير مقبولة، واختلالات في شتى الميادين. ومِصْداقُ ذلك، في شريعتنا السمْحة، قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: «مَنْ رَأى مِنْكُم مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِه، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِه، فَإنْ لَم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِه». (صحيح مسلم) ولمّا كان المثقف من صِفوة ذلك المجتمع، كان لزاماً عليه أن ينْحازَ إلى جانب الحق والمظلوم، وأن يعلن تأييده لأي مطالب إصلاحية طالما أنها تبتغي القضاء على الفساد والاحتكار والاستبْداد، وتصحيح أوضاع منكرة ومختلّة، وتحقيق العدالة والنّماء، والإسْهام في بناء الدولة الحديثة؛ دولةِ المؤسسات والقانون والديمقراطية. ولا يكفي أن يكون هذا المثقف، في عديد من البلدان التي لم يتحقق فيها بعدُ الانتقال الديمقراطي، فاعلاً في مرحلتيْ ما قبل الثورة وأثناءَها، بل يتعيّن أن يستمرّ دورُه الطلائعي ذاك إلى ما بعد الثورة في حال نجاحها؛ كما في تونس مثلاً، وذلك عن طريق الإسْهام في اسْتِتْباب الأمْن، ونزْع فتيل الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، لاسيما إذا كان طائفياً، وإرْساء دولة جديدة على أسس متينة في مختلِف المجالات تكون أقْدَرَ على مجابَهة التحديات، وقطْع الطريق أمام بعض العناصر المُخرِّبة التي لا يهمُّها أمر استقرار وطنها وتنميته، وتكون، في الغالب، من أنصار النظام الذي أسقطته ثورة شبابه، أو من المُفسدين ذوي النيّات السيئة. فالواقعُ أن في كثير من المجتمعات العربية التي تشهد حركات احتجاجٍ وثورات اليوم مجموعاتٍ مما ذكرتُ «لا يرْدعها خوف من الله تعالى، ولا مُروءة أهل الفضل. وهي بالتأكيد مجموعاتٌ في غاية التربُّص والانتظار لأي انفلات أو فوْضى لتهجُم، كالسِّباع الضارية، على غيرها سرقةً، وسفكاً للدماء، وهتْكاً للأعْراض المحرّمة، وانتقاماً لثارات قديمة. فإذا انفلت الأمن انفتحت الأبواب الواسعة لهؤلاء المُفسدين في الأرض لتحقيق مآربهم الإجرامية. وكثيرٌ ممّن يطلب التغيير لا يريد هذا قطعاً، لكنه لا يتفطّن إلى أن التغيير المتعَجْرف يمكن أن يفتح الباب لهؤلاء المفسدين

  1- عبد السلام المسدّي: عواصف التغيير، مجلة «دبي الثقافية»، ع.71، س.7، أبريل 2011، ص74، بتصرف.
2- خالد الحروب: نظرة على واقع المثقف العربي – المثقفون والثورات العربية، مقال منشور في موقع «قنطرة»، بتاريخ 10/04/2011. (www.qantara.de)
3- أجرى الحوارَ معه عبد الإله الصالحي، جريدة «الأحداث المغربية»، ع.4333، س.13، الجمعة 22/04/2011، ص12.
4- جريدة «أخبار اليوم المغربية»، ع.440، الثلاثاء 10/05/2011، ص13.
5- جريدة «أخبار اليوم المغربية»، ع.427، الإثنين 25/04/2011، ص13.
6- جريدة «أخبار اليوم المغربية»، ع.429، الأربعاء 27/04/2011، ص18.
7- لماذا المثقفون غائبون عن لعب أي دور في حركات التغيير العربية؟ (استطلاع ثقافي)، منشور في عدة مواقع رقمية؛ منها موقع «صحافة. نت»، بتاريخ 04/03/2011. (www. Sahafah.net)
8- نفسه.
9- مقاله «ميلاد جيل جديد وضرورة مصاحبته»، جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، المغرب، ع.9764، الجمعة 22/04/2011، ص6.
10- جريدة «أخبار اليوم المغربية»، ع.436، الخميس 05/05/2011، ص13.
11- مقاله «للّحظة السورية .. مرةً ثانية»، جريدة «أخبار اليوم المغربية»، ع.437، الجمعة 06/05/2011، ص16.
12- محمد المنشاوي: الرؤية الإستراتيجية الأمريكية للثورات العربية، جريدة «المجاهد الأسبوعي»، الجزائر، ع.2647، من 26 أبريل إلى 3 مايو 2011، ص14.
13- عزيز مشواط: الغرب وثورات الشعوب العربية – سوء الفهم الكبير، مجلة «هسبريس» (صحيفة إلكترونية مغربية تُحَيَّن يومياً، ع.26/04/2011. (www.hespress.com)
14- فيصل دراج: مقاربتان ثقافيتان لظاهرة الثورات العربية الراهنة، جريدة «أخبار اليوم المغربية»، ع.433، الإثنين 02/05/2011، ص15.
15- لماذا المثقفون غائبون عن لعب أي دور في حركات التغيير العربية؟ (استطلاع ثقافي)، م.س.
16- أحمد أبو زيد: منطق الثورات الحديثة، مجلة «العربي»، الكويت، ع.630، مايو 2011، ص32.
17- فريدة العاطفي: حركة 20 فبراير من أجل فتح نقاش ثقافي، جريدة «أخبار اليوم المغربية»، ع.424، الخميس 21/04/2011، ص13.
18- جريدة «المنعطف»، المغرب، ع.4021، الأربعاء 04/05/2011، ص12.
19- محمد كريشان: الإعلام والثورات العربية، جريدة «المساء»، المغرب، ع.1437، الجمعة 06/05/2011، ص8، بتصرف.
20- مها حسن: دور المثقف في التغيير، مقال منشور في موقع «الأوان»، بتاريخ 26/05/2009. (www.alawan.org)
21- عبد الله بن عبد العزيز العنقري: المطالبة بالتغيير في الميزان الشرعي، مجلة «أمتي»، الكويت، ع.72، أبريل 2011، ص24، بتصرف.
  فريد أمعضـشـو (2011-06-27)
رجوع إلى الملف
   
   
مواضيع ذات صلة

-

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia