عن أي مثقف وأي تغيير نتحدث؟ حسن الرموتي
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

ãáÝÇÊ
  حسن الرموتي    
عن أي مثقف وأي تغيير نتحدث؟

من المؤسف في المجتمعات العربية أن الثقافة غائبة تماما، والعديد من المظاهر تكشف هذا التخلف والغياب، إن نسبة الأمية، ومعدل القراءة، وعدد المنشورات إذا ما قيست بعدد سكان الوطن العربي ومستوى التدريس في جامعاتنا، يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا، ونقول إننا أمة تكاد تكون شبه ميتة. من هذا المنطلق كيف يمكن للمثقف أن يساهم في التغيير المنشود في ظل هذه الشروط. من المؤسف أن الثقافة في المجتمعات العربية  ومنها المغرب، توجد داخل السياسة، هذه الأخيرة هي التي تحتويها، وتوجهها، وتغطيها بعباءتها، أي أن الثقافة في كل تجلياتها، وبالمفهوم الكلاسيكي الذي قال به ادوارد تايلر، بأنها ذلك المركب إلي يشمل على المعرفة والعقائد والفنون والأخلاق والتقاليد والقوانين وجميع المقومات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع.... توجد في قلب السياسة في مجتمعاتنا، وأعتقد أنه كان من المفروض أن تكون السياسة جزء من ثقافة أي مجتمع... أو على الأقل أن تكون السياسة من العناصر التي تخدم الثقافة مادمنا كعرب نحلم بمجتمع حداثي وديمقراطي متقدم، بمعنى أن يلعب السياسي دورا هاما في  تأمين الثقافة. الثقافة الحرة بعيدا عن أي وصاية، أو تواطؤ. إن المشهد العربي اليوم في حاجة إلى مثقفين حقيقيين  مستقلين يكونون درعا واقيا للمساهمة في التغيير وفي الصراع الثقافي والسياسي الذي نراه اليوم على الصعيد الكوني، ولكي يساهموا في صناعة التاريخ، وليس فقط الشعوب وحدها والذي قد تحركها مطالب بسيطة وضرورية كان من اللازم توفرها للمواطن، إن هذا التغيير لن يتأتى إلا بثقافة منفتحة حرة أصيلة، تستمد مقوماتها من الداخل ومن الثوابت، ومنفتحة على الثقافات الأخرى بوعي نقدي، وقد تنبه إلى ذلك العديد من المثقفين لكن دون أن يتحرك المسئولون. تحضرني أن الراحل الدكتور طه حسين وقبل وفاته اقترح على مؤسسة العمل العربي المشترك أن يترجم أعمال شكسبير، فقال البعض: ما للجامعة العربية ولترجمة شكسبير، أليس من الأولى أن تترجم ما له علاقة بعروبتهم... جواب ينم عن قصور في التفكير لا حدود له، كأن ما يهم العرب، هو ما له علاقة بهم فقط. إن القضية الجوهرية التي نعاني منها ليست فقد هي صدق الخطاب، وبراءة المثقف ودعوته.. بل إن الأمر يفوق ذلك، إننا نعيش وضعا موكبا داخل مجتمعاتنا، ومثقفونا  يعيشون في عزلة  تكاد تكون تامة، ثم إن ثقافة الحوار غائبة أصلا من أذهاننا، فكل واحد يتجاهل الآخر، عمدا أحيانا، يتحدث مع نفسه وفي أحسن الأحوال يتوجه إلى قارئ غير محدد كما يرى الدكتور محمد جسوس... ولعل من أهم القضايا التي مازلنا نكتوي بنيرانها هي المركزية الثقافية والنرجسية الذاتية لدى المثقف والساهرين على الثقافة، ولعل الصراع الحالي بين وزير الثقافة والمهتمين بشؤون الإبداع في المغرب يظهر حجم معاناة الثقافة في المغرب، فعن أي تغيير نتحدث في ظل تغليب المصالح الخاصة. إن العديد من المثقفين يتم تغيبهم قصدا وعمدا رغم أنهم ينتجون ثقافة وأدبا أصيلين أكثر غنى وتنوعا وعمقا مما ينتجه الساهرين عن شؤون الثقافة، لقد كشفت العديد من المحطات الثقافية مثل المعرض الدولي للكتاب في دورته الأخيرة مثلا، وفي العديد من الملتقيات أكثرها فنية كالغناء والسينما، في حين يغيب الشعر والرواية والفكر... لقد كشفت الكثير من هذه المحطات أننا أمة أهواء وعواطف لا أمة عقل ومنطق... بل أن بعض الخطابات التي سادت في بعض وسائل الإعلام والجرائد تكشف عن قصور ثقافي ووعي وإعلامي واضحين، وبالتالي عن أي المثقف نتحدث؟ إننا نجد أنفسنا أمام أشكال ثقافية متعددة كثيرا ما تقف على جانبي النقيض، من أقصى التزمت والانكفاء ومحاربة كل ما هو جديد، بل الدعوة إلى حرق بعض كتب التراث،  إلى أقصى  الجانب الأخر حيث التفسخ والانحلال الأدبي والأخلاقي.... إن السؤال الأكثر إلحاحا هو عن أي مثقف نتحدث وما هو هذا التغيير الذي نسعى إليه؟ أعتقد أن مشاكلنا وقناعاتنا وأحلامنا  تفرقنا أكثر ما تجمعنا، والدليل هذه الصراعات والخصومات الظاهرة والكامنة، تحتاج فقط لمن يوقظها، والمتأمل لهذا المشهد سيحس أننا أمام فئات اجتماعية ومناطق جغرافية، لكل ثقافته وخصوصياته، وعوض أن يكون هذا التنوع مصدر قوة واتحاد يسعى البعض ليجعله سبيلا للتفرقة، بل قد يساهم المثقف بوعي منه أو بدون وعي في تكريس هذا التشتت. إن السعي نحو التغيير هو معاناة ومكابدة صعبة تتولد من الوعي بالأزمة التي نعيشها وتحمل المسؤولية، من الفكر الحر والمتفتح، واعتراف كل طرف بالآخر، وحسن الإصغاء، لكن يبدو من المؤسف أننا  نعيش صراعا بين الماضي الذي يكبلنا، وعاجزون عن تصور المستقبل في ظل النظام العالمي  الجديد. إننا نكيل لبعضنا الشتائم ونكيد لمن يخالفنا الرأي، ولا نحل مشاكلنا بالمنطق والعقل. إننا كدول متخلفة ومركبة ذهنيا واجتماعيا واقتصاديا يدفعنا لنقول دون مغالاة أن مجتمعاتنا العربية تعيش عصورا، عصر ما قبل الرأسمالية، وما قبل البورجوازية، وما قبل الحداثة، وما قبل الديمقراطية...إلخ بمفهوم الحقيقي لهذه المصطلحات، وبالتالي عن أي مثقف نتحدث في ظل هذه الأوضاع. إن كثيرا من المثقفين الذين لهم مكانتهم على الساحة العربية إبداعا وتنظيرا، لهم مواقف متطرفة من اجتهادات الآخرين، ليس في المغرب فقط بل يتعداه إلى باقي الدول العربية، ألم يصرح أدو نيس يوما أن مشروع الدكتور عابد الجابري لم يقدم أي جديد في كل دراساته وإنما صنف ما قاله سابقوه، وهذا يحيلنا على ما قاله الصاحب أبن عباد في حق كتاب ابن عبد ربه: هذه بضاعتنا ردت إلينا، وموقف جورج طرابشي لا يختلف في جوهره عن موقف أود نيس... رغم أن ما أثاره كتاب الجابري الأول –نحن والتراث– لم تثره كل كتابات أدونيس، إذن عن أي مثقف؟ إن المثقف العربي يرى العالم العربي مهمشا، ويزيد من تهميشه، ومن المؤسف أن هذه المعارضة من طرف بعض هؤلاء، لا علاقة لها بالثقافة...  فأصبحنا اليوم نسمع بنزعات قومية عنصرية تطفو على السطح ويقودها مثقفون العرب.... ففي خاتمة إحدى روايات الناقد والروائي المغربي محمد برادة تخاطب -ف.ب- الروائي قائلة: «أنت أيها الكاتب جالس بين مقعدين، لا تستطيع أن تعلن انتهاء الماضي، ولا أن ترسم معالم المستقبل تتخطى ذلك الماضي، لعبة النسيان لم تعد تجدي، ومفعولها في التهدئة استنفذ مداه». هكذا يرسم محمد برادة أزمة المثقف في عالمنا العربي، المثقف الذي لم يتجاوز بعد هذا الصراع الذي يقيده يجعله يعيش واقعا مركبا بين الماضي والحاضر، وبعيدا عن أي تصور واضح للمستقبل... أعتقد أن على المثقف العربي أن يعيد قراءة واقعه، بعيدا عن أي انتماء ضيق، منفتحا على الآخر ومنصتا له، ويقوم بنقد ذاتي لمواقفه ورؤيته ومستعدا لسماع أراء الآخرين واحترامها... والاعتراف بصوابها إن كانت كذلك،... والاعتراف في نفس الوقت بالحق في الاختلاف، إننا نريد مثقفين ملتزمين صادقين مع أنفسهم أولا ومستقلين ثانيا، لا نخب استهلكها التنظير ورؤية الأمور من الأعلى، لا نخب ثقافية متواطئة مع آليات السلطة وسياسة الطغيان، إن ما نشهده اليوم من تطورات واحتجاجات والدعوة إلى التغيير والتي تجتاح العالم العربي دليل على القهر والشعور بالمهانة والاستغلال والاغتناء على حساب الفقراء... ومن المؤسف أننا تأخرنا كثيرا في هذه الدعوة إلى التغيير، أين كان المثقفون  طيلة هذه المدة الزمنية؟ الأمر فيما أعتقد  يتعلق بخطاب هؤلاء المثقفين، لغة هؤلاء لم تستطع أن تصنع الحدث السياسي، رغم أن الثقافة من أهم مكونات الأمة فان السياسة قد انقلبت على الثقافة فكانت هذه الانتكاسة التي نجتر اليوم سلبياتها، المثقف عندنا كما يرى عبد الله العروي يعيش في عالمين مفصلين ويواجه يوميا مظاهر التخلف واللامعقول ويتألم منها ويشتكي لكن عندما يكتب يبقى سجينا للمرويات والمقروءات فيفعل كما لو يعيش في مجتمع متقدم. من هذا المنطلق نتسائل ماذا فعل المثقف المغربي والحزبي منه خاصة؟ رؤساء اتحاد كتاب المغرب، وزراء الثقافة... ماهي الحصيلة النهائية...؟ أن غياب الإرادة الحقيقة والعقل والتنظيم واستعمال لغة جديدة كاشفة وقبول الرأي الآخر والإنصات إليه والانفتاح على الآخرين هي ما ينقص مثقفينا... لذلك كان هذا النفور من الثقافة ومن المثقفين، في اللحظة الراهنة وفي ظل التطورات التي تعيشها العديد من المجتمعات العربية والتي يقودها الشارع وأحيانا بتلقائية ودون تصور سياسي واضح يجعلنا نعتقد أن المثقف فقد بريقة ودوره في قيادة التغيير، أصبح الشارع والبسطاء من الناس مكانه هذا المثقف، لأن هؤلاء أكثر أحساس بالأزمة وإن كان وعيهم بها ليس جليا، لأن الأمر يحتاج لعقود حتى تتغير العقليات والتصورات لكني لست متفائلا  بتغيير يقوده المثقف اليوم، لأن مشاكلنا بنيوية ومركبة تحتاج تصحيح، وإلى وعينا بالتاريخ الذي بدأ يتحرك في غفلة منا.

 
  حسن الرموتي (2011-06-27)
رجوع إلى الملف
   
   
مواضيع ذات صلة

-

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia