حوار مع الباحث المغربي د.مصطفى الغرافي-حاورته عزيزة رحموني
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
حوار

حوار مع الباحث المغربي د.مصطفى الغرافي

  د.مصطفى الغرافي    

مثقف وسيم دمث الأخلاق باحث شاعر فتّش عن صورة المرأة العربية العاشقة في نصوص الادباء كما فتّش عن لوثة الحبّ في كتب الفقهاء، و لم ينسَ النبش عن الموت في جدارية محمود دريش كما كتب عن النّص الرقمي "من النسق اللغوي الى النظام الاستيطيقي"... إنّه الاديب الدكتور مصطفى الغرافي الذي يصرخ:
"من لم يكتب، لم يعِشْ". قبل ان يضيف بنوع من المرارة:
"صفة 'الكاتب'...سراب أكثر منه حقيقة متجسدة"
مصطفى الغرافي الكاتب الباحث يؤمن بأنّ "الاشتغال بالإبداع عندنا تجارة بائرة والكتاب سلعة كاسدة" و أنّ" الذهنية المغربية تتحدد باعتبارها فاعلية فقهية وفلسفية أكثر منها فاعلية أدبية أو جمالية"...
لنتابع الحوار التالي:


-    قبل البدء، ماذا تمثل الكتابة بالنسبة إليك؟
-    لطالما آمنت أنه لن يتبقى من محترف الكتابة سوى شعلة الإبداع وشهوة التعبير. الكتابة وحدها تمنحك مبررا للاستمرار في هذا العالم الذي لم يعد مغريا بالقدر الكافي كما كان. من دون كتابة تغدو الحياة خطأ جسيما يحتاج إلى ترميم أو تعديل. الكتابة دعوة إلى الانغراس عميقا في الذات والحلول في الكائنات. طالما رددت هذه العبارة المنذرة بالحقيقة الفاجعة "من لم يكتب، لم يعش". عشق الكتابة وهوس التعبير يستبد بك فيجعلك في كثير من الأحيان تخرج عن طورك لتكون غيرك أنت الذي لم تحلم يوما سوى بأن تكون "أنت" في غربتك واغترابك. كم حاولت من دون جدوى القبض على ملامح وجهي في الكتابة، أنا المنشق عن ذاتي، فلم يعلق بأصابعي غير الهباء في عبقه اللازوردي وامتداده اللانهائي. الكتابة وعي شقي بالذات وبالعالم. لطالما آمنت أننا لا نكتب إلا بعد فجيعة أو انكسار يصهران الروح ويجعلانها شفافة تستطيع النفاذ إلى جوهر الأشياء. صفة "الكاتب" بالنسبة إلي حلم يراودني في اليقظة والمنام لكني واثق تماما أنه سيبقى شبحا أو طيفا يخايلني نعم. قد أطارده أو أجري خلفه، نعم، لكني أبدا لن أمسك به. إنه سراب أكثر منه حقيقة متجسدة. هذا قدر الروح الملتاعة التي لا تملك غير معانقة فجيعتها والالتحام بها.

-    ما هو حال الإبداع في مغرب اليوم؟

المشهد الإبداعي المغربي لا يبعث على الارتياح هذه الأيام حيث ترتفع أصوات المبدعين بالتذمر والشكوى من واقع ثقافي تخيم عليه مظاهر التراجع ويمكن تلخيص أزمة الابداع في تزايد العرض وضعف المقروئية. في الغرب احتفاء بالمعرفة وتشجيع للباحثين لا نجد لهما أثرا في واقعنا الثقافي. هناك تقاليد قرائية تجعل الإنسان الأروبي يقبل على التثقيف الذاتي من خلال قراءة الكتب والمجلات في المقهى والحدائق العامة ومحطات القطار مما يجعل فعل القراءة طقسا يوميا. أما عندنا فهناك تبخيس للكتاب الإبداعي الذي لا يقبل عليه أحد. ولذلك نجد بعض الكتاب الذين خاضوا مغامرة طبع كتبهم على نفقتهم الخاصة يحتفظون بها في بيوتهم أو يوزعونها بأنفسهم على المكتبات والأكشاك لكي تتعرض للتلف بسبب أشعة الشمس الحارقة أو أمطار الخير. الاشتغال بالإبداع عندنا تجارة بائرة والكتاب سلعة كاسدة. ولولا "حرفة الأدب" التي أدركت بعض المبدعين لكان الانصراف عن الكتابة والنشر "عين العقل"."

-    أصدرت ديوانك الأول "تغربية" في مرحلة مبكرة من عمرك وبالضبط في العشرينات. حدثنا عن هذه التجربة؟

يمثل ديواني الأول "تغريبة مصطفى الغرافي" طفولتي الإبداعية. لقد كتبت نصوص هذا الديوان بشهوة حارقة. إنها تجسيد إبداعي للأحلام الكبيرة والانكسارات العظيمة التي كانت تتوزعني وقتئد وأنا أستسلم لغواية الحرف وفتنة الكتابة. كان الرهان كبيرا على الشعر باعتباره وسيلة العبور إلى جرحنا السري وتغيير وجه العالم. لأكتشف فيما بعد أن الخيبات كانت أكثر، والجراح أكبر من أن تسعها سماء الشعر. لقد طبع الديوان في المغرب بعدما رشح للجائزة الوطنية التي تقيمها القناة الثانية المغربية لكن ظروف النشر والتوزيع جعلته يقبع في المطبعة لسنوات ولم توزع منه سوى نسخ محدودة. وإن كان قد حظي باهتمام بعض الطلبة الباحثين في الإجازة والماستر الذين اتخذوا من نصوصه مادة للدراسة في بحوثهم الجامعية.

-    في المغرب ازدهار نقدي ملحوظ. ما السر في ذلك؟
في المغرب ازدهار نقدي ملحوظ ومشهود. وقد أسهمت عوامل عديدة في تحقيق هذه النهضة النقدية أهمها انفتاح النقاد المغاربة على الثقافة الأوروبية في وقت مبكر الأمر الذي مكنهم من التعرف عن كثب على المناهج والاتجاهات التي كانت تمور بها الساحة النقدية الغربية. ينضاف إلى ذلك التحول الثقافي الذي عرفه المغرب منذ حصوله على الاستقلال إلى اليوم والمتمثل في تزايد عدد الجامعات مما أدى إلى ظهور أجيال جديدة من الباحثين والدارسين المتمرسين بقضايا النقد ومناهجه بعد التكوين الأكاديمي المتين الذي تلقوه على يد أساتذة أكفاء من جيل الرواد الذين سعوا إلى تطبيق المناهج الحديثة على نصوص عربية عديدة ومتنوعة بعدما أحاطوا بأسسها وتمثلوا أصولها. مما جعل جهود النقاد المغاربة تتبوأ مكانة رفيعة في المشهد النقدي العربي لما اتسمت به من جدة وطرافة. وقد شهد بهذا الازدهار النقدي في المغرب كثير من نقاد المشرق المتتبعين للحركة الثقافية في المغرب والمهتمين بما تعرفه من تطور وتحول في سياق الصيرورة التي تشهدها الثقافة العربية ككل. من هؤلاء جابر عصفور الذي خصص فصلا من كتابه "زمن الرواية" وسمه بـ "طفرة النقد المغربي" عرض فيه لمظاهر الازدهار النقدي في المغرب. وما من شك أن هذا الرأي يكشف أن إشعاع النقاد المغاربة وصل إلى عموم الوطن العربي. مما يعكس القيمة التجديدية للمنجز النقدي المغربي في نماذجه الناجحة والمشرقة.

-     هل تعتقد أن المغرب السردي يتفوق على المغرب الشعري؟

يشهد المغرب حضورا لافتا لخطاب السرد بمختلف تجلياته وتنويعاته ولا أدل على ذلك من أن كثيرا من المثقفين الذين عرفوا بالكتابة في مجالات معرفية وإبداعية بعيدة عن حقل السرد مثل الفلسفة والتاريخ لم يستطيعوا مقاومة فتنة السرد وغواية الرواية فكتبوا عديدا من النصوص السردية التي لقيت حفاوة كبيرة على مستوى التلقي والتداول على نحو ما تجسد في الأعمال الروائية التي كتبها عبد الله العروي وابن سالم حميش وأحمد التوفيق. بل إن بعض الشعراء انضموا إلى لائحة المفتونين بجنس الرواية مثل محمد الأشعري وحسن نجمي ومما أسهم في ازدهار السرد الروائي في المغرب الحفاوة منقطعة النظير التي لقيتها النصوص الروائية في محافل القراءة والتلقي، فهناك مواكبة نقدية حثيثة لما يصدر من قصص وروايات. فمن السهل أن يلحظ المتتبع أن الإنتاج السردي شكل المجال المفضل للتطبيقات النقدية المغربية. ولذلك نجد النظرية الأدبية الجديدة متطورة في حقل السرد أكثر منها في مجال الشعر. لأن أغلب النقاد الجدد في المغرب يبحثون في السرد ويطورون أدوات اشتغالهم في هذا المجال أكثر مما مما هو حاصل في الشعر. وهناك مؤشرات عديدة تثبت أن الرواية المغربية استطاعت أن تشق لنفسها مسارا خاصا على أرض الإبداع المغربي والعربي مما أكسبها فرادتها النوعية وخصوصيتها التعبيرية يشهد على ذلك أنها استطاعت أن تخلق لها جمهورا حقيقيا يظهر بشكل واضح في متابعات القراء ودراسات النقاد.

-    ما هي مميزات الكتابة الشعرية الجديدة في المغرب؟
في المغرب حركة شعرية لافتة يترجمها تزايد عدد المبدعين الذين يتعاطون كتابة الشعر كما يظهر من الاصدارات الشعرية المتلاحقة. فهناك مبدعون يجتهدون لكي يكون لهم صوتهم الشعري الخاص والمتفرد. لكن الإشكال الذي يواجه القارئ المهتم والباحث المتتبع يتعلق بمسألة الكيف؛ هل ينطوي التراكم النصي على إضافة نوعية تؤهله لأن ينتقل من "كم" إلى "كيف". في رأيي الشخصي وفي حدود متابعتي للإنتاج الابداعي في المغرب يبدو لي أن المغرب الشعري لم يستطع أن يفرض أسماء يمكن أن ترتفع إلى مستوى "الظاهرة" كما نقول السياب ودرويش وأدونيس. يظهر أن الشعر المغربي لم ينجح –رغم بعض الاستثناءات- في أن يرتفع بتجربته الشعرية إلى درجة "الحالة الشعرية". ويمكن إرجاع هذا الأمر إلى أنه لا توجد في المغرب تقاليد شعرية راسخة تماثل أو تضاهي نظيرتها في المشرق مما يعني غياب ذاكرة شعرية يمكن أن تشكل دعامة لكل انفجار شعري محتمل. لقد ظل المغرب الثقافي يميل منذ وقت مبكر يميل إلى المنهجية التحليلية والطرائق الاستنباطية التي برع فيها المغاربة. فقد شهد مجال التفكير الفلسفي مثلا إسهمات مغربية مهمة ولافتة. ويكفي أن نشير في هذا الحيز الضيق إلى أعمال ابن خلدون وابن رشد وابن باجة وابن طفيل. مما يدل على الذهنية المغربية تتحدد باعتبارها فاعلية فقهية وفلسفية أكثر منها فاعلية أدبية أو جمالية. لقد وجد الشاعر المغربي نفسه في أرض بور يحاول أن يجرب عليها اختياراته الجمالية فتحول بينه وبين استشراف مراقي الكمال الإبداعي حواجز عديدة تجعله غير قادر على عزف لحنه الحاص الذي يثبت فرادته وتميزه, فكان أن وجد نفسه مرغما على التماهي مع التجارب الشعرية ذات الامتداد العريق التي كان يحاكيها حينا ويدور في فلكها حينا آخر. ولذلك ظل إسهام الشعراء المغاربة محدودا واستثنائيا بالقياس إلى المنجز الإبداعي العربي العام. ومما يثير الانتباه في هذا المقام أن القائمين على التنظير الشعري في المغرب هم الشعراء أنفسهم. فهل يكون التفوق الذي ما فتئ المغاربة يظهرونه في مجال النقد دليلا على أن الكفاية التنظيرية تعويض عن الكفاية الإبداعية.

-    يزاوج بعض المبدعين بين الكتابة الشعر والممارسة النقدية. كيف تنظر إلى هذه المسألة؟
الجمع بين الشعر والنقد عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة. ويبدو أن هذه الظاهرة لم تكن شائعة في الثقافة العربية القديمة إذ لا نكاد نجد من نقاد القرون الثلاثة الاولى من كتب شعرا بالموازاة مع الاشتغال بنقد الشعر والتنظير له. ولكن ظاهرة الشعراء النقاد تفاقمت في العصر الحديث بشكل لافت. ويتميز هذا النقد بأنه منحاز في الغالب لأنه في الأصل ممارسة تبريرية استدعتها الحاجة إلى الدفاع عن الاختيارات الجمالية التي يؤمن بها المبدع ويكرسها في ممارسته النقدية؛ وتجدر الإشارة إلى أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالإبداع العربي ولكنها شائعة في الآداب العالمية. ومن أبرز المبدعين الذين زاوجوا بين الكتابة النقدية والإبداعية إليوت ووردزوت و كولردج و بودلير و مالارميه.
يفترض من الناحية النظرية أن الشاعر الناقد يكون أقرب إلى فهم العملية الإبداعية لأنه جرب مضايق الكتابة وخبر مآزقها ومزالقها غير أن النظر إلى المتابعات النقدية التي يكتبها الشعراء تكشف عن ممارسة يطبعها الحماس أكثر من الإنصات إلى نبض النصوص ومحاولة الكشف والتفسير لما انطوت عليه من جماليات على نحو دقيق.

-    هل توافق أن اجتراح صيغ جديدة في الكتابة خلق فجوة بين سياق الابداع وسياق التلقي في الوقت الحالي؟
من البديهي أنه من حق المبدعين أن يبتكروا أدوات تعبيرية جديدة تلائم عصرهم وتستجيب لتحولات الذوق الأدبي. لكن ذلك ليس متاحا للجميع. الشاعر الأصيل وحده يستطيع التجاوز والتخطي على نحو جديد ومبتكر. غير أننا إذا كنا نعجب بالصوت فإننا حتما لن نقبل على الصدى. كثير من الشعراء ممن استهوتهم الحداثة والتجريب وقعوا في تقليد التجارب الغربية واستنساخها. ففي مجال الشعر مثلا أصبحنا نشهد ميلا إلى الغموض الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى "إبهام" و"تعمية" تحت مبررات الحداثة والرغبة في التجريب وتقويض الجاهز من أجل مجاوزته وتخطيه. وقد نجم عن ذلك أفول المعنى والقطيعة مع القارئ الذي بدأ ينصرف عن الشعر ويعزف عن قراءته.

-    هناك من يتهم قصيدة النثر بأنها مجرد خواطر شخصية لم ترق إلى مستوى القصيدة العمودية. ما هو تعليقك على هذا الرأي النقدي؟
يمكن القول مبدئيا إن المعركة قد حسمت جماليا لصالح قصيدة النثر، فكل حديث عن الشعر التقليدي انتهى أو يكاد. المشكلة في اعتقادي لا ترتبط بالشكل بقدر ما ترتبط بجوهر الشاعرية الحقة أو "الشعر المطلق" كما أسماه ابن سينا في شرحه لكتاب أرسطو الذائع الصيت "فن الشعر". الشعر لا يتقيد بصورة هندسية أو بناء معماري بعينه لأن وظيفة الشاعر على الحقيقة أن "يشعر بما لم يشعر به غيره" كما ذهب إلى ذلك ابن رشيق. هذه القدرة على النفاذ إلى أسرار الكون والتفاعل الحي والخلاق مع الوجود والموجودات هي التي تجعل من الشاعر "رائيا" يصوغ رؤاه بطريقة مؤثرة جماليا بقطع النظر عن الشكل التعبيري أو الحامل الجمالي الذي يختاره لتوصيل تجربته والتعبير عن انفعالاته.

-    يعتقد البعض أن الكتابة تجلب الشهرة أو المجد. كيف تنظر إلى هذه المسألة؟
شخصيا أؤمن أن دور المبدع الحقيقي أن يقول كلمته ويمضي، أن يعيش على الكفاف ويخلص لحياة إبداعية صارمة وقاسية. الكاتب الحقيقي لا يكتب من أجل المجد لأنه يدرك جيدا أن الكتابة لا تحقق المجد.

- هل تحول النقد إلى عائق يشل الإبداع في الوطن العربي كما يروج بعض المبدعين؟
هناك عداء قديم مستحكم بين المبدع والناقد؛ فالمبدع يعتبر عمله أسمى من عمل الناقد. إذ هو من "يبدع" أولا ليأتي بعد ذلك دور الناقد في المرتبة الثانية وهو ما يستدعي الى الذهن مقالة التوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة" عندما عرف النقد بأنه "كلام على الكلام". وكثيرا ما سمعنا المبدعين يتبرمون بالنقد ويرددون عبارتهم الأثيرة "الناقد مبدع فاشل" يحاول أن يعوض "عقدة النقص" لديه من خلال الاستعلاء على المبدعين وتحكيم ذوقه ومزاجه في أعمالهم. ومن جهة أخرى نجد الناقد مزهوا بمكانته التي تتيح له أن ينصب من نفسه موجها لعمل المبدع باعتباره المؤهل للحكم عليه من حيث الجودة أو الرداءة. وقد شبه بعضهم علاقة الناقد بالمبدع بالذبابة التي تلتصق بالحصان وتمنعه من الانطلاق . بالنسبة إلي أرى أن النقد عملية ذهنية هي أقرب ما تكون إلى العملية الإبداعية مع اختلاف في الطبيعة والأداة والغاية، فإذا كانت الصور مثلا هي جوهر التجربة الشعرية فإن النقد يتشيد، باعتباره عملية تحليلية، على تشغيل المفاهيم والتصورات.

- هل ترى أن الثورة فيما عرف ببلدان الربيع العربي يمكن أن تفرز مشاريع إبداعية في المستقبل ؟

لقد طال سكوت العرب عن مطلب الديمقراطية الحقة فلما جاء الربيع العربي استبشرنا خيرا لكننا نكتشف يوما بعد يوم أن الربيع يحث الخطى مسرعا نحو الخريف. إن الثورة لا يمكن أن تصبح ملهما للشعراء والمبدعين إذا هي لم تخاطب وجدانهم من خلال الاستجابة لطموحاتهم تطلعاتهم. إن واقع ما بعد الثورة في بلدان الربيع العربي يكشف عن أحلام مجهضة أكثر مما يكشف عن إرادة حقيقة تعمل على تحقيق التغيير المنشود. صحيح أن المبدع لا يعيش معزولا عن واقعه ولكنه لا يستجيب إبداعيا بطريقة ميكانيكية. المبدع الحقيقي في رأيي هو الذي يترك مسافة بينه وبين الأحداث اليومية الساخنة، فنحن لا نكتب عقب الصدمة مباشرة ولكننا نكتب بعد أن تجف الدموع ونستوعب ما حدث. إذ ليس من مهام المبدع فيما أتصور تقديم تعليقات سياسية آنية ولكن المطلوب على وجه الحقيقة التفاعل مع التحولات التي تمر بها المجتمعات العربية بطريقة خلاقة تمكن من تجسيد أحلام الجموع الهادرة المتعطشة إلى الكرامة والحرية وإعادة تمثيلها إبداعيا. ولا يمكن تحقيق هذا الطموح بالشعارات والتعليقات المباشرة، ولكن الأمر يحتاج إلى صبر ومعاناة وقدرة على الإنصات لنبض الوطن وهموم الشعب استعدادا للتعبير عنها وتمثيلها جماليا وإبداعيا.



 
  حاورته عزيزة رحموني (2014-03-14)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حوار مع الباحث المغربي د.مصطفى الغرافي-حاورته عزيزة رحموني

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia