الشاحنات العملاقة تدك بحوافرها المطاطية أديم المسلك الترابي..تخدش جنباته عبرالجبل في اتجاه الغابة..تهتز الكائنات الغابوية وترتبك فرائصها بقوة..يزداد ضغط انفعالها كلما ازداد هدير المحركات حدة وارتفاعا..
الغابة تحت الحصار..تئن الأشجار الوارفة تحت وطأة الضربات الموجعة لآليات القطع والقلع والبتر..تتهاوى إلى الأرض صريعة مكلومة..تنهار بانهيارها الفراشات والظلال وأعشاش الطير والزهر والخمائل ذات القطوف الدانية..تتنحى الحواجز عن الشمس جانبا،فتقذف بفيض أنوارها على عين المكان بكثافة،دامعة الأعين مكفهرة الأسارير..تتعكّر مغبرة ً نسائم الغابة وصفاوة الجداول وأديم الصبيحة..
قال قائد عمال البلدية بنبرة صارمة كما لو أنه يحادث طغمة من الجند : واصلوا زحفكم بسرعة وبلا انقطاع..ينبغي إنهاء العملية قبل حلول العصر..!!
عن بعد،ثلة من شاهدي عيان،رددوا في دخيلتهم :" اللهم إن هذا منكر..!!"..أضاف بعضهم بصوت مهموس : " أوغاد..كيف يجرؤون؟!!".
قال البعض بقليل من التردد وكثير من السخط : وماذا عساهم أن يفعلوا؟
قالوا ذلك بعد أن تناهت لبؤرة مداركهم المقاصد والنوايا المبيتة لفجائية الإغارة..
الشاحنات..تشيّع الغابة بعد أن توهج الأفق بالاصفرار..تقذف من مؤخرتها سحبا من الغبار وأدخنة العوادم ملطخةً ًوجه الأصيل..النعوش المحمولة تولّي وجهتها شطر المدينة..المدينة تبدو من كثب محشوة في رداء بلوري قشيب..تترنح في أبهى حلة كفاتنة تزهو بخطاها الراقصة..
على امتداد مداخل المدينة الرئيسية،فوق الأرصفة،تلفظ الشاحنات حمولاتها من الشجر الموؤود..على التو تُباشَر عملية إعادة الغرس بطريقة احترافية معهودة..تبدو المغروسات الزائفة للناظر من بعيد متوازية على جانبي الشوارع..في لحظة يأس مرير،ماست في قطوب،وسرت رعدة قوية في أوصالها كما لو أن غربة المكان قد رجّت كيانها.وفي صفوف متراصة، وبنظام وانتظام،كانت تمتد منتصبة قي الفراغ منكوسة الأفنان،في استصغار وخنوع،استعدادا لاستقبال" القائم بامرالله"....